إن
أول ما يمكن إثارة الانتباه إليه قبل تفصيل الحديث في هذه المسألة هو التكريس التشريعي الواضح للطابع الاحتياطي أو الاستثنائي لمسطرة الإكراه البدني وهذا ما يتجلى من خلال الأحكام التالية :
* أ- ربط مسطرة الإكراه البدني بمآل إجراءات التنفيذ على أموال المدين : وهذا ما يستنتج صراحة من خلال اشتراط المشرع في المادة 640 من ق.م.ج. ضرورة إدلاء طالب الإكراه بما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين تحت طائلة عدم الموافقة على طلب تطبيق الإكراه البدني ، وهو ما يتحقق عمليا في الغالب من
خلال إنجاز محضر بعدم وجود ما يحجز ، وهو ما يستخلص ضمنيا كذلك من خلال نص المشرع في المادة 635 من ق.م.ج. على أنه " يمكن تطبيق مسطرة الإكراه البدني في حالة عدم تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده والتعويضات والمصاريف، إذا تبين أن الإجراءات الرامية إلى الحصول على الأموال
المنصوص عليها في المادة السابقة بقيت بدون جدوى أو أن نتائجها غير كافية " مادام أن مصطلح الإجراءات الوارد بهذه المادة يحتمل معنى التحصيل أو التنفيذ الرضائي من قبل المدين كما يحتمل معنى التنفيذ الجبري على أمواله في حالة امتناعه ، وهذا على خلاف الوضع التشريعي السابق الذي كان لا يشترط لإعمال مسطرة
الإكراه البدني سوى توجيه إنذار للمدين يبقى بدون جدوى بعد مرور عشرة أيام وطلب اعتقال (ف 688 من ق.م.ج.) وإن كان السائد عمليا في السابق هو اشتراط إدلاء طالب الإكراه بمحضر بعدم وجود ما يحجز، عملا بمناشير صادرة عن وزارة العدل في هذا الشأن .
*ب- جعل إثبات العسر مانعا من تطبيق الإكراه البدني : بحيث نص المشرع في المادة 635 ( الفقرة الثالثة ) على أنه " لا يمكن تنفيذ الإكراه البدني ، على المحكوم عليه الذي يدلي لإثبات عسره بشهادة عوز يسلمها له الوالي أو العامل أو من ينوب عنه وبشهادة عدم الخضوع للضريبة تسلمها مصلحة الضرائب بموطن
المحكوم عليه " خلاف ما كان ينص عليه الفصل 679 من قانون المسطرة الجنائية الملغي الذي كان يجعل من إثبات العسر وفق نفس الشروط أعلاه سببا لتخفيض مدة الإكراه البدني إلى النصف فقط.
والملاحظ أن المشرع في إطار مدونة تحصيل الديون العمومية ، قد توسع في تحديد وسائل إثبات العسر بحيث اعتبر بأن تحرير محضر بعدم وجود ما يحجز في حق الملزم دليل على عسره (المادة 57 من مدونة تحصيل الديون العمومية) ، أما بالنسبة لقانون المسطرة الجنائية فإن محضر بعدم وجود ما يحجز
لا يدخل ضمن وسائل إثبات العسر ، وبالتالي فهو لا يشكل حتى مجرد قرينة على عدم توفر المدين على أموال قابلة للحجز ، وهو تباين يمكن تبريره بعدم توفر الدائن العادي على الوسائل القانونية الكافية للتثبت من حقيقة الذمة المالية للمدين الذي يسارع إلى إخفاء أمواله بمجرد علمه بوجود مطالبة قضائية في مواجهته ، ولعل هذا ما
يفسر توجه المجلس الأعلى الذي اعتبر بأن عسر المدين لا يفترض و إنما عليه إثبات ذلك، فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى " لكن حيث إنه من جهة فإن المحظور طبقا للفصل 11 من الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية المؤرخة في 16 دجنبر 1966 والمصادق عليها في المغرب بتاريخ 18 نونبر 1979
هو سجن شخص على أساس عدم قدرته فقط على الوفاء بالتزام تعاقدي ، أما إذا كان قادرا على الوفاء بالتزامه ومع ذلك امتنع من الوفاء يجوز سجنه لإجباره على الوفاء مادامت عدم قدرته على الوفاء غير مفترضة لوجوبه إثباته لذلك، الشيء الذي لم يقع على النازلة " ، وذلك على عكس الصلاحيات الواسعة التي يتوفر عليها
المحاسبين المكلفين بالتحصيل من أجل استخلاص الديون العمومية، كحق الإطلاع على جميع الوثائق المعلومات المتعلقة بالمدنيين، سواء اتجاه المدنيين أو اتجاه أية جهة أخرى ذات علاقة بالمدينين، مع إلزام هذه الأخيرة بالإدلاء بالمعلومات المطلوبة داخل أجل 15 يوما من تاريخ الطلب تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها
خمسمائة درهم عن كل يوم تأخير و في حدود خمسين ألف درهم (باستثناء الإدارات العمومية و الجماعات المحلية) ( المواد 128-129-130 من مدونة تحصيل الديون العمومية)، و كمباشرة إجراءات الحجز بحضور السلطة الإدارية، و من أجل تعزيز هذه الصلاحيات ثم تجريم افتعال العسر و عرقلة تحصيل الديون
العمومية ( المواد من 84 إلى 89) ......،....... و هكذا فإن إنجاز محضر بعدم وجود ما يحجز لا يتم إلا بعد تحريات دقيقة تضفي عليه نوعا من المصداقية و المطابقة للوضعية المالية الفعلية للمدينين .
