الرقابة القضائية في إتباث وجود الخطأ و تقدير جسامته

فصل تعسفي، خطأ جسيم، تقدير القضاء للخطأ الجسيم

الرقابة القضائية في إتباث وجود الخطأ و تقدير جسامته

المبحث الأول: الرقابة القضائية في إتباث وجود الخطأ و تقدير جسامته.

يلعب القضاء دور الدركي في مراقبة التجاوزات التي سمحت بها القوانين المغربية التي تمتاز بالنقص، و في تشريع الشغل يعتبر إغفال المشرع على التنظيم الجيد لمسطرة الفصل التأديبي و إعطاء المشغل السلطة المطلقة سببا لاستغلال تلك السلطة ضذ الأجير، و هوما يدعوا تدخل القضاء للحد من تلك السلطة و بسط رقابته عليها.

و من مظاهر هذه الرقابة نذكر تدخله للتحقيق في وسائل الإتباث و تقدير جسامته بغض النظر عن ما يدعيه المشغل، و كذلك تدخله لرقابته على مدى احترام المشغل للقانون في إجراءاته التأديبة. لهذا سندرس فس هذا المبحث أولا مظاهر الرقابة في إتباث الخطأ و تقديره (المطلب الأول)، و ملائمة العقوبة التأديبية (التدرج) ( المطلب الثاني).

المطلب الأول: مظاهر الرقابة في إتباث الخطأ و تقديره.

إن تدخل القضاء لبسط رقابته على أفعال المشغل خلال ممارسته لمسطرة الفصل التأديبي تذهب أولا للتأكد من إدعاءات المشغل بوجود وتقدير الخطأ و إتباثه أولا، و تكييفه لذلك الخطأ للجوء إلى فصل الأجير.

الفقرة الأولى: إتباث الخطأ.

إن الغموض التشريعي في مسطرة الفصل التاديبي من الأسباب الذي تشجع المشغلين على حبك الأفخاخ للأجراء من أجل إيقاعهم في أخطاء غير جسيمة تبرر توقيع العقوبات التأديبية المتدرجة للوصول إلى فصلهم و هم مدركين مسبقا بإعفائهم من سلوك مسطرة الفصل التأديبي و هو ما يستدعي تدخل القصاء للنظر في وسائل إتباث هذا الخطأ.

و الخطأ التأديبي هو كل فعل ناتج عن قصد أو عن إهمال يمس النظام المعمول به في المؤسسة أو من شأنه إلحاق إضرار بها أو بالعمال العاملين فيها، أو يشكل خرقا للاتزامات العامل المهنية تجاه صاحب العمل ، و هونوعان، إما خطأ جسيم كما عرفه القضاء الفرنسي "هو الفعل الذي يجعل من غير الممكن الحفاظ بالعلاقة التعاقدية ولو أثناء مهلة الإخطار" ، أو غير جسيم و هي الأخطاء التي لا تلقى لدرجة الفصل.

و يظل إتباث الخطأ في المبادئ العامة يقع على المدعي الذي يكون في هذه الحالة الأجير، لكن مدونة الشغل في مادتها 63 أقرت بما يلي ‘’يقع على عاتق المشغل عبأ إثبات وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه عبأ الإتباث عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله‘‘، و هو نفس التوجه الذي ما فتئ القضاء يؤكد عليه، و نجد في ذلك قرار لمحكمة النقض بقولها "... اتهام المشغل لأحد أجرائه بالسرقة أثناء العمل دون إثبات ذلك يعد خطا جسيما في حق الأجير طبقا لما تنص عليه المادة 40 من مدونة الشغل وترك الأجير العمل بسبب ذلك يعتبر طردا تعسفيا وليس مغادرة تلقائية يستحق معه الأجير التعويض عن إنهاءعقد العمل" .

