القانون الدستوري الجنائي في التشريع الجزائري

القانون الدستوري الجنائي في التشريع الجزائري

أولا- الشرعية الدستورية في قانون العقوبات:

1- مبدأ الشرعية الجزائية:

2- التجريم و العقاب في ضوء الضرورة الاجتماعية و التناسب

3- ضمانات الحقوق و الحريات في مواجهة التجريم و العقاب

ثانيا: الشرعية الدستورية في قانون الإجراءات الجزائية

1- الأصل في المتهم البراءة

2- الضمانات القضائية في الإجراءات الجزائية

3- المحاكمة المنصفة

4- الضمانات الدستورية للإجراءات الجزائية في الظروف الاستثنائية


أولا- الشرعية الدستورية في قانون العقوبات:

1- مبدأ الشرعية الجزائية:

أ- أساس الشرعية الجزائية:

- أول تكريس قانوني لمبدأ الشرعية الدستورية في القرآن الكريم: " و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ". سورة الإسراء الآية 15

- ظهر مبدأ الشرعية الجزائية في القانون الوضعي بظهور مفهوم الفصل بين السلطات لوقف استبداد الملوك و جمعهم لكل السلطات، خاصة مع الحملة الفكرية التنويرية في أوروبا المناهضة للاستبداد بزعامة "مونتيسكيو" و "بيكاريا" الذين نادوا بتوزيع السلطات و فصلها و رقابتها لبعضها و بانفراد السلطة التشريعية بتحديد الجرائم والعقوبات نظرا لتمثيلها المباشر للشعب و قيمه و مصالحه.

- أول ما ظهر مبدأ الشرعية الجزائية في التشريعات الداخلية في ميثاق "الماغنا كارتا" 1225 في انجليترا و إعلان حقوق الإنسان و المواطن سنة 1789 في فرنسا في المادة الثانية منه.

- و على الصعيد الدولي ورد عليه بداية الاعلان العالمي لحقوق الانسان سنة 1948 ثم الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان و حرياته الاساسية سنة 1950 و العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية لعام 1966.

- في الدساتير الجزائرية المتلاحقة:

- في دستور10 سبتمبر 1963:

المادة 11 الانضمام إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

المادة 15: " لا يجوز متابعة أي شخص أو توقيفه إلا في الحالات التي ينص عليها القانون..."

- دستور19 نوفمبر 1976:

- المادة 45: "لا تجريم إلا بقانون صادر قبل ارتكاب العمل الإجرامي"

- المادة 71: " يعاقب القانون على المخالفات المرتكبة ضد الحقوق و الحريات و على كل مساس بالسلامة البدنية أو المعنوية للانسان.

المادة 73: " يحدد القانون شروط اسقاط الحقوق و الحريات الأساسية لكل من يستعملها قصد المساس بالدستور أو المصالح الرئيسية للمجموعة الوطنية أو بوحدة الشعب و التراب الوطني أو بالأمن الداخلي و الخارجي للدولة أو بالثورة الاشتراكية".

- التعديل الدستوري 23 فيفري 1989:

- المادة 43: " لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم"

- المادة 44: " لا يتابع أحد و لا يوقف و يحتجز إلا في الحالات المحدد بالقانون و وفقا للأشكال التي نص عليها".

-التعديل الدستوري 28 نوفمبر 1996:

- المادة 46: "لا إدانة إلا مقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم"

- المادة 47: " لا يتابع أحد و لا يوقف و يحتجز إلا في الحالات المحدد بالقانون و وفقا للأشكال التي نص عليها".

- المادة 140: " أساس القضاء مبادئ الشرعية و المساواة"

- المادة 142: " اخضع العقوبات الجزائية إلى مبدأي الشرعية و الشخصية".

- التعديل الدستوري 06 مارس 2016:

- المادة 58: "لا إدانة إلا مقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم"

- المادة 59: " لا يتابع أحد و لا يوقف و يحتجز إلا في الحالات المحدد بالقانون و وفقا للأشكال التي نص عليها.

