السمات والخصائص المميزة لجلسة المحاكمة في القانون المغربي

مجموعة عروض ومواضيع في قانون المسطرة الجنائية للتحضير للمباريات القانونية و دروس في المسطرة الجنائية للنحضير للسداسية السادسة

السمات والخصائص المميزة لجلسة المحاكمة في القانون المغربي

مقدمة: 

حرصا من المشرع المغربي على تكريس دولة الحق والقانون، فقد عمل من خلال التعديلات التي خص بها قانون المسطرة الجنائية على تعزيز وتقوية ضمانات المحاكمة العادلة، من خلال التقيد بمبدأ أساسي هو احترام حقوق الدفاع والسهر على تحقيق المحاكمة العادلة، بإتاحة الفرصة لأطراف الدعوى العمومية لإبداء جميع أوجه دفاعهم، والكل في إطار احترام القانون.

ورغبة من المشرع في توفير ظروف مثلى للمحاكمة العادلة، ودعما لحقوق الإنسان في الخصومة الجنائية، فقد سن مجموعة من الإجراءات القانونية التي تهم التحقيق والمحاكمة، كما كفل حقوق الدفاع التي تمكن أطراف الدعوى من تقديم دفوعهم ومناقشة وسائل دفاع باقي الأطراف.

ومن هذا المنطلق سأحاول الوقوف على بعض الخصائص والسمات المميزة لجلسة المحاكمة، التي يحكمها مبدأ أساسي، يتمثل في شرعية الإجراءات المتبعة. فكل إجراء منصوص عليه في القانون، ينظمه ويؤطره، ويرتب جزاء في حالة مخالفته للمقتضيات القانونية.

المحور الأول: القواعد العامة لسير الجلسة

إن من بين الأهداف الإجرائية المرسومة في ق م ج ضمان المحاكمة العادلة كما هي متعارف عليها في العهود والمواثيق الدولية، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولعل مبدأ الشرعية خلال مراحل المحاكمة هو الذي يضمن احترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، ومن ضمنها الحق في محاكمة عادلة، تتوفر فيها كل الضمانات القانونية من تخويل أطراف الدعوى مناقشة وسائل الدفاع المعروضة، وتقديم أوجه دفاعهم، وأن تتم المناقشات بصفة علنية وحضورية، حتى يتمكن القاضي من تكوين قناعته الوجدانية، من خلال وسائل إثبات عرضت ونوقشت أمامه.

 ولهذا ارتأيت التطرق في هذا المحور لاختصاص رئيس الجلسة، ثم اختصاص الهيئة الحاكمة أثناء سير الجلسة، وكذا دور أطراف الخصومة، من أجل الوقوف على سمات وخصائص جلسة المحاكمة.

أولا: اختصاص رئيس الجلسة

جاء في المادة 298 من ق م ج أنه:" يتولى رئيس الجلسة ضبط النظام وتسيير البحث والمناقشات....".

يتضح من المادة أعلاه، أن رئيس الجلسة مهمته الأساسية حفظ نظام الجلسة، وتسيير البحث والمناقشات بها، لكونه المؤهل لضمان السير العادي للجلسة من دون إثارة لأية عراقيل وما قد يصدر عن الجمهور والحاضرين من تعبير عن الرأي قد يشوش على حياد المحكمة بالتأثير على قناعتها حسب ما يعرض أمامها من أدلة الإثبات.

وعليه فإن مهمة رئيس الجلسة تتمثل بالأساس في تسيير البحث والمناقشات ومنع الأشخاص أو بعضهم من دخول الجلسات، كما نصت على ذلك المادة 301 من ق م ج أنه:" يمكن للرئيس أن يمنع الأحداث أو بعضهم من دخول قاعة الجلسات إذا ارتأى أن حضورهم فيها غير مناسب".

وله أن يطرد محدثي الضوضاء والمحرضين، وذلك من أجل صون كرامة القضاء وحرمته، ليتمكن من أداء رسالته في جو من السكينة والهدوء، ويفرض هيبته وسلطته على أفراد المجتمع.

