الذكاء الإصطناعي وأثره على المهن القانونية والأنظمة القضائية
موضوع حول تأثير الذكاء الاصطناعي على منظومة العدالة و المهن القانونية و كيف لهذه المهن الاستفاذة من تقدم الذكاء الاصطناعي
الذكاء الإصطناعي ثورة تكنولوجية نحو العدالة الناجزة.
يفيض عالمنا الرقمي اليوم بكمّ هائل من البيانات والوثائق والمستندات القانونية، التي تستخدم لتلقين وتغذية أحدث التكنولوجيات في عصرنا هذا، الذكاء الإصطناعي. تعنى هذه االتطبيقات الذكية بتزليل أكثر التحدّيات تعقيداً في مختلف الصناعات إنما قد يكون لها أثراً مختلفاً على المهن القانونية والأنظمة القضائية بحيث أحدثت تغييراً جذرياً بخاصة مع بروز العدالة الرقمية والتقاضي عن بعد واعتماد المحاكمات الإلكترونية، وتبين أن إستخدام الذكاء الإصطناعي في المحاكمات والخدمات القضائية قد يساعد المحاكم على إنجاز المهام الروتينية المتكررة ويساهم بشكل فعّال في تحقيق الوصول إلى العدالة الناجزة، ممّا حدا بالعديد من الدول الى إعادة خلط الأوراق وترتيبها مجدداً لمواكبة هذه المتغيّرات من خلال وضع إستراتجيات وإعداد هيكليات تهيّيء لدمج الذكاء الإصطناعي في عمل الأنظمة القضائية بعد أن أثبت محاكاته القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها.
يعتبر الذكاء الإصطناعي التطوّر التكنولوجي الأكثر تشويقاً في عصرنا هذا، وعلى صعيد الممارسة في المجال القانوني، كان له دور بارز في تبيان تصور واستنتاج إستباقي عن نتائج الدعاوى القضائية الأكثر إحتمالاً بدقة وشمولية وبسرعة قصوى، كما ساهم في إرشاد القانونيين وإنارتهم لوضع وتحديد استراتجيات التقاضي، وشكّل أداة فعالة في تقرير الإنفاق والإستثمار في مجال تمويل الدعاوى القضائية. أما على صعيد الأنظمة القضائية، فلقد أثبت قدرته على تعزيز كفاءة هذه الأنظمة من خلال اعتماد منصّات العدالة الرقمية التي تعمل على تسريع إجراءات التقاضي وتختصر وقت وجهد المتقاضين. ولكن، لا بدّ من الإشارة في هذا السياق، لقد طرح الذكاء الإصطناعي الكثير من المخاوف، لأنه من المرجح أن يحلّ محلّ البعض في أداء واجباتهم المهنية، أما من منظور اخر أكثر تفاؤلاً وإيجابية سوف يوفر الذكاء الإصطناعي العديد من فرص العمل الجديدة نطراً لحاجته إلى التطوير الدائم ولارتباطه بشكل وثيق بالفكر والابداع وكل ما ينتجه العقل البشري.
في هذه المقالة نقارب أثر استخدام الذكاء الإصطناعي على المهن القانونية والأنظمة القضائية ومدى مساهمته في تطوير وتوسيع رقعة انتشار تمويل الدعاوى القضائية، ومدى ملاءمته للتشريعات الحالية وأثر دمجه بالعدالة الرقمية على مستقبل مهنة المحاماة وعلى دور المحامي على حدّ سواء.
الذكاء الاصطناعيي: قدرة استنتاجية استباقية لنتائج الدعاوى القضائية الأكثر احتمالاً ومساهمة فعّالة في تحديد ووضع الإستراتجيات القانونية والمؤشر الاكثر دقة في تقرير تمويل الدعاوى القضائية.
