صلاحيات ووظائف النيابة العامة في القانون المغربي
مجموعة عروض ومواضيع في قانون المسطرة الجنائية للتحضير للمباريات القانونية و دروس في المسطرة الجنائية للنحضير للسداسية السادسة
مقدمة :
مما لا شك فيه أن مؤسسة النيابة العامة تحظى بأهمية خاصة داخل منظومة العدالة الجنائية، وتضطلع بوظائف وصلاحيات مهمة، تتصل بالخصومة الجنائية اتصالا مباشرا، تتمثل أساسا في تأسيس الدعوى العمومية ووجوب ممارستها ومراقبتها.
فالنيابة العامة قضاء يجسد الحق العام، باعتباره حق مجتمعي خالص، تكفله الدولة بواسطة هذا الطرف المؤسساتي، الذي أصبح يتمتع باستقلالية في ظل دستور جديد.
إن الحديث عن وظائف النيابة العامة يستدعي الحديث عن مفهوم الدعوى العمومية، ففي غالبية الدعاوى نتحدث عن دعوى، لكن عندما يتعلق الأمر بقانون المسطرة الجنائية، نتحدث عن دعوى عمومية، لها خصوصية في المجال الجنائي.
وفكرة الدعوى كان لها ارتباط تاريخي بمفهوم الحق، بمعنى الإعلان القضائي عن الحق، بل أكثر من ذلك كان لها تاريخيا قيمة مالية. لكن هذا المفهوم عرف تطورا ملحوظا، وتم الانتقال من عدالة خاصة إلى عدالة عامة، وأصبحنا نميز بين مفهوم الحق العام، الذي يعتبر حق خالص للمجتمع، وبين مفهوم الحق الخاص وهو حق مالي ذاتي وأناني، تحركه الأنانية الفردية والمصلحة الذاتية. وهذا يبين بشكل واضخ خصوصية الدعوى العمومية عن باقي الدعاوى الأخرى. فالدعوى كان لها طبيعة مالية مرتبطة بالذمة المالية، بينما اليوم الدعوى أمام القضاء لها مفهوم مستقل عن الحق.
وبمكن تعريفها بأنها السلطة التي يستمدها الشخص من القانون، من أجل الحصول من هيئة قضائية مؤسساتية اقتضاء حقه الذي يدعي أن له الحق فيه. وبهذا انتقل المجتمع من عدالة خاصة إلى عدالة عامة، احتل فيها مفهوم الحق العام أهمية قصوى، ومن ثم أصبح للدعوى العمومية خصوصية، إذ تثار باسم المجتمع بكامله، ولم يصل الفكر القانوني لهذه النتيجة، إلا بعد مروره بعدة مراحل، تطورت فيها الهيكلة السياسية والاجتماعية للمجتمعات. ومرت عبر مراحلة الانتقام، ومرحلة الاتهام الفردي، فالاتهام الشعبي، لتنتهي المجتمعات إلى اعتناق الاتهام العام. والدعوى هي الوسيلة التي تلزم الدولة على توفير العدل لمن يطلبه.
ومن هنا يمكن القول أن الجريمة تعطي الحق في نوعين من الدعاوى، دعوى من أجل تطبيق العقوبات وإنزال العقاب، وتسمى دعوى عمومية، وهناك دعوى لإصلاح الضرر الذي أحدثته الجريمة، وتسمى دعوى مدنية. طبقا لما جاء في المادة 2 من ق م ج[1] .
المحور الأول: الدعوى العمومية والدعوى المدنية
تعتبر الدعوى العمومية الوسيلة المخولة للمجتمع في اقتضاء حقه في توقيع الجزاء على المجرم، بحيث لا يجوز في عصرنا الحاضر توقيعه على شخص مهما خطرت فعلته وعظمت زلته بثبوت إجرامه واشتهاره، إلا باتباع إجراءات دقيقة ومعلومة تبدأ بالمتابعة عن طريق إقامة الدعوى العمومية أو ما يعرف عند الشراح بنشر الخصومة الجنائية أمام القضاء بين النيابة العامة الممثلة للمجتمع، والشخص المفترض إجرامه بخرقه لقواعد القانون الجنائي، ومتابعتها بعد إقامتها لحين انقضائها بصدور حكم في موضوعها، طبقا لما نصت عليه المادة 36 من ق م ج[2].
وقد عرف الفقه الدعوى العمومية بأنها العمل الإجرائي الممارس باسم المجتمع، من طرف النيابة العامة، من أجل وقوف القاضي المختص على الفعل المعاقب، وإقامة وتأسيس إجرام الفاعل، ثم الوصول إلى العقوبة المقررة سلفا من طرف المشرع.
أما الدعوى المدنية تفترض بالإضافة للاضطراب الإجتماعي الناتج عن الجريمة المرتكبة، تفترض أن هناك ضرر مادي أو معنوي تسسبت فيه الجريمة لشخص خاص.
