أثار الفصل التعسفي في ضوء العمل القضائي
الفصل التعسفي في القانون المغربي، التعويض عن الفصل التعسفي، الرجوع إلى العمل بعد الفصل التعسفي
يترتب عن الإنهاء التعسفي لعقد العمل بصفة تعسفية من جانب رب العمل حسب المادة 41 من مدونة الشغل، إما الحكم بإرجاع العامل إلى شغله أو حصوله على تعويض يقدر على أساس أجرة شهر ونصف عن كل سنة عمل أو جزء من السنة على أن لا يتعدى سقف 36 شهرا والملاحظ من استقراء المادة أعلاه أن المشرع قد ترك الخيار للمحكمة للحكم إما بإرجاع العامل إلى مشغله أو الحكم بالتعويض وهو نفس المقتضى الذي كانت تنص عليه الفقرة الأخيرة من الفصل 6 من النظام النموذجي المؤرخ في 23/10/1948 والتي تمت الإصطلاح عليها بإشكالية الخيار بين الإرجاع إلى العمل أو الحكم بالتعويض وقد مال الرأي الفقهي إلى ترجيح الحكم بالتعويض نظرا لما يخلفه تنفيذ الحكم بالإرجاع من مشاكل على مستوى التطبيق، وقد تم تحديد مقدار التعويض في أجرة شهر ونصف في حدود 36 شهران وبالتالي فقد سحب ذلك من سلطة القضاء التقديرية من جهة ومن جهة أخرى فقد جعل من مدة العمل المعيار الأوحد لحساب التعويض بعدما كان الفصل 754 من ق.ل.ع يضع معايير عدة على المحكمة لمراعاتها في تعليل التعويض المحكوم به -العرف وطبيعة العمل وأقدمية أدائها وسن الأجير ومقدار الأجر ومراعاة كل الظروف التي تبرر وجود الخسارة وتحديد مداها، وسوف نقف على سلطة القضاء في تقييم التعويضات الناتجة عن الطرد التعسفي (المطلب الأول)
المطلب الأول: سلطة القاضي في تقييم التعويضات الناتجة عن الطرد التعسفي
حينما يتوصل القاضي الاجتماعي، بعد إعمال سلطته التقديرية في التكييف والتوصل إلى اعتبار الطرد الذي تعرض له الأجير تعسفيا بخرق بعض الشروط الشكلية أو الجوهرية للفصل فإنه يصدر حكمه لفائدة الأجير باستحقاقه أربعة أنواع من التعويضات وهي التي سوف نتناولها في أربعة فقرات[[38]] التعويض عن أجل الإخطار (الفقرة الأولى) التعويض عن الفصل أو الإنهاء (الفقرة الثانية) التعويض عن الضرر (الفقرة الثالثة) التعويض عن فقدان العمل (الفقرة الرابعة)
الفقرة الأولى: التعويض عن أجل الإخطار
فقد نصت المادة 51 من مدونة الشغل أنه يترتب عن إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة دون إعطاء أجل الإخطار أو قبل انصرام مدته أداء الطرف المسؤول عن الإنهاء تعويضا عن الإخطار للطرف الأخر يعادل الأجر الذي كان من المفروض أن يتقاضاه الأجير لو استمر في أداء شغله ما لم يتعلق الأمر بخطأ جسيم[[39]].
ومن خلال مقتضيات الفصل 51 من مدونة الشغل، فا القاضي الاجتماعي ينحصر دوره في مراقبة احترام المشغل لمهلة الإخطار في حين لا يملك أية صلاحية لتقدير التعويض عن هذه المهلة لأنها محددة بمقتضى الفصل 51 [[40]]
وقد صدر المرسوم رقم 469-4-2 بتاريخ 29/12/2004 والذي حدد أجال الإخطار كما يلي:
بالنسبة للأطر وما شابههم حسب أقدميتهم
أقل من سنة: شهر واحد
من سنة إلى خمس سنوات :شهران
أكثر من خمس سنوان :3 اشهر
بالنسبة للمستخدمين والعمال
أقل من سنة: 8 أيام
من سنة إلى خمس سنوات: شهر واحد
أكثر من 5 سنوات: شهران.
