المسؤولية عن فعل الغير

مجموعة مواضيع في النظرية العامة للالتزام في القانون المغربي لإنجازالبحوث والتحضير للمباريات القانونية

المسؤولية عن فعل الغير
أولا- مسؤولية الشخص عن فعل غيره من ناقصي أو عديمي الأهلية:يلزم لقيام مسؤولية الشخص عن فعل غيره من ناقصي أو عديمي الأهلية أن تكون له رقابة عليهم وأن يصدر منهم عمل غير مشروع يحدث ضررا للغير.

وقد أورد المشرع المغربي عدة حالات في هذا الشأن أهمها مسؤولية الأبوين عن أبنائهما القاصرين ومسؤولية من يوجد في عهدته مختل عقليا، فالأب والأم بعد موته يسألان عن الضرر الذي يحدثه أبناؤهما القاصرون الساكنون معهما ولا يسأل غيرهما عن هذه الأضرار حتى ولو كان القاصر يسكن معه، إذ حصر المشرع المغربي المسؤولية عليهما فقط بشرط أن يكون ساكنا معهما وهو ما يخولهما فرض الرقابة على أفعاله وبالتالي تحمل مسؤولية التقصير في هاته الرقابة ، غير أن مسؤوليتهم هاته تنتفي متى زال شرط المساكنة بانتقال الرقابة على القاصر إلى جهة أخرى كرب الحرفة أو المعلم.

كذلك الشأن بالنسبة للمجانين وغيرهم من مختلي العقل، فالأب والأم وغيرهما من الأقارب والأزواج يسألون عن الأضرار التي يحدثها هؤلاء إذا كانوا يسكنون معهم، ولو كانوا بالغين سن الرشد، ويطبق نفس الحكم على من يتحمل بمقتضى عقد رعاية هؤلاء الأشخاص أو رقابتهم .

ومسؤولية المكلفين برقابة القصر والمجانين وغيرهم من مختلي العقل تقوم على أساس خطأ مفترض في جانبهم بمقتضى قرينة قانونية، وقوام هذا الخطأ المفترض هو التقصير في الرقابة، فالشخص الذي ألحق به القاصر أو المجنون ضررا ليس عليه أن يثبت خطأ المكلفين لرقابة من أحدث الضرر، لأن هؤلاء يعتبرون مسؤولين حكما عن الأفعال الضارة التي يرتكبها من هم تحت رقابتهم وإشرافهم .

ويستطيع المسؤول عن القاصر أن يدفع المسؤولية عن الضرر الذي يرتكبه القاصر بأن ينفي الخطأ المفترض وذلك بأن يثبت أنه قام بواجب الرقابة كما ينبغي أن يثبت أنه اتخذ الاحتياطات اللازمة ليمنع القاصر في الإضرار بالغير،كما يستطيع أن يدفع هذه المسؤولية أيضا إذا تمكن في نفي العلاقة السببية بين الفعل الذي ارتكبه القاصر وبين الخطأ المفترض في الرقابة.

فنفي علاقة السببية بين الخطأ المفترض وبين الضرر يقع على الأب أو الأم، والمقصود بنفي هذه الرابطة إثبات أن الحادث سبب الضرر لم يكن متوقعا ولم يكن بإمكانهما الحيلولة دون وقوعه، والهدف من ذلك ليس نفي مسؤولية القاصر بل دفع مسؤوليتهما في التقصير في الرقابة .

كما يمكن لمتولي الرقابة على المجانين وغيرهم من مختلي العقل أن ينفوا مسؤوليتهم بإثباتهم : -أنهم باشروا كل الرقابة الضرورية على هؤلاء الأشخاص؛ -أنهم كانوا يجهلون خطورة مرض الجنون؛ -أو أن الحادثة وقعت بخطأ المتضرر.

ويمكن الحكم على المسؤول من الأبوين بأداء التعويض تضامنا مع القاصر أو مع الغير، ويمكن الحكم على القاصر بالتضامن معهم ما لم يكن عديم التمييز، فإن أدى الأب أو الأم كل التعويض المستحق للمضرور كان لهما كأي مسؤول عن فعل غيره، الرجوع على ابنهما القاصر بكل دين التعويض بشرط أن يكون مميزا إذ ينص الفصل 96 من قانون الالتزامات والعقود على أن:" القاصر عديم التمييز لا يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله .

.

.

وبالعكس من ذلك يسأل مدنيا عن الضرر الحاصل بفعله، إذا كان له من التمييز الدرجة اللازمة لتقدير نتائج أفعاله".

لكن من يتحمل مسؤولية الضرر الذي يحدثه القاصر عديم التمييز متى استطاعه من يتولى رقابته نفي مسؤوليته وفق الحالات أعلاه أو لم يكن هناك مراقب له أصلا؟ إن الأخذ بنظرية المسؤولية الموضوعية التي نادى بها العديد من فقهاء القانون واعتمدها جمهور فقهاء الشريعة الإسلامية يستبعد طرح مثل هذا السؤال لأن الضرر يجبر من طرف مرتكبه في جميع الحالات، مع إحلال راعيه محله في الأداء متى كان الفاعل غير المميز غير قادر على ذلك مع إمكانية رجوعه عليه عندما يصير موسرا.

-ثانيا-ضمان المخدوم فعل الخادم :تنص الفقرة الثالثة من الفصل 85 من قانون الالتزامات والعقود على أن:"المخدومون ومن يكلفون غيرهم برعاية مصالحهم يسألون عن الضرر الذي يحدثه خدامهم ومأموروهم في أداء الوظائف التي شغلوهم فيها".

فمن خلال هذه المقتضيات يتضح أن المشرع المغربي يشترط لقيام مسؤولية المخدوم شرطين : - أولهما: قيام علاقة الخدمة أو التكليف بالمأمورية بين الخادم والمخدوم لمصلحة هذا الأخير.

- ثانيهما: حدوث ضرر من طرف الخادم للغير أثناء قيامه بالوظيفة أو بسببها.

فبالنسبة للشرط الأول والذي يطلق عليه علاقة التبعية والتي لم يعرفها المشرع المغربي، الأمر الذي كان سببا في ظهور خلاف حول مدلولها ومداها، انتقل من القانون والفقه الفرنسيين إلى نظيريهما المغربيين، إذ ظهرت في هذا السياق مدرستان : -المدرسة الأولى وهي المدرسة الكلاسيكية والتي استلزمت شرطين لتحقق علاقة التبعية، وهما أن يكون المخدوم قد اختار تابعه، وأن يوجد هذا الأخير تحت رقابة وتوجيه الثاني فعنصر الاختيار وإن كان الفقه والقضاء الفرنسيين القديمين يعتبر أنه عنصرا أساسيا فيما يقوم من رابطة بين المخدوم والخادم، وأن خطأ الأول يتجلى في سوء اختياره، فإن أغلب الفقه الحديث لا يرى فيه هذه الأهمية إذ ليس كافيا لقيام علاقة التبعية، واعتبر أن عنصر الإشراف والرقابة هو قوام هذه العلاقة.

