الشركة بين الزوجين في القانون المقارن

مجموعة بحوث وعروض ودروس حول النظام المالي للزوجين في القانون المغربي و مدونة الأسرة المغربية

الشركة بين الزوجين في القانون المقارن
لقد تميز الإقرار النهائي لعقد الشركة بين الزوجين في القانون الفرنسي –خلافا للقوانين الأخرى- بالجدل الحاد الذي كان دائرا وسط الفقه والقضاء حول مشروعيتها، والذي كان نابعا بصفة أساسية عن الوضع الحقيقي الذي كانت تعيشه المرأة الفرنسية المتزوجة خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

فالقانون المدني الفرنسي الصادر في 21 مارس 1804 ظل ساكتا عن مسألة مشروعية الشركة المبرمة بين زوجين، غير أن القضاء الفرنسي كان يقضي ببطلان كل شركة تقوم بين زوجين فرنسيين مهما كان نوعها أو غرضها، واستند في تقريره لهذا البطلان على مجموعة من النصوص المستقاة من المبادئ العامة للقانون المدني.

وأول مبدأ كان القضاء الفرنسي يؤسس عليه بطلان الشركة هو مبدأ سلطة الزوج المطلقة على زوجته (الفصل 1388 من القانون المدني الملغى)، والذي بمقتضاه يتمتع الزوج بكامل السلطة على شخص الزوجة وعلى أموالها باعتباره رئيسا للعائلة ومسيرها وقائما عن زوجته في كل التصرفات المدنية والتجارية، حيث كان القانون الفرنسي يجردها من أهليتها القانونية ويصنفها في خانة القاصرين والمحجورين، فلا يمكنها مثلا أن تنتج حسابا بنكيا أو أن تقبل تركة إلا بعد الحصول على إذن من الزوج.

كما كان هذا الأخير يتوك إدارة أموال الزوجية المشتركة، وأموال زوجته الخاصة .

فالنظام المالي الذي كان يتضمنه هذا القانون يمنح الزوج السيطرة على أموال زوجته وفقا لأربعة أشكال، سمح القانون بصياغة العقد طبقا لأي واحد منها تبعا لما يقع عليه اختيار الزوجين، أهمها شركة الزوجين التي تقوم على تقسيم أملاكهما إلى ثلاثة أقسام: قسم عام للزوجين غير قابل للقسمة، وقسم خاص بالزوج، وقسم خاص بالزوجة، وللزوج وحده حق إدارة ماله الخاص ومال الزوجة الخاص والمال المشترك، وهو حق خوله إياه القانون لا يجوز إلغاؤه ولا انتقاصه بشرط في عقد ترتيب أموال الزوجين وسلطة الزوج في إدارة الأملاك المشتركة تكون في الأعمال الإدارية، وفي مباشرة رفع الدعوى أمام القضاء، وفي الأعمال الإدارية المحضة تكون سلطة الزوج غير محدودة، فيؤجر ويستأجر العقارات، وله قبض الإيراد، وله أن يتصرف فيه كما يريد، ويقبض رأس المال من غير مراقبة ولا إذن من أحد، فسلطة الزوج في ذلك غير محدودة، وليس للزوجة الرجوع عليه بأي تعويض ولو أخطأ خطأ فاحشا أو أدار إدارة سيئة أو بذر تبذيرا يجعله مسؤولا قانونا، فهو يعمل كمالك حقيقي ليس عليه أي مسؤولية قبل أي شخص كان .

فمن خلال طبيعة العلاقة التي كانت تربط بين الزوجين والمبنية على التبعية والتفوق، كان القضاء الفرنسي يقضي ببطلان عقد الشركة التي يتطلب لقيامها إرادتين حرتين كاملتين.