كما أن التشريع الحالي لم يحرم أي طبقة من أجل الإخطار كما كان بالنسبة للأجانب ونادلي المطاعم والمقاهي ومستخدمي المطبخ والمكلفين بتجهيز الأرض والبناء والترخيص إلخ، ومنع أن يقل أجل الإخطار في جميع الأحوال عن 8 أيام (م 43) مما يعكس تقييد سلطة القاضي في تقدير التعويض عن أجل الإخطار مجموعة من المعطيات تتمثل أساسا في العرف وضعية العمل وسن الأجير
وهنا يثار تساؤل فيما إذا كان الأجير يتقاضى أجرا يقل عن الحد الأدنى هل يحتسب التعويض عن مهلة الأخطار على أساس الحد الأدنى، أم الأجر الفعلي؟ وهنا يبرز دور القاضي الاجتماعي في تحديد التعويض على أساس الحد الأدنى للأجر، ولكن يبرز دور القاضي الاجتماعي في احتساب التعويض عن مهلة الإخطار عندما يبحث في صفة الأجير وأقدميته في العمل والأجرة التي يتقاضاها
وقد سار العمل القضائي على احتساب هذا النوع من التعويض استنادا على ما هو مسطر بالمرسوم الصادر في 29/12/2004 ومنها حكم المحكمة الابتدائية بسيدي سليمان حكم عدد 48 سنة 2005 والذي جاء في حيثياته: " وحيث إنه ما دام المدعي يعتبر من فئة المستخدمين والأجراء وقد قضى في خدمة المشغل مدة أربع سنوات فإنه يستحق مهلة محددة في شهر واحد عن الإخطار، وذلك إعمالا بمقتضيات المادة الأولى من المرسوم رقم 469-204 الصادر في 29 دجنبر 2004 المتعلق بأجل الإخطار لإنهاء عقد الشغل غير محدد المدة بإرادة منفردة وينوب عن ذلك مبلغ/1300 درهم[[41]]
الفقرة الثانية: التعويض عن الفصل
يعتبر هذا النوع من التعويض من التعويضات الناتجة عن الطرد التعسفي، وقد نظمته المواد من 50 إلى 60 من مدونة الشغل وطريقة احتسابه بمقتضى المادة 53 من مدونة الشغل، ومن باب حماية الأجير فقد جاءت المدونة بمقتضى جديد هو استفادة الأجير في هذا التعويض إذ قضى مدة 6 أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة ولا تشترط أي شكل في أداء الأجر أو عن دورية أدائه، وبمعنى آخر فإن الأجير الذي اشتغل أكثر من 6 أشهر يعتبر عاملا رسميا يستحق التعويض عن الفصل التعسفي، كما أن المادة 53 أضافت مقتضى آخر هو اعتبار جزء من سنة كأنه سنة كاملة. وأضافت المادة 238 من مدونة الشغل أنه تعد بستة وعشرون يوما من الشغل الفعلي بمثابة شهر كامل من الشغل[[42]] .
وقد حددت المادة 53 من مدونة الشغل حالات استحقاق الأجير لتعويض حسب أقدميته في العمل.
96 ساعة: من الأجرة فيما يخص الخمس سنوات الأولى من الأقدمية
144 ساعة: من الأجرة فيما يخص فترة الأقدمية ما بين السنة السادسة والعاشرة
192 سعاة: من الأجرة فيما يخص فترة الأقدمية المتراوحة ما بين 11 إلى 15 سنة
240 ساعة: من الاجرة فيما يخص مدة الأقدمية التي تفوق السنة 15.
ويتجلى تدخل القاضي الاجتماعي في مرحلة التعويض عن الفصل في مراقبة أقدمية الأجير فيما إذا كانت هناك مقتضيات قد يستفيد منها أكثر إذا كان منصوصا عليها في اتفاقيات جماعية أو عقد شغل.
