الأمر بإجراء بحث أو شهادة الشهود

مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات

الأمر بإجراء بحث أو شهادة الشهود
مما لا شك فيه أن المشرع المغربي استعمل مصطلح " البحث" أو " الأبحاث"، للدلالة على ما يسمى بشهادة الشهود، وقد تناول هذا الاجراء في قانون المسطرة المدنية في الفصول من 71 إلى 84 من ذات القانون، كما تناول قانون الالتزامات والعقود مجال الاعتداد بشهادة الشهود في المادة المدنية في الفصول من 443 إلى 448.

وعليه سنحاول من خلال هذه الفقرة مناقشة أبرز النقاط التي تهم هذه الاجراء، من خلال التطرق (أولا) إلى ماهية الأمر بإجراء بحث، ومجالات تدخله وكيفية إجرائه، لنعرج في النقطة الثانية ( ثانيا ) للحديث عن الشهادة، تعريفها وكيفية تأديتها، لنختم هذا الاجراء بتحرير محضر.

-أولا: ماهية الأمر بإجراء بحث- سنحاول في هذه النقطة أن نتطرق إلى تعريف هذا الاجراء (1)، تم بعد ذلك نعالج مجالات عمل الأبحاث (2)، وأخيرا كيفية إجراء الأبحاث (3).

- 1- تعريف الأمر بإجراء بحث- يمكن تعريف الأمر بإجراء بحث على أنه:" إجراء من إجراءات التحقيق التي تمكن القاضي من الاستماع لأطراف النزاع وللشهود، والذي يتم إنجازه إما تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف.

ومن وجهة نظري المتواضعة يمكنني القول أن الأمر بإجراء بحث إجراء كغيره من إجراءات التحقيق التي تأمر بها المحكمة إما تلقائيا أو بناء على طلب أطراف النزاع الذي يقتضي البحث والاستماع للأطراف وكذا لشهودهم عند الاقتضاء، وذلك بهدف إثبات واقعة مادية أو واقعة قانونية يجوز قانونا معاينتها من طرف الشهود والتي يبدو التثبت منها مقبولا ومفيدا للدعوى، تطبيقا لنص الفصل 71 من ق.

م.

م.

وعلى الرغم من أن البحث يتميز بطابع الاختياري كباقي إجراءات التحقيق، إلا أنه بالرجوع إلى أحد القرارات الصادرة عن محكمة النقض المغربية، سنلاحظ أن هذه الأخيرة سارت في اتجاه تكريس الطابع الاجباري لهذا الاجراء في بعض النزاعات والذي جاء فيه ما يلي:" ولما كان من الثابت أن الخلاف بين الطرفين يدور حول طريقة الأداء والكيفية التي تم الاتفاق على أساسها تسليم الثمن وهو ما لم تتضمنه بنود العقد بكيفية صريحة فإنه كان على المحكمة حسما للخلاف إجراء بحث للوصول إلى الحقيقة".

ويترتب عن هذا كقاعدة عامة ضرورة استجابة المحكمة للطلب الذي من الممكن أن يتقدم به الأطراف في هذا الشأن.

واستثناء يمكنها أن ترفض ملتمس استدعاء الشهود والاستماع اليهم، إذا لم تتوفر شروطه القانونية، وهي: - أن تكون الوقائع المراد اثباتها مفيدة في تحقيق الدعوى، - وأن لا يسمح القانون بإثبات هذه الوقائع بشهادة الشهود.

وهو ما أكدته محكمة النقض في قرارها عدد 19 الصادر بتاريخ 20/01/2015، والذي جاء فيه:" إن إجراء بحث، يندرج ضمن إجراءات التحقيق الموكولة لسلطة المحكمة التقديرية، ولا تقوم به إلا إذا كان ضروريا للفصل في النزاع".

[85] 2- مجال إجراء الأبحاث- استهل المشرع المغربي الأمر بإجراء بحث كإجراء من إجراءات التحقيق، بالحديث عن مجال إجرائه، حيث نص الفصل 71 من قانون المسطرة المدنية بأنه يجور الأمر بالبحث في شأن الوقائع التي يمكن معاينتها من طرف الشهود والتي يبدو التثبت منها مقبولا ومفيدا في تحقيق الدعوى.