ولأجل ذلك، خول المشرع للمحاكم سلطة تحريك الدعوى العمومية، فيما قد يرتكب من جرائم أثناء انعقاد الجلسات، بحيث تجمع بين سلطة الاتهام وسلطة الحكم في آن واحد. والهدف من ذلك هو أن هذه المحاكم تكون أكثر اطلاعا على القضية، لأن الجريمة وقعت بحضورها وحفاظا على حالة التلبس وعلى الأدلة والشهود. وهذا ما يطلق عليه جرائم الجلسات.

 

ثانيا: تسيير البحث والمناقشة

يتولى رئيس دراسة القضية ومناقشتها ويرتب سير هذه المناقشة إذا اقتضى الحال، وله أن يرفض كل ما يرمي إلى إطالة المرافعات دون جدوى، وأن يوقف الجلسة أثناء دراسة أو مناقشة القضية أو قبل إنهاء القضايا المدرجة في جدول الجلسة لأي سبب يراه مبررا لهذا الايقاف.

وتبدأ إجراءات الجلسة بالتحقق من هوية المتهم ومن حضور باقي الأطراف والشهود والمترجم إذا اقتضى الحال.

فإذا حضر الجميع أمر الرئيس الشهود بالانسحاب من الجلسة إلى القاعة المعدة لهم، ولا يغادرونها إلا لأداء شهادتهم طبقا للمادة 328 من ق م ج[1]. والغاية من هذا الاحتياط هو منع من لم يستمع لأقواله من التأثر بما يروج في الجلسة، كما يتخذ رئيس الجلسة الاحتياطات اللازمة لمنع الشهود من التحدث بشأن القضية سواء فيما بينهم أو فيما بينهم وبين المتهم. ثم بعد ذلك يشرع في دراسة القضية، بعد أن يعين للمتهم محاميا، إذا لم يكن له محام، وكانت مؤازرة هذه الأخير إلزامية. وقبل البدء في دراسة القضية تبت المحكمة في الدفوع الشكلية والمسائل الأولية والقضايا العارضة.

وقد جاء في المادة 305 من ق م ج على أنه:" يشمل بحث القضية استنطاق المتهم إن كان حاضرا والاستماع إلى الشهود والخبراء وتقديم أدوات الاقتناع عند الاقتضاء".

وكل هذا يتم تضمينه في محضر من طرف كاتب الضبط يوقع عليه الرئيس وكاتب الضبط.

والمستجد الذي جاءت به المادة 305 من ق م ج هو أنها خولت لأطراف الخصومة إمكانية مطالبة الرئيس بأمر كاتب الضبط بتلاوة المحضر أو جزء منه وتضمينه ما وقع إغفاله. والهدف هو تطهيره من كل شائبة.

وبعد انتهاء دراسة القضية تبدأ مناقشتها وذلك بتقديم كل فريق لوسائل دفاعه والتعقيب على وسائل دفاع الخصم وتقديم الطلبات والملتمسات الرامية إلى تأييد تلك الوسائل أو هذا التعقيب.

وتجري المناقشة حسب المادة 306 من ق م ج حسب الترتيب التالي إذا لم يتقرر خلاف ذلك بنص خاص أو بأمر من رئيس الهيئة.

ــ يقدم المطالب بالحق المدني ــ إن وجد ــ طلبات متعلقة بالتعويض عن الضرر.

ــ تقدم النيابة العامة ملتمساتها.

ــ ثم يعرض المتهم دفاعه وكذا المسؤول عن الحقوق المدنية عند الاقتضاء.

وفي الأخير تعطي المحكمة للمتهم الكلمة ليكون آخر من يتكلم، وذلك من أجل الدفاع عن نفسه، ونفي التهمة الموجهة إليه، ومن ثم تعتبر فرصته الأخيرة لإظهار براءته.

وجدير بالذكر أن الرئيس يعلن عن انتهاء المناقشات ويصدر الحكم حالا، وإذا تعذر ذلك وضع القضية في المداولة وتعين في هذه الحالة تحديد تاريخ النطق بالحكم.

كما أنه إذا تعذر إنهاء المناقشات في جلسة واحدة فإن المحكمة تؤخر القضية وتحدد موعد الجلسة المقبلة التي تواصل فيها المناقشات. وفي حالة الضرورة يمكن للمحكمة أن تؤجل مواصلة المناقشات إلى تاريخ غير محدد مع وجوب استدعاء الأطراف للحضور من جديد، طبقا لما جاء في المادة 307 من ق م ج[2] .