الحبس المؤقت إجراء استثنائي يحدد القانون أسبابه و مدته و شروط تمديده.

يعاقب القانون على أعمال و أفعال الاعتقال التعسفي".

- التعديل الدستوري أول نوفمبر 2020:

- المادة 34: " تلزم الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية و الحريات العامة و ضماناتها جميع السلطات و الهيئات العمومية.

لا يمكن تقييد الحقوق و الحريات و الضمانات إلا بموجب قانون، و لأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام و الأمن، و حماية الثوابت الوطنية و كذا تلك الضرورية لحماية حقوق و حريات أخرى يكرسها الدستور.

في كل الأحوال، لا يمكن أن تمس هذه القيود بجوهر الحقوق و الحريات.

تحقيقا للأمن القانوني، تسهر الدولة عند وضع التشريع المتعلق بالحقوق و الحريات على ضمان الوصول إليه و وضوحه و استقراره.

المادة 43: " "لا إدانة إلا مقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم"

المادة 44: "لا يتابع أحد و لا يوقف و يحتجز إلا في الحالات المحدد بالقانون و وفقا للأشكال التي نص عليها.

- المادة 165: " يقوم القضاء على أساس مبادئ الشرعية و المساواة".

القضاة متاح للجميع.

يضمن القانون التقاضي على درجتين و يحدد شروط و إجراءات تطبيقه".

المادة 167: " تخضع العقوبات الجزائية لمبدأي الشرعية و الشخصية ".

 

يتعين إعلام كل شخص موقوف بأسباب توقيفه.

الحبس المؤقت إجراء استثنائي يحدد القانون أسبابه و مدته و شروط تمديده.

يعاقب القانون على أعمال و أفعال الاعتقال التعسفي".

و من الناحية الفلسفية ينطلق مبدأ الشرعية الجنائية من عنصرين جوهريين هما:

أ- حماية الحريات: بكل أقسامها وهي أصلها الإطلاق و تقييدها يقتضي وضع قواعد سابقة لارتكاب الجرم مما يضمن الأمن و ينفي الانتقام و الاستبداد و التحكم.

ب- حماية المصلحة العامة: بإسناد سلطة التجريم و العقاب و الإجراءات الجزائية إلى السلطة التشريعية وحدها التي تمثل الشعب بقيمه و مبادئه و مصالحه. 1

و لقد وجهت في القرن التاسع عشر بعض الانتقادات لمبدأ الشرعية الجنائية و التي لا تنقص في قوتها و الزاميتها و حجيتها من مقتضيات و ضرورات مبدأ الشرعية المبني على الموازنة بين الحرية و المصلحة العامة و نذكر منها:

- عجز المشرع بإعطاء تعريفات شاملة لكافة الجرائم مما قد يسمح بإفلات مرتكبي بعض الأفعال من العقوبة بالرغم انتهاكها لروح القانون دون نصه.

- تسهيل استغلال الثغرات القانونية في ظل التفسير الضيق للنصوص التشريعية و منع القياس.

- عدم مراعاة شخصية المجرمين و إمكانية منعهم من ارتكابهم لأفعالهم و تطبيق تدابير تحول دون إجرامهم باحتجازهم و إبعادهم.2

ب- مضمون مبدأ الشرعية الجنائية في قانون العقوبات:

1- انفراد السلطة التشريعية باختصاص تحديد الجرائم و العقوبات.

2- انفراد السلطة التشريعية باختصاص التشريع في مجال الحقوق و الحريات.

3- انفراد السلطة التشريعية باختصاص تحديد الإجراءات الجزائية.

 

ب- مضمون مبدأ الشرعية الجنائية في قانون العقوبات:

1- انفراد السلطة التشريعية باختصاص تحديد الجرائم و العقوبات:

الأساس الدستوري و التشريعي:

- المادة 139: " يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور، و كذلم في المجلات الآتية:...