فحق المخدوم في إصدار الأوامر والتعليمات، والذي يقابله وجوب خضوع الخادم وامتثاله لتلك السلطة، هو في الواقع القوام الذي تتحقق به تلك العلاقة الموجبة لمساءلة المخدوم.

أما المدرسة الثانية فتقرر المسؤولية في حق المخدوم على أساس الغنم الذي يحصل عليه من عمل الخادم، فحيث توجد المنفعة توجد المسؤولية، وانتفاؤها يفيد وجود استقلال اقتصادي وبالتالي انتفاء التبعية، غير أن هذه المدرسة واجهت مجموعة من الانتقادات أهمها عدم تضمنها لأي معيار قانوني محدد صالح للتطبيق، وأنها مجرد تمظهر غير مباشر لمعيار سلطة الإشراف والرقابة .

وبخصوص الشرط الثاني فيجب أن ينتج ضرر للغير نتيجة فعل الخادم وهو أثناء أداء الوظيفة أو بسببها، فيعتبر الفعل الضار واقعا حال تأدية الوظيفة إذا ارتكبه التابع وهو يؤدي عملا من أعمال الوظيفة، أما الفعل الواقع بسبب هذه الأخيرة فهو الذي ارتكبه الخادم خارج أعمال وظيفته، ولكن تكون هي السبب المباشر لوقوعه، وتقوم هذه السببية بين فعل الخادم والوظيفة إما لأن التابع لم يكن ليستطيع أن يرتكب الفعل لولا الوظيفة، وإما لأنه لم يكن ليفكر في ارتكابه لولاها .

كما يسأل المخدوم كذلك عن الضرر الناتج عن فعل الخادم بمناسبة الوظيفة، والذي يقصد به أن هذا الأخير قد أساء استعمال وظيفته أو تجاوز حدودها، ويفترض أن الفعل غير أجنبي عن الوظيفة، غير أنه نتيجة سوء استعمال لها، مستغلين التسهيلات التي توفرها لهم الوظائف الملزمين بأدائها .

وقد تعددت التفسيرات كذلك حول الأساس الذي ترتكز عليه مسؤولية المخدوم عن فعل الخادم، فاتجه بعض الفقه إلى اعتبار أساسها الخطأ المفترض، قولا بأن الشخص المسؤول عن فعل الغير لا يعدو أن يكون مخطئا إما في سوء اختيار الخادم، أو مراقبته أو توجيهه، واتجه البعض الآخر إلى تأسيس هذه المسؤولية على نظرية تحمل التبعة إذ أن المخدوم يتحمل مسؤولية خادمه من أجل مصلحته التي استفادها من نشاط هذا الأخير، إذ القاعدة في هذا الشأن هي الغنم بالغرم.

بينما حاول بعض الفقه تفسير مسؤولية المخدوم عن فعل الخادم طبقا لفكرة الضمان، اعتبارا لأن المشرع راعى ظروفا اجتماعية جعلته ضامنا لهذه الأضرار ، فهي تحمل في طياتها حكم الكفالة إذ يعتبر المخدوم كفيلا مليئا يحل محل الخادم في الأداء.

في حين أسس فقهاء آخرون هذه المسؤولية على النيابة أو التمثيل القانوني، فالخادم حسبهم نائب قانوني عن المخدوم يعمل لحسابه ويأتمر بأوامره .

ثانيا- ضمان الدولة فعل موظفيها:تم إقرار مسؤولية الدولة عن فعل موظفيها وميز بين المسؤولية بناء على خطأ حيث قسم الخطأ إلى شخصي يتحمله مرتكبه ومرفقي تتحمله الدولة، والمسؤولية بدون خطأ أو بناء على نظرية المخاطر.

أ-المسؤولية القائمة على أساس الخطأ: كانت هي أول مسؤولية طبقت من لدن المحاكم المغربية، وهي ترتكز على ركن أساسي هو الخطأ، فلا يمكن إثارة مسؤولية الإدارة والحكم عليها بتعويض الضرر الناتج عن نشاط مرافقها، إلا إذا كان هناك خطأ مقترف من طرفها، ومن المسلم به أنه إذا كانت الدولة مسؤولة عن الأخطاء المصلحية أو المرفقية لموظفيها، لأجل تشجيعهم على الإقدام والمبادرة، وهو ما نص عليه الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، فإنها غير مسؤولة عن أخطائهم الشخصية، لأنه من غير المنطقي أن تتحمل خزينة الدولة أعباء هذه المسؤولية بل ينبغي أن يتحملها الموظف المخطئ، فالدولة لا تتحمل ذلك إلا في حالة إعساره، مع إمكانية الرجوع عليه .

وتظهر خصوصيات الخطأ في المسؤولية الإدارية، والتي أبرزها القضاء الإداري بفرنسا أساسا في التمييز بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي أو المصلحي، حيث يرتبط الأول أساسا بشخص الموظف الذي كان وراء حدوث الخطأ، في حين يرتبط الخطأ المرفقي أساسا بالمرفق أو المصلحة التي ارتكب فيها أو بسببها الخطأ، ويجتهد القضاء الإداري في التمييز بين هذين النوعين من الأخطاء حيث يرتب عن كل منهما قواعد متميزة فيما يتعلق بمعرفة الجهة المطالبة بتقديم التعويض عن الأضرار الحاصلة جراء الخطأ، إذ على العموم يسأل الموظف شخصيا من ماله الخاص عن الأخطاء الشخصية، في حين تسأل الإدارة من الأموال العامة عن الأخطاء المرفقية، ويمكن في بعض الحالات الجمع بين هذين النوعين من الأخطاء .

–الخطأ الشخصي: يعرف الخطأ الشخصي بأنه:"الخطأ الذي ينسب إلى الموظف وتتحقق مسؤوليته الشخصية عنه، ويكون وحده مسؤولا عن الأضرار التي نتجت عنه بدفع تعويض من ماله الخاص" .

أو هو:"خطأ يصدر عن الشخص التابع للجهة الإدارية دون أن يكون للإدارة دور ما في وقوع مثل هذا الخطأ" .

