جريمة المؤامرة في القانون المغربي
مواضيع في القانون الجنائي و مختلف الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي
جريمة المؤامرة
مما لا شك فيه، ان سياسة التجريم والعقاب، تقوم على أساس مبدأ تجريم السلوك الخارجي المحسوس، الذي يظهر في شكله المادي. بمعنى عدم تجريم الافكار والنوايا التي تكون حبيسة داخل الشخص، ما لم يفرغها في شكل مادي محسوس و يخرجها لحيز الوجود " الواقع".
لكن نظرا لخطورة المؤامرة على كيان ووجود الدولة ككل وعلى المساس برموزها، فإن المشرع المغربي اسوة بباقي التشريعات المقارنة، جرم المؤامرة في الفصول 172-173-174-201 من القانون الجنائي، بالرغم من كونها مجرد تفكير أو اتفاق بين شخصين أو أكثر على المساس بأمن الدولة الداخلي.
وقد خرج المشرع المغربي عن المبدأ المتعارف عليه وعلى المألوف، بعدم تقديم التعاريف وترك ذلك للفقه والقضاء، فنظرا للخطر الكبير الذي قد ينتج عن هذه الجريمة على الدولة ورموزها، أقدم المشرع المغربي، على تعريفها في الفصل 175 من القانون الجنائي، بالقول:
" المؤامرة هي التصميم على العمل، متى كان متفقا عليه ومقررا بين شخصين أو أكثر."
في حين، نجد المشرع الجزائري يعرفها في المادة 78 من قانون العقوبات الجزائري بانها:
" تقوم المؤامرة بمجرد الاتفاق بين شخصين أو أكثر على التصميم على ارتكابها"
بينما عرفها المشرع السوري في المادة 260 من قانون العقوبات بأنها:
" كل اتفاق تم بين شخصين أو أكثر على ارتكاب جناية بوسائل معينة."
يمكن ان نستشف، من هذه التعاريف المقدمة لجريمة المؤامرة، أنها تقوم على خصائص أساسية لابد من توافرها، أهمها الخاصية النفسية ( دوافع داخلية ) خاصية تعدد الأشخاص ( شخصين أو أكثر) ثم خاصية كون جريمة المؤامرة فرع من الأصل.
أولا) الخاصية النفسية:
يقصد بها أن الفاعل يحضر بأفكار ونوايا داخلية لجريمة المؤامرة، وعليه فإن أساس العقاب ينصرف لإرادة الجاني "الفاعل" في الاتيان بالفعل المجرم قانونا.
ثانيا) خاصية تعدد الجناة:
بالنظر للفصل 175 السالف الذكر من القانون الجنائي المغربي، يتبين ان تحقق هذه الجريمة يتوقف على تعدد الجناة، شخصين أو أكثر، هكذا فغياب خاصية تعدد الجناة تجعلنا نتحدث عن جريمة أخرى فلا تقوم جريمة المؤامرة بإرادة شخص واحد.
ثالثا) خاصية المؤامرة فرع من الأصل:
خاصية المؤامرة فرع من الأصل، بمعنى أنها إذا تحققت تكون قائمة بجريمة أخرى.
- المطلب الأول: أركان جريمة المؤامرة.
لقيام جريمة المؤامرة لابد من توفر الركن المادي والمعنوي والركن القانوني.
الفقرة الاولى: الركن المادي.
إذا كانت القاعدة العامة، تقضي بأن الركن المادي للجريمة يتكون من ثلاثة عناصر هي" الفعل أو الامتناع والنتيجة، والعلاقة السببية بينهما". فإن جريمة المؤامرة خرجت عن هذه القاعدة باعتبارها من جرائم الخطر، فهي لا تستلزم تحقق العناصر الثلاثة السابقة، وإنما يكفي فقط- كما ينص الفصل 175 من ق ج- وجود اتفاق مصمم على تنفيذه بين شخصين أو أكثر.