7- القواعد العامة لقانون العقوبات، و الإجراءات الجزائية، لاسيما تحديد الجنايات و الجنح، و العقوبات المختلفة المطابقة لها، و العفو الشامل، و تسليم المجرمين، و نظام السجون،"

- المادة الأولى من قانون العقوبات المعدل و المتمم:

" لا جريمة و لا عقوبة أو تدبير أمن بغير قانون".

مقتضيات انفراد السلطة التشريعية بتحديد الجرائم و العقوبات:

- تحديد القواعد العامة و المبادئ المشتركة التي تحكم كل فصول التجريم و العقاب في القانون العقوبات هي من اختصاص السلطة التشريعية و التي بدورها تخضع لمبدأ الدستورية لأن الدستور نص على أغلبها و كذا عديد الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائية لاسيما في مجال حقوق الانسان.

- تحديد مضمون الجنايات و الجنح و العقوبات المرتبطة بها هو من اختصاص السلطة التشريعية الممثلة في البرلمان دون غيرها.

2- قد يستثنى من اختصاص البرلمان تحديد مضمون المخالفات و العقوبات التي ترتبط بها بحيث أن المادة 139 من الدستور لم تنص على الاختصاص الحصري للبرلمان في التشريع في باب المخالفات الذي قد يصدر بموجب اللوائح المستمدة من السلطة التنظيمية لرئيس الجمهورية الواردة في المادة 141 من الدستور و التي تنص:" يمارس رئيس الجمهورية السلطة التنظيمية في المسائل غير المخصصة للقانون.

يندرج تطبيق القوانين في المجال التنظيمي الذي يعود للوزير الأول أو لرئيس الحكومة، حسب الحالة".

3- لا يجوز للقاضي أن يصدر حكما في جنحة أو جناية إلا إذا نص قانون صادر من برلمان على ذلك.

4- يلتزم القاضي بتطبيق المعاهدات الدولية التي تلتزم بها الجزائر في باب التجريم و العقاب لأنها أسمى من القانون و تنص المادة 171: " يلتزم القاضي في ممارسة وظيفته بتطبيق المعاهدات المصادق عليها و قوانين الجمهورية و كذا قرارات المحكمة الدستورية".

5- كل القيود التجريمية التي تقع على الحقوق و الحريات لابد أن تصدر في شكل قانون شأنها في ذلك شأن التجريم و العقاب المذكور سالفا، بحيث تنص المادة 139 من الدستور: " يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور، و كذلك في المجالات الآتية:

- حقوق الأشخاص و واجباتهم الأساسية، لاسيما نظام الحريات العمومية، و حماية الحريات الفردية، و واجبات المواطنين."

2- انفراد السلطة التشريعية باختصاص تحديد الإجراءات الجزائية.

الأساس الدستوري:

المقصود بالإجراءات الجزائية تنظيم التدابير و الشكليات التي تمر بها التحقيقات الجزائية في مواد الجنايات و الجنح و المخالفات منذ بداية المتابعات الجزائية إلى غاية تنفيذ الحكم و الطعن فيه و الآثار المترتبة على ذلك.

و يستمد اختصاص السلطة التشريعية من النص الدستوري المذكور سابقا و هو نص المادة 139 التي تنص: " يشرع البرلمان في الميادين التي يخصصها له الدستور، و كذلك في المجلات الآتية:

1- حقوق الأشخاص و واجباتهم الأساسية، لاسيما نظام الحريات العمومية، و حماية الحريات الفردية، و واجبات المواطنين.