وقد تعددت آراء فقهاء القانون واختلفت في وضع معايير للتفرقة بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي فبرزت أربعة معايير : .

معيار النزوات الشخصية: يرجع هذا المعيار إلى الأستاذ "لافيريير" الذي يرى أن الخطأ يعتبر شخصيا، إذا كان الفعل الضار يكشف عن الإنسان بضعفه وأهوائه وعدم تبصره، فإن العمل يفقد طبيعته الإدارية، أما إذا كان الخطأ الذي وقع من رجل الإدارة غير مشوب بميوله الشخصي، وأنه ارتكبه بصفته رجل الإدارة المعرض للخطأ والصواب، فإن عمله يعتبر إداريا، كما يعتبر الخطأ مصلحيا تسأل عنه الإدارة .

ويتضح من هذا المعيار أنه يعتمد في تحديده للمسؤولية على أساس قصد ونية الشخص أو الموظف الذي ارتكب الخطأ أثناء تأدية وظيفة، وبالتالي يكون ملزما لوحده بجبر الضرر الذي قد ينجم عن فعله.

.

معيار الخطأ الجسيم: نادى بهذا المعيار الأستاذ "جيز" ويتلخص مضمونه في أن الخطأ يكون شخصيا في الحالات الآتية : أ – إذا أخطأ الموظف أثناء عمله خطأ جسيما في تقدير الوقائع التي كانت سببا فيما وقع فيه.

ب –إذا أخطأ الموظف خطأ جسيما في تقدير حدود اختصاصاته القانونية، مما أدى به إلى ارتكاب الخطأ.

ج –إذا ارتكب الموظف جريمة جنائية .

وقد أخذ القضاء المغربي بهذا المعيار في العديد من قراراته إذ ذهبت محكمة النقض إلى أن:"الدولة لا تسأل عن ضمان وسلامة أي متضرر فوق أراضيها بصورة مطلقة ما لم يثبت في حقها خطأ جسيم" .

كما قررت أيضا أنه :"لما كان الخطأ المرتكب من طرف الطبيب والممرض قد بلغ من الجسامة حدا أدى إلى إدانتهما جنائيا، فإن هذا الخطأ، لا يشكل خطأ مصلحيا بالمعنى المنصوص عليه في الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، وأن الحكم المستأنف عندما حمل الدولة المسؤولية عن اختلال تسيير المرفق الصحي يكون قد خرق مقتضيات الفصلين 79 و80 من القانون المذكور واجب الإلغاء".

وهو ما سلكته كذلك محاكم الموضوع إذ ذهبت المحكمة الإدارية بوجدة إلى أن:" ارتكاب الموظف لأفعال خطيرة بمناسبة قيامه بوظيفته على درجة كبيرة من الجسامة جعلها تكتسي طابعا جرميا يشكل خطأ شخصيا لا تختص المحكمة الإدارية بالبت في الطلب الرامي إلى الحكم بالتعويض عنه" .

.

معيار الانفصال عن الوظيفة: ذهب العميد "هوريو" إلى أن الخطأ الشخصي هو الخطأ الذي يمكن فصله عن أعمال الوظيفة ماديا ومعنويا، فيكون ماديا في حالة قيام الموظف بعمل لا علاقة له بواجبات وظيفته، ومثاله أن يقوم عمدة بنشر إعلانات في قريته، تفيد أن أحد الأفراد قد تم شطب اسمه من قائمة الناخبين لأنه قد حكم عليه بالإفلاس، فالعمدة حينما قام بهذا التصرف، فإنما يقوم من ناحية بأداء واجب داخل في اختصاصه، وسليم من الناحية القانونية، وهو شطب اسم شخص حكم عليه، لكنه من ناحية ثانية تجاوز حدود واجبات وظيفته، وقام بارتكاب عمل مادي زيادة على ما تفرضه عليه وظيفته وهو الشطب فقط، وهذه الزيادة التي ترتب عليها ضرر تمثل في الإساءة إلى أحد الأفراد بالتشهير به، وهو عمل منفصل ماديا عن عملية التشطيب .

ويكون الخطأ منفصلا معنويا عن واجبات الوظيفة عندما يكون داخلا ضمن واجبات الوظيفة ماديا ولكن لأغراض غير تلك التي استخدم لتحقيقها، كأن يقوم عمدة بدق الأجراس، إعلانا لوفاة أحد المدنيين مع أن دق الأجراس هو مقرر فقط للاحتفالات الدينية .

.

معيار الغاية: يقوم هذا المعيار على أساس الغاية المرجوة من التصرف الإداري الخاطئ، حيث يرى صاحب هذا المعيار الأستاذ "ديجي" أن الموظف إذا كان يؤدي عمله المنوط به، والذي يحقق الأهداف المنوطة بالإدارة والتي يدخل تحقيقها في إطار مهمتها الإدارية، وبالتالي يمكن فصله عنها، وهو ما يجعله خطأ مرفقيا.

أما إذا كان تصرف الموظف الضار لا علاقة له بتحقيق أهداف وأغراض الوظيفة الإدارية، وإنما كان تصرفه نابعا من تلقاء نفسه من أجل تحقيق أهداف شخصية له، فإن الخطأ في هذه الحالة يعتبر شخصيا وبالتالي يتحمل الموظف المسؤولية عنه .

– الخطأ المرفقي: لقد استقر الفقه والاجتهاد القضائي في المادة الإدارية على تعريف الخطأ المرفقي على أنه:" الخطأ الذي ينسب إلى المرفق حتى لو كان الذي قام به ماديا أحد الموظفين ما لم يكن خطأ شخصيا"، ويقوم الخطأ المرفقي على أساس أن المرفق ذاته هو الذي تسبب في الضرر لأنه لم يؤد الخدمة العامة وفقا للقواعد التي يسير عليها سواء أكانت هذه القواعد خارجية، أي وضعها المشرع ليلتزم بها المرفق، أو داخلية، أي سنها المرفق لنفسه أو يقتضيها السير العادي للأمور؛ ويتجسد الخطأ المرفقي في إحدى الصور الثلاث التالية : 1 –إذا أدى المرفق الخدمة المنوطة به على وجه سيء.

2 –إذا لم يؤد المرفق الخدمة المطلوبة منه.

3 –إذا أبطأ المرفق في أداء الخدمة أكثر من اللازم .

