العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في القانون المغربي
العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في مقارنة بين التشريع الفرنسي و المغربي, عقوبة الغرامة اليومية, عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة, االمراقبة الإلكترونية كعقوبة بديلة وقائية, عقوبة تقييد بعض الحقوق أ فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية, مدى تطبيق العقوبات البديلة في جرائم الأعمال
تقع العقوبات البديلة في صلب السياسة الجنائية و العقابية للدولة, فلطالما سعت الى تطويرها و الزيادة فيها, هذا ما ظهر من تعديل مشروع قانون الجنائي 10-16 بمشروع القانون الجنائي 43-22 و ما صاحبه من اضافة عقوبة المراقبة الالكترونية نظرا لفعاليتها و حذف الغرامة اليومية لعدم مناسبتها مع المجتمع المغربي ذو الاغلبية الفقيرة.
من هذا المنطلق تظهر اهمية دراسة العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في اطار تنزيلها على واقع المجتمع المغربي و تنزيلها كذلك على جرائم الشركات و العقوبات الداخلة في اطار القانون الجنائي للاعمال و ما يصاحب هذه العقوبات من اضرار على الصعيد الاجتماعي و الاقتصادي, و ايجاد مخارج لملائمة العقوبات البديلة مع طبيعة جرائم الاعمال.
يعتبر التشريع الفرنسي المرجعية التاريخية للتشريع المغربي, و بحكم عمل الدولة الفرنسية بالعقوبات البديلة منذ زمن, ما يمكننا من وضع مقارنة بين العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي الفرنسي و ما جاء به ٱخر تعديل للقانون الجنائي المغربي ، لطرح إشكال مدى نجاح المشرع المغربي في تأطير العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في مقارنة مع الفرنسي، و ما هي أبعتد تططبيق هذه العقوبات في مجال الأعمال.
سنجيب على المضوع بدراسة المطلبين التاليين:
المطلب الاول: العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية في مقارنة بين التشريع الفرنسي و المغربي.
دراسة العقوبات البديلة في مقارنة بين التشريع الفرنسي و المغربي تقودنا لدراسة هذه العقوبات في طبيعتها المالية و الإجتماعية (المطلب الاول)، وفي طبيعتها الوقائية (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: عقوبات بديلة ذات طبيعة مالية و اجتماعية.
سندرس في هذه الفقرة عقوبة الغرامة اليومية و عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة.
أولا: عقوبة الغرامة اليومية:
نص القانون الجنائي الفرنسي في المادة131-3 الفقرة 5 النص على الغرامة اليومية كعقوبة أصلية يحكم بها على الأشخاص الطبيعيون بصريح العبارة، كما عرفها في المادة 131-5 بكونها عقوبة تأديبية خاصة بالجنح المعاقب عليها بالحبس يحدد من خلالها القاضي مبلغ يومي يتم دفعه بشكل إجمالي مساوي لعدد الأيام المحددة لعقوبته لفائدة خزينة الدولة، و يكون المبلغ الإجمالي مستحقا عند نهاية عدد الأيام التي ححدها القاضي.
حدد المشرع الفرنسي شروطا للنطق بهذه العقوبة من قبيل جعل أقصى مبلغ يمكن للمحكوم عليه أن يوديه في 1000 يورو، بالإضافة إلى أن هذه العقوبة خاصة بالبالغين لا يمكن الحكم بها على القاصرين الجانحين بمقتضى المادة 4- 20 من الدورية 45-174.
أما بالنسبة للمشرع المغربي، فقد أطر الغرامة اليومية بمقتضى مشروع القانون الجنائي 10-16، فبين ماهيتها و شروطها، لكن مع مشروع القانون الجنائي الصادر مؤخرا تحت رقم 43-22 يظهر أنه تخلى عن هذه العقوبة، فيمكن تفسير هذا التراجع من المشرع المغربي بعامل أساسي هو طبيعة و بنية المجتمع المغربي المبني على الفقر، فأغلب مواطني المغرب يتراوح دخلهم بين 80 و 100 درهم، هذا ما يشكل تحدي في هذه العقوبة التي حدد أدناها ب 100 درهم يوميا، ما يجعلها عقوبة لن يستفيد منها إلى الميسور من هذا المجتمع في طعن ظاهر لأسس العدالة الإجتماعية.
ثانيا: عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة:
عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة هي عقوبة بديلة عن الحبس القصير المدة, فجعلها المشرع الفرنسي تطبق على الجنح المعاقب عليها بالحبس كما جاء بصريح المادة 131-8 من القانون الجنائي الفرنسي, و هو نفس ما قرره المشرع المغربي بجعل كل العقوبات البديلة تطبق على الجنح التي لا تتجاوز 5 سنوات كعقوبة اقصى بصريح الفصل 35-1 من المشروع.