وبإمكان كل مترافع أن يأخذ الكلمة أكثر من مرة واحدة للرد على دفوعات خصمه، ولكن شريطة أن يكون ذلك تحت إشراف وبإذن من رئيس الجلسة، الذي له الحق في رفض كل ما من شأنه إطالة المناقشة بدون فائدة.

ثالثا: ضمان عرض كل أدلة الإثبات على الأطراف بالجلسة

يتولى رئيس عرض كل أدلة الإثبات على أطراف الخصومة بالجلسة، وذلك حتى يكون كل طرف على بينة منها، وبالتالي إعداد أوجد دفاعه وكذا الرد عليها.

ويتعين على رئيس الجلسة عرض كل أدلة الإثبات من حجج أو أشرطة مصورة حتى ولو كانت مخلة بالحياء، وذلك من منطلق ان المحكمة لا يمكن أن تبني مقررها إلا على حجج عرضت أثناء الجلسة ونوقشت شفويا وحضوريا أمامها. ولهذا الغرض خول المشرع لرئيس الجلسة إمكانية منع الأحداث أو بعضهم من دخول قاعة الجلسات وجعل الجلسة سرية.

رابعا: الاذن باستعمال وسائل الاتصال بقاعة الجلسات

بالرجوع للمادة 303 من ق م ج نجدها تنص على أن:" يمكن للرئيس بعد أخذ رأي النيابة العامة أن يأذن باستعمال آلات التصوير أو التسجيل أو الارسال أو الالتقاط أو الاتصال المختلفة، بقاعة الجلسات أو في أي مكان آخر يجري به تحقيق قضائي. ويعاقب عن مخالفة هذه المقتضيات بغرامة تتراوح بين خمسة آلاف وخمسين ألف درهم، وتصادر المحكمة الآلات والاشرطة عند الاقتضاء.

يعاقب بنفس العقوبة كل من يقوم بتصوير شخص في حالة اعتقال أو يحمل أصفادا أو قيودا دون موافقة منه. وكل من يقوم بنشر صورة أخذت في الظروف المذكورة دون إذن صاحبها...".

والغاية من وراء إعطاء رئيس الجلسة إمكانية الإذن باستعمال وسائل الاتصال بقاعة الجلسات هو ضمان إطلاع الرأي العام على أطوار المحاكمة تكريسا لمبدأ علنية الجلسات. وكذا حماية شخصية المتهم انطلاقا من القاعدة المتمثلة في قرينة البراءة.

وهذه الأهداف تتحقق من خلال إلزامية الحصول على موافقة من الشخص المعتقل والحامل لأصفاد أو قيود لتصويره أو نشر تحقيق أو تعليق أو استطلاع للرأي حول متهم أو ضحية تحت طائلة غرامة مالية.

الفقرة الثانية: اختصاص الهيئة الحاكمة أثناء سير الجلسة

أولا: البت في الطلبات الرامية إلى تأجيل القضية

نصت المادة 299 من ق م ج على أنه:" تبت الهيئة القضائية في الطلبات الرامية إلى تأجيل القضية إلى تاريخ لاحق". بمعنى أن الهيئة القضائية هي الجهة التي أوكل إليها المشرع البت في الطلبات الرامية إلى تأخير التي تقدم من قبل أطراف الدعوى.

لذا إذا تبين للهيئة أن ملتمس التأخير يرتكز على أساس معقول، فإنها تستجيب له، كالتأخير لإعداد الدفاع أو لاستدعاء المصرحين أو الخبير للإدلاء بحجج حاسمة.

لكن إذا تبين لها أن الهدف من تأخير الجلسة هو المماطلة وإطالة أطوار المحاكمة، فإنها ترفض هذا الطلب. وعليه فالمحكمة توازي بين سلطتها التقديرية تجاه طلب التأخير المقدم إليها والمحافظة على حقوق الدفاع.

إذا قررت تأخير القضية إلى تاريخ لاحق وكان جميع الأطراف حاضرون أو ممثلون في الجلسة، فإنها تحدده فورا وتشعر به الأطراف دون حاجة إلى تسليم استدعاءات جديدة.