فجريمة المؤامرة، هي اتفاق جنائي يتجلى في اتفاق ارادتي المساهمين في التآمر على ارتكاب إحدى الجرائم المذكورة في الفصول (172-173-174-201 من ق ج(، والاتفاق كما هو معلوم، هو توافق إرادتين أو أكثر على عقد العزم بصفة نهائية قصد القيام بعمل معين يحظره القانون.
والملاحظ أن لفظ "اتفاق" يفترض وجود شخصين أو أكثر(الفصل 175 ق ج)، وهذا يعني بمفهوم المخالفة، أن جريمة المؤامرة لا يمكن أن يرتكبها فاعل واحد، فالفكرة الإجرامية هنا التي تخطر بذهن الشخص الواحد، رغم خطورتها، تبقى حرة ولا تقوم المسؤولية الجنائية لصالحها حتى تكتب في محرر سري. محتفظ به كمذكرة شخصية مثالا أو تسجيل شريط فيديو.
أما إذا كان الاتفاق منصب على ارتكاب جرائم أخرى فإن الاتفاق الجنائي هنا لا يعتبر جريمة مؤامرة، فلا بد لجريمة المؤامرة من تعدد للجناة بين شخصين أو أكثر الفصل 175 ق.ج واتفاقهم على تحقيق ذلك الفعل.
بالنسبة لماهية الاتفاق رغم ان المشرع لم يتحدث عنها في فصول القانون الجنائي ولم يحدد معناها، فيمكن ملامستها من التعابير الكتابية أو الشفوية أو الايماءات لدى الأفراد المكونين للخلية الاجرامية.
أما عدد الجناة فلابد بحسب الفصل 175 ق.ج من شخصين أو أكثر لنكون أمام هذه الجريمة.
بالنسبة لإتمام الاتفاق، ليس شرطا لقيام جريمة المؤامرة، يكفي توافق الارادتين لتكون الجريمة قائمة، أما عدول " أي رجوع المتآمرين عن المؤامرة فلا يوقف تنفيذ العقوبة.
تجدر الاشارة هنا الى ان التمييز بين أعمال التحضير والتنفيذ في الممارسة ليست بالأمر السهل، فالمشرع يقضي بأن كل محاولة ارتكاب جناية بدأت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها تهدف مباشرة إلى ارتكابها تعتبر كالجناية التامة، ويعاقب صاحبها بهذه الصفة فالفصل 114 من القانون الجنائي ينص على أن :
" كل محاولة ارتكاب جناية بدت بالشروع في تنفيذها أو بأعمال لا لبس فيها، تهدف مباشرة إلى ارتكابها، إذا لم يوقف تنفيذها أو لم يحصل الأثر المتوخى منها إلا لظروف خارجة عن إرادة مرتكبها، تعتبر كالجناية التامة ويعاقب عليها بهذه الصفة."
أما إذا كان هدف الاتفاق الإجرامي المصمم على تنفيذه ارتكاب أي جناية أو جنحة غير ماسة بأمن الدولة، فإنها لا تعتبر مؤامرة بالمفهوم القانوني. ولكن يمكن تكييفه استنادا إلى المتعلق بالعصابات الإجرامية، كأن يكون الهدف من الاتفاق على القيام بالسرقة أو الاستيلاء على عقار الغير أو غير ذلك من الجرائم.
الفقرة الثانية: الركن المعنوي (القصد الجنائي).
باعتبار جريمة المؤامرة، من الجرائم العمدية، فهي تستلزم توافر القصد الجنائي لدى كل من المساهمين بل أن العمد هو جوهر الجريمة، ذلك أن أساس الجريمة هو الاتفاق الذي يعني اتجاه أرادت المساهمين إلى عمل إجرامي محدد، وهو أمر مفترض.
