الوفاء بالعقد المالي بين الزوجين

مجموعة بحوث وعروض ودروس حول النظام المالي للزوجين في القانون المغربي و مدونة الأسرة المغربية

الوفاء بالعقد المالي بين الزوجين
لما كان العقد المالي عقد يبرم بمحض إرادة الزوجين –بحيث ليس هناك التزام قانوني بإبرام العقد أو عدمه- وعن طوع منهما في تحديد الشروط ذات الطابع المالي التي يرغبان في العيش وفقا لها، فإن الصفة الإرادية هذه تقتضي نفاذ كل الشروط على اعتبار أن كل التزام حر يعتبر عادلا.

غير أن الفقه إضافة إلى توسيعه من مفهوم الشروط المنافية للعقد، فقد جرد حتى تلك التي اعتبرها غير منافية له من قوتها الإلزامية، وجعل الوفاء بها من باب المستحب فقط على اعتبار أن الوفاء بالشروط المدرجة بالعقد يترتب عنه تحجير يمنع الزوجين من حق كان لهما، ويجعل ما لم يكن لازما في مرتبة الوجوب .

وهذا ما عبر عنه ابن عاصم في تحفته بقوله: وما ينافي العقد ليس يجعل *** شرطا وغيره بطوع يقبـل يتبين من هذا الاتجاه أنه يميل إلى إفراغ الالتزامات الناشئة عن الشروط الاتفاقية من كل الآثار المترتبة عنها، فهي رغم صحتها تبقى خاضعة لإرادة المشترط عليه إن شاء التزم وإن شاء امتنع عن تنفيذها، مما سيخل باستقرار الأوضاع القانونية كما سيغرر بكثير من الأزواج الذين سيبرمون عقدا ماليا يعتقدون نفاذه ثم بعد ذلك يفاجؤون بعدم إلزاميته، الشيء الذي يطرح التساؤل حول ما توخاه المشرع من هذا العقد من كفالة الاستقرار والطمأنينة داخل الأسرة.

ولعل هذا ما دفع الأستاذ احمد الخمليشي للقول: "أن ما ينسب للإمام مالك من كراهته للشروط على فرض صحة نسبته إليه، لا يعقل أن يكون بتلك الصيغة العامة التي يروى بها لأنه يتعارض مع حديث: "إن أحق ما وفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج" .

إضافة إلى هذا، فإن هذا الاتجاه يتنافى مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تجعل من الوفاء بالعهد قاعدة أصلية، وتؤكد على وجوب الوفاء بالشروط سواء تلك التي تكون بين المسلم وعامة الناس أو بين الزوج وزوجته ، وفقا ما أقرته العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، حيث يقول تعالى: "وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا" .

ويقول كذلك "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود" وفي الحديث الشريف الذي رواه احمد ابن حنبل "لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له".

فكل هذه الأدلة الشرعية توحي بلزوم الشروط والعقود غير المنافية للشرع، إلا في حالات استثنائية يتحقق فيها مساسها بأحد الحقوق الأساسية للملتزم بها.

وإذا كان هذا هو موقف الشريعة الإسلامية، فإن المشرع المغربي لم يشر في الفصل 49 من مدونة الأسرة إلى مدى القوة الملزمة للعقد المالي الذي يبرمه الزوجان، كما انه بالرجوع إلى النصوص العامة المنظمة للشروط الإرادية لعقد الزواج نجده قد أضفى عليه صفة الإلزام بنصه في الفصل 47 على أن "الشروط كلها ملزمة.

.

.

" وفي الفصل 48 على أن "الشروط التي تحقق فائدة مشروعة لمشترطها تكون صحيحة وملزمة لمن التزم بها من الزوجين.

.

.

"، بهذا يكون المشرع المغري قد نص صراحة على إلزامية الوفاء بكل ما وقع الإتفاق حوله في العقد المالي، فلا يمكن للزوجين أن يتنصلا من التزاماتهما بدعوى عدم وجود ما يلزمهما بالوفاء بها.

أما في ما يخص الجزاء القانوني الذي يترتب عن عدم الوفاء بالعقد المالي، فإننا نجد الفصل 98 من مدونة الأسرة ينص على أن "للزوجة طلب التطليق بناءا على أحد الأسباب الآتية: 1- إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج.

2- الضرر.

"كما ينص الفصل 99 على أن" كل إخلال بشرط في عقد الزواج يعبر ضررا مبررا لطلب التطليق".

فيكون بذلك المشرع قد حصر الجزاء لقانوني في إعطاء الحق للطرف الذي لم ينفذ التزامه للجوء إلى طلب التطليق للضرر.

وما يلاحظ بهذا الشأن أن المشرع اعتبر الإخلال بشرط من الشروط الملحقة بعقد الزواج ضررا مبررا للتطليق ، مع العلم انه عرف الضرر بأنه كل تصرف أو سلوك مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية تجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية (الفصل 99 م.

أ).

من هذا المنطلق فإن الإخلال أو تأخير تنفيذ بعض بنود العقد المالي قد لا يرقى إلى مرتبة الضرر بهذا المفهوم، وقد كان حريا بالمشرع أن يعتبر الإخلال بمقتضيات العقد موجبة للجوء إلى مسطرة الشقاق دون وصفه بالضرر، لأن ذلك من شأنه أن يوحي لدى البعض بضرورة اقتران الإخلال والضرر حتى يوجب التطليق .

إلا أن الحل الصائب كان يقتضي النص على ضرورة التنفيذ العيني للالتزامات المالية الواردة في العقد، أما الاكتفاء بإعطاء الحق في طلب التطليق قد لا يكون حلا شافيا ومرضيا لكلا الطرفين اللذين قصدا تنظيم شؤونهما المالية بعقد يعتقدان إلزاميته، كما أن إقرار هذا الحل قد يكون وسيلة لتخلص أحد الزوجين من قرينه، وأمام هذا الوضع أرى أنه ولإعطاء العقد قوة ذاتية تمكين الزوجين من تضمين عقدهما المالي جزاءات لحث كل طرف على الوفاء بالتزاماته، تكون من بينها تقنية الشرط الجزائي التي تجد أساسها في نظرية الالتزامات والعقود (الفصل 264 ق.

ل.

ع)، إذ لا إشكال من تطبيقها في ميدان العلاقات الزوجية ما دامت لا تتنافى مع مقاصد عقد الزواج ولا تخرج عن دائرة النظام العام لمؤسسة الزواج .

من هذا نخلص إلى القول بأن ضمان مصداقية العقد المالي تقتضي تمتيعه بالحماية القانونية في التنفيذ الجبري كلما أمكن ذلك، وفي حالة تعذر التنفيذ العيني يطبق الجزاء الذي قد يكون الطرفان اتفقا عليه، -الذي قد يكون شرطا جزائيا" وإذا لم يعينا جزاءا فصلت المحكمة بما تراه ملائما وفي حدود طلبات المدعي وعروض المدعى عليه وما يكون قد تجدد من ظروف ، مع مراعاة خصوصية العلاقة الزوجية، والقول بخلاف ذلك يجعل من عدة تطبيقات أوردتها المدونة مجرد أفكار عامة بل في ذلك تجريد المدونة من قوتها الإلزامية ككل.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0