7- القواعد العامة لقانون العقوبات، و الإجراءات الجزائية، لاسيما تحديد الجنايات و الجنح، و العقوبات المختلفة المطابقة لها، و العفو الشامل، و تسليم المجرمين، و نظام السجون،"

مقتضيات انفراد السلطة التشريعية بتحديد الإجراءات الجزائية:

1- تطبيق العقوبات يقتضي تطبيق الإجراءات الجزائية و التي تقتضي بدورها الحد من الحريات الشخصية و المساس ببعض الحقوق قبل النطق بالحكم و بعده، و بالتالي لابد من اختصاص السلطة المباشرة التي تمثل الشعب بالتشريع في هذا المجال الذي يقيد الحريات التي تدخل بدورها في اختصاص السلطة التشريعية.

2- تحديد الإجراءات الجزائية يقتضي التوفيق بين المصلحة العامة المتمثلة في تحقيق العدالة و الأمن و الاستقرار في المجتمع من جهة و المصلحة الخاصة المتمثلة في احترام الحريات الشخصية من جهة أخرى. و المشرع ممثل الشعب هو الأقرب للتوفيق بين هاتين المصلحتين.

3- لقد نص الدستور على بعض المبادئ المتعلقة بالإجراءات الجزائية و التي لا يجوز للمشرع مخالفتها و من باب أولى التزام السلطات الأخرى بها، كما نص على اختصاص السلطة التشريعية بتنظيمها بموجب قانون، مثلما نص عليه المادة 134 : " تلزم الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية و الحريات العامة و ضماناتها، جميع السلطات و الهيئات العمومية،

لا يمكن تقييد الحقوق و الحريات و الضمانات إلا بموجب قانون، و لأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام و الأمن، و حماية الثوابت الوطنية، و كذا تلك الضرورية لحماية حقوق و حريات أخرى يكرسها الدستور.

و في كل الأحوال لا يمكن أن تمس القيود بجوهر الحقوق و الحريات.

تحقيقا للأمن القانوني، بسهر الدولة، عند وضع التشريع المتعلق بالحقوق و الحريات، على ضمان الوصول إليه و وضوحه و استقراره".

4- حصر الدستور اختصاص السلطة التشريعية في التفصيل في كل ما يتعلق بالقواعد الدستورية ذات الصلة بالإجراءات الجزائية بحيث تنص المواد التالية من دستور نوفمبر 2020 على مايلي:

المادة 42: " ... يحدد القانون شروط تطبيق هذا الحكم"

المادة 45: " ...يحدد القانون تطبيق هذه المادة"

المادة 46: " يحدد القانون شروط و كيفيات تطبيق هذه الحكم"

5- لا يمكن تطبيق مبدأ شرعية الجرائم و العقوبات دون تطبيق شرعية الإجراءات الجزائية باعتبار التجريم و العقاب لا يكون إلا بالإجراءات الجزائية.

6- لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتدخل في مجال التشريع المتعلق بالإجراءات الجزائية إلا في نطاق تنفيذ ما ينص عليه قانون الإجراءات الجزائية دون تعديله أو الانتقاص من الحريات بموجبه أو إضافة إجراء جديد أو غير ذلك، عدا اللوائح التنظيمية التي تهدف إلى تنفيذ ما ينص عليه القانون.

2- التجريم و العقاب في ضوء الضرورة الاجتماعية و التناسب:

أ- تعريف الضرورة و التناسب:

المقصود بالضرورة هو عدم لجوء المشرع الجنائي إلى التجريم و العقاب دون وجود حاجة و مصلحة اجتماعية لازمة، لا يمكن حمايتها، و لا بديل في ذلك، إلا بوضع نص تشريعي يحد من مبدئي الأصل في الأشياء الإباحة و الحريات الشخصية.

أما التناسب فهو اعتبار الموازنة بين التجريم و العقاب من جهة و المصلحة الاجتماعية المراد حمايتها من جهة أخرى، من حيث مجال التجريم و حجم تقييد الحريات الشخصية و شدة العقوبة و قيمة المصلحة المرجوة من ذلك و أهميتها في سلم القيم الاجتماعية.