فهي لا تقوم قانونا إلا إذا توفر القصد الجنائي لدى الفاعل، بمعنى ان المسؤولية الجنائية عن جريمة المؤامرة، لا تقوم إذا كان أحد الشخصين لحظة صدور الاتفاق الإجرامي، قاصر غير مسؤول جنائيا أو مختل العقل أو مكرها، فالمسؤولية الجنائية هنا تنعدم في جانبها الذاتي نتيجة انتفاء الإسناد المعنوي، فعلى الفاعل ان يكون عالم بطبيعة الاتفاق الذي يبرمه مع شخص أو الاشخاص الآخرين، وعالما ايضا بالغرض المراد بالاتفاق، اضافة لذلك يجب أن يكون الفاعل راغبا القيام بالفعل الاجرامي وقاصدا تحقيق النتيجة كتغيير النظام
وعليه، يذهب الفقه الى ضرورة توفر عنصر العلم والارادة للقول بتوفر جريمة المؤامرة.
الفقرة الثالثة: الركن القانوني.
قوامه وجود نص قانوني يؤطر ويجرم المؤامرة، بحيث نجد التشريع المغربي عن هذه الجريمة في الفصول (172-173-174-201 ( من القانون الجنائي، حماية للمصلحة العليا للبلاد، على سبيل المثال المؤامرة ضد النظام الملكي أو استقرار المغرب الداخلي.
المطلب الثاني: العقوبة المقررة لجريمة المؤامرة.
لقد تعامل التشريع الجنائي، مع جريمة المؤامرة بنوع من التشدد في عقاب المتآمرين، لكونه يتبع سياسة وقائية تستهدف القضاء علىها من مهدها قبل أن تخرج إلى الوجود ويفوت الأوان.
وبعتبارها من جرائم الخطر التي يتحمل كل الأعضاء المتآمرين آثار مسؤوليتهم الجنائية متى تحققت جميع أركانها السالفة الذكر، سواء كانوا فاعلين أو مساهمين أو مشاركين.
ويلاحظ أن عقاب المتآمرين يختلف حسب ما إذا كنا إزاء دعوة للتآمر لم تقبل )الفقرة الاولى( أو أمام مؤامرة بسيطة )الفقرة الثانية( أو إزاء مؤامرة مشددة )الفقرة الثالثة.
الفقرة الاولى: عقاب المتآمر الذي ارتكب جريمة الدعوة إلى التآمر التي لم تقبل.
بالنظر الى الفصول المنظمة للمؤامرة، يلاحظ اختلاف عقاب المتآمر الذي ارتكب جريمة الدعوة إلى التآمر التي لم تقبل حسب الحالات التالية:
- الحالة الاولى نص عليها الفصل 176 من القانون الجنائي على ان:
"من دعا إلى التآمر ضد حياة أو شخص الملك أو ولي العهد، ولم تقبل دعوته، يعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات."
- -الحالة الثانية، تصبح هذه العقوبة جنحية أي الحبس من 2 إلى 5 سنوات إذا كان موضع هذه الدعوة هو مؤامرة تهدف إلى إحدى الغايات المشار إليها في الفصل 196 من ق.ج الذي ينص: " إلى جانب تطبيق الفصل 129 الذي يعاقب على المشاركة في الجرائم، والفصل 571 الذي يعاقب على جريمة الإخفاء يعد مشاركا أو مخفيا كل مغربي أو أجنبي يرتكب أحد الأفعال الآتية:
- 1 - أن يقدم مددا أو وسيلة تعيش أو مسكنا أو ملجأ أو مكانا للاجتماع إلى مرتكبي الجنايات أو الجنح ضد سلامة الدولة الخارجية، مع علمه بنواياهم.
- 2 - أن يحمل عن علم مراسلات مرتكبي الجنايات أو الجنح ضد سلامة الدولة الخارجية، أو أن يسهل لهم عن علم بأي وسيلة كانت البحث عن الأشياء موضوع الجناية أو الجنحة أو إخفاءها أو نقلها أو إرسالها.
- 3 - أن يخفي عن علم الأشياء أو الأدوات التي استخدمت أو أعدت لاستخدامها في ارتكاب الجنايات أو الجنح المشار إليها، أو الأشياء أو المواد أو الوثائق المتحصل عليها من تلك الجرائم.
- 4 - أن يتلف عن علم أو يختلس أو يخفي أو يستر أو يغير وثيقة عامة أو خاصة، كان من شأنها أن تسهل البحث عن الجنايات أو الجنح المشار إليها في الفقرات السابقة، أو العثور على أدلتها، أو معاقبة مرتكبها.