1 –المرفق أدى الخدمة المنوطة به على وجه سيء ينطبق ذلك على جميع الأعمال الإيجابية الخاطئة الصادرة من الإدارة التي تكشف عن سوء قيام المرفق بأداء الخدمة المطلوبة منه، والتي يترتب عليها ضرر، فتسأل الإدارة عن التعويض، ذلك أن الأصل أن الإدارة مطالبة أن تؤدي الخدمة العامة المنوطة بها على أكمل وجه، فإذا شاب عملها عيب أو خلل أو نقص اعتبر أن المرفق قد أخطأ في أداء عمله لأنه قد قام بخدماته على وجه سيء أي على غير ما توجبه القواعد المقررة .

وتنشأ هذه الصورة كيفما كان النشاط الذي مارسته الإدارة أي سواء قرار أو عمل مادي صدر عن الموظف أو عن الشيء أو الحيوان.

وقد تبنى القضاء المغربي هذه الصورة في العديد من قراراته وأحكامه ومنها قرار محكمة النقض الذي اعتبر بأن:"واقعة الوفاة تمت داخل السجن المدني بمراكش إثر قضاء الهالك لعقوبة حبسية بهذا السجن تحت عهدة ومسؤولية الإدارة السجنية وفي إطار هذه العهدة، فالمرفق هو الذي تسبب في الضرر لأنه لم يؤد الخدمة العامة المنوطة به وفق القواعد التي يسير عليها .

.

.

" .

كما جاء في حكم للمحكمة الإدارية بمراكش بأن:"الدولة المسؤول المفترض عن حراسة ومراقبة الحيوانات البرية المتوحشة كالخنزير، والمتواجدة بجميع مناطق المملكة وعن الحد من أخطارها والأضرار التي قد تسببها للساكنة على أساس أنها ملزمة بإنشاء محميات لهذه الحيوانات بهدف عزلها .

.

.

أو بالحد من تكاثرها بعد استصدار قرار عاملي بهذا الشأن؛ وبذلك تسأل الدولة عن الأضرار التي يسببها للغير هجوم مثل هذه الحيوانات على أحد السكان نتيجة عدم اتخاذها كافة الاحتياطات اللازمة لمنعها من إحداث الضرر .

.

.

" .

2 –المرفق لم يؤد الخدمة المنوطة به ويظهر هذا الخطأ المرفقي نتيجة فعل سلبي للإدارة ناتج عن امتناعها عن أداء الخدمة المنوطة بها، فهي:"تقوم على أساس موقف سلبي اتخذته الإدارة بامتناعها عن إتيان تصرف معين، وترجع هذه الصورة إلى أن سلطات الإدارة واختصاصاتها لم تعد امتيازا لها تباشره كيفما شاءت ومتى أرادت، ولكنها واجب على الموظف يؤديه في إطار خدمته للمصلحة العامة.

وحيث اشترط مجلس الدولة الفرنسي للحكم بالتعويض في حالة امتناع الإدارة عن تأدية الدور المنوط بها توفر ثلاث شروط وهي : 1 –أن يكتسي هذا الامتناع صبغة الآلية، بمعنى أن ترفض الإدارة تطبيق القانون كلما تقدم إليها أحد الأفراد طالبا ذلك، وأن يكون قصد الرفض واضحا.

2 –أن يكون الامتناع منطويا على مخالفة القانون.

3 –أن يكون الضرر الناجم عن امتناع الإدارة عن تطبيق القانون خاصا، وهذا يستلزم أن تمتنع الإدارة عن تطبيق القانون بالنسبة لفرد معين، أو بالنسبة لحالة بذاتها مع تطبيقه بالنسبة للحالات الأخرى" .

3 –المرفق أبطأ في أداء الخدمة أكثر من اللازم الإدارة هنا لا تسأل على أساس أنها لم تؤد الخدمة المنوطة بها، أو على أساس تأديتها على وجه سيء، وإنما تسأله بمجرد أن يظهر ويثبت أنها أبطأت أكثر من المعقول في أداء تلك الخدمات، إذا لحق بالأفراد أضرار جراء هذا التأخير.

ومن المعلوم أن التأخير المقصود هنا ليس ذلك الذي يكون المشرع قد حدد وقتا له، وتأخرت الخدمة عنه، ففي هذه الحالة الإدارة تمتنع في أداء مهامها كما مر سابقا، بل المقصود أن تكون الإدارة غير مقيدة بفترة زمنية معينة ولكنها رغم ذلك أبطأت أكثر من المعتاد في القيام بهذه الخدمة.

ورغم أن عامل الوقت المناسب هو أبرز عنصر في السلطة التقديرية، وأن أي قرار اتخذ بناء على سلطة تقديرية لا يمكن أن يطاله الإلغاء بسبب البطء في إصداره، فإن مجلس الدولة الفرنسي حرص على حماية الأفراد الذين قد يتأثروا أو يتضرروا بفعل هذا التأخير .

وتجدر الإشارة أنه يمكن الجمع بين الخطأ الشخصي والخطأ المرفقي أو ما يصطلح عليه بتراكم المسؤوليتين ، وقد طبق القضاء المغربي هذا المقتضى في كثير في القرارات والأحكام ومن بينها حكم المحكمة الإدارية، بمراكش والذي جاء فيه:"وحيث ينحصر النزاع حول معرفة طبيعة الخطأ الذي أدى إلى وفاة الهالكة هل هو خطأ شخصي يسأل عنه الطرف المتسبب فيه- والذي أدين جنحيا – أم هو خطأ مرفقي؟ وهل يمكن لذات الخطأ أن يثير المسؤولية الشخصية والمسؤولية الإدارية معا في نفس الوقت؟ .

.

.

وحيث إنه إذا كان من حق المحاكم العادية أن تحمل المتسبب في الضرر المسؤولية الجنائية وما يترتب على ذلك من آثار قانونية في مجال التعويض، فإن المحاكم الإدارية عليها أن تتحقق هي الأخرى مما إذا كان من شأن نفس الفعل الضار أن يثير مسؤولية الإدارة.

.

.

.

وحيث إنه والحالة هذه، فإن الفعل الضار وإن كان يكتسي طابعا شخصيا كما جاء في الحكم الجنحي الذي جاز قوة الشيء المقضي به، فإنه في نفس الوقت يشكل خطأ طبيا، ينسب أيضا إلى المستشفى، وتلزم الإدارة بالتعويض عنه .

.

.

" .

-المسؤولية القائمة على أساس المخاطر: إذا كانت المسؤولية الإدارية عموما تستند في أساسها إلى نظرية الخطأ الناتج عن إهمال أو تقصير الإدارة المتسببة في الضرر، فإن مجال المسؤولية الإدارية قد تجاوز هذا السند التقليدي إذ أصبحت مسؤولية الإدارة واردة على أساس نظرية المخاطر التي يمكن أن تنتج عن نشاطاتها المشروعة بغض النظر عن أي خطأ قد ترتكبه في إطار قيامها بالمهام المنوطة بها، واعتبارا فقط للمخاطر المتصلة بطبيعة المرفق الذي تضطلع بتسييره، أو بالنشاط الذي تقوم به.