*ج – تخويل المدين فرصا أكبر لتفادي الخضوع لمسطرة الإكراه البدني و ذلك من خلال :
1)- تقييد مفعول مسطرة الإكراه البدني بالأحكام الباتة غير القابلة لأي طريق من طرق الطعن عاديا كان أو غير عادي، و هكـذا فقد نصت المادة 598 ( الفقرة الثانية) من ق.م.ج على أنـه "لا يجوز تطبيق الإكراه البدني إلا إذا اكتسـب المقــرر المذكور قـوة الشيء المقضي به"، و ذلك احترازا من المساس بحريات
الأفراد في حالة صدور حكم لاحق يلغي الحكم الذي كان أساسا لإعمال مسطرة الإكراه البدني، و ما يترتب على ذلك من أوضاع غير قابلة للتصحيح (1) و هذا ما يوفر للمدين وقتا مهما لتدبير أمر الوفاء بالمبالغ المحكوم بها عليه أو لإثبات عسره.
2) – اشتراط مدة أطول في الإنذار الموجه للمدين بالوفاء بحيث أصبحت أكثر من شهر واحد، بعدما كانت في القانون القديم لا تتجاوز عشرة أيام ( المادة640 من ق. م. ج ).
3)- تمتيع المدين بإمكانية إيقاف مفعول الإكراه البدني بالأداء الجزئي للدين مع الالتزام بأداء الباقي في تاريخ محدد، ( المادة 645 من ق.م.ج)
4)- عدم جواز إكراه المدين من أجل نفس الدين ( أو من أجل أحكام سابقة تتضمن ديونا لا تستلزم في مجموعها مدة أطول من المدة التي أكره من أجلها) مرتين ( المادة 647).
5)- التخفيض من مدة الإكراه بحيث أصبحت لا تتجاوز 15 شهرا ( المادة 638 من ق.م.ج) في حين كانت في القانون القديم تصل إلى حدود سنتين ( المادة 678 من ق.م.ج الملغى).
و تبقى أكبر ضمانة مخولة للمدين، هي إقرار مسطرة الموافقة المسبقة لقاضي تطبيق العقوبات على طلب تطبيق الإكراه البدني و ما يعنيه ذلك من التثبت من تحقق شروط أعمال مسطرة الإكراه البدني، غير أن هذه الضمانة تظل مرتبطة بحجم الصلاحيات المخولة لقاضي تطبيق العقوبات في هذا الصدد، و هل الأمر يتعلق
بمجرد رقابة شكلية إجرائية أم هي رقابة موضوعية شاملة تنسحب على الشروط الشكلية و الموضوعية لمسطرة الإكراه البدني؟.
