مقال بعنوان إسهام القضاء المغربي في إرساء دعائم الأمن الاجتماعي في مجال الأسرة
إسهام القضاء المغربي في إرساء دعائم الأمن الاجتماعي في مجال الأسرة
رابط تحميل المقال اسفل التقديم
مقدمة:
لا شك أن التطورات المتسارعة التي يعرفها العالم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، رفعت من سقف التحديات الموضوعة أمام الدول وأدت إلى ظهور مفاهيم جديدة غيرت من هيكلة بنية المجتمعات وطبيعة العلاقات وحتى في وظائف الدولة وأفرزت قيما جديدة اضطرت المؤسسة التشريعية إلى مواكبتها بإصدار نصوص قانونية جديدة أو الانخراط في اتفاقيات دولية.
لكن الثابت أن هذه النصوص بحكم صيرورة التغيير وحتميته تنأكل وتقف دائما عاجزة عن الإحاطة بكافة النوازل والأقضية، لأنها تبقى من صنع البشر ولأنها تتناهى باعتبار عددها والوقائع لا تتناهى من حيث دلالاتها، فيبقى الملاذ هو القضاء لتدير هذه الوقائع اللامتناهية والاجتهاد في إيجاد حلول لها. وهو ما يعبر عنه بالدور الخلاق للقضاء، إنه دور القضاء في إخضاع القانون السنة التطور.
ولعل أهم مجال يمكن أن ترصد فيه هذا الدور الجديد للمؤسسة القضائية هو القضاء الأسري على اعتبار محورية الأسرة في أي مشروع لبناء مجتمع ديمقراطي وترسيخ قيم المواطنة والأمن والحرية والمساواة حيث إن استتباب الأمن المجتمعي رهين بضبط العلاقات الأسرية في إطار يصون للجميع حقوقه وكرامته ويحدد له واجباته والتزاماتهم للسلطة القضائية
وفي المغرب يشكل هذا الموضوع محورا أساسيا وهدفا رئيسيا تضمنته مختلف الأوراش التنموية الكبرى التي انخرطت فيها البلاد وكرسه دستور 2011 بشكل واضح وجعل السلطة القضائية مسؤولة عن تغزيله من خلال التزامها بضمان وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات وأمنهم القضائي ومنه الأمن الأسري.
وقد استطاع القضاء المغربي فعلا خلال السنوات الأخيرة مواكبة كافة هاته التحولات القانونية والاجتماعية والثقافية وأصدر مجموعة من القرارات المبدئية الهامة التي تحمل نفحة حقوقية ومقاربة
(1) هذه الورقة قدمتها بمناسبة انعقاد المؤتمر الرابع الرؤساء المحاكم العليا العربية بالعاصمة القطرية الدوحة 24-25-26 شتنبر 2013
قضاء محكمة النقض عدد 77
دراسات
حمانية للأسرة المغربية بكافة مكوناتها مستعينا في ذلك بترسانة قانونية عصرية وبمرجعية اجتهادية وقراءة مقاصدية للنصوص ونظر في المالات
وسأحاول في هذه الورقة إبراز مساهمة هذا القضاء في تحقيق الأمن الاجتماعي الأسري من خلال
محورين رئيسيين:
المحور الأول: محددات الإطار العام للأمن الأسري بالمغرب
المحور الثاني: التكريس القضائي للأمن الأسري بالمغرب: الآليات والتحديات
المحور الأول: محددات الإطار العام للأمن الأسري بالمغرب
المحدد الأول: التأسيس لمدونة الأسرة
-1 - المقاربة والمناخ العام الذي ولدت فيه.
يتفق الجميع على أن صدور قانون مدونة الأسرة المغربية يوم 3 فبراير 2004 يعتبر حدثا تاريخيا متميزا ومنعطفا حاسما في سياق المشروع المجتمعي الديموقراطي الذي ارتضاه المغاربة وتوافقوا عليه
القائم على إنصاف المرأة وصيانة كرامة الرجل وحماية حقوق الطفل.
ولا شك أن السياق الذي أخذه مسار إعداد مدونة الأسرة بالمملكة المغربية، والمنهجية التي خضع لها تحضيرها إلى أن قطعت طريقها عبر قنوات التشريع وأصبحت قانونا نافذا، سياق ومنهجية تميزا بخصوصية فريدة من نوعها وبالغة الأهمية والدلالة.
فقبل أن تبادر الحكومة المغربية إلى تحضير مشروع القانون واحالته على البرلمان، اهتدى جلالة الملك محمد السادس إلى إحداث لجنة ملكية استشارية مكونة من علماء وخبراء مختصين رجالا ونساء متعددة التخصصات والمرجعيات الفكرية والسياسية والحقوقية، من فقهاء وقضاة ورجال قانون وأطباء وشخصيات من المجتمع المدني عهد إليها جلالته بمراجعة جذرية لمدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 كما وقع تعديلها سنة 1993 وتقديم مشروع جديد متكامل وزودها بالتوجيهات الضرورية في موضوع بالغ الحساسية في بلد يقوم على التعددية السياسية والفكرية على اختلاف مرجعيتها، وحثها على إعمال الاجتهاد في استنباط الأحكام والاستشهاد بالمقاصد السمحة للشريعة الإسلامية مع التزام بقيم حقوق الإنسان ومبادئه، كما تكرسها المنظومة العالمية لحقوق الإنسان ووضع حلول متوازنة ومنصفة وعملية الأحوال الأسرة، مستمدة من الاجتهاد المستنير المنفتح والمواطنة الحقة التي تحفظ الكرامة والمساواة داخل
مكونات الأسرة.
وقد تفرغت هذه اللجنة لمدة تزيد عن سنتين ونصف، لتضع إنجازا تاريخيا مسؤولا، تميز أساسا بانسجامه الفكري مع عمق التحولات العامة التي عرفتها بلادنا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/15IGupcZDqw_Q3IHHWerPsy-ETUh3NnKo/view?usp=drivesdk