تأثير النظام العام الاستهلاكي على مبادئ النظرية التقليدية للعقد
لقد شهدت نظرية الالتزام في القانون المدني تطورا مهما في العقود الأخيرة، بفعل التغيرات الاقتصادية التي شهدها العالم ، فبعدما كانت تتسم النظرية العامة للعقد ولوقت طويل بخاصية الثبات والاستقرار، سرعان ما اهتزت هذه الخصائص في خضم التطورات التي مست مجالات الحياة المختلفة، والتي كان من أهم نتائجها بروز قوانين جديدة انبثقت من رحم القانون المدني ساعية لإيجاد موقع لها في إطار بلورة مفهوم جديد
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
مقدمة:
لقد شهدت نظرية الالتزام في القانون المدني تطورا مهما في العقود الأخيرة، بفعل التغيرات الاقتصادية التي شهدها العالم ، فبعدما كانت تتسم النظرية العامة للعقد ولوقت طويل بخاصية الثبات والاستقرار، سرعان ما اهتزت هذه الخصائص في خضم التطورات التي مست مجالات الحياة المختلفة، والتي كان من أهم نتائجها بروز قوانين جديدة انبثقت من رحم القانون المدني ساعية لإيجاد موقع لها في إطار بلورة مفهوم جديد
للقاعدة القانونية التي تنحو إلى تكريس الطابع الحماني كفلسفة الأساسها الوظيفي فقط. وعلى رأسها قانون حماية المستهلك الذي استعار أحكامه القانونية ومبادئه وأسسه من القانون المدني لكن هذه القواعد الكلاسيكية لم تساير الشكل الجديد الذي اتسمت به
العلاقات بين الأطراف، فكان الحل تطويع هذه القواعد لجعلها تلائم الطابع التعاقدي الجديد بميكانيزمات وتقنيات تتماشى مع فلسفة حماية المستهلك.
ويعتبر موضوع حماية المستهلك من المحاور القانونية الهامة لخصوصية المركز القانوني الذي يتواجد فيه، بوصفه طرفا ضعيفا عقديا واقتصاديا وفنيا، فمنظومة الاستهلاك تقوم على نظام الطوائف الذي يتكون من أشخاص محترفين وموزعين وبائعين، ويتمتعون بمركز قوي اقتصاديا وفنيا مما يتيح لهم تفوقا تفاوضيا على مستوى مختلف مراحل العملية التعاقدية الاستهلاكية الأجل ذلك تدخل المشرع المغربي بسنه القانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك، وذلك بهدف إقامة نوع من التوازن العقدي بين أطراف العقد الاستهلاكي ، فأغلب القواعد القانونية التي جاء بها قانون حماية المستهلك تتصف بصبغة القواعد الأمرة لارتباطها الوثيق بالنظام العام ومادام أننا أمام تقنيات جديدة في نمط التعاقد تختلف عن المبادئ التقليدية المعهودة فقد ظهر مفهوم جديد للنظام العام، متجاوزين بذلك المفهوم التقليدي الكلاسيكي إلى مفهوم معاصر للتحولات الاقتصادية التعاقدية المتجسد في النظام العام الاستهلاكي الذي يهدف إلى وضع معادلة جديدة بين أطراف العملية الاستهلاكية تستجيب لضرورة إعادة التوازن
العقدي بين المهني والمستهلك.
فالنظام العام الاستهلاكي يهدف إلى تمتيع المستهلك بقسط من الحماية، بعدما
فقدها قبل صدور قانون حماية المستهلك. فأمام اللامساواة الاقتصادية بين طرفي العقد الاستهلاكي أصبح هذا الأخير يستمد إلزاميته من إرادة المشرع لا من إرادة الأطراف، ويتفرع عن هذه النتيجة حسب الأستاذ العربي مياد أن الخواص إذا كانوا يسعون إلى تحقيق الأهداف الشخصية ويتمسكون بالحرية التعاقدية، فإن المتطلبات الاجتماعية تدعو إلى تدخل الدولة لتشذيب ما علق بالمجال التعاقدي من تعسف وشطط ، وعليه فالقوانين الحمائية كقانون حماية المستهلك يكون الهدف من ورائها تحقيق نوع من الحماية للطرف الضعيف من خلال جملة من التدابير وذلك من أجل خلق نوع من التوازن في العلاقة الاستهلاكية.
ويكتسي هذا الموضوع أهمية يمكن رصدها عبر مستويين
على المستوى النظري: تكمن في مدى معرفة صمود القواعد التقليدية للقانون في مواجهة القانون
المدني الاستهلاكي، ثم معرفة الجوانب التي توفق فيها القانون الاستهلاكي والتي هي من النظام العام على القواعد التقليدية للقانون المدني.
أما على المستوى العملي فتكمن من أهمية المستهلك ذاته في كونه هدف
العملية الاستهلاكية واستحقاقاتها التشريعية في مختلف أطوارها، خصوصا وأن المستهلك كان ولا يزال عرضة لابتزاز قوى الإنتاج والتسويق المختلفة، كما يمكن
استجلاء هذه الأهمية أيضا في معرفة أهم الحقوق الممنوحة للمستهلك والمعتبرة من النظام العام بمقتضى القانون 31.08 المتعلق بتحديد التدابير الحمائية للمستهلك، ثم الوقوف على القراءة الجديدة التي جاء بها القانون الاستهلاكي في مقابل القواعد التقليدية للقانون المدني، وذلك اعتبارا بأن قانون حماية المستهلك يبقى إن صح التعبير مستجدا من المستجدات التشريعية في الأونة الأخيرة، في ظل هذه المعطيات يمكننا طرح الإشكال
التالي:
ماهي مظاهر تأثير النظام العام الاستهلاكي على المبادئ الكلاسيكية للنظرية العامة للعقد ؟
للإجابة على هذا الإشكال المحوري سنعتمد خطة البحث التالية:
المبحث الأول: أثر النظام العام الاستهلاكي على مبدأ الرضائية في العقود
المبحث الثاني: أثر النظام العام الاستهلاكي على آثار العقد
المبحث الأول: أثر النظام العام الاستهلاكي على مبدأ سلطان الإرادة
إن حماية رضا المستهلك وإقرار التوازن العقدي، يقتضي البحث في القواعد العامة
والمبادئ التقليدية التي تسيطر على القانون المدني، رغبة في استعراض مدى استجابة هذه القواعد لحماية رضا المستهلك ولعل من أهم المبادئ التي عرفت تراجعا وتأثرا مع
بزوغ قانون الاستهلاك، مبدأ سلطان الإرادة الذي أصبح قاصرا على تحقيق التوازن العقدي المطلب الأول، لذلك كان لزاما الوقوف على مظاهر هذا التأثير المطلب الثاني).
_______________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1Qm4fmAvDBJg9Lc2GOFw0OfnJrGHxk-YU/view?usp=drivesdk