- ومع ذلك، فإن قضاء الحكم يجوز له أن يعفي من العقوبة المقررة الأشخاص المشار إليهم في هذا الفصل، إذا كانوا من أقارب مرتكبي الجريمة أو أصهارهم إلى الدرجة الرابعة ولم يساهموا في الجناية أو الجنحة بوسيلة أخرى من وسائل المساهمة غير ما نص عليه هذا الفص
والواردة في الفصل 177 من ق ج الذي جاء فيه: " ذا كان موضوع الدعوة التي لم تقبل هو مؤامرة تهدف إلى إحدى الغايات المشار إليها في الفصل 169، فإن عقابها الحبس من سنتين إلى خمس سنوات"
- بالنسبة للحالة الثالثة، هي المقررة في الفصل 201 من القانون الجنائي، الذي ينص على ان:
" يؤاخذ بجناية المس بسلامة الدولة الداخلية ويعاقب بالإعدام، من ارتكب اعتداء الغرض منه إما إثارة حرب أهلية بتسليح فريق من السكان أو دفعهم إلى التسلح ضد فريق آخر وإما بإحداث التخريب والتقتيل والنهب في دوار أو منطقة أو أكثر.
ويعاقب بالسجن من خمس إلى عشرين سنة من دبر مؤامرة لهذا الغرض إذا تبعها ارتكاب عمل أو الشروع فيه لإعداد تنفيذها.
أما إذا لم يتبع تدبير المؤامرة ارتكاب عمل ولا الشروع فيه لإعداد التنفيذ، فإن العقوبة تكون الحبس من سنة إلى خمس سنوات.
ويعاقب بالحبس من ستة شهور إلى ثلاث سنوات من دعا إلى تدبير مؤامرة ولم تقبل دعوته."
الفقرة الثانية: عقاب المؤامرة البسيطة.
عقوبة المؤامرة العادية البسيطة، ايضا تختلف بحسب هدف المتآمرين،
1 – التآمر ضد حياة الملك أو شخصه أو ضد حياة ولي العهد، يعاقب بالسجن من 5 سنوات إلى 20 سنة، الفقرة الثانية من الفصل 172 من ق ج.
2- السجن من 5 سنوات إلى 10 سنوات إذا كانت المؤامرة ضد شخص ولي العهد الفقرة الثالثة من الفصل 173 من ق.ج. وكذلك إذا كان الغرض من المؤامرة الوصول إلى إحدى الغايات الواردة في الفصل 169 من ق ج.
3- تصبح العقوبة جنحية، أي الحبس من سنة إلى 5 سنوات إذا كان الهدف من المؤامرة هو تحقيق أحد الأغراض المنصوص عليها في الفقرة الأولى والثانية من الفصل 201 من ق.ج.
الفقرة الثالثة: عقاب المؤامرة في الحالات المشددة.
يتم التشديد في جريمة المؤامرة، إذا اقترنت بعمل أو البدء فيه من أجل إعداد تنفيذها، فالتآمر ضد حياة الملك وشخصه فهنا العقوبة تشدد لترفع للسجن المؤبد الفصل 172 من القانون الجنائي الذي نص في فقرته الاولى على ان: " المؤامرة ضد حياة الملك أو شخصه يعاقب عليها بالسجن المؤبد، إذا تبعها القيام بعمل أو البدء فيه من أجل إعداد تنفيذها."
المؤامرة ضد شخص ولي العهد يعاقب عليها بالسجن من عشر إلى عشرين سنة، إذا تبعها القيام بعمل أو البدء فيه من أجل إعداد تنفيذها الفصل 173 من ق ج.
المؤامرة التي يكون الغرض منها الوصول إلى إحدى الغايات المنصوص عليها في الفصل 169 يعاقب عليها بالسجن من عشر إلى ثلاثين سنة، إذا تبعها القيام بعمل أو البدء فيه من أجل إعداد تنفيذها.