تبليـــغ الزوجيــن فــي دعــــاوي الشقـــاق

التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية

تبليـــغ الزوجيــن فــي دعــــاوي الشقـــاق
تحقيقا لمبدأ الوجاهية و الحضورية في التقاضي، و احتراما لحقوق الدفاع التي تعتبر من أهم الضمانات الممنوحة للمتقاضين في إطار حسن سير العدالة، فقد خول المشرع المغربي – شأنه في ذلك شأن باقي التشريعات الإجرائية المقارنة – لأطراف النزاع حق العلم بكافة الإجراءات القضائية المرتبطة بمركزهم القانوني في الدعاوي المرفوعة، أو التي تتعلق بكل إجراء أولي لرفعها، و ذلك بتبليغهم بها طبقا لمسطرة التبليغ المقررة قانونا.

فالتبليغ طبقا للقانون يعتبر إجراء قانونيا جوهريـا من إجراءات الدعوى القضائية، إذ يلازمها طيلة مراحلها المسطرية المرتبطة بسريانها، بدءا من افتتاحها وانتهاء بصدور الحكم فيها مـرورا بمختلف الإجراءات الأخرى التمهيدية والتحقيقيـة، و لعل هذا ما دفع الفقه الإجرائي إلى اعتباره عماد المساطر القضائيـة ( )، لما ينتجه من آثار قانونية هامة ترتبط بمبادئ لها علاقة بالسير الحسن للعدالة، لذلك فمختلف الآجال القانونية في الدعاوي القضائية تبتدأ من تاريخ التبليغ أي من تاريخ إشعار أو إعلان الطرف المعني.

وقد نظم المشرع المغربي القواعد العلمة للتبليغ في الفصول 37 و 38 و 39 من القانون المسطرة المدنية ، حيث أحاطه من خلالها بمجموعة من الضمانات ترتبط بطرق توجيه الاستدعاء ( )، و المحل و الأشخاص الذين يصح لهم التبليغ و يصح لهم التسلم ( )، والوثائق التي يسلم بعضها إلى المبلغ إليه و يرجع ببعضها إلى المحكمة، بما تتضمنه من بيانات قانونية لازمة يمكن الرجوع إليها عند الحاجة للتأكد من نجاعة عملية التبليغ.

إلا أنه رغم هذه الضمانات القانونية المرتبطة بالتبليغ لأجل تفعيل المساطر القضائية، فإن الواقع العملي يثبت أن المشاكـل الإجرائية التي تـؤدي إلى البـطء وتعرقل عملية تسوية و تصفية النزاعات الأسرية بشكل خاص، سببها معوقات التبليغ القانونية منها و الواقعية التي تكشف عن وجود خلل في النظام القانوني المنظم لإجراءاته، مما يفتح باب المنازعة في قانونيتها للمطالبة ببطلانها ( )، يزيد من حدة ذلك عدم استقرار قضاء المجلس الأعلى بخصوص المشاكل القانونية التي تفرزها عملية التبليغ( ).

لذلك اعتبارا لكون التفعيل الإيجابي لمسطرة الشقاق يقتضي ضرورة تجاوز كل المشاكل الإجرائية المترتبة عن عملية التبليغ، فقد حرص المشرع من خلال مدونة الأسرة على تعزيز التبليغ في دعاوي الشقاق بضمانات قانونية خاصة، تمكن المحكمة من اتخاذ كافة الإجراءات القانونيـة الضرورية لتسويـة النزاعـات المعروضة عليها، من خلال إشراك النيابة العامة لتفعيل مسطرته، و تحريك المتابعة الجنائية في حق الطرف المخل بتلك الضمانات.

فالتبليـغ فـي دعـاوي الشقـاق لا يخلـو من فرضيتين أساسيتين همـا : -الفرضيـة الأولـى : توصل الطـرف المعنـي بالتبليــغ إن سريان تطبيق مسطرة الشقاق يتوقف قانونا على حضور طرفي النزاع لجلسات المحكمة تحقيقا للوجاهية و صيانة لحقوق الدفاع، و كذلك تمكينا للمحكمة من اتخاذ الإجراءات الكفيلة لمعالجة الصعوبات التي تواجه الأسرة، بفعل النزاع القائم بين الزوجين، لذلك يتعين على الطرف المبادر إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق أن يمكن المحكمة من كافة البيانات و المعلومات الضرورية المرتبطة بهويته و هوية الطرف الآخر، خاصة فيما يتعلق بالاسم و العنوان الحقيقين و الكاملين ،حتى تكون المحكمة ملزمة قانونا بإخبارهما بكل إجراء مسطري يمكن أن تتخذه في مواجهتهما.

