الشروط الموضوعية لإيقاف تنفيذ المقررات الإدارية
مجموعة مواضيع في القانون العام منتقات للتحضير للبحوث و المقالات و المباريات القانونية
أ- شرط الاستعجال : لم يعط القانون المغربي لهذا الشرط أي تعريف قانوني، لكن يمكننا القول بأن هذا الشرط يتحقق عندما يكون تنفيذ القرار يرتب نتائج يتعذر تداركها فيما لو حكم بإلغاء القرار بعد تنفيذه وعلى المحكمة أن تتحقق من وجود هذا الشرط حسب الحالات المعروضة أمامها كما ولو صدر قرار بمنع طالب من اجتياز مباراة أو بهدم منزل أثري أو بمنع مريض من السفر إلى الخارج للعلاج، ففي مثل هذه الحالات يكون ركن الاستعجال قائما وبذلك فكلما ظهرت للمحكمة أمور يخشى عليها من فوات الوقت أو نتائج يتعذر تداركها، كان عنصر الاستعجال موجودا لإيقاف التنفيذ يعتبر بحق كما قال الأستاذ هوريو "مراقبة أولية وعاجلة لمشروعية القرار" موجودا، ولكي يمكننا الوقوف على هذا الشرط بتدقيق يتعين القول بأن عنصر الاستعجال يقوم على ثلاثة معايير أساسية يجب على المحكمة مراعاتها عند فحص عنصر الاستعجال بمناسبة دراسة الملف المعروض عليها وهي كالتالي : 1.
ألا تتأذى المصلحة العامة من وقف التنفيذ ابتداءا شديدا.
2.
أن يتضرر طالب وقف التنفيذ ضررا كبيرا في عمله وحياته الخاصة.
3.
أن لا يكون بإمكانه دفع النتائج الضارة التي تترتب على استمرار تنفيذ القرار بالوسائل القانونية المقررة .
وهنا غالبا ما تحاول المحكمة الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين المصلحة العامة ومصالح الأفراد، فيكون عنصر الاستعجال قائما عندما تتوافر ضرورة معينة تبرر وقف تنفيذ القرار لتفادي نتائج يتعذر تداركها فيما بعد ودون التطاول على المصلحة العامة بشكل صارخ عند الأمر بوقف التنفيذ وفي حالة تعادل المصلحة الخاصة مع المصلحة العامة تلجأ المحكمة إلى تغليب كفة المصلحة العامة على الخاصة.
وقد ثار تساؤل في القضية حول ما إذا كانت القرارات الإدارية المعدومة قابلة لوقف التنفيذ بناءا على حالة الاستعجال وخاصة في مصر وفرنسا ؟ وفي الحقيقة أن هذه القرارات لا تعتبر قرارات إدارية وإنما مجرد أعمال مادية، فالقرارات الإدارية تكون لها قوة ملزمة، أما المعدومة فهي مجرد أعمال مادية أو عقبات في وجه الأفراد فقد ذهب القضاء في مصر إلى جواز الحكم بإيقاف تنفيذها، لمجرد أنها منعدمة ودون التقيد حتى بأجل الطعن ، لأن هذا العمل كما قالت المحكمة العليا في مصر لا يعدو أن يكون مجرد عقبة مادية في سبيل استعمال ذوي الشأن لمراكزهم القانونية المشروعة مما يبرر بذاته مطالبتهم بإزالة تلك العقبة بصفة مستعجلة.
(حكم بتاريخ 14-01-1956 منشور بمجموعة المبادئ السنة الأولى، ص : 383)، وهكذا عندما يتوافر شرطا الاستعجال والجدية، فإن المحكمة يتعين عليها أن تحكم بإيقاف تنفيذ القرار، أقول هنا المحكمة كهيئة مشكلة من أعضاء .