الفقرة الثالثة: التعويض عن الضرر
لما كان هذا التعويض قبل صدور المدونة خاضعا للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع مع ضرورة مراعاة بعض العناصر التي حددتها الفقرة السادسة من الفصل 754 من ق.ل.ع[[43]]
كما قرر المشرع من خلال الفقرة الاخيرة من الفصل السادس من النظام النموذجي الملغى انه يجب على القاضي الموضوع ، عند تقديره للتعويض ان يدخل في الاعتبار ظروف النزاع و الخسارة الحاصلة للعامل المفصول عن عمله بكيفية تعسفية .
اما بالنسبة للمدونة الشغل فإنها قد تخلت عن تعدد العناصر المعتمدة في تقدير التعويض عن الضرر في ظل المقتضيين السابقين و بالتالي لم تترك المجال للسلة التقديرية للمحكمة في تحديده كما كان سابقا .[[44]]
وهكذا نجد المادة 41 منم.ش نصت على تحديده في أجة شهر و نصف عن كل سنة او جزء من السنة دون ان يتجاوز مبلغه مهما كانت اقدمية الاجير 36 شهرا ( الفقرة الاخيرة من المادة 41من م.ش)
و هذا و لقد طبقت المحكمة الابتدائية بوجدة مضمون المادة 41 من المدونة في حيثيات حكمها رقم 203/06 بتاريخ 08/02/2006 في الملف رقم 433/04 الذي جاء فيه " و حيث انه طبقا لمقتضيات المادة 41 من مدونة الشغل فإنه يحق للطرف المتضرر في حالة انهاء الطرف الاخر للعقد تعسفيا مطالبته بالتعويض عن الضرر يحدد مبلغه على اساس اجرة شهر و نصف عن كل سنة عمل او جزء من السنة على الا يتعدى سقف 36 شهرا "
فإذا كان المشرع المغربي قد حدد مقدار التعويض في الاجل المذكور في المادة 41من م.ش ، فنجد بعض التشريعات لا زالت تعتمد العناصر التي كان المغرب يعتمدها سابقا ، حيث نجدها تعتمد في تحديد التعويض على العرف و صفة الاجير و اقدمية الخدمات ، و مقدار الضرر ن وهو ما يعتمد هكل من التشريع التونسي و الليبي .
و تطبيقا للمادة 41منم.ش ، اصدرت المحكمة الابتدائية بمكناس في ملف رقم 284/2010/6 . وتتلخص وقائع النازلة انه بناء على المقال الافتتاحي للدعوى، المقدم من طرف المدعي بواسطة نائبه ، و المؤشر عليه بكتابة هذه المحكمة بتاريخ 16/03/2010 ،يعرض من خلاله انه كان يشغل لدى المرحوم ادريس بوزكري منذ 29 سنة و ان هذا الاخير توفي بتاريخ 23/12/2009، و استمر في عمله مع الورثة الى ان تم اغلاق المحل و تعرض للطرد بتاريخ 25/01/2010 لدى المدعى عليه ، مقابل اجرة شهرية قيمتها 2000درهم ، الى ان فوجئ بطرده من العمل بتاريخ 25/01/2010[[45]] 45 بدون سبب مشروع .
و حيث انه بثبوت العلاقة الشغلية، و اقدام المدعى عليهم على فسخ عقد الشغل دون اثبات وجود مبرر قانوني يسمح لهم بذلك ، يجعل تصرفهم هذا مشوبا بالتعسف و يعطي الحق للمدعي للمطالبة بالتعويضات القانونية.
و حيث الاجرة المعتمدة هي الحد الادنى للاجر .
و حيث انه يستحق تعويض عن الضرر قدره 36،85419 درهما ، طبقا للمادة 41من م.ش
في هذا الاطار تطرح المادة 41مجموعة من الاشكالات فمثلا اذا حددت المادة 41 سقف 36 شهرا كتعويض و كحد اقصى، فما حكم الاجير الذي طرد عن العمل و لم يبقى له مثلا الا اربعة اشهر على التقاعد فهل تطبق المادة 41من المدونة .