في اعتقادنا فإن الإشكالية الجوهرية التي يثيرها اختصاص قاضي تطبيق العقوبات في مجال مراقبة صحة إجراءات الإكراه البدني، هي تحديد نطاق الصلاحيات المخولة له أثناء النظر في طلبات تطبيق مسطرة الإكراه البدني، هل تنحصر فقط في حدود التثبت من توفر الوثائق المنصوص عليها في المادة 640 من ق.م.ج دون
غيرها وفق ما قد يفهم من صياغة هذه المادة، و التي جاء فيها بأنه " لا يمكن تطبيق الإكراه البدني ، في جميع الأحوال و لو نص عليه مقرر قضائي إلا بعد موافقة قاضي تطبيق العقوبات الذي يتحقق من توفر الشروط الآتية بعد توصله بالملف من وكيل الملك..." و هذه الشروط تتمثل في وجود إنذار موجه للمدين و طلب من الدائن
يرمي إلى الإيداع في السجن و ما يثبت عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين، و بالتالي الحديث عن رقابة شكلية " وثائقية " من المفروض أن يطلع بها السيد وكيل الملك قبل إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، أم تنصرف حتى إلى الأحكام الموضوعية لمسطرة الإكراه البدني فتنصب رقابته على التحقق من انتفاء موانع الإكراه
البدني (المادة 636) ، و كون مقرر الإدانة أصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به (المادة 598) و تبليغ مقرر الإدانة إلى المدين قبل توجيه الإنذار (المادة 642) ....؟؟ و من جهة أخرى أليس من شأن توسيع نطاق الرقابة على هذا النحو، أن يقيم تداخلا في الاختصاص مع جهات أخرى أنيط بها أمر البت في النزاعات
المثارة بشأن تطبيق مسطرة الإكراه البدني، كالسيد رئيس المحكمة الابتدائية إذا كان النزاع يتعلق بصحة إجراءات الإكراه البدني وكان المدين معتقلا (المادة 643) أو المحكمة المصدرة للحكم المراد تنفيذه إذا تعلق الأمر بنزاع عارض يستلزم تفسيرا (المواد 599-600-643)،أو حتى إثارة لمسائل يرجع للمطلوب
إكراهه وحده أمر إثارتها؟ .
أعتقد أن تقصي الغاية من إسناد هذا الاختصاص لقاضي تطبيق العقوبات يسعفنا في ترجيح فكرة الرقابة الشاملة التي تستغرق التثبت من تحقق الشروط الموضوعية و الإجرائية في طلبات تطبيق الإكراه البدني، و ذلك للاعتبارات الآتية :
إن الجدوى من الرقابة السابقة أو القبلية في أي تدبير تشريعي، هو تفادي إثارة المنازعات اللاحقة أو على الأقل حصرها في أضيق الحدود، حرصا على استقرار المعاملات و عدم المساس بالمراكز القانونية، و خاصة إذا كان الإجراء المأمور به من شأنه إنشاء أوضاع غير قابلة للتصحيح كما هو الحال في مسطرة الإكراه البدني، و
من تم فلا مجال للقول بوجود أي تداخل للاختصاص في هذا الصدد، نظرا لاختلاف زمن ولاية النظر، فقاضي تطبيق العقوبات يبت في طلبات تطبيق مسطرة الإكراه في إطار غير نزاعي و في غيبة الأطراف، في حين أن باقي الجهات (رئيس المحكمة الابتدائية لمكان الاعتقال أو إلقاء القبض، و المحكمة المصدرة للحكم المراد
تنفيذه) فهي تبث في النزاعات الناشئة أثناء تنفيذ مسطرة الإكراه البدني، فتنازع الاختصاص كما هو معلوم بشقيه الإيجابي أو السلبي، يفترض وجود نزاع حال تتقاسم جهتين، صلاحية البت فيه على خلاف ما نحن بصدده، و هكذا فإن تفعيل الرقابة على هذا النحو، من شأنه تطهير مسطرة الإكراه البدني من العديد من المنازعات المثارة
أثناء التنفيذ سواء تعلقت بصحة إجراءات الإكراه البدني ( و هو ما تفره الرقابة الشكلية) أ بالنزاعات العارضة التي تستلزم تفسيرا (و هو ما تتيحه الرقابة الموضوعية) .
أن القول بغير هذا سيجعلنا نطرح أكثر من تساؤل حول الغاية من إسناد هذا الاختصاص لقاضي تطبيق العقوبات، مادام أن مجرد الرقابة الشكلية على الوثائقية هو دور كان يطلع به السيد وكيل الملك حيت يتأكد ما أمكن من تحقق شروط إعمال مسطرة الإكراه البدني الشكلية منها و الموضوعية قبل إحالة الملف على قاضي تطبيق
العقوبات ،كما أن القول بمثل هذا الفهم سيجعل عمل قاضي تطبيق العقوبات مجرد مراجعة شكلية ، وهو فهم لا يخلو من عبث ،ويضع عمل المشرع وبالتالي الإرادة العامة موضع تساؤل ، حيث تصبح عملية التشريع غير مرتبطة بغايات وأهداف محددة ،ونسقط مرة أخرى في متاهات التضخم الإجرائي وتعقيد المساطر وهو خلل
يجب ألا يكون في تشريعات الألفية الثالثة .