لتطبيق هذه العقوبة لا بدة من شروط وجب توفرها في المحكوم عليه من قبيل بلوغه 15 سنة بالنسبة للقانون المغربي, فيما جعلها المشرع الفرنسي في 16 سنة. من الشروط أيضا ما نص عليه المشرع الفرنسي في المادة 131-8 على وجوب قبول المحكوم عليه لهذه العقوبة و ان يكون حاضرا في جلسة النطق بها, بالإضافة على أنه يجب على القاضي أن يعلم المحكوم عليه بحقه في رفض هذه العقوبة, و هي شروط لم ينص على مثلها المشرع المغربي, بل اكتفى بتحديد تحديد ساعات العمل في مدة بين 40 و 1000 ساعة باحتساب كل يوم من العقوبة بساعتين من العمل, عكس المشرع الفرنسي الذي حددها في مدة بين 20 و 400 ساعة.
تجب الاشارة الى المشرع المغربي كنظيره الفرنسي جعلوا العمل لاجل المنفعة العامة بدون مقابل, فهو عمل مقدم للمجتمع نظير اداءه الدين الذي ترتب عليه من الجريمة التي ارتكبها, اما بالنسبة للاشخاص المكلفين بمتابعة تنفيذ هذه العقوبة, فقد عهدها المشرع الفرنسي بمقتضى المادة 131-8 الى الاشخاص المعنوية التابعة للقانون العام او الخاص المتمثلة في الجمعيات و التعاونيات ذات المصلحة العامة, و على نفس النهج ذهب المشرع المغربي في المادة الثانية بجعل العمل لاجل المنفعة العامة لفائدة مصالح الدولة او الجماعات الترابية او مؤسسات حقوق الانسان و المؤسسات الخيرية و دور العبادة و الجمعيات او المنظمات غير الحكومية ذات النفع العام.
من ناحية تطبيق العقوبة, حدد المشرع الفرنسي لتطبيق هذه العقوبة مدة اقصاها 18 شهر بصريح المادة 131-22 اما مشروع القانون الجنائي المغربي فقد حددها في سنة واحدة في تضييق ظاهر على المواطن المغربي.
الفقرة الثانية. العقوبات البديلة ذات طبيعة وقائية.
سندرس في هذه الفقرة عقوبة المراقبة الإلكترونية و عقوبة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
أولا: المراقبة الإلكترونية كعقوبة بديلة وقائية:
نص المشرع الفرنسي على عقوبة المراقبة الالكترونية في المادة 131-4-1 من القانون الجنائي الفرنسي, فجعلها بديل للعقوبات الخاصة بالجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة بين 15 يوم و 6 اشهر, كما ان تطبيقها يكون في مكان سكنى المحكوم عليه او اي مكان اخر تحدده المحكمة, اما المشرع المغربي فقد جعل بمقتضى المادة 35-10 تحديد مدة و مكان المراقبة الالكترونية للسلطة التقديرية للمحكمة دون تحديد شروط اخرى.
يتم تنفيذ هذه العقوبة بوضع سوار الكتروني على معصم المحكوم عليه للتمكن من متابعة تحركاته و مراقبة مدى التزامه بالبقاء في النطاق الذي حددته له المحكمة, هذا نفس الاجراء الذي تعمل به كل التشريعات و الهدف من هذه العقوبة تجنب وضع المحكوم عليه في السجن و الحرص على إعادة تأهيله.
كما جعل المشرع الفرنسي امكانية تنفيذ هذه العقوبة مع عقوبة العمل لاجل المنفعة العامة, وذلك بالوقف المؤقت لعقوبة المراقبة الالكترونية لحين تنفيذ العمل المنصوص عليه في اطار عقوبة العمل لاجل المنفعة العامة بصفتها صاحبة الاولوية و ذات النفع للمجتمع.
ثانيا: عقوبة تقييد بعض الحقوق أ فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
حدد المشرع المغربي في الفصل 35-11 من مشروع القانون الجنائي 43-22 ، عقوبة تقييد بعض الحقوق أ فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية كعقوبة بديلة و جعل الهدف اختبار المحكوم عليه للتأكد من استعداده لتقويم سلوكه و استجابته لإعادة الإدماج، كما حدد بمقتضى الفصل 35-12 ستة أنواع منها يمكن الحكم بأكثر من واحدة منها في نفس الوقت، و أضاف في الفصل 35-13 على أن هذه العقوبات يجب تنفيذها داخل أجل سنة من تاريخ صدور المقرر القاضي بها مع إمكانية تمديد هذا الأجل لسنة أخرى.
بالمقارنة مع التشريع الفرنسي، نجد أنه لم ينص على مثل هذه العقوبة حرفيا في المادة 131-3 التي حددت جميع العقوبات الجنحية، ففي الفقرة السادسة من نفس المادة تم النص على عقوبة التدريب 'peine de stage'، التي نظمها المشرع الفرنسي بمقتضى المادة 131-5-1 و جعلها لمدة أقصاها شهر، يقوم فيها المحكوم عليه بتدريب الهدف منه إعادة تأهيل المحكو عليه و تعليمه أشياء لها علاقة بالجريمة مثل تداريب على المواطنة أو تداريب ذات طبيعة أسرية و جنسية أو تداريب للتوعية الطرقية و استعمال المواد الخطرة، فالظاهر على أنه تداريب لتوعية و تاهيل المحكوم عليه من الجريمة التي ارتكبها، و هو نفس الهدف المرجوا من عقوبة تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية التي نص عليها المشرع المغربي.