ثانيا: جعل الجلسة سرية

إن المبدأ العام هو أن تتم المحاكمة في جلسة عمومية وعلنية، حيث جاء في المادة 300 من ق م ج أنه:" يجب تحت طائلة البطلان أن تتم الإجراءات والمناقشات في جلسة علنية، ما عدا في الحالات المنصوص عليها في المادتين 301 و302 من ق م ج :" بحيث يمكن لرئيس الجلسة أن يمنع الأحداث أو بعضهم من دخول قاعة الجلسات إذا ارتأى أن حضورهم غير مناسب. والأمر يتعلق هنا بالجرائم الاخلاقية أو المتعلقة بالحياء.

أضف إلى ذلك القضايا المتعلقة بالأحداث حيث أوجب القانون إجراء المناقشات بشأنها في جلسة سرية. وإذا تقرر سرية الجلسة، فإنها تشمل أيضا تلاوة أي حكم يبت في نزاع عارض طرأ أثناء البحث أو المناقشات.

إلا أنه في حالة عقد جلسة سرية، لا يعني إفراغ قاعة الجلسات من كل الأشخاص، بل يحضر فيها كل من محامي الأطراف أو نوابهم القانونيين والشهود والخبراء والترجمان إن اقتضى الحال ما داموا كذلك ملزمين بكتمان السر المهني.

الفقرة الثالثة: دور اطراف الخصومة

رغبة في توفير ظروف مثلى للمحاكمة العادلة ودعما لحقوق الإنسان في الخصومة الجنائية، فقد سن مجموعة من الإجراءات القانونية التي تهم المحاكمة، كما كفل حقوق الدفاع التي تمكن أطراف الدعوى من تقديم دفوعهم ومناقشة وسائل دفاع باقي الأطراف. فعلى ضوء المحاكمة تتحدد أدوار كل طرف من أطراف الخصومة الجنائية.

أولا: دور ممثل النيابة العامة

يحظى جهاز النيابة العامة بأهمية قصوى في ق م ج، باعتباره الجهاز الذي أوكل إليه المشرع  مهمة تحريك الدعوى العمومية ومراقبة سيرها بعد ذلك إلى صدور الحكم فيها وتنفيذه، طبقا لما جاء في المادة 36 من ق م ج.

فللنيابة العامة وظيفتان: الأولى تحريك الدعوى العمومية، وهذه الوظيفة قد يشارك فيها غيرها، والوظيفة الثانية هي مراقبة سير الدعوى العمومية بعد تحريكها، وهي مهمة خاصة لا يشاركها فيها غيرها. وخلال ممارستها لهذه الوظيفة الأخيرة تتسع مسؤولية النيابة العامة، بقدر اتساع صلاحياتها، فتشمل تقديم الملتمسات التي يتعين رفعها إلى المحكمة، واستعمال طرق الطعن في الأحكام، وتنفيذ الإجراءات التي تأمر بها المحكمة أثناء سير الدعوى، وبصفة عامة القيام بمهمتها التي تحرص فيها على احترام الإجراءات وحسن سير العدالة.

وكما مر معنا أن النيابة العامة طرف أصلي في الدعوى العمومية، وخصما شريفا يختلف عن الخصم العادي، بحيث أن لها كامل الحرية في التعبير خلال المرافعات من خلال تقديم الملتمسات والمطالبة بتوقيع العقوبات أو تشديدها أو تخفيضها حسب الأحوال وحسب ما يمليه الضمير المهني. ولا يحق للمحكمة أن تعاملها معاملة الخصوم العاديين ولا توجيه أوامر ولا أن تلزمها بالقيام بإجراء من الاجراءات، ولا أن تقاطعها خلال مرافعتها، اللهم إذا كان عملها يعرقل حسن سير الجلسة.

الفقرة الثانية: دور الأطراف الأخرى

أولا: المتهم

هو الطرف المدعي عليه في الدعوى الجنائية، وقد حرص المشرع على تمتيعه بالضمانات الكافية للدفاع عن نفسه، ودحض جميع التهم الموجهة إليه والرد عليه، وذلك من خلال تأخير مرافعته إلى ما بعد انتهاء مرافعة الطرف المشتكي والنيابة العامة، وكذا التنصيص على وجوب أن تكون الكلمة الأخيرة إليه في إطار الردود والدفوعات التي قد تطرأ أثناء الجلسة.