كيف يمكن عمليا لقاضي تطبيق العقوبات، أن يتغاضى عن إثارة بعض العوارض الظاهرة لمسطرة الإكراه البدني في إطار الملف المعروض عليه ( كوفاة المطلوب إكراهه ،أو عدم توفر السن القانوني ،،أو عدم الإدلاء بما يفيد تبليغ الحكم الصادر بالإدانة ( المادة 640 من ق, م,ج.........) ،أو حتى كون الدين موضوع طلب
الإكراه لا يخضع في استخلاصه لقانون المسطرة الجنائية، كتعلق الأمر بدين عمومي (غير الغرامات والإدانات النقدية ،يرجع في إجراءات استيفائه لمدونة تحصيل الديون العمومية التي لا تستلزم موافقة قاضي تطبيق العقوبات في سلوك مسطرة الإكراه البدني، حيت تنص الفقرة الأخيرة من المادة 80 من مدونة تحصيل الديون
العمومية على أنه "....يتم تطبيق الإكراه البدني فورا، ويعمل على تنفيذه بمجرد توصل وكيل الملك لدى المحكمة المختصة بالقرار المحدد لمدة الحبس" .
أنه ليس في توسيع صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات في هذا الصدد، أي حلول محل المدين في إثارة المنازعات الخاصة به ، وإنما هو حلول محل القانون ممثلا في الإرادة العامة التي تسعى لعدم المساس بحرية أفرادها إلا في نطاق القانون ، و إلا لكان في إثارة المحكمة تلقائيا للمسائل المتعلقة بالنظام العام، والتي تلتقي مع مصلحة
أحد الخصوم في الدعوى حلولا محله.
إنطلاقا من هذه الأسانيد وغيرها نصل إلى قناعة أن نطاق اختصاص قاضي تطبيق العقوبات لا ينحصر فقط في حدود التثبت من وجود الوثائق المحددة في المادة 640 من ق.م.ج وإنما ينصرف إلى التحقق من توفر الشروط الموضوعية لإعمال مسطرة الإكراه البدني ، وذلك في حدود ما تتيحه الوثائق المرفقة
بالملف المحال عليه.
ومن الإشكاليات التي أفرزها الواقع العملي بهذا الخصوص أن قاضي تطبيق العقوبة كثيرا ما يقضي بعدم بقبول طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني بعلة أن أجل توجيه الإنذار المنصوص عليه في المادة 640 لم يحترم، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن مصير العديد من الطلبات التي قدمت في ظل القانون
القديم، والذي كان يحدد أجل توجيه الإنذار في عشرة أيام وبعد دخول القانون الجديد حيز التنفيذ تمت إحالة هذه الملفات على قاضي تطبيق العقوبات، من أجل أن يصدر أمره بالموافقة عليها، فإذا قضى بعدم قبولها فان ذلك سيؤدي ولا محالة إلى تعطيل النصوص المتعلقة بتطبيق مسطرة الإكراه البدني بشكل من شانه أن يؤثر على
حسن سير العدالة في هذا الشأن ، لذا نرى ضرورة الإكتفاء بالآجال القديمة إذا بوشرت الإجراءات في ظل قانون المسطرة الجنائية القديمة ، احتراما للحقوق المكتسبة لطالب تطبيق الإكراه البدني.
كما يلاحظ بان قاضي تطبيق العقوبات غالبا ما يصدر أمره بعدم قبول مسطرة الإكراه البدني، بعلة أن الطالب لم يرفق طلبه بما يتبث عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدين ، فهناك من يرى بأن المقصود بعبارة الإدلاء بما يتبث عدم إمكانية التنفيذ على أموال المدني هو الإدلاء بمحضر عدم وجود ما يحجز، لكننا نرى بأن الأمر لا
يقتصر على هذه الوثيقة فحسب ،بل يمكن الاعتداء بأية شهادة تثبت عدم إمكانية التنفيذ على الأموال المدين.