ب- التكريس القانوني:

- في التشريعات الداخلية يعتبر إعلان حقوق الإنسان و المواطن لسنة 1789 من أولى التشريعات الوضعية التي نصت على مبدأ الضرورة و التناسب في المادة 5 منه على:

"لا يمكن القانون أن يمنع إلا الأفعال التي تلحق ضرر بالمجتمع"

"La loi n’a le droit de défendre que les actions nuisibles à la société."

كما تنص المادة 8 منه :

" يجب أن تكون العقوبات التي يضع القانون ضرورية بشكل واضح و دقيق "

Art «  la loi ne doit établir que des peines strictement et évidemment nécessaires. »

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 فقد نص في مادته الخامسة و من بعده العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية في المادة è منه " لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب و لا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة".

و في سياق هذا النص من المعروف أن العقوبة لا تكون إلا بحكم قضائي و الحكم القضائي الجزائي لا يكون إلا بقانون و بالتالي يفرض هذا النص على القانون أن لا ينص على عقوبات قاسية لا تتناسب مع الضرورة الاجتماعية.

أما على الصعيد الوطني في التشريع الجزائري فبالإضافة إلى النصوص الدستورية و الاتفاقية التي صادقت عليها الجزائر، فقد جاء في المادة 34 من التعديل الدستوري لسنة 2020 : " تلزم الأحكام الدستورية ذات الصلة ذات الصلة بالحقوق الأساسية و الحريات العامة و ضماناتها جميع السلطات و الهيئات العمومية.

لا يمكن تقييد الحقوق و الحريات و الضمانات إلا بموجب قانون و لأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام و الأمن و حماية الثوابت الوطنية و كذا تلك الضرورية لحماية حقوق و حريات أخرى يكرسها الدستور.

و في كل الأحوال لا يمكن أن تمس هذه القيود بجوهر الحقوق و الحريات".

و عند استقصاء المادة الدستورية أعلاه نستنتج النقاط التالية:

- لا يجوز النص المساس بالحريات و الحقوق الدستورية كأصل عام من طرف كل السلطات بما فها السلطة التشريعية بموجب قانون.

- استثناء يجوز تقييدها لكون بموجب قانون ولأسباب محددة و بالتالي لابد من أن يكون التقييد ضروريا في الحالات المحدد قانون و المرتبطة:

- بحفظ النظام العام و الأمن،

– حماية الثوابت الوطنية،

– الضرورية لحماية و حقوق و حريات أخرى بنص عليها الدستور.

ج- مقتضيات مبدأ الضرورة و التناسب في التجريم و العقاب:

- التزام المشرع الجنائي بالبحث عن الضرورة الاجتماعية عند النص على تجريم فعل معين.

- يتعين على المشرع الجزائي وضع عقوبات متناسبة مع خطورة الأفعال المجرمة بالنظر إلى المصلحة الاجتماعية.

- رقابة المحكمة الدستورية للمشرع عند التجريم بدون ضرورة أو العقاب بدون تناسب أي عندما لا يتقيد بشرط الضرورة و التناسب.

3- ضمانات الحقوق و الحريات في مواجهة التجريم و العقاب:

إن موازنة المشرع بين الضرورة الاجتماعية و التناسب من جهة و المصالح العامة و الخاصة من جهة أخرى، لاسيما منها الحقوق و الحريات، التي يحميها الدستور تقتضي النص على مجموع من الضوابط التي توجه عمل المشرع في نصه على التجريم و العقاب. و التي يمكن إجمالها فيما يلي:

أولا: الفعل أو الامتناع هو موضوع التجريم:

و المقصود بذلك عدم جواز النص في قانون العقوبات على جريمة بدون تحديد فعلها المادي الظاهر المعلوم، سواء بشكل مفصل أو عن طريق تحديد ضابط عام يكشف عنه. و من ذلك لا يجوز النص على جرائم تعتمد على السوابق القضائية أو النوايا الخفية التي لا يتم ترجمتها في أفعال بينة واضحة في النص عليها.3

ثانيا: المسؤولية الجزائية شخصية:

تنص المادة 165 من الدستور الجزائري على: " تخضع العقوبات الجزائية لمبدئي الشرعية و الشخصية".