وإلى جانب أخذه بمبدأ سلطة الزوج، كان القضاء كذلك يستند في تقريره للبطلان إلى الفصل 1395 من القانون المدني الملغى، الذي نص على عدم إمكانية تغيير العلاقات المالية الناتجة عن الزواج مهما كان النظام المالي الذي اختاره الزوجان، وهذا المبدأ يعتبر من النظام العام لا يمكن مخالفته، وبالتالي فهو –القضاء- يرى أن تأسيس شركة بين الزوجين فيه مس بهذا المبدأ مما سيؤدي إلى النتائج التالية: أولا: تغيير في تكوين الأموال المشتركة بين الزوجين، خصوصا إذا كان هؤلاء خاضعين لنظام الاشتراك.

ثانيا: تغيير في إدارة أملاك الزوجين وفي وضعية المرأة اتجاه دائني الزوج.

ثالثا: تغيير في توزيع الأرباح المحققة خلال الزواج وفي اقتسامها عند انحلاله.

رابعا: إذا كان الزوجان يخضعان لنظام فصل الأموال، فإن الشركة تخلق بينهما ذمة مشتركة تتنافى مع عقد الزواج، الذي ينص في الأصل على فصل ذمم الزوجين.

إضافة إلى هذا كان القضاء يبطل الشركة بين الزوجين على اعتبار أن القانون الفرنسي يمنع إبرام بعض العقود فيما بين الزوجين، كعقد الهبة، والبيع، فتأسيس الشركة في هذه الحالة يعتبر وسيلة كافية لأحد الزوجين للحصول على امتياز غير مباشر حيث يمكن لأحد الزوجين أن يتبرع خفية لصالح الزوج الآخر وبالتالي يساهم في إثرائه بلا سبب، كما يمكن للشركة أن تخفي عقد بيع بين الأزواج وهو ما يشكل خرقا للفصل 1595 من القانون المدني الذي كان يقضي بعدم جواز إبرام عقود البيع بين الزوجين، ولا يمكن لهما أن يخالفا هذا المنع الذي هو من النظام العام، لأن الهدف من تقريره هو حماية مصلحة الزوجين والعائلة، وكذلك حقوق الأغيار، إذ يمكن لهما أن يصبحا عاجزين عن الوفاء بديونهم، وبالتالي يتخلصا من مطاردة دائنهما .

فمن خلال هذا الموقف الذي اتخذه القضاء الفرنسي اتجاه الشركة المنعقدة بين الزوجين، يتبين أنه لم يكن يستند في تقريره للبطلان على نص صريح من القانون المدني، أو القانون التجاري، وإنما استند في ذلك على النصوص والمبادئ العامة التي تضمنها القانون المدني لسنة 1851.

لكن هذا التوجه القضائي الذي بقي صامدا زهاء قرن من الزمن، أخذ يتراجع شيئا فشيئا بسبب كثرة الانتقادات التي تعرض لها من قبل الفقهاء، وكذلك نظرا للنتائج السلبية التي خلفها سواءا على المستوى الاقتصادي للأسرة أو على مستوى الاقتصاد الفرنسي ككل.

فكان أمر 1958 أول نص فرنسي يقر مشروعية الشركة بين الزوجين، بعدما ألغى الأسباب التي كان يستند عليها القضاء لتقريره بطلان الشركة، فتم حذف مبدأ استقرار وثبات الاتفاقات الزوجية فيما يخص الزوجين الخاضعين لنظام فصل الأموال.

كما أن المشرع الفرنسي تفاديا منه لإمكانية قيام أحد الزوجين بهبة أمواله خفية للزوج الآخر، فقد نص في الفقرة الرابعة من الفصل 1841 من القانون المدني على ضرورة كتابة تفويت الحصص والحقوق والالتزامات في عقد رسمي، وهو ما يعتبر ضمانة مطلقة لتفادي الهبات المستترة بين الزوجين، وكذاك للقضاء على التفويت على بياض سواء لصالح أحد الزوجين أو للغير ، بل إن المشرع ذهب أبعد من ذلك حينما اعتبر بموجب قانون 23 دجنبر 1985 عقود البيع الواقعة بين الزوجين مشروعة إذا تمت بدون غش أو تحايل أما فيما يخص سلطة الزوج على زوجته وعلى أموالها، فتم بموجب قانون 13 يوليوز 1965 إقرار مبدأ المساواة بين الزوجين في ممارسة التجارة، فأصبحت الزوجة تتمتع بالحرية الكاملة في مزاولة التجارة دون إذن من زوجها.