فكما هو معلوم فالمادة 41 من م.ش قلصت من السلطة التقديرية للمحكمة التي كانت تتمتع بها استنادا الى الفصل 754من ق.ل.ع و المادة السادسة من النظام النموذجي لسنة 1948، فهذه الإشكالية تبقى مطروحة إلى أن يقع الحسم فيها من طرف الإجتهاذ القضائي وصدور قرارات محكمة النقض في هذا الباب، وإعطاء تفسير للمادة 41 تفسبرا ينصف هذا النوع من الملفات وجعل التوازن بين المشغل والأجير في الحقوق، إذ لا يعقل أن يحكم للأجير على وشك التقاعد (مثلا بقي له 3 أشهر) ويأخذ تعويض 36 شهرا[[46]] 46 .
و لاشك ان وضع حد اقصى من قبل المدونة لتقدير هذا التعويض يعتبر اجحافا بالاجير الذي امضى في عمله اكثر من 24 سنة حيث يكون تعويض من قضى 30 سنة معادلا لمن اقتصر في عمله على 24 سنة مع اختلاف مدتها ، و د يكون ذلك راجع الى اغلب الحالات التي تعرض على المحاكم لا يتجاوز فيها الاجير 24 سنة و هو ما نجده في باقي التشريعات وانطلاقا من ذلك فيلاحظ ان مبلغ التعويض عند مضي 24 سنة من العمل يعادل فقط اجر 3 سنوات ، فهذا حيف بالنسبة للاجير الذي عمل لمدة اكثر من 30سنة .
الفقرة الرابعة : التعويض عن فقدان الشغل
ان المادة 59 من مدونة الشغل اعطت الحق للاجير الذي فصل فصلا تعسفيا تتعويضات عن الاخطار و الفصل و الضرر حسب التسمية بمدونة الشغل و هذا النوع الاخير يطرح اشكالا يتجلى في هل التعويض عن فقدان الشغل هو مضاف الى التعويضات الثلاثية و هي الاخطار و الفصل و الضرر و بالتالي يصبح لدينا اربع تعويضات ، ام انه يقصد به التعويض عن الفصل للاسباب تكنولوجية او هيكلية او اقتصادية او اغلاق المقاولات ، و لكن اذا رجعنا الى المادة 53 من مدونة الشغل في فقرتها الاخيرة ، نجدها تنص ، و يحق للاجير ان يستفيد ايضا وفق القوانين و الانظمة الجاري بها العمل عن التعويض عن فقدان الشغل للاسباب اقتصادية او تكنولوجية او هيكلية ومن هنا يتبين ان المادة 53 هي سابقة للمادة 59 ، فالاولى توضح ان هذا التعويض يقصد به المشرع حالات الفصل للاسباب اقتصادية او تكنولوجية او هيكلية واغلاق المقاولات ، فهذا النوع من التعويض هو جديد بالمدونة الا ان هذه الاخيرة لم تحدد كيفية احتسابه و لا طريقة التعامل معه و ربما سيكون تحديده عن طريق مرسوم يبين الجهة التي سوف تؤدي هذا التعويض و مسطرته و طريقه اداءه [[47]] 47 .
وبالتالي فإن التعويض عن فقدان الشغل يتعلق اساسا بحالة فصل الاجير للاسباب اقتصادية او هيكلية او تكنولوجية، و لا يمكن ضم هذا التعويض للتعويضات الثلاثية الناتجة عن فصل الاجير فصلا تعسفيا ، و هو ما اكده حكم االمحكمة الابتدائية بسيدي سليمان رقم 28/2005[[48]] 48 حيث طلب الاجير بعد فصله فصلا تعسفيا الحكم له بتعويض عن الإخطار و الاعفاء و الفصل و فقدان الشغل ، فاجابت المحكمة عن رفضها لهذا الطلب الاخير في احدى حيثياتها على الشكل التالي :
" حيث إنه و لئن نصت المادة 59 من م.ش على استفادة الاجير عن فصله التعسفي من التعويض عن فقدان الشغل فإنه بالرجوع الى المادة 61 من م.ش نجدها تنص على انه اذا فصل الاجير للإرتكابه خطأ جسيما ، فإنه لا تراعى اجال الإخطار و لا يستحق لا تعويض عن الفصل ولا عن الضرر ، وبالتالي واعتبارا لكون الفصول تكمل بعضها البعض ، و بمفهوم المخالفة لهذه المادة فان الاجير يكون محقا في حالة فصله تعسفيا فقط في التعويضات الثلاثية دون التعويض عن فقدان الشغل هذا فضلا عن المادة 53من م.ش قد حصرت حالات استحقاق الاجير لهذا التعويض في الاسباب الاقتصادية او التكنولوجية او الهيكلية دون غيرها .