و هو المبدأ الذي أخد به المشرع المغربي من نظيره الفرنسي، و تحديدا من المواد L.1232-6 et L1235-1 من مدونة الشغل الفرنسيةحيث تنص تلك المادتين أن إلزامية إتباث عناصر الإتهام الموجه للأجير يكون على عاتق المشغل . حتى أن القضاء الفرنسي ما فتئ يؤكدعلى هذه القاعة، زمثله في ذلك القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بقولها "عبئ إتباث الخطأ المنصوص عليه في مقرر الفصل يقع على المشغل"

وتجدر الإشارة إل أن الخطأ المسبب للفصل الذي يجب على المشغل إثباته هو الخطأ المضمن في مقرر الفصل دون سواه من الأخطاء، كاما أنه من الضورري أن تكون هناك عالاقة سببية بين الخطأ المنسوب للأجير وبين واقعة الطرد، أي أن يكون الخطأ الذي قام به الأجير قد تم في وقت سابق على توقيع العقوبة .

الفقرة الثانية: تقدير الخطأ.

إن المشرع المغربي على غرار باقي التشريعات المقارنة لم يتطرق إلى بيان ماهية الخطأ التأديبي كما أته لم يتناول تحديد هذه الأخطاء، و إنما ترك ذلك للسلطة التقديرية للمشغل تحت رقابة القضاء ، كما أن الأخطاء التي تطرق لها المشرع في مدونة الشغل فقذ ذكرها على سبيل المثال لترك المجال للمشغل و القضاء في التقدير.

و الرقابة التي يمارسها القضاء على سلطة المشغل في تقدير الخطأ تختلف حسب إذا كان الخطأ منصوص عليه صراحة في مدونة الشغل أم لا، و الشاهد لدينا هو قرار سابق للمجلس الأعلى الذي جاء فيه "وحيث ثبت صدق ما عابته الوسيلة، ذلك أن الفصل السادس من قرار المذكور، إنما يعفي ضمنيا المحكمة من استعمال سلطتها في تقدير جسامة الخطأ، متى ثبت لديها أن السبب الذي يصدر عن الأجير موجه إلى موظفي الإدارة والتسيير ما دام أن القانون نص صراحة على أن مثل هذا السبب يشكل خطأ جسيم، ولم يرتك للمحكمة خيار تقديره بفير ذلك، أما غيرها من الأخطاء التي لم يرد في الفصل أنها تعتبر أخطاء جسيمة، فتقدير مدى جسامتها موكول للمحكمة حتى ولو لم يكن السبب موجها إلى موظفي الإدارة والتسيير…" .

و من أمثلة تقيد القضاء في الرقابة على مضمون نصوص مدونة الشغل نجد قرارا حديثا التزم فيه القضاء عند تكييفه لخطأ الأجير المتمثل في عدم الإمتثال لتعليمات مشغله خصوصا تلك المتعلق بالسلامة بكونها خطأ جسيم و تقيد بحرفية النص بقوله " عدم امتثال الأجير لتعليمات مشغله و المتعلقة بقواعد حفظ الصحة يعتبر خطا جسيما يمكن ان يترتب عنه الفصل المادة 293من مدونة الشغل" .

أما في حالة اعتماد المحكمة على سلطتها التقديرية خصوصا في الأخطاء و النصوص التي فيها غموض، نجد هذا المجال نجد توجه للمحكمة يقضي " حيت تبين من البحث أن الأجير قام فعال بسب رئيسته، لكن بعدما سبته هده األخيرة ينبغي ان تبقى في حدود اللباقة دون مس بكرامته,وحيت إنه إذا كان الأجير في هذه النازلة قد أجاب رئيسته بسب مماثل , فإن ذلك لا ينبغي أن يدخل في عداد الأخطاء الفادحة التي توجب الطرد، ما دامت الرئيسة هي التي كانت البادئة حسب شهادة الشهود..." ، و هوما يظهر جليا العمل القضائي في تحديد جسامة الخطأ و الذي غالبا ما يكون في صالح الأجير و حمايتا له من تفوق سلطة مشغله.