وإذا كان التطبيق القضائي لمسطرة الشقاق يقتضي الحضور الشخصي لطرفي النزاع لأجل تفعيل محاولات الصلح بينهما رغم انتـداب كل طرف محام ينـوب عنه، فإنه يستحسـن أن يتم التبليـغ في دعاوي الشقاق إلى الطـرف المعني شخصيا، بعد التأكد من هوية الشخص متسلم الاستدعاء بواسطة الوثائق الإدارية المثبتة لها، مع توقيعه أو بصمه إذا كان لا يعرف التوقيع، و تنبيهه من طرف عون التبليغ أن كل تحايل أو تدليس من طرفه قد يعرضه لعقوبة جنائية، بحيث إذا ثبت توصله شخصيا بالاستدعاء ولم يحضر و لم يمكن المحكمة من وسائل دفاعه في مذكرة مكتوبة، يتم إشعاره من طرف النيابة العامة بأنها ستبت في الطلب في غيبتـه، و إذا استمر في تخلفه عن الحضور رغم التوصل يمكنها عندئذ إصدار حكمها لحسم النزاع المعـروض عليه، إذ مما جـاء في الحكـم القضائـي القاضي بالتطليق للشقاق الصادر عن ابتدائية تاونات – قسم قضاء الأسرة – مـا يلـي : » بناء على إدراج القضية بجلسة 27/07/2005 حضرتها المدعية و إلى جانبها دفاعها الذي أدلى بمذكرة مرفقة بوثائق الصفة وتخلف المدعى عليه رغم التوصل فتقرر إعادة استدعائه لجلسة الصلح بغرفة المشورة لجلسة 21/09/2005 التي حضرتها المدعية وتخلف عنها المدعى عليه رغم التوصل الشخصي وحضر إلى جانب المدعية دفاعها فصرحت بأن المدعى عليه يعنفها دائما بالضرب ولا ينفق عليها ولا يدفع مصاريف علاجها ولها منه أربعة أولاد يمسك عليهن النفقة و يهملها كما أنه لا يقوم بتمريضها رغم حاجتها ، لذلك فتقرر الإعلان عن فشل محاولة الصلح نظرا لتخلف المدعى عليه المتوالي فأكدت المدعية طلبها، وألقي بالملف مستنتجات النيابة العامة الرامية إلى تطبيق القانون، لتقرر بذلك حجز القضية للمداولة .

.

.

« ( ).

وللإشارة فالمشرع من خلال المواد المنظمة للتبليغ في مدونة الأسرة و خاصة المادتين 43 و 81، لم يلزم المحكمة باعتماد المسطرة العامة للتبليغ المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية، لاستدعاء أطراف النزاع في دعاوي الشقاق، مما يعني بمفهوم المخالفة إمكانية اعتمادها على مسطــرة خاصة للتبليغ تكون أكثـر نجاعــة ( )، خاصة وأن الغمـوض يجب أن يفسـر لما يحقـق مصلحة الأسـرة و الأطفال حماية لقدسية الحياة الزوجية من التفكك و الانهيار.

-الفرضيـة الثانيـة : عدم توصل الطرف المعني بالتبليغ كل المشاكل القانونيـة والواقعية الناجمة عن عملية التبليغ ترتبط بهذه الفرضيـة، على اعتبار أن تخلف المعني بالأمر نتيجة عدم توصله بالتبليغ، يؤدي إلى تعطيل أو تأخير سريان المساطر القضائية ، لذلك بالنسبة لمسطرة الشقاق فحضور طرفي النزاع مسألة ضرورية، بحيث إذا كان تخلف الطرف المبادر إلى رفع دعوى الشقاق يفهم منه ضمنيا تراجعه عن طلبه، فإن تخلف الطرف الآخر المعني بالتبليغ يعرقل عمل المحكمة بعدم تمكينها من الإحاطة بكل الجوانب المرتبطة بالنزاع، و بالتالي القيام بكل محاولات الصلح بينهما، باعتبـاره إجـراء قانونيـا وجوهريا يمكن للمحكمة على ضوئه إصدار حكم ملائم يراعي حقوق جميع أفراد الأسرة.

لذلك فعندما تستدعي المحكمة الطرف المعني ( الزوج أو الزوجة حسب الأحوال) ويتعذر عليه الحضور، فإن النيابة العامة تتدخل للسهر على تبليغه بالاستدعاء، من خلال البحث عن عنوانه قصد الوصول إلى الحقيقة بما يتوفر لديها من إمكانيات.

وإذا ثبت للمحكمة تحايل أحد طرفي النزاع بإدلائه متعمدا بمعلومات خاطئة عن هوية الطرف الآخر تخص اسمه و عنوانه بالأساس، تحيل الوثائق المثبتة لذلك على النيابة العامة لتطبيق مقتضيات الفصل 361 من القانون الجنائي، المتعلقة بجنحة التوصل بغير حق بوثيقة مزورة أو محاولة ذلك، عن طريق الإدلاء ببيانات كاذبة أو انتحال اسم أو صفة أو تقديم معلومات أو إقرارات غير صحيحة، إلا أن تحريك المتابعة يتوقف على تقديم شكاية من الطرف المتضرر، على غرار باقي الجرائم ذات الطابع الأسري كالإهمال أو السرقة بين الأزواج .

.

.

الخ.

وقد أحسن المشرع المغربي صنعا عندما رتب الجزاء الجنائي عن الإخلال بضمانات التبليغ في الدعاوي الرامية إلى تطبيق المساطر القضائية المنصوص عليها في مدونة الأسـرة، لأن من شـأن ذلك أن يساهـم في التقليل من المشاكـل القانونية والواقعية التي تفرزها عملية التبليـغ، و أن يمكن المحكمة من ممارسة سلطتها في مجال تسوية النزاعات الزوجية طبقا للقواعد القانونية المنظمة لها.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0