و حيث إنه للعلل اعلاه و اعتبارا لكون الضرر لا يعوض مرتين فإن طلب التعويض عن فقدان الشغل يبقى غير مؤسس قانونا و يتعين رفضه .
و في نفس الاتجاه سارت عليه محكمة الاستئناف بالدارالبيضاء ، في قرارها الصادر بتاريخ 25/5/2006 في الملف الاجتماعي نزاعات الشغل 5051/2005 ، حيث أبانت عن الدفع المتعلق بعدم استجابة المحكمة الابتدائية لطلب التعويض عن فقدان الشغل فإن هذا النوع من التعويض يخص الفصل للاسباب اقتصادية او هيكلية او اغلاق المقاولة طبقا لمادة 66 من مدونة الشغل و لا ينطبق على النازلة الحال..."[[49]] 49
و تجدر الاشارة بأن هذا النوع من التعويض لم يتم تحديده بعد وذلك في انتظار صدور نص تنظيمي ، الا انه و رغم عدم صدوره بعد فإن المحاكم استعملت سلطتها التقديرية في تحديده لكن المجلس الاعلى ( محكمة النقض حاليا ) قضى بنقض قرارتها بعلة لا اجتهاد مع وجود النص .
وهذا ما اكده القرار عدد 600 الصادر عن المجلس الاعلى بتاريخ 15 ماي 2009 في الملف اجتماعي رقم 940/5/1/2008 ومن جهة ثانية ، فإن التعويض عن فقدان الشغل حتى و ان كان مستحقا لفصل الطالب من عمله لأسباب اقتصادية و هيكلية ، فإن عدم تحديد المشرع طريقة احتسابه و الجهة الملزمة بأدائه خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة لباقي التعويضات المترتبة عن انهاء علاقة الشغل في ظل المدونة يحول دون الحكم به و هذا التعليل يحل محل التعليل المنتقد للقرار المطعون فيه مما يجعل الوسيلة على غير اساس "[[50]] 50
المطلب الثاني : موقف القضاء من طلب الرجوع إلى العمل
بالرجوع إلى مقتضيات المادة 41 من مدونة الشغل نجد أنه بإمكان القضاء الحكم بإرجاع الأجير لعمله، مما يعني أن المشرع المغربي ترك السلطة التقديرية للعمل القضائي في تكييف هذا الرجوع، وذلك من خلال عدم تحديد شروط معينة لذلك، الشيء الذي طرح معه إشكالية تتعلق بالرجوع إلى العمل (فقرة أولى) والتساؤل حول مآل الحكم القاضي بالإرجاع إلى العمل (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى : إشكالية الرجوع إلى العمل في العمل القضائي
إن الرجوع إلى العمل يطرح صعوبة كبيرة من خلال أولا تفسير ما المقصود بالرجوع إلى العمل، هكذا جاء في حيثيات قرار عدد 262 صادر عن الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض )المجلس الأعلى سابقا)، بتاريخ 9/3/2005 ملف 1100/04 جاء فيه : "حيث .. أن الطاعنة دفعت بعدم أحقية الأجير في طلب الأجرة في حالة رفض المؤاجر تنفيذ الحكم القاضي بالإرجاع وانتهاء العلاقة بينهما ... وحيث أن إلزام المؤاجر بالأجرة ابتداء من تاريخ الطرد إلى يوم التنفيذ على الرغم من رفضه إرجاع الأجير يشكل إجحافا في حقه لأنه سوف يتحمل تعويضا إضافيا إلى جانب التعويض عن الطرد التعسفي ... ثم أن الأجير يتقاضى بسوء نية وأنه سبق أن رفع دعوى التعويض عن الطرد ولم يضع نفسه رهن إشارة مشغلته وعدم أحقيته في الأجرة عند رفضه للإرجاع، إلا أن المحكمة اكتفت بتفسير طلبات الأجير دون أن تناقش دفوعات الشركة المشغلة ..."