وتعد مرافعة المتهم الأكثر جاذبية في القضايا الجنائية، بالنظر إلى الدور الذي تلعبه في تقرير مصير التهمة المنسوبة إليه وفي تحديد مسار اقتناع القاضي سواء في اتجاه الإدانة أو في اتجاه البراءة.

ثانيا: الطرف المدني

نصت المادة 2 من ق م ج على أن كل جريمة يترتب عنها الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات، والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة.

إن مناط الدعوى المدنية هو الضرر، فكل شخص ادعى أنه تضرر من جريمة يمكنه أن يتقدم بصفته طرفا مدنيا أمام هيئة الحكم وفق مقتضيات المادة 348 من ق م ج[3]. والضرر الذي يترتب عن الجريمة يكون إما ضررا جسمانيا أو ماديا أو معنويا حسب ما جاءت به المادة 7 من ق م ج.

ولهذا يمكن لكل شخص ادعى أنه تضرر من جريمة، أن يتقدم بصفته طرفا مدنيا أمام هيئة الحكم، ما لم يكن قد سبق له أن تنصب بهذه الصفة أمام قاضي التحقيق طبقا لما جاء في المادة 348  من ق م ج.

وإذا سبق أن تنصب طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق، فيجب على هيئة الحكم استدعاءه بنفس الطريقة التي تستدعي بها المتهم، وذلك حتى يتمكن من تقديم مطالبه المدنية أمامها. غير أنه يشترط لصحة تقديم طلب التعويض أمام المحكمة أن يودع الطرف إما قبل الجلسة بكتابة الضبط، أو أثناءها بين يدي الرئيس، مذكرة يحدد فيها مطالبه الأساسية ومبلغ التعويض، مرفقة بصورة لوصل أداء الرسم القضائي الجزافي، كما نصت على ذلك المادة 349 من ق م ج[4].

أما الشخص المتضرر الذي لم يسبق له أن تنصب أمام قاضي التحقيق، فيمكنه أن يتقدم بصفته طرفا مدنيا أمام هيئة الحكم، إما بمقتضى مذكرة يودعها بكتابة الضبط قبل الجلسة، أو يودعها بين يدي رئيس الهيئة، مرفقة بصورة لوصل أداء الرسم الجزافي مع تحديد مطالبه ومبلغ التعويض، وإما بتصريح شفوي يسجله كاتب الضبط بالجلسة بعد إنذاره بأداء الرسم الجزافي، كما هو منصوص على ذلك في الفقرة الأولى المادة 350 من ق م ج[5].

إلا أن الطرف المدني لا يعد طرفا أساسيا في الدعوى الجنائية، لذلك لا يكون حاضرا في جميع مراحلها.

فكثيرة هي القضايا التي تتم مناقشتها في غيبة الطرف المدني، فقد لا يوجد أصلا، أو قد يختار عدم إقامة دعواه أو يختار التنازل عنها.

والطرف المدني المتضرر من الجريمة سواء كان هو المجني عليه شخصيا، أو غيره كذوي الحقوق مثلا، وسواء كان شخصا ذاتيا أو معنويا، له كامل الصلاحية لتقديم مطالبه أمام المحكمة، وبسط أوجه دفاعه وطلب التعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء الجريمة المترتب عنها الضرر، مع تحديده وتعيين موطن مختار في مكان تواجد مقر المحكمة، ما لم يكن مقيما في دائرة نفوذها. أما فيما يخص تقديم مطالبه فله أن يسرد وقائع القضية بتركيز وظروف ارتكاب الجريمة والآثار المترتبة عنها، المتمثلة في الضرر الذي أصابه والعلاقة السببية ومبلغ التعويض المطلوب مع الإدلاء بالوثائق وبسط الأدلة المؤيدة لثبوت الجريمة ووقوع الضرر.

ولا يوجد ما يمنع قانونا من الجمع بين المرافعة وتقديم مذكرة كتابية من باب التأكيد.