وفي هذا السياق ذهبت محكمة النقض المغربية بتاريخ 25 أكتوبر 1981، إلى أن: «محكمة الاستئناف التي لم تستجب لملتمس الاستماع إلى الشهود لإثبات علاقة العمل بين الطرفين تكون قد خرقت مقتضيات الفصل 71 من قانون المسطرة المدنية التي تجيز الأمر بإجراء بحث الاستماع الى الشهود في شـأن الوقائع التي يمكن معاينتها من طرفهم".

3- كيفية إجراء البحث- إذا كان بإمكان القاضي القيام بإجراء بحث عن طريق حكم تمهيدي، فإن نفس الحكم يبين الوقائع التي سيجري بشأنها الحكم وكذلك، يوم وساعة الجلسة التي سيتم فيها تطبيقا للفصل 72 من قانون المسطرة المدنية.

ويقرر الفصل أعلاه استدعاء الأطراف لحضور جلسة البحث، والمقصود هو وجوب استدعائهم، لا وجوب حضورهم، ( الفص 76 من ق.

م.

م)، والأصل أن يتم استدعاء الأطراف بمواطنهم المختار عملا بمقتضيات الفصلين 33 و 524 من نفس القانون، وليس بمواطنهم الحقيقية.

وتجدر الإشارة الى أن المشرع لم يتحدث عن وجوب استدعاء وكلاءهم أو عن حضورهم جلسة البحث.

فهل عدم استدعائهم بهذه الصفة يشكل إخلالا يترتب عنه البطلان؟ ما يمكن أن نخلص في تقريره في هذا الشأن هو نفسه الذي ورد بشأن حضور أو عدم حضور الوكلاء خلال البحث مع أطراف الدعوى، فالواضح أن قواعد المسطرة لا تنص على استدعاء وكلاء الأطراف، وهذا لا ينفي فقط وجوب استدعائهم، وإنما يفيد عدم الرغبة في حضورهم جلسات البحث، فإن التقيد بالقواعد القانونية وبسلامة الاجراء يقتضي عدم السماح لهم بذلك.

ولو أن المشرع وهو ينظم إجراءات البحث مع الشهود أراد اشراك الوكلاء في هذا الاجراء، لنص صراحة على استدعائهم، غير أنه اكتفى فقط بالحديث عن استدعاء الأطراف ( الفصل 72)، وعبارة "الأطراف" هنا تعني أشخاص الخصوم في الدعوى، ولا تمتد الى من ينوب عنهم.

وتتكلف كتابة الضبط باستدعاء الشهود الذين توصلت بلائحتهم في إطار القواعد الخاصة بتوجيه الاستدعاءات الواردة في الفصل 37 و 38 و 39 من قانون المسطرة المدنية، كما يمكن للأطراف أن يباشروا شخصيا استدعائهم عن طريق رسالة مضمونة.

-ثانيا: ماهية الشهادة- مما لا شك فيه ان الأمر بإجراء بحث هو نفسه شهادة الشهود أو الاستماع للشهود، ووردنا لكل واحد على حدة ليس لشيء انما فقط لتوضيح الامر أكثر، وعليه سنحاول أن نتطرق الى مفهوم الشهادة من خلال التطرق الى تعريفها (1)، وكيفية تأديتها (2)، ونختم هذه النقطة بمناقشة محضر الشهادة أو محضر الأمر بإجراء بحث (3).

1- تعريف الشهادة- يمكن تعريف الشهادة أنها قيام شخص أجنبي عن النزاع بإخبار القاضي بعد أداء اليمين القانونية بالوقائع التي علمت الى علمه بأي وجه كان، وتكمن الشهادة باعتبارها وسيلة من وسائل الاثبات في أنها تمكن المحكمة من الوقوف على مدى تحقق واقعة معينة من وقائع النزاع، غير أنه في المادة المدنية لا يمكن استعمال هذه الوسيلة لإثبات قيام التزام تفوق قيمته 10.

000 درهم ( الفصل 443 من قانون الالتزامات والعقود).

-2- كيفية تأدية الشهادة- نص الفصل 76 من ق.

م.