، ويفهم من خلال حيثيات القرار أعلاه أن إرجاع الأجير إلى العمل يكون ساري المفعول ابتداء من تاريخ الطرد، وقد عمل القرار على تفسير ما المقصود بإرجاع الأجير إلى عمله واستقر على أنه يمكن إرجاع الأجير إلى عمله بنفس الامتيازات ولا يقصد بذلك الأجر، وذلك من خلال جواب محكمة النقض على ما أثارته الطاعنة في المرحلة الابتدائية. وجاء في نفس القرار : "... حيث أن المشرع أورد في الفقرة الأخيرة من المادة 62 66 من النظام النموذجي المؤرخ في 23/10/1948 أنه : "طرد الأجير بدون حق فيجوز للمحكمة أن تحكم إما بإعادة الأجير إلى منصبه مع أجراء العمل ابتداء من تاريخ الطرد، وإما بالحكم على المؤاجر أن يدفع تعويضا حسب الظروف المعتبرة في هذه القضية وحسب الضرر اللاحق بالعمل من جراء ذلك الطرد المذكور ...".
والمحكمة مصدرة القرار عندما فسرت أن المقصود من اعتبار الرجوع ساري المفعول ابتداء من تاريخ الطرد أن يمنح للأجير أجره بجميع الامتيازات المرتبطة به في حين أن الحكم لم يشر لي ذلك ولم يشر إلى النص القانوني على اعتبار الرجوع ساري المفعول هو الأجر كان قرارها غير مرتكز على أساس يتعين نقضه".
أما النقطة الثانية التي يثار حولها التساؤل هي هل يمكن للمحكمة أن تحكم بإرجاع الأجير إلى العمل مع أداء الأجرة ؟ أم يمكن أن يكون ذلك في شكل تعويض؟
فبالرجوع إلى قرار عدد 191/05 ملف عدد 1101/05 صادر عن محكمة النقض )المجلس الأعلى سابقا)، الغرفة الاجتماعية بتاريخ 23/02/2005 والذي جاء فيه : "حيث تعيب الطاعنة على القرار خرق الق�� نون وللمادة 395 من ق.م.م. ذلك أن الطاعنة تمسكت في سائر أطوار الدعوى بتقادم الأجرة المطلوبة .. ثم أن الحكم للمدعي بالرجوع ومبلغ 40 ألف درهم هو تحريضي واضح لباقي العمال على مغادرة العمل، والمحكمة لما قضت بالرجوع والتعويض يكون قرارها يناقض التعليل معرضا للنقض". إن المحكمة في جوابها قالت بأن الحكم الابتدائي قضى بالرجوع وبالأجر في شكل تعويض وأن الشركة تمسكت استئنافيا بالتقادم دون أن تبين السند القانوني المعتمد عليه، علما أن المطالبة بالرجوع إلى العمل المصحوبة بطلب الأجر والحكم بهذا الأجر في شكل تعويض لم يتقادم حسب مقتضيات الفصل 388 من ق. إل. ع، هكذا فإن حكم المحكمة الابتدائية لما قضت بالرجوع إلى العمل والأجر في شكل تعويض تكون قد قدرت هذا التعويض في إطار سلطتها التقديرية وكان قرارها مرتكزا على أساس وغير خارق للقانون([[51]] 51 ). وهو ما ذهبت إليه من بعد المحكمة الابتدائية بتزنيت في حكم عدد 23 صادر بتاريخ 24/05/2006 إلى أنه يجب إرجاع الأجير إلى العمل مع تعويضه عن الأجر طيلة السنة.