المحور الثاني: الضمانات التي يتمتع بها المتهم أثناء جلسة المحاكمة

مما لا شك فيه أن ضمان الحاكمة العادلة، تقتضي ترسيخ وتقوية حقوق الدفاع، التي تمكن المتهم من الدفاع عن نفسه وإظهار براءته. وهذا ما دفع المشرع إلى تمتيعه بالعديد من الضمانات على مستوى جلسة المحاكمة، لأنها تشكل فرصته الأخيرة لنفي التهمة المنسوبة إليه، وذلك من خلال تفعيل مبدأ الحضورية، وضرورة مؤازرته بمحام، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالجرائم المتميزة الخطورة.

الفقرة الاولى: حضور المتهم

من المبادئ الأساسية التي تنبني عليها نظام المحاكمة الجنائية في القانون المغربي، مبدأ الحضورية، الذي له ارتباط وثيق بمبدأين أساسيين يشكلان دعامتين للمحاكمة العادلة، وهما مبدأ العلنية والشفوية. وحضور المتهم أمام المحكمة يعتبر من حقوق الدفاع، بحيث يخول للأطراف مواجهة بعضهم ببعض، وتقديم دفاعهم ومناقشته أمام المحكمة التي يلزم المتهم بالامتثال للاستدعاء الموجه إليه والحضور أمامها.

ومبدأ الحضورية هو الذي يحدد الوصف القانوني للحكم، باعتباره حضوريا أو غيابيا أو بمثابة حضوري، وبالتالي يحدد آجال وطريقة الطعن في الحكم.

لذا ارتأيت التطرق أولا للحضور الشخصي للمتهم، ثم المتهم الذي يوجد في وضعية صحية صعبة، وكذا الآثار المترتبة على حضورية المتهم، وأخيرا حق الدفاع أثناء المحاكمة.

أولا: مبدأ الحضور الشخصي للمتهم

أقر المشرع مبدأ الحضور الشخصي للمتهم بموجب المادة 311 من ق م ج التي نصت على أن:" يحضر المتهمون شخصيا ما لم تعفهم المحكمة من الحضور طبقا للفقرة الثانية من المادة 314 بعده".

فالمتهم ملزم بالحضور أمام المحكمة شخصيا ما لم تقرر المحكمة إعفاءه. وإذا لم يحضر رغم توجيه استدعاء إليه يتضمن اليوم والساعة للنظر في قضيته، تتولى المحكمة محاكمته غيابيا إلا إذا طلب شخصيا أو بواسطة محاميه أن تجري المناقشات في غيبته وارتأت المحكمة عدم ضرورة حضوره شخصيا، بحيث يمكن أن تستغني عن حضور وتصدر حكما بمثابة حضوري في مواجهته، طبقا لما جاء في المادة 314 من ق م ج[6].

ثانيا: المتهم في وضعية صحية صعبة

خول المشرع للمحكمة الحق في البت في القضايا المعروضة عليها، حتى ولو تخلف المتهم عن الحضور. لكن قد يكون هذا الأخير في وضعية صعبة يصعب عليه الاستجابة لاستدعاء المحكمة. لذا تدخل المشرع مراعاة لتحقيق مبدأ المحاكمة العادلة من جهة، وضمان حسن سير أجهزة العدالة الجنائية من جهة أخرى، وأتى بمستجد مهم يخص المتهم الذي يوجد في وضعية صحية يتعذر عليه فيها حضور الجلسة. كما هو منصوص على ذلك في المادة 312 من ق م ج.

وإذا توفرت هذه الحالة يتعين على المحكمة أن تكلف بمقتضى مقرر خاص ومعلل أحد أعضائها بمساعدة كاتب الضبط للانتقال حيث يوجد المتهم ليقوم باستنطاقه. وقد حدد المشرع مسطرة خاصة في هذه الحالة، بحيث تحدد المحكمة عند الاقتضاء الأسئلة التي يقترحها القضاة والنيابة العامة والأطراف. ويكون الاستنطاق بمحضر محامي المتهم عند الاقتضاء. وهذا يجسد بشكل واضح ضمانات المحاكمة العادلة.

ويتولى القاضي المكلف طرح الأسئلة التي حددتها هيئة المحكمة والأسئلة التي يمكن أن يتقدم بها دفاعه. وبعد تحديد جلسة جديدة يستدعى لها المتهم  أو يتم إشعاره من طرف القاضي المكلف، تتولى المحكمة استئناف المناقشات، وإذا لم يحضر المتهم تصدر المحكمة في حقه حكما بمثابة حضوري.