ويثور التساؤل عندما تتوافر الضرورة المستعجلة القصوى بالمغرب ويتقدم الطاعن يطلب استصدار الأمر بإيقاف التنفيذ إلى السيد رئيس المحكمة الإدارية عندما يكون النزاع منصبا في الموضوع حول طلب إبطال محضر حجز تنفيذي إداري من طرف قابض الضريبة وتقدم الطاعن بالإلغاء يطلب بطلان محضر الحجز وإيقاف عملية البيع أو تأجيله وفي نفس الوقت يطلب من رئيس المحكمة إيقاف عملية الحجز التنفيذي خاصة ما إذا كان قد أدى الكفالة المنصوص عليها بالفصل 15 وما يعده من ظهير 1935 المتعلق بالضرائب، ففي هذه الحالة يحب لرئيس المحكمة أن يفصل في الطلب المذكور بمفرده نظرا لحالة الاستعجال القصوى دون هيئة الحكم .
ب- شرط الجدية أو المشروعية : ويقصد بهذا الشرط أن يكون طلب التنفيذ مبنيا على أسباب جدية وواقعية حسب الظاهر من الأمور، بمعنى أن القاضي الإداري من خلال بحثه في الجدية فإنه يتكون لديه نظرة أولية في مشروعية الطلب الموضوعي من خلال الفحص الظاهري لوثائق الملف، بحيث يكون طلب الإلغاء ذاته قائما على أسباب جدية تحمل على ترجيح كفة إلغاء القرار الإداري لعيب فيه من عيوب القرار الإداري دون أن يقوم القاضي ببحث دقيق ومعمق في موضوع الطلب ودون الدخول في التفاصيل، وهناك العديد من القرارات الإدارية التي تفقد جديتها وتكون مخالفة للقوانين أو المبادئ السائدة في الميدان الإداري، مثل القرار الإداري بوقف صدور جريدة بصفة تعسفية ودونما أسباب قانونية أو أمنية وجيهة أو قرار إداري بمنع صدور جريدة موازية تحت اسم جديد من طرف حزب سياسي معين بعد صيرورة قرار إيقاف الجريدة الأولى نهائيا وناقدا، إذا في هذه الحالة الأخيرة يعتبر الإيقاف أو المنع لصدور الجريدة هو منع لرأي الحزب وشل نشاطه السياسي الذي يعبر عنه بواسطة جريدته .
ويجب دائما عدم الخوض في جوهر النزاع وأصل الحق موضوع الطعن في القرار الصادر بشأنه، على اعتبار أن وقف التنفيذ هو حكم مؤقت يستلزم عدم الخوض في الجوهر، لا يقيد المحكمة عند نظرها لأصل طلب إلغاء القرار.
فقد تحكم برفض الطعن بالإلغاء في الطلب الموضوعي أو قبوله حسب الأحوال بعد قيام المحكمة ببحث مفصل ومعمق في المشروعية.
وهكذا فبالرغم من أن وقف التنفيذ هو من قبيل الأمور المستعجلة التي لا علاقة لها بموضوع الدعوى وإننا طلب متفرع عن طلب الإلغاء، فيجب أن يكون طلب الإلغاء مبنيا على أسباب جدية يترك لقاضي الموضوع تقديرها .
مجال وقف التنفيذ : من المسلم به أن المحكمة لا تفحص طلب وقف التنفيذ إلا بعد أن تكون قد تحققت أولا في اختصاصها بنظر الطلب الأصلي، وهو إلغاء القرار الإداري المطعون فيه بعدم المشروعية وكذلك شروط قبول الدعوى وأهمها ميعاد رفعها وإلا صرحت المحكمة بعدم قبول الطلبين معا.