الفقرة الثانية : مآل الحكم القاضي بالرجوع إلى العمل
وما يقال عن إشكالية الرجوع إلى العمل، يقال أيضا فيما يتعلق بمآل الحكم القاضي بالرجوع إلى العمل، وبالتالي فالحديث عن المآل هو حديث عن المسار الذي يأخذه هذا الحكم، خاصة فيما يتعلق بطرفي علاقة الشغل بالأجير والمشغل ومن ثم فإن قبول الحكم بالرجوع إلى العمل أو رفضه هو متوقف على الأجير تارة ثم على المشغل تارة أخرى، هكذا قد يعرض المشغل طلبه الرامي إلى إرجاع الأجير إلى العمل إلا أن هذا الأجير يرفض مؤكدا طلباته الرامية إلى التعويض.
ومن جهة ثانية، فإن عدم تنفيذ الحكم القاضي بالرجوع إلى العمل لا يثبت مغادرة الأجير لعمله ما لم يطلب الرجوع خلال مقاله الافتتاحي، كما يمكن للمشغل الامتناع عن إرجاع الأجير للعمل وذلك لاستحالة استمرارية عقد الشغل ولم يبق للأجير سوى المطالبة بالتعويض والعكس صحيح يمكن للمشغل، كما رأينا، أن يعرض طلبه الرامي إلى إرجاع الأجير إلى العمل إلا أن هذا الأخير يرفض مؤكدا طلباته الرامية إلى التعويض وهذا لا يمكن تكييفه أنه رفض الالتحاق بالعمل، أو أنه امتنع عن تنفيذ العمل وإنما هو خوف من الردود السلبية والانتقامية.
كما يمكن للمحكمة أن تمتنع عن تلبية طلب الأجير بالرجوع إلى العمل وعدم قبوله عندما لا يقوم الأجير بتقديم طلب إرجاعه إلى العمل إلا خلال مرحلة الاستئناف، الأمر الذي يندرج ضمن الطلبات الجديدة المحظورة تقديمها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف تطبيقا للفصل 143 من ق.م.م وهو ما سايرته محكمة النقض في القرار عدد 18 الصادر بتاريخ 7 يناير 2009 في الملف عدد 224/5/1/2009، وهذا يعني أن المحكمة لا تقضي تلقائيا برجوع الأجير إلى العمل ضدا على إرادته الصريحة التي عبر عنها بأن اقتصر في طلباته على الحصول على تعويضات عن الفصل فالخيار بشأن الرجوع أو التعويض مقرر لفائدة الأجير ومن طرفه، ويتوجب على المحكمة أن لا تتجاوز حدود طلبات الخصوم، وهو ما ذهبت إليه محكمة النقض بتاريخ 26 غشت 2010 في الملف عدد 1122/5/2009 حيث جاء في حيثيات القرار ما يلي : "حيث يستفاد من مستندات الملف ومن القرار المطعون فيه أن الطالب تقدم بمقال عرض فيه أنه ارتبط مع المطلوبة في النقض بعقد عمل محدد المدة وقع تمديده إلى غاية يوليوز 2008، إلا أنه فوجئ بتسريحه من عمله بتاريخ 3/11/2006 دون مبرر مطالبا الحكم له بمجموعة تعويضات، وبعد تمام الإجراءات أصدرت المحكمة الابتدائية حكما قضى بإرجاعه إلى عمله مع إعمال الإرجاع من تاريخ الطرد وشمول الحكم بالنفاذ المعجل وتحميل المدعى عليها الصائر، استأنفه الطرفان فأصدرت محكمة الاستئناف قرارا قضى بإلغائه فيما قضي به من أعمال الإرجاع من تاريخ الطرد الذي هو 3/11/2006 وتصديا الحكم من جديد برفض الطلب المتعلق بذلك بتأييد الحكم في الباقي ..".
لئن كانت المحكمة مخيرة بين الحكم للأجير بالرجوع إلى عمله حيث ادعائه فصله منه تعسفيا أو القضاء له بالتعويض عملا بأحكام المادة 41 من مدونة الشغل فإن مبدأ الخيار هذا يبقى رهينا بالموقف الصريح للأجير والثابت من وثائق الملف وخصوصا المرحلة الابتدائية حصر الطاعن طلباته في التعويض دون الرجوع إلى العمل مما كان يجب على المحكمة التقيد بطلباته وعدم تجاوزها ... وكان بذلك مشوبا بخرق صريح للفصل 3 من ق.م.م. مما يوجب نقضه وإبطاله.