وتكون مهمة كاتب الضبط الذي رافق القاضي تحرير محضر استنطاق، الذي تتم تلاوته بالجلسة بأمر من الرئيس ويكون مضمونه محل مناقشة علنية.

وتجدر الإشارة أن مصاريف انتقال القاضي وكاتب الضبط تخضع لظهير تنظيم مصاريف القضاء الجنائي، فتقرر المحكمة إما تحميلها كلية للمتهم أو إبقاؤها على الخزينة العامة.

الفقرة الثالثة: الآثار المترتبة على حضور المتهم

إن حضور المتهم له أهمية قصوى في مرحلة المحاكمة، وتترتب عليه آثار متعددة، من أهمها تحديد الوصف القانوني الذي قد يوصف به الحكم حضوريا كان أو غيابيا أو بمثابة حضوري، وبالتالي تحديد نوعية طريق الطعن المتبع تبعا لذلك.

إلا أن المتهم الذي يكون في وضعية صحية صعبة، فإنه يمكن للمحكمة الاستغناء عن حضور المتهم بطلب من هذا الأخير شخصيا أو بواسطة محاميه، وتجري المناقشات في غيبته على أن يكون الحكم الصادر في القضية بمثابة حضوري.

بينما المتهم الذي يكون حاضرا في الجلسة عند المناداة على قضيته، ثم ينسحب بعد البت في مناقشة القضية أو يمتنع عن الدفاع عن نفسه، فلا يمكن اعتباره غائبا، كما نصت على ذلك المادة 313 والفقرة الثالثة من المادة 314 .

وإذا صرح المتهم بعد صدور حكم تمهيدي حضوري قضى برفض مطالب المتهم في نزاع عارض، بأنه يعتبر نفسه غائبا قبل الاستماع إلى النيابة العامة، فإن الحكم الذي يصدر في جوهر الدعوى يكون حضوريا، طبقا لما جاء في المادة 314 من ق م ج.

كما أتى المشرع بقاعدة جديدة وهي التي تمت الإشارة إليها في الفقرة السادسة من المادة 314 من ق م ج القديم، وتتعلق بحالة ختم المناقشات وحجز القضية للمداولة قصد النطق بالحكم في جلسة محددة، فإذا أعلم المتهم بتاريخ النطق بالحكم، فإن عدم حضوره في التاريخ المعين لا يؤثر في وصف الحكم بأنه حضوري.

الفقرة الرابعة: حق المتهم في المؤازرة بمحام

من بين مظاهر المحاكمة العادلة تمكين المتهم في أن يكون مؤازرا بمحام في سائر مراحل المسطرة. فالمحامي بحكم تكوينه القانوني يساعد المتهم في إعداد دفاعه المرتبط بالاخلالات الشكلية، التي تكون قد شابت الإجراءات المسطرية المنجزة قبل إحالة القضية على هيئة المحكمة، وكذا المسائل الأولية أو العارضة التي تؤثر على سير الإجراءات.

كما يؤازره أيضا في الدفاع عن نفسه في كل ما يتعلق بموضوع الجريمة المتابع من أجلها، ويقدم له المشورة القانونية عندما يكون حاضرا معه خلال أطوار المحاكمة.

واعتبارا للمهام النبيلة التي يقوم بها المحامي خلال مراحل الخصومة الجنائية، فقد نصت كل العهود والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على ضرورة تمكين المتهم من الاستعانة بمحام عند عرض قضيته على المحكمة، وتوفير التسهيلات إليه التي تمكنه من الاتصال بكامل الحرية بمحاميه.