م على أنه يستمع الى الشهود على انفراد سواء بمحضر الأطراف أو في غيبتهم، ويتم الاستماع إليهم بعد أداء اليمين القانونية والتحقق من هوياتهم، ويمكن هذا الاجراء من تفادي تأثير شاهد على آخر.

واعتبارا للفصل 76 من ق.

م.

م، فإن الشهود يستمع إليهم على انفراد حتى لا يسمع بعضهم بعضا، وهذا يستتبع أيضا ألا تترك لهم فرصة الاتصال فيما بينهم، قبل انتهاء عملية البحث حتى لا يحصل أي تواطئ بينهم، كما يمكن للمحكمة أن تستمع من جديد الى الشهود أو تقوم باجراء مواجهة فيما بينهم، وتجدر الإشارة أنه لا يؤدي الأفراد الذين لم يبلغوا ست عشرة سنة كاملة اليمين، ولا يستمع اليهم إلا على سبيل الاستئناس.

ويصرح كل شاهد قبل سماع شهادته باسمه العائلي والشخصي وحرفته وسنه وموطنه وما إذا كان قريبا أو صهرا للأطراف مع ذكر الدرجة أو خادما أو عاملا عند أحدهم.

كما نص الفصل 81 و 82 من نفس القانون، على ضرورة تأدية الشهادة شفهيا، ولا يمكن للشاهد الاستعانة بمذكرات كتابية إلا بإذن من القاضي، كما منع المشرع مقاطعة الشاهد من قبل الأطراف، أو توجيه أسئلة مباشرة اليه، وأوجب على المحكمة أن تقرأ لكل شاهد شهادته المدونة في محضر الجلسة مع توقيعه عليها أو التنصيص على عدم معرفته للتوقيع أو رفضه له.

هذا بالإضافة الى أن المشرع سمح لأطراف الدعوى تجريح الشهود، إما لعدم أهليتهم لأداء الشهادة طبقا لما ورد في الفصل 75 من ق.

م.

م، أو للقرابة القريبة أو لأي سبب خطير آخر تطبيقا لمقتضيات الفصل 79 من نفس القانون، واشترط أن يقدم التجريح قبل أداء، إلا إذا لم يظهر سببه الا بعد ذلك، كما أوجب المشرع على المحكمة البث في طلب التجريح في الحال أي وقت تقديمه، بحكم تمهيدي، ورتب على قبول التجريح الغاء الشهادة طبقا للفصل 79 و80 من ق.

م.

م.

وهذا على عكس تجريح الخبراء، فإن المشرع لم يحدد الأسباب التي يتعين الاستناد عليها عند إثارة التجريح، ويجمل الاجتهاد القضائي هذه الأسباب في الحالات التي تكون فيها للشاهد المعني بالامر مصلحة في النزاع المعروض على المحكمة، ويتعين على الطرف الذي يعتزم إثارة هذه الوسيلة أن يفعل ذلك قبل الاستماع إلى الشاهد تحت طائلة عدم القبول، إلا أن هذا الجزاء لا يهم الحالة التي يكتشف فيها سبب التجريح إلا بعد إدلاء الشاهد بتصريحاته أمام المحكمة.

- 3- محضر الأمر بإجراء بحث/ الشهادة- بالنظر لكون الشهادة هي أداة ووسيلة تحقيق، يمكن للقاضي الرجوع إليهم قبل نطقه بالحكم، فإنه ينبغي أن تكون محررة في محضر، وهو الأمر الذي نص عليه المشرع المغربي بمقتضى الفصل 83 من ق.

م.

م، والذي جاء فيه ما يلي:" يحرر كاتب الضبط في جميع الأحوال محضرا بشهادة الشهود ويوقع هذا المحضر حسب الأحوال من طرف القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية أو رئيس الجلسة ويرفق بأصل الحكم ويبين اليوم ومكان وساعة الاستماع، وغياب أو حضور الأطراف والأسماء العائلية والشخصية والمهن وسكنى الشهود وأدائهم اليمين وتصريحاتهم، وإذا كانت هناك رابطة تتعلق بالزوجية أو القرابة أو المصاهرة أو الخدمة أو العمل عند الأطراف وأوجه التجريح وشهادتهم والاشارة إلى تلاوتها عليهم".

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0