و في سلطة المحكمة في إعادة تكييف الخطأ أو إسقاطه، نجد قرار لمحكمة النقض التي أزالت صفة الخطأ على فعل رفض الأجير العمل في أيام العطل الوطنية، و أزالت عنه صفة الخطأ بعد أن كيفه المشغل بكونه خطأ يبرر الفصل، و جاء في القرار "من حق الأجير أن يرفض العمل أيام الأعياد الوطنية و لا يعتبر هذا الرفض مبررا لإنهاء عقد الشغل من طرف المشغل و إلا اعتبر ذلك طردا تعسفيا" .

أما القضاء الفرنسي في اجتهاداته، فقد خلق القاعدة التي مفادها أن قضاء الموضوع لا يمكنه إعادة تكييف الخطأ إلى خطأ أكثر جسامة من الذي نص عليه في مقرر الفصل ، و في قرار آخر للقضاء الفرنسي الذي جاء فيه بأن القاضي لا يمكنه التشديد في تكييف وصف الخطأ أكثر من الوصف المضمن في مقرر الفصل . و في المقابل فقد قرر نفس القضاء على للقاضي سلطة تغيير وصف الخطأ لأقل خطورة و هي القاعدة التي أخد بها حتى القضاء المغربي في قرار سبق ذكره كوسيلة لحماية الأجير.

المطلب الثاني: ملائمة العقوبة التأديبية (التدرج).

لفرض النظام داخل المقاولة، فقد أعطي المشرع المغربي بمقتضى مدونة الشغل في موادها من 37 إلى39 السلطة للمشغل بتنزيل الجزاء التأديبي على من لم يحترم القواعد. و السلطة التأديبة للمشغل هي سلطة قانونية موضوعها فرض قاعدة سلوكية على الأجراء الذين يشتغلون في مشروع من المشاريع،و ذلك عن طريق جزاءات محددة توقع على المخل بهذه القاعدة و التي تكون في شكل أوامر و تعليمات للمشغل . و هي السلطة التي لم يقيدها المشرع بقيود لردع استغلال المشغل لهذه السلطة لتوزيع العقوبات على الأجراء، إلا بتدخل القضاء لرقابتها لصالح الأجير كوسيلة حمائية له.

لذا سنتطرق في هذا المطلب لتحليل مضمون مدونة الشغل فيما يخص تحديد سلطة المشغل في التأديب و التدرج فيه (الفقرة الأولى)، و دراسة التوجه القضائي في بسط رقابته على تلك السلطة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مقتضيات مدونة الشغل في تحديد سلطة المشغل في التدرج في التأديب.

تطرق المشرع المغربي في المادة 37 من مدونة الشغل إلى تحديد إجراءات التأديب التي يمكن للمشغل اتخادها في حق الأجير عند ارتكابه خطأ غير جسيم، حيث تترتب هذه العقوبات كما يلي:

1. الإنذار.

2. التوبيخ.

3. التوبيخ الثاني. أو التوقيف عن الشغل مدة لا تتعدى ثمانية أيام.

4. التوبيخ الثالث . أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الإقتضاء مع مراعاة مكان سكنى الأجير.

كمت أنه تطبق على العقوبتين 3 و4 مسطرة الإستماع المحددة في المادة 62 من نفس القانون.

و هي نفسها المسطرة المقررة في القانون الفرسي، غير أن المشرع لم يعطي لها تحديد في مدونة الشغل الفرنسية وتبقى المسطرة النابغ من الواقع العملي هي :

