كثيرا ما
يتضرر ضحايا الجرائم من تحفظ السلطات عن متحصلات الجريمة في انتظار البت النهائي في القضايا، الشيء الذي يستغرق في العادة وقتا طويلا رغم أن تلك الأشياء ليست محل أي نزاع في شأن الملكية، وأنها مجرد منقولات سلبت من أصحابها الشرعيين بمقتضى أفعال جرمية (سرقات أو اختلاسات أو نصب أو خيانة أمانة أو
غيرها من الجرائم)؛ وهي بالإضافة إلى ذلك تملأ ردهات المحاكم، وتثير صعوبة أخرى في حراستها والمحافظة عليها من التلف أو الإتلاف أو تدني القيمة من جراء التآكل، بالإضافة إلى ما تفرض من مسؤوليات على عاتق كتابة الضبط على مستوى حراستها والمحافظة عليها.
ولهذا الغرض فإن المشرع نحا نحو تحسين مردودية العدالة الجنائية، وتخفيف وطأة الجرم على الضحايا، حين أباح للنيابة العامة أن تقوم بتسليم الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها، ما لم تكن لازمة لسير الدعوى أو محلا للمصادرة، ولا توجد منازعة بشأنها، إذ جاء في المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية أنه "
يجوز في حالة عدم وجود منازعة جدية أن يأمر برد الأشياء التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها ما لم تكن لازمة لسير الدعوى أو خطيرة أو قابلة للمصادرة "، أما إذا انتهت المسطرة دون أن يحال الملف على قضاء التحقيق أو قضاء الحكم، بأن تكون النيابة العامة قد قررت حفظ الشكاية لوفاة المتهم أو لغير ذلك من الأسباب،
فإنها تبقى مختصة للأمر بالرد، عملا بمقتضيات الفقرة التاسعة من المادة أعلاه التي ضبطت أثناء البحث لمن له الحق فيها بالشروط المذكورة.
لكن إمكانية رد الأشياء التي تم ضبطها تتطلب توفر شروط أربعة حسب مقتضيات المادة 40 ق.م.ج:
- ألا تكون منازعة جدية حول الأدوات ، والمقصود بذلك إلا تكون منازعة قائمة على مبررات حقيقية حول ملكية هذه الأدوات أو الأشياء أو على الأقل حيازتها، وذلك طبقا خاضع لسلطة التقديرية للنيابة العامة.
- ألا تكون لازمة ليسر الدعوى، أي أن النيابة العامة باعتبارها الطرف المدعي في الدعوى العمومية وهي التي تتحمل عبء الإثبات فهي المؤهلة لتقدير مدى احتياجها لتلك الأشياء لإثبات التهمة.
- عدم خطورة الأشياء ومعنى ذلك أن تكون الخطورة غير عادية وان يكون صاحبها الذي يطالب باسترجاعها غير مؤهل لحيازتها دون تشكل خطورة عليه أو على الغير ، والنيابة العامة ينبغي أن تراعي هذا النوع من الخطورة حين تقديرها في موضوع رد الحجوزات التي تتبين خطورتها .
- ألا تكون قابلة للمصادرة، والمصادرة التي يتحدث عنها المشرع في هذا الصدد هي المصادرة العينية، وهي التي تتعلق بالأشياء التي لها دور في ارتكاب الجريمة وتشمل الأشياء والأدوات تم استعمالها في ارتكاب الجريمة ، حيث أن هذه المصادرة يجوز الحكم بها ولو لم ينص عليها القانون في جميع الجرائم التي تعد جنايات،
أما في الجنح أو المخالفات لا يجوز الحكم بها إلا إستثناءا بموجب نص قانوني صريح، ومن الأمثلة على الجنح التي نص المشرع على إمكانية الحكم بالمصادرة فيها، جنحة الاتجار في المخدرات .
ولقد أحسن المشرع صنعا بمنح النيابة العامة هذه الصلاحية، لأن كثيرا من الممتلكات المحجوزة كانت تتعرض للتلف بفعل الزمن أو بفعل الغير، إلا أن الملاحظ هو أن المشرع قد اقتصر على مجرد " المنازعة " لكي لا تأمر النيابة العامة بالرد، وهو تعبير عام ومطلق قد يجعل من كل منازعة لأجل المنازعة ذريعة لعدم الرد، مع
أن المقصود هو المنازعة الجدية، حتى تتحقق الغاية التي أرادها المشرع، كما أن ورود هذا النص بعبارة فضفاضة باستعمال عبارة " لازمة ليسر الدعوى " من شانه أن تفرغ النص من محتواه متى تم التوسع في تفسيرها، لذلك يتعين فرض نوع من التروي ودراسة المسطرة بكل أبعادها قبل اتخاذ هذا القرار.