لكننا ومع الأخذ بعين الاعتبار الفقرة الأخيرة من المادة 653 من ق م ج، والتي تقضي بأن شهادة العسر يسلمها الولي أو العامل أو من ينوب عنه ، فإنه جرى العمل على أن الذي يسلم مثل هذه الشهادات هو القائد أو رئيس المقاطعة الحضرية بالمدينة، فهل يعتبر رجل السلطة هذا بمثابة القائم بالنيابة عن الوالي، أو العامل بحكم
مهام التسلسل الإداري الذي يحكم الإدارة الترابية المحلية، والتي يرأسها الوالي أو العامل وبالتالي اعتماد مثل هذه الشهادات ، أم أن الأمر يقتضي صدورها عن هذين الأخيرين أو من يخولان له هذه المهمة بصفة رسمية، مع ذكر مراجع ذلك في شهادة العون المسلمة.
والرأي فيما نعتقد أن طبيعة عمل الإدارة الترابية التي يخضع فيها القائد أو رئيس المقاطعة لسلطة رئاسية من طرف الوالي أو العامل وما يوكل إلى رجال السلطة المحلية من مهام لها ارتباط وثيق بحياة المواطنين ، يجعل القائد أو رئيس المقاطعة في عداد من تخول له النيابة أو الوكالة عن السلطة الرئاسية المتمثلة في الوالي أو العامل
لتسليم مثل هذه الوثيقة، وذلك نظرا لما في الأمر من تيسير على المواطنين من جهة ، وأيضا لما في ذلك من تفادي تعقيدات والإجراءات الإدارية، مع ضرورة قيام النيابة العامة في حالة تسرب شكوك في مصداقية ما تضمنته تلك الشهادة من معلومات عن الحالة المادية للمكره بكل التحريات اللازمة للتأكد من صحتها، هذا ونظرا
لخصوصية الوثائق المثبتة للعسر من طرف الأجانب المكرهين ، حيث غالبا ما تكون تلك الوثائق صادرة إما عن سلطات بلدانهم الإدارية فقط دون المالية أو العكس ، وأحيانا تكون صادرة فقط عن سفارة أو قنصلية بلدانهم بالمغرب، حيث تسند هذه السلطات الدبلوماسية في إصدارها لهذه الوثائق إلى البحث الذي أجرته السلطات المعنية
ببلدانهم، دون ذكر مراجعها ولا إرفاقها بما يحال من وثائق على النيابة العامة مما يصعب معه تقييم تلك الوثائق في ظل مقتضيات المادة 653 من ق م ج، التي تحدد الجهات المعنية التي تسلمها، خاصة وأن أغلب الحالات المعنية بمثل هذه الشهادات تتعلق بقضايا المخدرات، لذلك فإن ما جرى به العمل بالنسبة لمحكمة الاستئناف
بطنجة ، هو عرض الأمر على المحكمة في إطار ملتمس النيابة العامة بغاية تقييم الوثائق ومدى تماثلها للوثائق المنصوص عليها في المادة 653 من ق م ج.
هذا وإذا أصدر قاضي تطبيق العقوبات أمره بعدم قبول طلب تطبيق مسطرة الإكراه البدني ، ولاحظت النيابة العامة بأن هذا الأمر ليس سليما فهل يحق لها استئنافه ؟ وما هي الجهة التي ستتولى النظر في هذا الاستئناف إذا كان الرد بالإيجاب؟
والرأي الذي يبدو وجيها أمام غياب مقتضى تشريعي يجيب على هذا التساؤل هو إمكانية الطعن بالاستئناف أمام الغرفة الجنحية الابتدائية بصفتها غرفة المشورة ، على اعتبار أن قرار قاضي تطبيق العقوبة من قبيل النزاعات العارضة التي يجب عرضها على غرفة المشورة تطبيقا لمقتضيات المادتين 593و600 من ق م ج
،ويضاف إلى ما سبق أن المادة 640 من ق م ج حددت الشروط الواجب توفرها لتطبيق الإكراه البدني في حق المحكوم عليه، كما حددت المادة 641 من نفس القانون الاستثناء من مقتضيات المادة 640 الآنف ذكرها، بالنسبة للمحكوم عليه من أجل الإكراه البدني موضوع التنفيذ، والذي لازال في السجن معتقلا ، وأصبح
الحكم موضوع الإكراه البدني في حقه وفق الإجراءات المحددة في تلك المادة دون الإشارة إلى مقتضيات المادة 80 من مدونة تحصيل الديون العمومية الصادرة بتاريخ 03/05/2000 والتي تعد استثناء من قاعدة ضرورة موافقة قاضي تطبيق العقوبات لإمكان تطبيق الإكراه البدني ، حيث إن قاضي المستعجلات
يبث في طلب المحاسب المكلف بالتحصيل الرامي إلى تطبيق الإكراه البدني في حق المدين ويعمل على تنفيذه بمجرد توصيل وكيل الملك لدى المحكمة المختصة بالقرار المحدد لمدة الحبس.