لابد أن لا يتعارض التجريم و العقاب مع متطلبات شخصية المسؤولية الجزائية و التي تقوم على دعامتين: الأولى هي الإسناد المادي للفعل الذي يعني عدم قيام المسؤولية إلا على الأفعال الشخصية و ليس على أفعال الغير، والثانية معنوية و يقصد بها اتجاه الإرادة المدركة و المميزة للفاعل إلى إتيان الفعل المجرم المسند إليه.

 

 

ثالثا: شخصية العقوبة و تفريدها:

بناء على الضابط المتعلق بشخصية المسؤولية الجزائية و مبدأ الضرورة و التناسب في التجريم و العقاب، يتعين على المشرع اعتبار العقوبة جزاء عن المسؤولية الجزائية المسندة إلى الشخص بالنظر إلى إرادته الإجرامية عند ارتكابه للفعل المجرم، و لا تكون العقوبة على غير الفعل الشخصي الذي أسندت إليه مسؤولية ارتكابه، فلا عقوبة جزائية بالتضامن أو عن فعل الغير، و هذا ما يسمى بالتفريد التشريعي، و هذا ما يختلف عن الجزاء المدني عن المسؤولية المدنية الواردة في القانون المدني.

و إلى جانب التفريد التشريعي للعقوبة نجد التفريد القضائي و الذي يقصد به تطبيق العقوبة من طرف القاضي على الأشخاص بشكل يأخذ فيه بعين الاعتبار شخصية و ظروف المتهم، فالأصل في العقوبة التفريد و ليس التعميم، و هذا من صميم مقتضيات تناسب العقوبة.

رابعا: عدم جواز المساس بجوهر الحقوق و الحريات:

نصت المادة 34 من التعديل الدستوري لسنة 2020 : " ... لا يمكن تقييد الحقوق والحريات و الضمانات إلا بموجب قانون و لأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام و الأمن و حماية الثوابت الوطنية و كذا تلك الضرورية لحماية حقوق و حريات أخرى يكرسها الدستور.

و في كل الأحوال لا يمكن أن تمس هذه القيود بجوهر الحقوق و الحريات".

للمشرع عند وضع الجرائم و العقوبات أن يقيد من الحقوق و الحريات في حدود الضرورة والتناسب و التوفيق و الموازنة بينها و بين المصالح التي يحميها الدستور، لكن لا يحق للمشرع الجزائي أن يمس بفحوى تلك الحقوق و الحريات المحددة دستوريا، إلا في الحالات الاستثنائية التي ينص عليها الدستور و التي تسمح له بتقييدها، بسبب ضرورة حفظ النظام العام و الأمن و حماية الثوابت الوطنية و حماية حقوق و حريات أخرى يكرسها الدستور.

و لا يجوز له من خلال التجريم إفراغ تلك الحقوق و الحريات من محتواها الذي نص عليه الدستور و يقتضيه تعريفها و وجودها.

 

ثانيا: الشرعية الدستورية في قانون الإجراءات الجزائية:

يتعين أن يتطابق قانون الإجراءات الجزائية مع الشرعية الدستورية من حيث مصدرها أين يجب أن تكون حصرا على السلطة التشريعية، كذلك من حيث المبادئ العامة التي تحكم مضمونها و التي ترسم القواعد الحاكمة للإجراءات الجزائية و تتمحور جلها حول مبدأ قرينة البراءة، و أخيرا يحدد الدستور الجهات القضائية المكلفة بتطبيق قانون الإجراءات الجزائية.

1- الأصل في المتهم البراءة

أولا: الأساس الدستوري:

تنص المادة 43 من الدستور: " كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية إدانته، في إطار محاكمة عادلة."