وتماشيا مع هذا النهج كرس ق م ج هذا المبدأ وخصص له المواد 315 و316 و317 ، حيث نصت الفقرة الثانية من المادة 315 من ق م ج التي تحيل على المادة 421  على أنه تسري مقتضيات المادة 421 من ق م ج بعده في شأن الاتصال بالمحامي والاطلاع على الملف والحصول على نسخ من وثائق الملف. وتبعا لذلك يحق لمحامي المتهم أن يتصل بموكله بكل حرية ودون أية مضايقة باعتبار ذلك حقا من حقوق الدفاع، كما يمكنه الاطلاع على جميع محتويات الملف وأخذ نسخ من الوثائق الموجودة فيه، كي يقوم بدراستها وإعداد الدفاع بشأنها، وإيجاد وسائل تدحضها أو البحث عن ظروف التخفيف بشأنها. ويتكون مؤازرة المحامي إلزامية في الجنايات كقاعدة كرستها جل التشريعات الحديثة. وهذا راجع لخطورة هذه الجرائم، وكذا في قضايا الأحداث ضمانا وصيانة لحقوق هذه الفئة، وحماية لها منشأ صالح للمجتمع. وكذلك إذا كان المتهم أبكما أو أعمى أو مصابا بأية إعاقة أخرى من شانها الإخلال بحقه في الدفاع عن نفسه. وأيضا المتهم الذي يكون في وضعية صحية صعبة، كما نصت على ذلك الفقرة الأخيرة من المادة 314 من ق م ج. وفي حالة المتهم الذي يكون معرضا للحكم عليه بالإبعاد طبقا للفقرة الثانية من المادة 316 من ق م ج.

ويمكن القول أن قواعد المسطرة الجنائية تضمنت مجموعة من القواعد والإجراءات في مختلف سريان الدعوى العمومية، أي منذ وقوع الجريمة إلى حين صدور الحكم البات فيها. وقد تضمنت تلك القواعد في نفس الوقت كيفية استعمال الأطراف لوسائل الدفاع التي يخولها القانون لكل طرف من أطراف الخصومة الجنائية.

 

[1] ــ تنص المادة 328 من ق م ج على أن:" يأمر الرئيس الشهود بالانسحاب إلى القاعة المعدة لهم، ولا يغادرونها إلا لأداء شهادتهم.

يتخذ الرئيس، عند الاقتضاء، جميع التدابير لمنع الشهود من التحدث بشأن القضية سواء فيما بينهم أو فيما بينهم وبين المتهم".

[2] ــ تنص المادة 307 من ق م ج على أنه:" إذا تعذر إنهاء بحث القضية أو المناقشات أثناء جلسة واحدة، قررت المحكمة مواصلتها في تاريخ معين تحدده فورا.

إذا دعت الضرورة إلى تأجيل القضية لتاريخ غير محدد، وجب استدعاء الأطراف للحضور من جديد".

[3] ــ تنص المادة 348 من ق م ج على أنه:" لكل شخص يدعي أنه تضرر من جريمة أن يتقدم بصفته طرفا مدنيا أمام هيئة الحكم، ما لم يكن قد سبق له أن انتصب طرفا مدنيا أمام قاضي التحقيق وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 92 وما بعدها لغاية المادة 96 أعلاه".

[4] ــ تنص المادة 349 من ق م ج على أنه:" يجب أن يستدعي أمام هيئة الحكم الطرف المدني الذي سبق أن تقدم بطلبه إلى هيئة التحقيق ويشترط لصحة تقديم طلب التعويض أمام هيئة الحكم، أن يودع الطرف لزوما قبل الجلسة بكتابة الضبط أو أثناءها بين يدي الرئيس مذكرة مرفقة بصورة لوصل أداء الرسم القضائي الجزافي، وأن يحدد مطالبه الأساسية ومبلغ التعويض المطلوب".

[5] ــ تنص الفقرة الأولى من المادة 350 من ق م ج على أن:" يمكن للشخص المتضرر الذي لم يتدخل أمام هيئة التحقيق أن يتقدم بصفته طرفا مدنيا أمام هيئة الحكم، إما بحسب الشكل المنصوص عليه في المادة السابقة وإما بتصريح شفهي يسجله كاتب الضبط بالجلسة. وينذر لأداء الرسم القضائي الجزافي".

[6] ــ تنص المادة 314 من ق م ج على أن:" إذا لم يحضر الشخص المستدعى قانونيا في اليوم والساعة المحددين في الاستدعاء، حوكم غيابيا ما عدا في الأحوال الآتية:

ــ إذا طلب المتهم شخصيا أو بواسطة محاميه أن تجرى المناقشات في غيبته، وارتأت المحكمة عدم ضرورة حضوره شخصيا، فإنها تستغني عن حضوره، ويكون حكمها بمثابة حضوري،

.............................".

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0