واستنادا إلى نص الفصل 1421 من القانون المدني الفرنسي، فإن لكل واحد من الزوجين الانتفاع بالأموال المملوكة ملكية مشتركة بينهما، بما يحقق مصلحة الأسرة ويلبي احتياجاتها.

أما فيما يتعلق بحق الإدارة فلكل منهما السلطة في الإدارة الفردية والمشتركة، إذ يستطيع كل زوج لوحده أن يقوم بإيجار الأموال المملوكة ملكية مشتركة، كما يستطيع استيفاء مبالغ الأموال التي تعد جزءا من الملكية المشتركة، وكذلك لكل واحد منهما في سبيل القيام بإدارة الأموال المشتركة بصورة فردية اتخاذ إجراءات احتياطية ترمي إلى جرد وتدقيق حقيقتهما، وما هو موجود منها فعليا، ولكل زوج الحق في مباشرة الدعاوى القضائية المتعلقة بهذه الأموال، ويستطيع كل واحد منهما التصويت والموافقة مكان الزوج الآخر في حالة غيابه إذا كانت هذه الموافقة تعود بالفائدة على الملكية المشتركة، ولكل منهما الاعتراض على إدارة الزوج الآخر التي تتم بدون خطأ أو غش .

وكل من الزوجين يكون مسؤولا عن الأخطاء التي يرتكبها في إدارته للأموال، فيجب عليه أن يبذل من العناية ما يبذله الرجل المعتاد الحريص على مصالحه.

غير أن سلطة الزوجين هاته على أموال الشركة ليست مطلقة، فقد أورد المشرع الفرنسي عليها عدة استثناءات، إذ لا يجوز لكل من الزوجين بدون موافقة الزوج الآخر إجراء التصرفات التالية: أولا: لا يستطيع كلا من الزوجين لوحده وبدون موافقة الزوج الآخر أن يتصرف في أموال الشركة على سبيل الهبة .

ثانيا: لا يستطيع أي من الزوجين أن يوصي بوصية تتجاوز قيمتها مقدار مساهمته في شركة الزوجين .

ثالثا: لا يستطيع أي من الزوجين إجراء التصرفات العوضية التي من شأنها أن ترتب حقوقا لفائدة الأغيار على أموال الشركة .

ولكي يستطيع أي من الزوجين القيام بالتصرفات السابقة يجب عليه أن يحصل على موافقة الزوج الآخر، وفي حالة تجاوز أحدهما لسلطاته على أموال الشركة فلهذا الأخير الحق في المطالبة بإبطال التصرف الذي قام به زوجه خارج حدود سلطاته.

بهذا يكون المشرع الفرنسي قد أوجد تنظيما دقيقا ومحكما لشركة الزوجين، تنظيم يتلاءم مع فلسفة الأسرة الفرنسية، وينطلق من احتياجاتها وإمكاناتها الاقتصادية.

أما التشريع المصري فقد نظم شركة الزوجين ضمن الأحكام العامة المنظمة للملكية الأسرة والمأخوذة عن التقنين المدني السويسري والتقنين المدني الإيطالي، فجاء القانون المصري بهذه الأحكام لتنظيم الواقع الذي كان قائما فعلا في البيئة المصرية، التي شهدت انتشارا واسعا لملكية الأسرة، حيث إن كثيرا من الأسر كانت تستبقي أموالها شائعة بين أفرادها لاسيما إن كان مصدرها عن طريق الميراث، فكان يديرها عميد الأسرة ويقدم حسابا عن إدارتها لشركائه في الشياع .