وهذا وإن المادة 134 من مدون تحصيل الديون العمومية تقضي بأن الإكراه البدني في ميدان تحصيل الغرامات والإدانات النقدية يبقى خاضعا للفصول 675 إلى 687 من قانون المسطرة الجنائية القديم التي تقابلها المواد 633 إلى 647 من قانون المسطرة الجنائية الحالي ، فإذا كانت مقتضيات الفصل 675
من ق م ج القديم تخول إمكانية تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة ورد ما يلزم رده والتعويضات والمصاريف، بقطع النظر عن المتابعات التي يقع إجراؤها على الأموال حسب الفصل 673 من نفس القانون ، فان مقتضيات المادة 635 من ق م ج الجديد تخلت عن هذه الإمكانية، حيث اشترطت الإمكانية تطبيق مسطرة الإكراه
البدني في حالة عدم التنفيذ أن يتبين بأن الإجراءات الرامية إلى الحصول على الأموال المنصوص عليها في المادة السابقة بقيت بدون جدوى أو نتائجها غير كافية .
في حين، أن مقتضيات الفصل 264 من مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة يقضي بأنه ينفذ الإكراه البدني المطبق بشان جنحة أو مخالفة جمركية رغم الطعن بالطرق الغير عادية بمجرد الحكم النهائي ، وبالتالي فالإشكال الذي يطرح بهذا الخصوص، يتمثل فيما إذا كان يدخل المحكوم عليه بالغرامة في قضايا جنح أو
مخالفات جمركية والذي يكون معتقلا بالسجن لقضاء مدة العقوبة الحبسية انسجاما مع مقتضيات الفصل 264 المذكور ، وأيضا مع الفقرة الأولى من الفصل 254 من نفس القانون، الذي رتب عن صدور حكم بعقوبة حبسية نافذة من أجل تلبس بجنحة من جنح التهريب مباشرة حبس المحكوم عليه إذا كان يوجد في حالة سراح
مؤقت وقت صدور هذا الحكم بالرغم من الاستئناف، مستثنيا لعدم القيام بهذا الإجراء كون مبلغ العقوبات المالية المحكوم بها عليه مضمونا بكامله طبق الشروط المنصوص عليها في الفصل 253 من نفس القانون .
وبذلك يكون المشرع في هذه الحالة قد ركز على ضمان تنفيذ العقوبات المالية أكثر من تنفيذ العقوبة الحبسية، وهو إبقاء المحكوم عليه والموجود رهن الاعتقال من أجل قضاء عقوبة حبسية من أجل الجرائم الجمركية بالسجن لقضاء مدة الإكراه البدني بالنسبة للعقوبات المالية أيضا مباشرة بعد قضائه للعقوبة المذكورة ، والتي تحيل
عليها مقتضيات المادة 134 من مدونة تحصيل الديون العمومية السالف ذكرها .
وأمام هذا الوضع اختلف إتجاه النيابات العامة بين رأيين، الأول يتجه إلى الإفراج التلقائي عن المحكوم عليه بعقوبات مالية من اجل جنح أو مخالفات جمركية بمجرد إنهائهم لعقوباتهم الحبسية إعمالا لمقتضيات المادة 635 من ق م ج ، في حين يتجه الرأي الثاني إلى عرض الأمر على غرفة المشورة الجنحية للحسم في هذه
الإشكالية، وهذا الرأي هو المعمول به بالنسبة للنيابة العامة بمحكمة الاستئناف بطنجة .
ونعتقد أن الأمر يتطلب تدخلا تشريعيا، لتغليب هذا الرأي أو ذاك، بغية رفع الخلاف وتوحيد العمل على مستوى النيابات العامة لدى مختلف المحاكم .