يعتبر الذكاء الإصطناعي وليد الثورة المعلوماتية، وهو يتميّز بقدرة على تحليل البيانات وإجراء البحث بسرعة قصوى من شأنها إرشاد القانونيين وتمكينهم من وضع إستراتجيات قانونية تتميّز بالدّقة والشمولية بالإضافة إلى استنتاجه تصوراً شاملاً بشكل إستباقي لنتائج الدعاوى القضائية الأكثر إحتمالاً، ولكن، كل ذلك يتوقف على مدى شمولية قاعدة البيانات التي تتضمن الوثائق والمستندات القانونية التي تمّ تزويده بها، كما أثبت أيضاً فعاليته وسرعته في إدارة المهمات الروتينية المتكررة كمراجعة العقود والمستندات والوثائق وإجراء الأبحاث القانونية.
وتجدر الاشارة أيضاَ، أن الذكاء الاصطناعي قد أظهر قدرته على توجيه المحامين والمستشارين القانونيين وإنارتهم حول أفضل الطرق والوسائل لاجراء المفاوضات للتوصل الى حلّ نزاع معيّن بدقة وسرعة وتوفير الوقت المخصص لتقصي وجمع المعلومات اللازمة حول مسألة معينة. من المرجح أيضاً، أن يعالج الذكاء الاصطناعي التحدّيات التي تواجه القانونيين والباحثين وقد برزت بشكل لافت في الاونة الأخيرة فاستخدام الذكاء الإصطناعي يقلّص من الوقت الذي يمضيه المحامون في إجراء الأبحاث القانونية نظراً لسرعته في تحليل كمّ وفير من البيانات والوثائق بدقة وشمولية، ومما لا شكّ فيه سيكون له أثر كبير في زيادة عامل الإنتاجية في هذا القطاع.
أما الدور الأبرز للذكاء الإصطناعي في مجال ممارسة المهن القانونية يكمن كما أشرنا في استنتاج أكثر التصورات احتمالاً لمصير الدعاوى القضائية، من خلال العودة الى قاعدة البيانات وتحليلها وتقييم واقعات القضية المعروضة توصلاً الى ارتقاب النتيجة والتنبؤ بها، واستخدام تكنولوجيا التلقين الالي والتطوير الدائم والمستمر.
تسهّل التطبيقات الذكية عمل القانونيين وتعاونهم على أداء مهامهم بدقة وسرعة قصوى بخاصة في مكاتب وشركات المحاماة الذين أولوا إهتماماً كبيراً لاستخدام الذكاء الاصطناعي، لأنه يساهم في بذل العناية الواجبة من قبل القانونيين والباحثين لجمع المعلومات الأساسية، والتثبّت من الوقائع والتأكيد على الحقائق وتقييم القرارات المتعلقة بالقضايا السابقة تقييماً شاملاً وذلك من أجل تقديم الإستشارات والخدمات القانونية للزبائن بشكل دقيق وفعّال.
أثر الذكاء الاصطناعي على تقرير تمويل الدعاوى القضائية
مع نمو وتطوّر ظاهرة تمويل الدعاوى القضائية من قبل طرف ثالث غير المتقاضين، أثبت الذكاء الاصطناعي أثره الكبير على عملية صنع القرار من قبل هؤلاء المموّلين، وأنه سوف يكون له دوراً بالغ الاهمية في مساعدتهم على تقييم الأسس الموضوعية والتي تمكّنهم من تحديد خياراتهم واتخاذ قراراتهم حول إمكانية الإستثمار في تمويل الدعاوى القضائية وذلك بفعل قدرته على التنبؤ بالنتائج الاكثر احتمالاً لمصير هذه الدعاوى، كما المساعدة على تحديد استراتجيات التقاضي الاكثر فعالية.
والجدير ذكره في هذا السياق، أن الذكاء الاصطناعي قد ساهم الى حدّ كبير في تقليص نسبة المخاطر التي قد يواجهها مموّلو الدعاوى القضائية بفعل قدرته على تحليل البيانات والتنبؤ بنتائج الدعاوى القضائية المنوي الإنفاق عليها، بالإضافة الى مساهمته في تسريع عملية صنع القرار في هذا المجال، وقد يصبح تمويل الدعاوى القضائية من قبل طرف ثالث أكثر انتشاراً في العالم، مما يزيد من إمكانية الوصول إلى العدالة، بخاصة بالنسبة لأولئك الذين لهم مطالبات محقّة وعادلة.