المطلب الثاني: مدى تطبيق العقوبات البديلة في جرائم الأعمال.
تطبيق العقوبات البديلة على الاشخاص الاعتبارية يطرح تحدي ان اغلب هذه العقوبات وضعت خصيصا للاشخاص الطبيعية ما يجعل واقع هذه العقوبات لا يتلائم مع طبيعة جرائم الاعمال, لكن توجد حلول لتطبيق العقوبات البديلة في جرائم الاعمال منها ما بدأ العمل به و منها ما لا يزال تحت الدراسة. لذا سندرس في هذا المطلب واقع تطبيق العقوبات البديلة على جرائم الشركات (الفقرة الاولى) و فرضيات لتطبيق العقوبات البديلة على جرائم الشركات (الفقرة الثانية).
الفقرة الاولى: واقع تطبيق العقوبات البديلة على جرائم الأعمال.
بالنظر الى الهدف من هذه العقوبات بكونها عقوبات بديلة عن العقوبات السالبة للحرية, فهي عقوبات خاصة بالاشخاص الطبيعية, ما يبعد تطبيقها على الاشخاص المعنوية و الشركات, و يزيد من تأكيد هذا الاتجاه ما نصه المشرع الفرنسي في اطار عقوبة الغرامة اليومية في المواد 131-37 و 131-39 على ان الغرامة المالية لا يمكن تطبيقها على الاشخاص المعنوية, و هذا استثناء صريح من تطبيق هذه العقوبة في مجال جرائم الأعمال.
كما ان المشرع المغربي بمقتضى المادة 127 من القانون الجنائي و قبله المشرع الفرنسي نص على ان الشخص المعنوي لا يمكن ان يحكم الا بالغرامات المالية دون باقي العقوبات الاخرى ما يظهر معه صعوبة تطبيق العقوبات البديلة في هذا المجال, و ضرورة تعديل النصوص القانونية لمقاربة العقوبات البديلة مع جرائم الاعمال.
الفقرة الثانية: فرضيات لتطبيق العقوبات البديلة على جرائم الأعمال.
بغض النظر ما قيل في الفقرة الاولى, يمكن تطبيق العقوبات البديلة في جرائم الأعمال, خصوصا في العقوبات التي تقضي بحل الشركة او الايقاف المؤقت لنشاطها و ما يصاحب هاتين العقوبتين من اهدار الاموال و فرص الشغل, فتحقيقا للغاية الاقتصادية للشركة و حفاظا على راسمالها و فرص الشغل التي توفرها, يمكن تعويض العقوبتين التي ذكرناهما بعقوبات على الاغلب مالية او وضع الشركة تحت المراقبة و اجبارها على القيام ببرامج اجتماعية تعود بالنفع على المجتمع.
و بالنظر في المادة 131-39 من القانون الجنائي الفرنسي, يتبين انه يمكن الحكم على الشخص المعنوي بالمراقبة القضائية التي تتم بوضع مراقب معين من طرف المحكمة لمراقبة السير العادي للشركة و التأكد من تطبيقها لما نصت عليه المحكمة في مقرر الحكم, هذه عقوبة مشابهه لعقوبة المراقبة الالكترونية و لها نفس الاهداف, و غالبا ما يحكم بالمراقبة القضائية في الجرائم البيئية.
و يعتبر وضع عقوبات بديلة خاصة بمجال الأعمال آلية ذات نجاعة و فعالية لتشجيع و جلب الإستثمر و تشجيع الرأسمال من الإستقرار في المغرب، هذا لأن هذه العقوبات البديلة من شأنها أن توفر الأمن الإقتصادي الذي يحتاجه المستثمرون لمعرفتهم أن بعض المشاكل لن تؤدي لحل الشركة أو توقيف نشاطها بل توجد عقوبات بديلة لها تمكن الشركة من الإستمرار مع تحملها التزامات اخرى مالية أو اجتماعية.
خاتمة:
للعقوبات البديلة اهداف اقتصادية و اجتماعية يجب التسريع في العمل بها في القانون المغربي و ملائمتها مع ما جاء في حقوق الانسان و ما يعود بالنفع على المحكوم عليه و المجتمع, بطريقة كافية لاداء الدين للمجتمع نظير الجريمة التي ارتكبها المحكوم عليه. لكن يجب الحرص على تطبيق هذه العقوبات فقط على اصحاب الجرائم البسيطة و الغير العمدية و تجنب تمكين المجرمين المحترفين و اصحاب النفوذ من الاستفادة منها.
كما يجب إيجاد عقوبات بديلة خاصة بقانون اللأعمال بديلة عن حل الشركة او توقيف نشاطها للحفاظ على الشركة في النسيج الاقتصادي و الحفاظ على مناصب الشغل فيها، مما يوفرالامن الإقتصادي و الإجتماعي و تشجيع الاستثمار.