وقد تدخل المشرع المغربي لإقرار المسؤولية الإدارية بناء على المخاطر في حالات معينة كالأضرار الناتجة عن القلاقل والاضطرابات ، والأضرار التي تصيب التلاميذ والطلبة بالتعليم العمومي والأطفال بالمخيمات العمومية، فيما تدخل الاجتهاد القضائي لتعويض المتضررين من نشاط الإدارة، في إطار المسؤولية على أساس المخاطر حفاظا على المصلحة العامة وعملا على احترام مبدأ مساواة المواطنين أمام الأعباء العامة كما هو الشأن بالنسبة للأضرار الناتجة عن الأشغال العامة وتلك الناتجة عن مخاطر الجوار غير العادية، أو عن استعمال بعض الأشياء الخطيرة .

.

.

.

وحيث استقر الاجتهاد القضائي الإداري على اعتبار مسؤولية الإدارة على أساس المخاطر قائمة بتوفر عنصرين فقط هما الضرر والعلاقة السببية بينه وبين نشاط المرفق العام.

وحيث اشترط الاجتهاد القضائي الإداري المقارن، وخاصة الفرنسي ممثلا في مجلس الدولة في الضرر الذي يستوجب قيام المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر شروطا خاصة وهي : -أن يكون الضرر ماديا : ومعناه أن يؤدي نشاط الإدارة إلى إتلاف الملك الخاص إتلافا جزئيا أو كليا، أو أن يؤدي إلى إنقاص القيمة الاقتصادية لهذا الملك ولو لم ينله ماديا بأدى.

-أن يكون الضرر دائما: لا يراعي مجلس الدولة تعويض الضرر الذي ينال ملك الأفراد نتيجة المخاطر المرتبطة بنشاط الإدارة إلا إذا كان منطويا على صفة الدوام، أو على الأقل استمر خلال فترة زمنية طويلة تخرج به عن نطاق الأضرار العادية التي يجب أن يتحملها الأفراد في سبيل المصلحة العامة؛ وعنصر الدوام أو الاستمرار يجعل هذا النوع من الضرر مقصورا على العقارات عامة، بحيث تنقص قيمتها الشرائية أو الإيجارية بصفة دائمة أو لفترة طويلة، كما أن هذا العنصر يضفي على الضرر صفة الخصوصية ويجعل من يلحقه في مركز خاص إزاء النشاط الخطير للإدارة .

-أن يكون الضرر غير عادي : بحيث يتجاوز مخاطر الجوار العادية ويتخذ طابعا استثنائيا" .

وقد طبق القضاء المغربي نظرية المخاطر في عدة نوازل عرضت عليه، خصوصا فيما يتعلق بالأضرار الناتجة عن تنفيذ أشغال عمومية، والأضرار الناتجة عن استعمال الأشياء الخطيرة كالأسلحة والمتفجرات والأدوات الطبية، والأضرار الناتجة عن مخاطر الجوار غير العادية، وتلك الناتجة عن عدم تنفيذ الأحكام والمترتبة عن تطبيق القوانين حيث جاء في قرار لمحكمة النقض:"حيث أنه إذا كانت مقومات الدولة تقوم على مبدأ التوازن بين حقوق المواطنين وواجباتهم في تحمل الأعباء، فإن الدولة تكون بالمقابل ملزمة بتحمل مخاطر الأضرار التي تسببها أعمالها ونشاطاتها للمواطنين سواء كانت تلك الأعمال والنشاطات ناتجة عن عمل إيجابي أو عمل سلبي متمثل في تدخل عنصر أجنبي تعذر التحقق منه أو العمل على تفادي نتائجه كما هو الحال في زرع الألغام" .

-ثالثا-المسؤولية عن فعل الحيوان:لقد عالج المشرع المغربي أحكام المسؤولية عن فعل الحيوان في الفصلين 86 و87 من قانون الالتزامات والعقود، وباستقراء المادة الأولى التي تنص على أنه:"كل شخص يسأل عن الضرر الذي تسبب فيه الحيوان الذي تحت حراسته .

.

.

"، يتبين أن تحققها يستلزم شرطين أولهما أن يتولى شخص حراسة حيوان وأن يحدث هذا الحيوان ضررا للغير.

وحارس الحيوان هو من في يده زمامه، فتكون له السيطرة الفعلية عليه في توجيهه وفي رقابته، ويكون هو المتصرف في أمره سواء ثبتت هذه السيطرة الفعلية بحق أو بغير حق، أي سواء كانت السيطرة شرعية أو غير شرعية، مادامت السيطرة الفعلية قائمة.

فليس حارس الحيوان هو ضرورة مالكه، فقد ينتقل زمام الحيوان –السيطرة الفعلية في توجيهه وفي رقابته وفي التصرف في أمره- من يده إلى غيره، فيصبح هذا الغير هو الحارس.

وليس الحارس هو ضرورة المنتفع بالحيوان، إذا لم يكن لهذا السيطرة الفعلية في توجيهه ورقابته وهو نفس ما أقره فقهاء الشريعة الإسلامية، وليس الحارس هو من يعرف عيوب الحيوان ويتركه مع ذلك يضر بالناس، مادام لا يملك التصرف في أمر، وليست له سيطرة فعلية في توجيهه وفي رقابته، وليس الحارس هو من يكون الحيوان في حيازته دون أن تكون له السيطرة الفعلية في التوجيه والرقابة فلا يعتبر حارسا بوجه عام السائق والخادم والسائس .

والأخذ بمعيار السيطرة الفعلية يمكننا من تقرير القواعد التالية : -مالك الحيوان هو في الأصل صاحب السيطرة الفعلية عليه، وهو الذي يملك زمامه في يده، فله التوجيه والرقابة، وهو المتصرف في أمره، ومن تم يكون حارس الحيوان هو أصلا مالكه، فهناك إذن قرينة على أن مالك الحيوان هو الحارس، وإذا رجح المضرور على المالك فليس عليه أن يثبت أنه هو الحارس، بل المالك هو الذي عليه أن يثبت أنه لم يكن حارسا للحيوان وتحت إحداثه الضرر، وإذا أنفلت زمام الحيوان من يد المالك بأن ضل أو شرد، كان هذا خطأ في الحراسة، ويكون مسؤولا عما يحدث الحيوان من ضرر.

وإذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد أخرى، فإن كان قد انتقل رغم إرادة المالك أو دون علمه، كما لو انتقل إلى لص سرق الحيوان، أو إلى تابع للمالك استولى على الحيوان واستعمله لمنفعته الشخصية، فإن السيطرة الفعلية على الحيوان تنتقل في هذه الحالة من المالك إلى هذا الغير، ويصبح السارق أو التابع الذي استولى على الحيوان لنفعه الخاص هو الحارس، ويكون هو المسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر، ومن تم نتبين أنه ليس من الضروري أن تكون السيطرة الفعلية مشروعة لها سند من القانون، ففي المثلين اللذين نحن بصددهما يتضح أن كلا من اللص والتابع مسيطر على الحيوان سيطرة غير مشروعة.

أما إذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد الغير برضا من المالك، وكان الغير تابعا له كالسائق والسائس والخادم والراعي، فالأصل أن انتقال الحيوان إلى يد التابع لا ينقل إليه السيطرة الفعلية على الحيوان، إذ الغالب أن المالك يستبقي سيطرته الفعلية على الحيوان حتى بعد أن يسلمه لتابعه، فيبقى المالك في هذه الحالة هو الحارس، ولكن لا شيء يمنع في بعض الحالات أن تنتقل السيطرة الفعلية إلى التابع، كما إذا سلم صاحب الحصان حصانه لخيال يجري به في السباق، فإن الخيال في هذه الحالة من وقت أن أمسك بزمام الحصان وبدأ يجري به في السباق قد انتقلت إليه السيطرة الفعلية على الحصان وأصبح هو الحارس، فيكون مسؤولا مسؤولية الحارس، ويكون المالك مسؤولا مسؤولية المتبوع.

وإذا كان المالك قد نقل الحيوان إلى شخص غير التابع ينتفع به كالمستأجر أو المستعير، انتقلت في الغالب من الأحوال إلى هذا الشخص السيطرة الفعلية على الحيوان، إذ هو في سبيل الانتفاع به يمسك زمامه في يده وله حق التصرف في أمره، وتم يكون هو الحارس، فإن نقله المالك إلى شخص غير التابع لا لينتفع به بل للمحافظة عليه أو لعلاجه، كصاحب الاسطبل وصاحب الفندق والطبيب البيطري، فالأصل هنا أيضا أن السيطرة الفعلية تنتقل إلى هذا الشخص ويكون هو الحارس ما لم يستبق المالك السيطرة الفعلية فيبقى هو الحارس .

ولم تحدد المادة 86 المذكورة الحيوانات التي يسأل حارسها عن الضرر الناشئ من فعلها، لذلك يجب أن تصدق هذه المادة على أي نوع من الحيوانات، لا فرق بين المستأنس منها والمتوحش، كذلك يستوي أن يكون الحيوان من الدواب كالمواشي والخيل والبغال والحمير والجمال، أو من الحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط، أو الدواجن، أو من الطير، أو من الحيوانات المفترسة كالفيلة والأسود والنمور.

إنما يشترط أن يكون الحيوان مملوكا لأحد من الناس أو على الأصل أن يتولى شخص حراسته، أما الحيوانات التي توجد طليقة في عقار، سواء كانت متوحشة أو غير متوحشة، فلا يسأل مبدئيا مالك العقار أو مستأجره أو حائزه عن الضرر الذي تحدثه هذه الحيوانات وهو نفس قول البلقيني السابق ذكره، إذا لم يكن قد فعل شيئا لجلبها أو للاحتفاظ بها في هذا العقار، على ما أوضحته الفقرة الأولى من المادة 87، غير أن الفقرة الثانية من نفس المادة قررت المسؤولية في حالتين : أولا : إذا وجدت في العقار حظيرة أو غابة أو حديقة أو خلايا مخصصة لتربية أو لرعاية بعض الحيوانات، إما لغرض التجارة، وإما للصيد وإما للاستعمال المنزلي.

ثانيا : إذا كان العقار مخصصا للصيد .

ولكي تقوم مسؤولية حارس الحيوان يتعين أن يكون هذا الأخير هو الذي ألحق بفعله ضررا بالغير وأن يكون له دور إيجابي في الفعل، أما إذا حصل الضرر دون أن يكون للحيوان أي دور كما لو ارتطم شخص بجسم حيوان فجرح، فإن الضرر لا يكون في هذه الحالة من فعل الحيوان، إذ أن دوره كان سلبيا لا إيجابيا.

ولا يشترط بالدور الإيجابي للحيوان في إحداث الضرر أن يكون قد تدخل مباشرة، فلو خرج حيوان مفترس من قفصه في السيرك فجأة إلى الطريق العام، فأصاب الذعر والهلع أحد المارة وسقط فجرح دون أن يمسه الحيوان، فهذا الضرر يعتبر من فعل الحيوان .

وقد يضر فعل الحيوان الحارس ذاته غير المالك فلا يسأل عنه هذا الأخير، إلا إذا تمكن الحارس من إثبات خطأ من جهته وفقا لأحكام المسؤولية عن العمل الشخصي، ومثاله أن يكون المالك قد كتم على الحارس عيبا في الحيوان يعلمه، أما الضرر الذي يلحقه الحيوان بنفسه وهو في عهدة حارسه، كأن يختنق بمربطه أو يسقط من مكان مرتفع فيتأذى، وقس على ذلك .

.

.

فلا يحق لمالكه أن يطالب الحارس بالتعويض عن ذلك إلا إذا أثبت خطأ في جانبه طبقا للأحكام العامة .

واختلفت الآراء في تحديد أساس مسؤولية حارس الحيوان، فذهب جانب من فقهاء القانون إلى اعتبار أساسها فكرة تحمل التعبة، فالغرم بالغنم، فكما أن حارس الحيوان يغنم من نشاطه، فعليه أن يتحمل ما يحدثه من غرم، ولكن هذا الاتجاه يجعل المسؤولية تقع على حارس الحيوان ولو لم يكن هو المنتفع به .

وقال فقهاء آخرون بأن أساس المسؤولية هو الخطأ المفترض في جانب الحارس، وهو خطأ في الرقابة والتوجيه، وهذا هو القول المعول عليه في الفقه والسائد في الاجتهاد .

وقد فضل المشرع المغربي ألا يتشدد في مسؤولية حارس الحيوان، واعتبر قرينة الخطأ التي بنى عليها هذه المسؤولية قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، ذلك أن الفصل 86 لم يقتصر على السماح بحارس الحيوان بأن يدفع عنه المسؤولية إذا هو أثبت أن الحادث الذي سبب الضرر نتج عن ظرف طارئ أو قوة قاهرة أو من خطأ المضرور، بل أجازت له أن يتحلل من كل مسؤولية إذا هو أقام الدليل على أنه اتخذ الاحتياطات اللازمة يمنع الحيوان من إحداث الضرر ولمراقبته.

