دور العدالة الجنائية في ميدان الأعمال والاقتصاد: المقاولة والسياسة الجنائية

رابط التحميل اسفل التقديم

_______________________

تقديم:

يعرف عالم الأعمال تدخلا متزايدا للقانون، وإقبالا مضطردا على القضاء، بحيث أصبحت الحياة الاقتصادية مطبوعة بهذه السمة، وما ذلك إلا نتيجة للعلاقة الجدلية بين الاقتصاد والقانون، بارتباط مع الجهاز القضائي المعهود إليه بالحسم فيما يطرأ من منازعات بين الفاعلين الاقتصاديين، والتدخل عند الإخلال بقواعد اللعبة في الميدان الاقتصادي من قبل مسيري المقاولة.

إن المقاولة كمفهوم اقتصادي بالدرجة الأولى، تعتبر موضوعا أساسيا للسياسة الاقتصادية، لكنها في الوقت نفسه خاضعة لتنظيم القانون، ومن هنا كان قانون المقاولة، الذي يهدف بصفة عامة إلى حسن تنظيم الحياة الاقتصادية، حيث تتقاطع مصالح الشركاء والفاعلين الاقتصاديين والمستهلكين من جهة مع

المصلحة العامة من جهة أخرى.

ومن أهم جوانب قانون المقاولة القانون الجنائي للمقاولة، الذي يجرم ويعاقب أفعال القائمين على تسيير المقاولة ونشاطها من جهة الجرائم الداخلية للمقاولة، ويجرم ويعاقب أفعالا ترتكب ضد أشخاص من خارج المقاولة من جهة أخرى الجرائم الخارجية للمقاولة حيث يشبه القانون الجنائي للمقاولة بالشخصية الأسطورية جانوس ذي الوجهين. وتبعا لذلك فإن التنظيم الجنائي لنشاط المقاولة يتعلق بعدة نواحي تبعا لطبيعة علاقات المقاولة، سواء مع أعضائها في إطار نظامها الداخلي وكيفية تسييرها ( العلاقة مع المسيرين والأطر والعمال والشركاء ) أو في علاقة المقاولة على الصعيد الخارجي ( العلاقة مع الإدارة

والزبناء والموردين أي مع محيط المقاولة بصفة عامة.

وعلى ذلك فإن القانون الجنائي للمقاولة يهدف إلى: تجريم الإخلالات المرتكبة من طرف القائمين على شؤون المقاولات

ضمان الحماية الجنائية لنشاط المقاولة ومجال الأعمال بصفة عامة.

فعن طريق تجريم الإخلالات المرتكبة من طرف القائمين على شؤون المقاولات ، يتم ضمان احترام الواجبات المفروضة لتنظيم العلاقات الاقتصادية، سواء فيما يتعلق بخلق المقاولات، أو فيما يتعلق بتسييرها، كالجرائم المتعلقة بالشركات والجرائم المرتبطة بصعوبات المقاولة، وجرائم الاستهلاك ومخالفات قانون الشغل والغش الضريبي، وتبييض الأموال، والتصرفات المضرة بالبيئة.

- Jean Pradel, Rapport de synthèse du numéro spécial de la Gazette du Palais "L'entreprise et le droit pénal",

n du 10-12 mars 2002, p. 56. -Jean Yves Chevallier, Rapport introductif du numéro spécial de la Gazette du Palais "L'entreprise et le droit

pénal", n du 10-12 mars 2002, p. 5.

وعن طريق الحماية الجنائية لنشاط المقاولة ، يتم ضمان مقومات الابتكار والإنتاج والتوزيع وتسديد المعاملات، أي كل ما يتعلق بخلق المناخ الملائم للاستثمار والمبادرة. ويدخل في ذلك المقتضيات المتعلقة بحماية الأموال والأشياء، وحماية الملكية التجارية والصناعية، واحترام قواعد المنافسة، ومعاملات

البورصة.

إن كل هذا يعكس الاهتمام الكبير بتنظيم نشاط المقاولة، وهو ما جعل المقاولة في اتصال مباشر مع القانون من جهة، كما جعلها في تماس مباشر مع السياسة القضائية ككل، ومع فرعها المتمثل في السياسة الجنائية بالأخص من جهة أخرى، ولذلك فإن المقاولة أصبحت تعيش في تفاعل مع قواعد التنظيم القانوني لنشاطها، كما أنها أصبحت تتأثر بتوجهات السياسة الجنائية المرتبطة بهذا النشاط سلبا أو إيجابا.

ولقد كان الحرص على ضمان التطبيق الفعلي للقواعد المنظمة لنشاط المقاولة، دافعا إلى السام

المنظومة القانونية المنظمة لنشاط المقاولة باتجاه واضح نحو الطابع الزجري، وتميزها بتأييد الواجبات المفروضة على مسيري المقاولة بالجزاء الزجري. ونتيجة لذلك فقد أضحت السياسة الجنائية في ميدان الاقتصاد بصفة عامة، موضع تتبع من طرف القانونيين وأرباب المقاولات وعلماء الاجتماع على السواء، وموضع تساؤل أيضا عن دور الجهاز القضائي في الميدان الاقتصادي. وقد أدى ذلك إلى الاهتمام بتقييم السياسة الجنائية في الميدان الاقتصادي وأثرها سلبا أو إيجابا على النشاط الاقتصادي، وهو ما أفرز عدة

تصورات لتوجهات السياسة الجنائية المستقبلية في ميدان الأعمال.

وسأتناول في هذه المداخلة النقط التالية:

...

____________________________

رابط التحميل

https://drive.google.com/file/d/1Q2jwS85Yl9-A_PvKVe-JpSc7W29kguUb/view?usp=drivesdk