نظرية السبب المنتج في القانون المغربي

مجموعة دروس وعروض في قانون المسؤولية المدنية في القانون المغربي للتحضير للمباريات القانونية

نظرية السبب المنتج في القانون المغربي
كان ظهور نظرية السبب المنتج نتيجة للعيوب التي أفرزتها نظرية تكافؤ الأسباب، وقد قامت على أساس التمييز بين أسباب الضرر بحيث لا تختار منها إلا الأسباب الصالحة لإحداث الضرر أو التي يمكن أن تجعله من الناحية الموضوعية ممكنا ، فهي لا تأخذ بعين الاعتبار إلا السبب المنتج، أي السبب الذي يحدث الضرر عادة حسب المألوف، وتسقط من حسابها السبب العرضي الذي لا يؤدي تدخله إلى إحداث الضرر عادة، وعلى هذا يعتبر السبب منتجا وفق هذه النظرية إذا كان قد بلغ درجة من الأهمية من شأنها أن تجعله يؤدي إلى كل الآثار التي حددت في جميع أو بعض الأحوال، أما إذا كان السبب لا يؤدي إلى تلك النتيجة على الإطلاق فإنه يكون سببا عرضيا يتعين تجاهله ، ويلاحظ أن هذه النظرية تعطي حرية شبه مطلقة للقاضي لاختيار الأسباب المنتجة حيث يقوم بتصنيف مختلف الأسباب التي يمكن أن ينشأ عنها الحادث، ويستبعد ما لم يكن منها له دخل مباشر في حدوثه .

وحسب هذه النظرية فإن المقدمات التي ساهمت في إحداث الضرر ليست هي بالضرورة الأسباب الحقيقية له، وأنه يجب التفرقة بين الأسباب التي لم يكن لها أي دور حقيقي في إحداث الضرر، والأسباب التي سببت حدوثه فعلا، ومن تم يجب التأكد مما إذا كان فعل الشخص فيما يتعلق بمسألة السببية يمكن أن يؤدي عادة إلى النتيجة أم لا ، وعلى هذا فإن الحادث الذي يمكن اعتباره سببا للضرر، هو ما يؤدي إلى إحداث الضرر وفقا للوضع العادي للأمور، ومن ثم يجب أن تكون العلاقة بين الحادث والضرر علاقة مؤثرة ومنتجة، وليس مجرد علاقة بسيطة أو ظرفية.

وقد تساءل بعض الفقهاء عن المعيار الذي يمكن الاعتماد عليه من أجل القيام بالتفرقة بين تلك الأسباب، كما ناقش المعيار الذي قال به أنصار هذه النظرية من أن العبرة هي أن يكون السبب مؤديا عادة إلى حدوث الضرر، أو بعبارة أخرى يجب الاقتصار على الحوادث التي تكون نتائجها الضارة محتملة أو متوقعة، ولاحظ أن هذا المعيار غاية في الإيجاز في حين أن الأمر يتطلب ترك القاضي حرا من أجل أن يقدر مدى مساهمة الحادث في الضرر .

وقد اقترح بعض الفقه انطلاقا من الأساس الذي تقوم عليه نظرية السبب المنتج أفكارا من شأنها أن تساعد في البحث عن السببية، منطلقا من النتائج التي وصلت إليها نظرية تكافؤ الأسباب، إذ يرى أنه بعد إحصاء أسباب الضرر يجب البحث عن الأسباب الحقيقية التي كانت ضرورية لحدوثه، وفي نظرهم يجب القيام بهذا البحث من زاويتين إحداهما موضوعية، حيث يمكن اعتماد فكرة الاحتمال للبحث عما إذا كان حادث معين يمكن أن يتسبب في الضرر أم لا؟ وكذلك من زاوية شخصية حيث يمكن البحث عما إذا كان المسؤول عن الحادث بإمكانه أن يتوقع الضرر أو لم يكن بإمكانه ذلك.

وقد تعرضت نظرية السبب المنتج بدورها لانتقادات على اعتبار أنها لم تقدم معيارا حقيقيا يسمح بتحديد علاقة السببية، ولم تفعل أكثر من تقديم صياغة غامضة صعبة التحديد بالنسبة لظروف الواقع، وانتقد الفقه كذلك الأساس الذي قامت عليه فقد تكون الأحداث التي ساهمت في وقوع الضرر كلها منتجة وأنه لولاها جميعها لما وقع الضرر، ومن الصعب في هذه الحالة القول بأن سببا واحدا منها هو السبب المنتج.

ومن أهم الانتقادات التي تعرضت لها أنها تخلط بين الخطأ والعلاقة السببية لأن فكرة الإمكانية الموضوعية أو التوقع، لا يمكن أن تستخدم في نفس الوقت في تحديد الخطأ وهو عنصر شخصي وعلاقة السببية وهي عنصر موضوعي .

واختلاف فقهاء القانون حول النظرية التي يجب الأخذ بها لتحديد المتسبب في الضرر نجد له مثيلا في الفقه الإسلامي إذ سبق البيان أن المالكية والحنابلة وقياسا عند الحنفية أخذوا بنظرية السبب المنتج عندما ذهبوا إلى تقديم السبب الأقوى عند تفاوت فعل المعتدين، فيما ذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والحنابلة إلى الاعتداد بالأسباب التي أدت إلى الضرر جميعا قلت أو كثرت وهو ما يقابل نظرية تكافؤ الأسباب.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
1
sad
0
wow
0