1. الإنذار أو التوبيخ avertissement ou blâme

2. التوقيف عن العمل التأديبي mise à pied disciplinaire

3. نقل الأجير إلى مصلحة أخرى في نفس درجة عمله mutation

4. نقل الأجير إلى مصلحة أخرى بدرجة عمل أقلrétrogradation

5. الفصل للخطأ التأديبيlicenciement pour faute disciplinaire

و مثل القانون المغربي، فالمشغل في القانون الفرنسي يجب عليه سلوك مسطرة الإستماع و التبليغ كلما تعلق الأمر بالمساطر الأربع الأخيرة، ضمانا لحماية الأجير من تعسف المشغلين في اتخاذ عقوبات تأديبية غير مشروعة. أما فيما يخص بتحديد طبيعة مسطرة الإستماع في مدى اعتبارها من النظام العام أو كونها ليست كذلك، فقد تضاربت الأراء حول هذه النقطة، و التي كانت محور نقاش خلال الندوة التي نظمتها وزارة العدل بتنسيق مع وزارة التشغيل والتكوين المهني في نونير 2006 والتي كان موضوعها "مدونة الشغل بعد سنتني من التطبيق"، وذلك من طرف بعض قضاة محكمة الإستئناف بالرباط، أسفرت هذه الندوة عن اتجاهين، ذهب الأول في اعتبارها من النظام العام، واتجاه مخالف اعتبرها مسطرة آمرة لكنها ليست من النظام العام .

و قد قسم الفقه هذه العقوبات إلى صنفين: عقوبات معنوية و ذات طابع مهني، فبخصوص العقوبات المعنوية يقصد بها تلك التي لا يكون لها تأثير مادي مباشر على مركز الأجير المتخذ الإجراء التأديبي في حقه، أو تكون مقدمة لاتخاد إجراءات تأديبية أشد مستقبلا إذا تمادى الأجير في ارتكاب نفس المخالفة التأديبية وغيرها... أما بخصوص العقوبات المهنية فقد لا يقتصر الأمر على العقوبات المعنوية, ذلك ان الأجير قد يعود الى ارتكاب نفس الخطا او يتمادى في ارتكاب مخالفة تاديبية اخرى متجاوزا اومتحديا بذلك السلطة التنظيمية للمشغل , لذلك تخول المقتضيات القانونية للمشغل في هذه الحالة اتخاذ عقوبات أشد تتمثل في التوقيف أو النقل إلى مصلحة أخرى أو الفصل .

الفقرة الثانية رقابة القضاء على سلطة المشغل في التأديب.

و التأديب المذكور في المواد أعلاه هو تأديب خاضع لمبدأ التدرج و يوجد من يكيفه من النظام العام كما سبق و أن قلنا، وهو ما يجب على المشغل احترامها في تنزيل الجزاء، لكن للقضاء رأيه في هذه المسألة، حيث اعتبر بعض العمل القضائي أنه لا يلزم على المشغل اتباع التدرج في التأديب، و هو ما أكد عليه قرار حديث لمحكمة النقض بقولها "للمشغل صالحية اختيار العقوبة المناسبة للخطأ المرتكب وهو غير ملزم باتباع التدرج في العقوبات ,فهو صاحب السلطة التاديبية التي لا يحد منها سوى أن تكون العقوبة ملائمة للخطأ المرتكب" ، و هو ما يوضح أن المحكمة في رقابتها على العقوبة التأديبية لا تشترط التدرج لكن تراقب ملائمة التأدييب لنوع الخطأ المقترف من طرف الأجير.

أما في قرار آخر، فالقاضي بعد إلغائه لعقوبة الفصل، ألزم المشغل على الرجوع إلى الفصل 37 من مدونة الشغل و اتباع التدرج في العقوبة، و جاء في نص القرار " وحيث أنه بتطبيق مقتضيات المادة 39 من مدونة الشغل، يتبين أن المستأنف عليه وإن ارتكب خطأ تمثل في التدخين داخل المؤسسة فإن خطأه المذكور لم يرتتب عنه أية خسارة للشركة المستأنفة سواء كانت بسيطة أو جسيمة، وعليه فإن ما صدر عن المستأنف عليه لا يشكل خطأ جسيم يستحق الطرد وبالتالي كان على الجهة المستأنفة سلوك المساطر القانونية المنصوص عليها في المادة 37 من مدونة الشغل المتعلقة بالتدرج في العقوبات عند ارتكاب الخطأ غير الجسيم..." ، و هو ما يوضح أن القاضي يتمتع بكامل سلطته في إلغاء العقوبة التي يتخذها المشغل في حق الأجير لمرتكب للخطأ، كما له الحق في استبدال تلك العقوبة بعقوبة أخف درجة و ملائمة له.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0