و أساس هذا المبدأ في الشريعة الإسلامية: قال الرسول صلى الله عليه و سلم: " أدرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة".

ثانيا: الأهمية الدستورية للأصل في المتهم البراءة:

- الأصل في الإنسان البراءة هو من أهم أدوات الرقابة الدستورية على حماية حقوق الإنسان و حرياته، خاصة في حالة اللجوء إلى المتابعات التعسفية و التحكمية.

- أصل البراءة هو حيلة قانونية وضعها المؤسس الدستوري من أجل ضمان معاملة المتهم برأفة قبل التثبت بذلك من طرف القضاء و إصدار حكم قضائي نهائي.

- صعوبة تقديم المتهم لأدلة براءته إذا لم نطبق قرينة أصل البراءة التي تفرض على كل من يدعي خلاف هذا أصل براءة المتهم أن يقدم الدليل.

- تجنب الأخطاء القضائية و ما يترتب عنها من أضرار غير قابلة للاستدراك.

ثالثا: نطاق أصل البراءة في المتهم:

أولا: النطاق الموضوعي:

-يتضمن أصل البراءة من حيث العناصر المكونة وجوب معاملة المتهم معاملة الأبرياء من حيث الحقوق و الحريات التي ينص عليها الدستور و القانون إلا في حدود الاستثناءات التي ينص عليها الدستور و القانون و تقتضيها حماية مصالح دستورية أخرى أو حقوق و حريات أخرى منها مصلحة البحث و التحري لتحقيق العدل و تطبيق العقوبات وفق القواعد المتعلقة بالتجريم و العقاب و الإجراءات الجزائية بموجب القانون.

ثانيا: النطاق الشخصي:

يستفيد من أصل البراءة كل الأشخاص سواء كانوا:

- مشتبه فيهم أو متهمون لأول مرة أو متهمون مسبوقين قضائيا

– متهمون أمام محكمة ابتدائية أو متهمون أمام محكمة الاستئناف

- موضوع الاشتباه أو الاتهام سواء كان جناية أو جنحة أو مخالفة

ثالثا: النطاق الإجرائي:

- يطبق أصل البراءة في كل مراحل الدعوى الجزائية

- يستفيد من أصل البراءة كل مشتبه و متهم بارتكاب أي نوع من الجرائم مهما كانت طبيعتها، سواء من جرائم القانون العام أو الجرائم الخاص.

 

ثالثا: النتائج المترتبة عن أصل البراءة

1- التزام من يدعي عكس أصل البراءة بعبء الإثبات و تقديم الدليل على الإدانة، و بالتالي يقع الإثبات على عاتق النيابة العامة و من في حكمها.

2- إعفاء المتهم و المشتبه فيه من التزام إثبات البراءة أي إثبات أصل البراءة و الذي يعتبر مفترض دستوريا، فمن حق المتهم مناقشة و دحض أدلة الإدانة ولا يلتزم بتقديم الأدلة على براءته.

3- يقع على عاتق النيابة العامة التزام إثبات عدم وجود أسباب الإباحة و موانع المسؤولية و موانع العقاب.

4- لا يجوز للمشرع في المواد الجزائية قلب عبء الإثبات عكس أصل البراءة، فلا يجوز إلزام المتهم على إثبات براءته تحت طائلة عدم الدستورية.

5- الحق في الصمت للمتهم، و هو من أهم نتائج أصل البراءة فلا يجوز إلزام المتهم أو المشتبه به بالكلام عند التحقيق.

6- لا يجوز للمحكمة بناء قناعتها بالإدانة إلا على أساس اليقين و الجزم و ليس على أساس الاحتمال و الترجيح.

7- الشك يفسر لصالح المتهم، معنى ذلك أن الشك في أدلة الإدانة لا يسمح بالحكم بالإدانة، في حين أن الشك في أدلة البراءة يؤدي إلى الحكم بالبراءة.

 

1 - أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 32- 33

2 - أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 34

3 - أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص 190

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0