الذكاء الاصطناعي في خدمة العدالة الرقمية تحوّلاً إيجابياً في مستقبل مهنة المحاماة أم هاجساً على مستقبل المحامي؟
أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على إنجاز المهام التي تتطلب ذكاءً بشرياً، إنما هذه القدرة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بثورة الفكر وجهود المبدعين، ولا شك أنه يحظى بتطبيقات تحاكي الذكاء البشري، من أجل ذلك نرى اليوم ان معظم الدول تنفق استثمارات باهظة ��تحفيز المبدعين والمفكرين على مضافرة قدراتهم ومهاراتهم من أجل تطوير الذكاء الاصطناعي ودمج تطبيقاته الذكية في مجال المهن القانونية وعمل الأنظمة الفضائية.
لقد ساهم الذكاء الاصطناعي في تطوير الأنظمة القضائية، إلا أن استخدامه أثار العديد من التحدّيات لناحية مدى ملاءمته للتشريعات السائدة، والسؤال الذي يطرح في هذا السياق هل ان محاميّ الغد مهيئون فعلاً لاستخدام هذه التكنولوجيا الجديدة وكل ما يعد به الذكاء الاصطناعي لخدمة العدالة الرقمية؟ وهل ان القوانين والتشريعات كافية لمعالجة المخاطر المرتقبة التي قد تنتج عن إستخدام الذكاء الاصطناعي بشكل يضمن سيادة القانون وحماية الحقوق والحريات؟ من هنا نجد أن هناك ضرورة ملحة الى إصدار تشريعات خاصة بالذكاء الاصطناعي ووضع إطار قانوني لاستخدام تطبيقاته لتأتي منسجمة مع الصالح العام ومتوافقة مع أحكام القانون ودوره في حماية المجتمع، وأن تحدّ من خطورة استخدامه وما قد ينتج عنه من اثار سلبية محتملة على حماية حقوق الانسان، لا سيّما لجهة احترام المبادىء السائدة في القانون الجزائي، أضف إلى ضرورة العمل على وضع مناهج وبرامج في الجامعات من أجل إعداد محاميّ المستقبل على استخدام الذكاء الاصطناعي كما وتأهيل الكوادر البشرية في مجال المهن القانونية والأنظمة القضائية لتمكينها من التعامل مع هذه التقنيات الحديثة والذكية.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد أعاد تشكيل قطاع المهن القانونية والأنظمة القضائية لا بل أحدث تغييراً أساسياً فيها جميعنا يقف على عتبته، فلقد استطاع فعلاً أن يحلّ مكان الكوادر البشرية أقله في بعض الخدمات كالمستشارين والباحثين القانونيين، بالفعل، لقد غيّر التطور الرقمي وجه العدالة وأعطاها مفهوماً حديثاً، مما شكّل هاجساً كبيراً لدى بعض المحامين حول إمكانية تقليص أدوارهم نتيجة استخدام الذكاء الاصطناعي، ولكن، إننا نرى ان استخدامه من قبل المحامين وشركات المحاماة سوف يخفف الجهد الذي يبذله المحامون لانجاز أعمال روتينية ويوفر لهم المزيد من الوقت للتفرغ لقضايا وأعمال أكثر أهمية مما يزيد من قدرتهم الإنتاجية.
ختاماً، لا يسعنا سوى القول، أن التفاعل البشري وكيفية التعاطي مع هيئة المحكمة والتنبّه للمواقف المستجدّة خلال جلسات المحاكمة يتطلب مهارة وفطنة لا يتقنها ولا يجيدها إلا المحامي، وبالتالي، فإن حضور المحامي في جلسات المحاكمة يبقى العنصر الأساسي والأبرز لضمان المحاكمات العادلة ولتأمين حق الدفاع وحماية حقوق الإنسان.