-رابعا-المسؤولية عن فعل المباني:تناول المشرع المغربي أحكام مسؤولية حارس البناء من خلال الفصلين 89 و90 من قانون الالتزامات والعقود، وبالاطلاع على مقتضيات الفصل الأول الذي ينص على أنه : "يسأل مالك البناء عن الضرر الذي يحدثه انهياره أو تهدمه الجزئي، إذا وقع هذا أو ذاك بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب في البناء، وينطبق نفس الحكم في حالة السقوط أو التهدم الجزئي لما يعتبر جزءا من العقار، كالأشجار والآلات المندمجة في البناء والتوابع الأخرى المعتبرة عقارات بالتخصيص وتلزم المسؤولية صاحب حق السطحية، إذا كانت ملكية هذا الحق منفصلة عن ملكية الأرض.

وإذا التزم شخص غير المالك برعاية البناء، إما بمقتضى عقد، أو بمقتضى حق انتفاع أو أي حق عيني آخر، تحمل هذا الشخص المسؤولية.

وإذا قام نزاع على الملكية، لزمت المسؤولية الحائز الحالي للعقار.

"يتبين أن قيام هذه المسؤولية يستلزم تحقق شرطين أولهما أن يتولى شخص حراسة بناء وهو ما اصطلح عليه فقهاء الشريعة الإسلامية بالشخص القادر على التصرف ورفع الضرر ويملك النقض، وثانيهما أن يحدث التهدم ضررا للغير.

وتتعدد الحراسة في هذا الصدد على النحو الذي سبق أن بسطناه عند التطرق لمسؤولية حارس الحيوان، ليكون حارس البناء هو من له السيطرة الفعلية عليه، فيكون مكلفا بحفظه وتعهده بالصيانة والاستيثاق بأنه ليس قديما ولا معيبا، بحيث يتهدد الناس بالخطر، ويكون هو المتصرف في أمره، سواء ثبتت هذه السيطرة الفعلية بحق أو بغير حق، أي سواء كانت السيطرة شرعية أو غير شرعية، مادامت سيطرة فعلية قائمة .

والأصل أن يكون الحارس هو مالك البناء، بمعنى أنه لا يطالب المضرور إثبات هذه الصفة فيه، بل هي مفترضة، إلا إذا استطاع المالك إثبات العكس، أي إثبات أن الحراسة وقت وقوع الضرر كانت لغيره، فالمشتري بعد تقييد العقد يعتبر مالكا للبناء، ولكن إذا كان البائع لم يسلمه له بعد فتظل الحراسة لهذا الغير، وعلى العكس تنتقل الحراسة إلى المشتري ولو لم يكن قد قيد عقده إذا كان قد تسلم البناء.

كذلك تنتقل الحراسة إلى من له السيطرة الفعلية على البناء من دون المالك، كالدائن المرتهن رهن حيازة وواضع اليد بحسن نية أو سوء نية، أما المستأجر فلا يعتبر في مركز الحارس، إلا إذا كانت السيطرة الفعلية قد انتقلت إليه .

ويقصد بالبناء كل ما شيده الإنسان وأصبح عقارا بالطبيعة ولا يهم نوع المواد المستعملة في البناء سواء كانت حديدا أو خشبا أو طينا أو كل هذه الأشياء مجتمعة.

ويستوي أن يكون البناء مشيدا فوق سطح الأرض كالبيوت والقناطر والسدود أو في باطنها كالأنفاق والمجاري وأنابيب المياه والغاز.

والأشياء المعتبرة جزءا من العقار يطبق عليها نفس حكم البناء في حالة سقوطها أو تهدمها الجزئي، كالأشجار والآلات المندمجة في البناء كالمصاعد والتوابع الأخرى التي يخصصها الإنسان لخدمة العقار .

ويجب لقيام مسؤولية حارس البناء أن يكون الضرر ناجما عن تهدمه كليا أو جزئيا، والتهدم هو تفكك البناء وانفصال أجزائه المكونة له، كانهدام حائط أو انهيار أو سقوط شرفة، أو انفصال التماثيل الملتصقة بالحوائط وسقوطها، أو تهدم سلم، فإن لم يكن الضرر ناتجا عن انهدام كلي أو جزئي في المبنى لم يكن الحارس مسؤولا عنه، فإذا انزلق شخص على سلم فسقط وأصيب بكسور، أو اصطدم سائر في الطريق بحائط أقامه شخص مخالفا لأنظمة البناء، لا يعد ما أصابهما من ضرر مما يسأل عنه حارس البناء، وكذلك لو احترق بناء وامتد الحريق منه إلى بناء آخر، لا يكون حارس البناء الأول مسؤولا ولو انهدم البناء نتيجة الحريق.

فانهدام البناء الذي يؤدي إلى مسؤولية حارسه يجب أن ينتج عن إهمال في صيانته أو قدم أو عيب فيه .

وقد حاول بعض فقهاء القانون تأسيس مسؤولية حارس البناء على فكرة تحمل التبعة، إذ أنه هو من يستفيد منه، وعليه تبعا لذلك تحمل الضرر الذي ينجم للغير عن تهدمه إذ الغرم بالغنم.

ولكن لوحظ على هذه النظرية أنها تتناقض والتزام المضرور في إقامة الدليل على أن التهدم وقع بسبب القدم أو عدم الصيانة أو عيب البناء، كما أن المسؤولية قد تلزم غير المنتفع بالبناء كما لو عهد المالك إلى شخص برعاية البناء حيث تترتب المسؤولية على المكلف بالرعاية، لذلك فالرأي السائد هو أن مسؤولية مالك البناء تقوم على الخطأ المفترض في جانبه وهو الإهمال في رقابة البناء كيلا ينهار أو يتهدم .

وقرينة الخطأ قاطعة لا يمكن استبعادها عن طريق البينة المعاكسة بإقامة الدليل على أنه لم يرتكب أي خطأ كأن يلقي المسؤولية على المهندس المعماري أو المقاول أو أن يثبت أنه يستحيل عليه كشف العيب في البناء، ويمكن للحارس أن يدفع مسؤوليته إذا استطاع أن يثبت قيام السبب الأجنبي كأن يقيم الدليل على أن الضرر يرجع لخطأ المضرور نفسه أو القوة القاهرة أو الحادث الفجائي .