وإذا كانت ملكية الأسرة كما أسلفت ضربا من الشيوع الإجباري، فإن القانون المدني المصري أصبح يقر بإمكانية قيام شيوع يفرضه الاتفاق لا القانون، وهذا الأخير هو ما يهمنا في هذه الدراسة بحكم تناولنا للإتفاق كمصدر لقيام عقد الشركة بين الزوجين، وعليه يمكن للزوجين إنشاء شركة بينهما وفقا للأحكام التالية: أولا: لابد لقيام شركة بين زوجين من إدخال شريك ثالث عليهما، حيث حدد القانون المصري الحد الأدنى لعدد الشركاء في اثنين، إلا انه إذا كان الشركاء زوجين فالعدد يرتفع إلى ثلاثة، فإذا انعقدت الشركة بهذا العدد ثم قل عدد الشركاء عن هذا النصاب، اعتبرت الشركة منحلة بحكم القانون إذا لم يبادر الزوجان خلال شهر على الأكثر باستكمال الحد الأدنى لعدد الشركاء، ويكون من يبقى من الشركاء مسؤولا في جميع أمواله عن التزاماته باسم الشركة خلال هذه المدة .

ثانيا: يجب أن يتفق الشركاء على إنشاء الشركة اتفاقا مكتوبا، كما يصرح بذلك الفصل 851 من القانون المدني، والكتابة المشترطة هنا هي للانعقاد لا للإثبات، فالاتفاق غير المكتوب يكون باطلا ولو أقر به المتعاقدون، والعلة من ذلك أن عقد الشركة قد يدوم لمدة طويلة فوجب أن يكون الإتفاق مكتوبا حتى يتم الرجوع إليه عند الحاجة، لكن الكتابة لا يشترط فيها أن تكون رسمية فالكتابة العرفية تكفي.

ولتسيير هذه الشركة، على أحد الزوجين أن يتولى أعمال الإدارة، وهو في ذلك يتمتع بسلطات واسعة في الاستغلال والتصرف في سبيل تنمية أموال الشركة، ولا يرد على سلطته هذه إلا قيدين اثنين، فلا يمكنه إدخال تعديلات على أموال الشركة بتبديل بعضها، كما يجوز للشركاء الآخرين أن يقيدوا من سلطات المدير الواسعة فيقصرها مثلا على أعمال الإدارة العادية ويشترطوا موافقتهم على باقي الأعمال الأخرى .

أما المشرع التونسي فقد عمل من جانبه كذلك على تضمين قانون الاشتراك في الأملاك الزوجية أحكاما متكاملة تنظم أوجه اكتساب العقارات المشتركة، وكيفية إدارة المشترك، والتصرف فيه، وإشهار نظام الشركة بدفاتر الحالة المدنية ضمانا لحقوق الغير المتعامل مع أحد الزوجين، على أساس الضمانات والتأمينات المتصلة بعقارات الشركة .

فيجوز لكل واحد من الزوجين القيام بجميع الأعمال الرامية إلى حفظ الأملاك المشتركة، وإدارتها، والانتفاع بها، والقيام بجميع الأعمال النافعة مادية كانت أو قانونية .

لكن سلطة الزوجين في الإدارة والتسيير تخضع لقيود تقتضيها طبيعة عقد الشركة، فلا يصح مثلا تفويت المال المشترك، ولا إنشاء الحقوق العينية عليه، ولا كراؤه للغير لمدة تفوق الثلاثة أعوام، ولا تجديد كرائه بما يجعل مجمل مدة الكراء تتجاوز هذه المدة، إلا برضى كلا الزوجين باستثناء الحالة التي يتعذر فيها على أحدهما التصريح بإرادته أو في حالة ثبوت سوء تصرفه، أو تبديده، فأنذاك يصح لقرينه إجراء أحد أعمال الإدارة المذكورة دون رضى الزوج الآخر، لكن بعد استصدار حكم استعجالي يقضي برفع اليد ويأذن له بإجرائها .

والخلاصة أن مشروعية عقد شركة الزوجين في الوقت الراهن أصبحت مكرسة بنصوص صريحة في جل الدول العربية، خاصة بعد إقرار القانون الفرنسي بعدم شرعية نظرية البطلان التي ابتدعها الاجتهاد القضائي.

أما القانون المغربي فقد ظل منذ سنة 1913 ساكتا حول هذه المسألة.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0