المسؤولية الجنائية
المسؤولية الجنائية
1- مفهومها : هي الإلتزام بتحمل الآثار القانونية المترتبة على توافر أركان الجريمة، و موضوع هذا الإلتزام هو فرض عقوبة أو تدبير إحترازي، حددهما المشرع في حالة قيام مسؤولية أي شخص. و يعني هذا التعريف أن المسؤولية ليست ركن من أركان الجريمة ولا تدخل في تكوينها القانوني، و إنما هي الأثر المترتب عن تحقيق كل عناصر الجريمة، حيث تؤدي عند ثبوت أركان الجريمة إلى خضوع الجاني للجزاء الذي يقرره القانون و ذلك بموجب حكم قضائي .
2- أساس المسؤولية الجنائية : إن تحقق المسؤولية ا لجنائية في حق الفاعل يستلزم توقيع الجزاء ، وعندما تتقرر مسؤولية الفاعل عن الجريمة فمعنى ذلك أن المسؤولية إستندت إلى أساس خاص يبرر مشروعية الجزاء تبعا لهذه المسؤولية ولقد اختلف الفقه في تحديد أساس المسؤولية الجنائية بحسب المدارس العقابية المتبعة :
* المدرسة التقليدية : مفاد هذه النظرية أن الإنسان يملك حرية التصرف في أعماله، ويستطيع أن يختار الطريق الذي يريده من بين شتى الطرق التي تعرض عليه، دون أن يكون مجبرا على إتباع طريق معين، فإذا سلك طريق الجريمة بمحض إختياره أين كان يسعه ألا يرتكبها، فإنه يكون مسؤولا عنها . وعلى هذا فالجريمة هي وليدة إرادة الفاعل الحرة، ويكون أساس المسؤولية الجنائية تبعا لذلك هو المسؤولية الأدبية أو الأخلاقية .
* المدرسة الوضعية : إنتقدت هذه المدرسة الرأي السابق القائل بحرية الإختيار كأساس للمسؤولية الجنائية، كون أن ذلك يؤدي إلى حصر المسؤولية في نطاق ضيق، فأساس هذا المذهب أن سلوك الإنسان لا يعد و أن يكون نتيجة حتمية بحكم خضوعه لمجموعة من الظروف والعوامل التي تفرض عليه هذا السلوك . وعليه فالإنسان لم يختر الجريمة بمحض إرادته، وإنما هي نتيجة حتمية تعود إلى مجموعة من الظروف قد تكون ظروف كامنة فيه، أو ظروف إجتماعية والتي تحيط به .
3- موانع المسؤولية الجنائية : حسب الفصل 134 من القانون الجنائي فإن الأسباب الشخصية التي تعدم الإدراك والتميز لدى الشخص هي : الخلل العقلي والضعف العقلي+ قصور الجنائي + بعض الظروف التي يجد الشخص نفسه فيها كحالة السكر الاضطراري .
* العاهات العقلية : لقد ميز المشرع المغربي بين حالة الخلل العقلي الذي اعتبره مانعا من الموانع الكلية للمسؤولية الجنائية وبين حالة الضعف العقلي الذي اعتبره سببا من أسباب تخفيفها فقط . وهكذا فقد نص المشرع في الفصل 134 ق.ج على أنه: " لا يكون مسؤولا ويجب الحكم بإعفائه، من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه،في حالة يستحيل عليه معها الإدراك، أو الإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية ".
- وفي الجنايات والجنح يحكم بالإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية وفق الشروط المقررة في الفصل 76 من ق,ج . - أما في مواد المخالفات فإن الشخص الذي يحكم بإعفائه إذا كان خطرا على النظام العام يسلم إلى السلطة الإدارية .
- أما الفصل 135 من ق.ج فينص على مفهوم المسؤولية الجنائية الناقصة وعلى تخفيف العقوبة، وهكذا يشير الفصل المذكور إلى " تكون مسؤولية لشخص ناقصة إذا كان وقت ارتكابه الجريمة مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته ويؤدي تنقيص مسئوليته جزئيا " .
- وفي الجنايات والجنح تطبق على الجاني العقوبات أو التدابير الوقائية المقررة في الفصل 78 ق.ج . أما في المخالفات فتطبق العقوبات مع مراعاة حالة المتهم العقلية ". وهكذا نجد أن المشرع المغربي قد تخلى عن مسؤولية المجنون لأن المسؤولية الجنائية تفرض الإدراك والإرادة وحرية التصرف،وهذا يتنافى مع حالة المجنون والمعتوه .
* حالة صغر السن :
+ حالة الصغير الذي لم يبلغ 12 سنة :
( الفصل 138 من ق.ج ) إذا ارتكب الصبي الجريمة ولم يتجاوز عمره هذا السن ، فإن مسئوليته الجنائية تنعدم بصفة مطلقة لأنه يكون غير آهل لها، وبالتالي يجب الحكم بإعفائه من العقوبة. وإذا كان إجرامه لا يحول دون ذلك فيمكن الحكم عليه بأحد التدابير كالحماية أو التهذيب المنصوص عليهما في الفصل 516 من قانون م.ج،
+ حالة الصغير في سن 12 ولم يصل بعد إلى 18 سنة :
ذهب الفصل 139 من ق . ج إلى التعبير : " الصغير الذي أتم 12 عاما ولم يصل إلى 18 تعتبر مسؤوليته ناقصة." فمفهوم هذا النص هو أن الصغير في هذه السن يعتبر مسؤولا عن الأفعال التي يرتكبها لكن مسؤوليته تبقى ناقصة أو مخففة وذلك بسبب عدم اكتمال تمييزه وتمتعه بصغر السن . إلا أن القاضي له الخيار في أن يحكم عليه بأحد تدابير الحماية والتهذيب الواردة في الفصل 516 ق.م.ج .
* السكر الغير الاختياري : الفصل 137 ق.ج ينص على أنه :" السكر وحالات الانفعال أو الاندفاع العاطفي أو الناشيء عن تعاطي المواد المخدرة عمدا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعدم المسؤولية أو ينقصها. ويجوز وضع المجرم في مؤسسة علاجية طبقا لأحكام الفصلين 80 و 81 من ق.ج ." وبهذا يكون القانون الجنائي صريحا بالنسبة لأحوال السكر والفزع والجرائم العاطفية والجرائم التي تنتج عن تناول مواد مخدرة عمدا.
لكن وبعد قراءة هذا الفصل نجد أن المشرع لم يتعرض صراحة إلى السكر غير الاختياري كمانع من موانع المسؤولية، لكن باستعمالنا لقاعدة مفهوم المخالفة لنص الفصل 137 نجد أن المشرع المغربي جعل من حالة السكر غير الإختياري مانعا من موانع المسؤولية . و نشير أن الفصل 137 سمح في حالة السكر الاختياري بوضع مجرم وضعا قضائيا في مؤسسة للعلاج بمقتضى حكم صادر عن قضاء الحكم .