جريمة افشاء السر المهني البنكي في القانون المغربي
دراسة في جريمة افشاء السر المهني البنكي في القانون الجنائي و القانون المنظم للابناك في المغرب
الفقرة الثانية : المسؤولية الجنائية الناشئة عن إفشاء السر المهني
الالتزام بالسر المهني في القانون البنكي ضروري لاعتباره وسيلة فعالة في حماية حقوق الزبناء ضد اي معتد محتمل، و من أجل الزيادة في هذه الحماية هذه الحقوق عمدت غالبية التشريعات على حماية هذا الفعل،و فرض عقوبات على كل من يقوم بإفشائه، و من بين هذه التشريعات التشريع المغربي حسب المادة 107 من القانون البنكي و التي احالتها الى الفصل 446 من القانون الجنائي.
عند التمعن في الفصل 446 من القانون الجنائي1نجد أنه لتحقق جنحة الافشاء يجب أن يتم الافشاء و أن يكون هناك قصد جنائي من وراء إفشاء السر المهني و في حالة تحقق هذين الركنين نكون أمام جريمة لابد من العقاب عليه و لقد جاء النص صريحا حيث تم التنصيص على عقوبتين و هما الحبس و الغرامة و هذا هو جزاء هذه الجريمة.
في دراستنا لهذه الفقرة سوف نقوم بمناقشة اركان جنحة: إفشاء السر المهني و ذلك كنقطة اولى ثم ننتقل الى النقطة الثانية حيث سنتطرق الى الاجراءات جريمة إفشاء السر المهني.
أولا : أركان جريمة إفشاء بالسر المهني
تعتبر جريمة إفشاء السر المهني من الجرائم ذوي الصفة الشخصية فلا يعتد بارتكابها من اي شخص بل يجب حدوثها من قبل شخص ذو صفة معنية2وه ذا بديهي لأننا أمام نوع خاص من الجرائم و هي جرائم بنكية.
لتحقيق جريمة الافشاء لابد من أن يتم افشاء السر المهني و هذا هو الركن المادي و يجب أن يكون هناك قصد جنائي و هذا هو الركن المعنوي.
فيما يتعلق بالركن المادي و هو أن يتم إفشاء السر المهني و هذا ما يطرح لدينا تساؤل عن ماهية الافشاء و طرقه؟ الافشاء هو الانتشار و منه افشاء الاسرار حيث يقصد به كشف الاسرار3 و اطلاع الغير عليها، اذ الجريمة تتحقق و لو كانت الواقعة التي تم افشاءها معروفة ذلك لان هذا الإفشاء يضفي على الواقعة تأكيدا لم يكن لها من قبل. أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من التساؤل و هو طرق افشاء السر المهني إذ نجد أن القانون الجنائي و ذلك في الفصل 446 منه لم يشترط وسيلة معينة من وسائل الافشاء إذ أن الجريمة تتحقق بكل الوسائل سواء عن طريق الكتابة او المحادثة الشفوية او عن طريق الهاتف او الفاكس او المراسلة و سواء بناء على طلب او بغير طلب و حتى و لو علم به شخص واحد. و اثبات هذه الوسائل يتم على عائق سلطة الاتهام. فهي تثبته بجميع طرق الاثبات.
1- ينص الفصل 446 على انه ً الأطباء و الجراحين و ملاحظو الصحة و كذا الصيادلة و المولدات، و كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار بحكم مهنتهم أو ويفته الدائمة أو المؤقتة إذا أفشى سرا أو أودع لديه، و ذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة اشهر و غرامة مالية من 120 إلى 1000 درهم ......
إلى جانب هذا الركن هناك ركن معنوي حيث اشترط المشرع أن يكون الافشاء صادر عن قصد جنائي اي ان الافشاء يجب ان يكون عمديا. و يتحقق هذا العمد إذا انصرفت إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة بالشروط التي نص عليها القانون و لا عقاب على من يفشي السرالمهني بالاهمال او عدم الاحتياط إذ ان هذا يطرح لنا تساؤل حول امكانية تشبت الجاني بذلكل يبرء نفسه من هذه الجريمة؟
إذا قام الجاني بإفشاء السر بشكل غير عمدي فإنه لا يعاقب عليه، و لكن هليجب توفر القصد الخاص في هذه الجريمة أم تكفي لتحققها القصد العام؟ فالقصد العام لهذه الجريمة يتم عن طريق توجه الفاعل نحو إحداث النتيجة أي إفشاء سر الزبون، أما القصد الخاص فهو أن تتوافر في الفاعل نيةا
لإضرار بالزبون.
لقد اختلفت الفقهاء و التشريعات بالا خد باحداهما دون الآخر إذ هناك من يؤخذ بالقصد الخاص دون العام و هناك العكس بل هناك من التشريعات من ابتعدت إلى أكثر من هذا حيث تنص على حدوث الجريمة و لو عن طريق الإهمال دون توفر القصدين.
النية و القصد هما أساسا تحمل المسؤولية و لا عبرة للبواعث مطلقا في تحديد عدم المسؤولية، لأنه لا يشكل عنصر من عناصر القصد الجنائي في جريمة إفشاء السر المهني البنكي، و عند توفر هذين الركنين فإن المسؤولية تقع و يجب القيام بفرض العقوبة على المسؤولين و إيقاع الجزاء عليهم.
ثانيا : جزاءات جريمة إفشاء السر المهني
بطبيعة الحال إذا توفرت أركان الجنحة فإن العقوبة لابد من أن تظهر من أجل معاقبة المسؤول عن الإفشاء، و لكن قبل تطبيق هذه العقوبة يجب أن يصدر حكم قضائي بناءا على قيام دعوى ضد المتهم فمن يقوم بتحريك الدعوى العمومية: هل هو صاحب المصلحة أي المتضرر أم البناية
العامة؟ و بالتالي الحكم على المتهم بالجزاء.
تحريك الدعوى العمومية:
بالرجوع إلى القانون المغربي نجد أن تحريك الدعوى يجب أن تصدر من صاحب الحق من اجل حماية حقه في الرجوع على البنك، و كذلك لأنها مصلحة خاصة لا يمكن تقدير ما لحق بالزبون من ضرر بسبب الإفشاء إلا من خلاله هو.
بالنسبة إلى القانون المقارن و خصوصا القانون السويسري نجد أن يحسم الأمر و لكن في المقابل نجد أن المشرع اللبناني حدد وجوب صدور الشكاية من قبل الشخص المتضرر و لكي يبقى محافظة على السرية البنكية.
الجزاء الجنائي:
في القانون المغربي جاء النص واضح حيث جعل عقوبة الحبس وجوبية بجواز غرامة مالية و هما: الحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من 120 إلى 1000 درهم و بالتالي إلزام القاضي بالحكم بهما معا دون أن يقوم على التفرقة بينهما و هذا عمل محمود عليه من أجل الحد من الجرائم و التشديد عليها.
تتقادم الدعوى الجنحية كجريمة إفشاء السر المهني كباقي الجنح بمرور 5 سنوات من يوم ارتكاب الفعل، و في الحالة التي يتكرر فيها الإفشاء، فإن الأجل لا يسري إلا ابتداءا من آخر فعل إفشاء، و بالتالي فإن الدعوى التي تحرك شكاية من الزبون لا تنتهي بتنازل هذا الأخير و استرداد شكا يته ما دامت قد وضعت، فالدعوى الجنحية تتابع إلى حين البث في القضية بحكم له قوة الشئ المقضي به.