مدة إمكانية وقف التنفيذ القرارات الإدارية المرتبطة بعقود إدارية : هناك مسألة ذات أهمية قصوى ولابد من الإشارة إليها، هل يمكن الطعن في القرارات الإدارية المرتبطة بالعقود الإدارية بالإلغاء والوقف ؟ فالعقد الإداري كما نعلم له مميزات خاصة تجعله يرقى على باقي العقود العادية، بحيث تظهر فيه امتيازات السلطة العامة كأن تقوم الإدارة بالتنفيذ المباشر للعقد وتنزل عقوبات على المتعاقد معها مثل مصادرة التأمين، فرض غرامة التأخير، إنهاء المشروع بصفة منفردة، إلى أخره، إن الفقه قد ميز في القرارات المطعون فيها بالنسبة لهذه العقود بين القرارات المنفصلة عن العقد والتي تكون سابقة عنه أو في المرحلة التمهيدية للعقد وتسمى القرارات المنفصلة Actes détachables كالقرار بطرح العمل في المناقصة والقرار الصادر باستبعاد أحد المتناقضين أو إلغاء المناقصة إلخ، هذا من جهة ومن جهة أخرى، هناك القرارات المتعلقة بتنفيذ مقتضيات العقد وبنوده تسمى Les actes attachables كالقرار بمصادرة التأمين أو فسخ العقد.
والقاعدة العامة أن القرارات الإدارية الصادرة بمناسبة تنفيذ بنود العقد Attachables كالقرار بسحب العمل ممن تعاقد معها، والقرار بمصادرة التأمين أو إلغاء العقد ذاته لا يقبل فيها دعوى الإلغاء وتبعا لذلك لا تقبل فيها طلبات وقف التنفيذ، ويتعين على المتعاقد مع الإدارة أن يسلك طريق دعوى القضاء الكامل والمطالبة بالتعويض إن كان قد حصل له ضرر محقق ومباشر.
وكذلك الشأن بالنسبة للغير الذي يعتبر أجنبيا عن العقد فهو الآخر لا يكون محقا سوى في المطالبة بالتعويض، بخلاف القرارات الإدارية السابقة على انعقاد العقد أو المنفصلة (Détachables) والتي قد تسهم في إبرامه كقرارات إجراء مناقصة أو المزايدات، إلخ.
فهي قرارات نهائية مستقلة عن العقد وتكون قابلة للطعن بالإلغاء ومن باب التبعية قابلة لطلب وقف التنفيذ.
وهذا الاتجاه اقتباسا من الاجتهاد الفرنسي قد اخذت به المحكمة العليا بمصر في مجموعة مبادئ قانونية في الحكم عدد 15 المنشور في كتاب مجموعة المبادئ 1980-1965، الجزء الأول ص : 181 والصلة في ذلك أن القرارات الإدارية الصادرة في ميدان تنفيذ العقد والمرتبطة به هي تخضع غالبا للشروط التعاقدية وتخضع في مراقبتها لقاضي العقد وليس لقاضي الإلغاء، والفصل في هذا التمييز يرجع فيه إلى كناش التحملات غالبا، وإن كان مجلس الدولة الفرنسي قد عدل من هذا الموقف نسبيا أو أدخل في دعوى الإلغاء وقبل طلب الإيقاف فيما يتعلق بالقرارات المرتبطة بالعقد وحكم تبعا لذلك بإلغاء وإيقاف هذا النوع من القرارات إذا انتقت فيها المشروعية وتوافرت حالة الاستعجال .
أما المقررات المنفصلة أصلا عن العقد، فلا جدال أنها قابلة للإلغاء ومن الباب التبعية لإيقاف تنفيذها، إلا أن هذا التمييز يبقى نظريا ومنفذا ولا يستقيم في جميع الأحوال فالمحاكم مثلا في مصر قد حكمت بإلغاء بعض المقررات المتصلة بالعقد استنادا إلى عنصري الجدية والاستعجال وعندما تحقق أضرارا خطيرة للمتعاقد مع الإدارية وفي جميع الأحوال التي تقبل فيها القرارات التي لا علاقة لها من بعيد أو من قريب بالعقد للطعن بالإلغاء لتجاوز السلطة، يتعين ألا تكون هذه القرارات مرتبطة بالنظام العام كالقرارات البوليسية فمثل هذه القرارات لا تقبل إيقاف تنفيذ، راجع مستنتجات مفوض الحكومة رميو Romieu في هذا الصدد، وأن لا يمنع القانون صراحة إيقاف تنفيذها كتدبير استثنائي يخرج عن القاعدة المألوفة قانونا وهي نفاذ القرارات الإدارية بمجرد صدورها من الجيهات الإدارية الرسمية .