-خامسا-المسؤولية عن فعل الشيء:نظم المشرع المغربي أحكام مسؤولية حارس الشيء في الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود الذي ينص على أن:"كل شخص يسأل عن الضرر الحاصل من الأشياء التي في حراسته، إذا تبين أن هذه الأشياء هي السبب المباشر للضرر، وذلك ما لم يثبت: 1 –أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.

2 –وأن الضرر يرجع إما لحدث فجائي، أو لقوة قاهرة، أو لخطأ المتضرر".

ومن خلال استقراء مقتضيات هذا الفصل يتبين أنه لقيام مسؤولية حارس الشيء يجب تحقق شرطين، أولهما أن يتولى شخص حراسة الشيء، وثانيهما أن يحدث الشيء ضررا للغير.

ويقصد بالحراسة السلطة الفعلية في الرقابة والتصرف، فحارس الشيء هو من له عليه السلطة الفعلية في رقابته وتوجيهه والتصرف في أمره ، وهذا ما يرتب أن الحراسة لا ترتبط أساس بالحيازة المادية للشيء، فحراسة قارورات الغاز مثلا رغم انتقال الحيازة المادية إلى المستهلك تبقى بيد الصانع الذي يتحمل تبعة ما تحدثه للغير من أضرار باعتبار أن ما تحويه من مواد خطيرة ليس بإمكان المستهلك التأكد من سلامة تلك القارورات ويبقى الصانع الحارس القانوني لها مسؤولا وملزما بالتحقق من سلامة القارورات ومراقبتها لضمان توفير الاستعمال العادي لها من طرف المستهلك دون الإضرار به .

ومالك الشيء هو حارسه ما لم يثبت أنه قد فقد حراسته أو نقلها للغير، إما ببيع الشيء أو رهنه أو أي تصرف ينقل الحيازة للغير وكذا سلطة الرئاسة والتوجيه إذ يعتبر هذا الأخير حائزا بمجرد تسلمه للشيء.

وتنتقل الحراسة لصاحب مرآب إصلاح السيارات وكذا إلى معلم السياقة لأن لهما السيطرة الفعلية عليه.

ويقصد بالشيء هو شيء مادي محسوس غير حي، أي كل شيء جامد لا حياة فيه، يشغل حيزا محددا في عالم المادة مادام لم يرد حكمه في نص خاص .

وبالتالي تخرج من مفهوم الشيء الحيوانات لأنها أشياء مادية حية وتخضع لنص خاص، ورد حكمه في الفصلين 86 و87 من قانون الالتزامات والعقود، وتخرج كذلك المباني بالنسبة للأضرار الناجمة عن تهدمها الكلي أو الجزئي بسبب قدمها أو عدم صيانتها أو لعيب في البناء إضافة إلى ما يعتبر جزء من العقار كالأشجار والعقارات بالتخصيص فيما يتعلق بالأضرار الناجمة عن سقوطها أو تهدمها الجزئي لأن هذا يتعلق بأحكام خاصة وارد عليها النص وخاضعة للفصلين 89 و90 من نفس القانون.

والمراد بالشيء هو الجوامد غير الحية سواء كانت عقارات أو منقولات أو عقارات بالتخصيص كالمصعد أو الحجرات أو أثاث الفندق أو ما شابه ذلك.

ويستوي أن يكون الشيء خطرا أم غير خطر، لأن مجرد أن يحدث الشيء ضررا للغير فهذا دليل على أنه كان شيئا خطرا في الظروف التي حصل فيها الضرر، وأن حراسته تستوجب عناية خاصة، إضافة إلى أن التفرقة بين الأشياء الخطرة والأشياء غير الخطرة أمر صعب ودقيق، فآنية فخارية ليست خطيرة في ذاتها ولكن وضعها في شرفة عالية وسقوطها على رأس أحد المارة يجعلها خطيرة .

ولكي يسأل حارس الشيء في إطار مقتضيات الفصل 88 من قانون الالتزامات والعقود فإنه يتعين أن يكون هذا الشيء قد تدخل بفعله في إحداث الضرر الخطير، ويلزم هذا التدخل أن يتم بمقتضى فعل إيجابي يكون له الدور المباشر في حصول النتيجة الضارة، وإذا كان هذا الفعل سهل التحديد عندما يكون مصدر الضرر شيئا متحركا أثناء وقوع الحادث، كالسيارة والشاحنة التي تصدم الغير في الطريق العام والانفجار الذي تتسبب فيه الأشياء الخطرة بطبيعتها أثناء تشغيلها كقنينات الغاز مثلا، إلا أن الأمر ليس كذلك بالنسبة للأشياء الجامدة التي تساهم في إحداث الضرر هي في وضعية سلبية.

القاعدة العامة التي تحكم هذا الموضوع هي أن الشيء إذا كان في وضعية ساكنة كالسيارة الجاتمة جنب الرصيف مثلا، فإنه لا مجال لمساءلة صاحبها عن الأضرار التي تلحق الغير نتيجة الاصطدام بها، لأن الفعل المنسوب للسيارة في هذه الحالة هو فعل سلبي ليس له أي دور في وقوع الحادث، غير أنه إذا كان الشيء قد خالف في تموضعه الوضع العادي كالسيارة المركونة في المكان الممنوع، والشجرة المغروسة في طريق العام فإن الحارس يكون مسؤولا عن الضرر الذي تتسبب فيه .

ويسأل الحارس عن أي ضرر يصيب الغير بفعل الشيء الذي هو تحت حراسته، فينطبق الحكم متى كان الضرر الذي أحدثه الشيء قد وقع على غير الحارس، يستوي في ذلك أن يكون هذا الغير أجنبيا عن الحارس، أو تابعا له، أو مالك الشيء إذا لم يكن هو الحارس .

وترجع أساسا مسؤولية حارس الشيء إلى افتراض خطأ في حراسته اعتبارا بأنه إذا أحدث الشيء ضررا بالغير، فإن مجرى إحداث هذا الضرر يقيم قرينة قانونية على وقوع خطأ من الحارس في حراسته ، وبالتالي فالمضرور لا يكلف بإثبات الخطأ وإنما عليه أن يثبت أن المدعى عليه هو حارس الشيء وأن الضرر قد وقع بفعل الشيء الذي في حراسته ، وهو قرينة قاطعة لا تقبل إثبات العكس، ولا يعفى حارس الشيء المتسبب في ضرر من المسؤولية الملقاة على عاتقه، إلا إذا أثبت، بالإضافة إلى خطأ المضرور أو حادث فجائي أو قوة قاهرة، أنه فعل ما كان ضروريا لمنع الضرر.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0