ومن هذا المنطلق، ففي العدالة الجنائية نكون أمام طرف مؤسساتي، لا يمثل الدولة، بل يمثل المجتمع أمام المحاكم الزجرية، وتختص أساسا بإقامة الدعوى العمومية ومباشرة سيرها حتى نهايتها، طبقا لما جاء في المادة 36 من ق م ج، والنيابة العامة كطرف رئيسي في الدعوى العمومية تنعت بالقضاء الواقف. في مواجهته، هناك أطراف خاصة. هذا الأخير له حق المطالبة القضائية بالتعويض عن الضرر.
وقد عرف بعض الفقه الدعوى المدنية بكونها عمل إجرائي يمارس من طرف ضحية الجريمة، من أجل وقوف القاضي المختص على حقيقة الضرر الناتج عن الجريمة، ثم إقامة وتأسيس مسؤولية الفاعل عن حدوث الضرر، ثم الحصول على تعويض أو استردادات ضرورية.
وجدير بالذكر أن الدعوى العمومية منفصلة عن الدعوى المدنية، مما يجعلنا نميز بين الحق العام والحق الخاص. إلا أن لهما مصدر واحد هو الجريمة. لذا كان لهما ارتباط بالنسبة لبعض القواعد، من أهمها إعطاء الاختيار للضحية في أن يراجع دعواه المدنية أمام القضاء المدني المختص الذي يعود إليه الاختصاص الأصلي أو أن يراجعا القضاء الجنائي.
الفقرة الأولى: الفرق بين الدعوى العمومية والدعوى المدنية
تقام الدعوى العمومية ضد الفاعل الأصلي والمساهمين والمشاركين في ارتكاب الجريمة، وهذا الحصر يبرره مبدأ شخصية العقوبة، الذي لا يسمح بإنزال العقاب على غير المجرمين. كما أن النيابة العامة ملزمة بإشعار الوكيل القضائي للمملكة بالمتابعات التي تجرى في حق القضاة وموظفي الدولة وأعوانها، وكذا إخبار الإدارات التي ينتمي إليها هؤلاء. بينما الدعوى المدنية ترفع ضد هؤلاء، وأيضا ضد ورثتهم، وضد الأشخاص المسؤولين مدنيا عنهم.
فالمدعي عليه في الدعوى المدنية، هو كل شخص طبيعي أو معمنوي يلزمه القانون بتعويض الضرر الناشئ عن الجريمة سواء كان فاعلا أصليا أو مساهما أو مشاركا في ارتكابها. كما يجوز إقامتها على ورثة مرتكب الجريمة أو ضد الأشخاص المسؤولين عنه مدنيا. وتبين فيما يلي من هو المتهم والوارث والمسؤول عن الحقوق المدنية.
أما المدعي في العوى المدنية هو المتضرر، وتنص المادة السابعة من ق م ج أن حق الادعاء بالحق المدني يرجع لكل شخص تعرض لضرر جسماني أو مادي أو معنوي، تسببت فيه الجريمة مباشرة.
وبمقتضى المادة الثانية من ق م ج يجب أن يكون المدعي (المجني عليه) متوفرا على الشخصية القانونية وعلى أهلية التقاضي. كما تشترط المادة السابعة من نفس القانون أن يوجد ضرر، وأن يلحق الضرر المدعي شخصيا وأن يكون ناتجا عن الجريمة.
أولا: الضرر القابل للتعويض أمام المحاكم الجنائية
بالرجوع للمادة 7 من ق م ج نجدها تنص على أن" يرجع الحق في إقامة الدعوى المدنية للتعويض عن الضرر الناتج عن جناية أو جنحة أو مخالفة، لكل من تعرض شخصيا لضرر جسماني أو مادي أو معنوي تسببت فيه الجريمة مباشرة...".
يتضح من الفصل أعلاه، أنه لا يكفي أن تكون الدعوى المدنية قابلة لإقامتها أمام المحاكم الزجرية أن يكون موضوعها هو المطالبة بتعويض الضرر، بل يجب أن تتوافر شروط من بينها:
1 ــ أن يكون الضرر حالا لا مستقبلا ومحققا لا احتماليا.
2 ــ أن يكون ناتجا عن جريمة وليس مرتبطا بها.
3 ــ أن يكون الضرر ناتجا عن الجريمة بصفة مباشرة، ويرجع الاختصاص للمحكمة لتقدير العلاقة السببية.
4 ــ أن يكون الضرر من النوع الذي ذكره الفصل 7 من ق م ج، أي ذاتيا أو ماديا أو معنويا، لا مجرد ضرر عاطفي.
ثانيا: الخيار بين الطريق الجنائي والطريق المدني
جاء في المادة 9 من ق م ج أنه:" يمكن إقامة الدعوى المدنية والدعوى العمومية في آن واحد أمام المحكمة الزجرية المحالة إليها الدعوى العمومية...".
يستشف من المادة أعلاه، أنه إذا توفرت شروط الضرر، فإن صيرورة الدعوى المدنية التابعة للدعوى الجنائية ليس سوى إمكانية منحها المشرع للمتضرر من الجريمة لأسباب معروفة. وهذا لا يعني أنه يكون ملزما برفع دعواه المدنية أمام القضاء الزجري، بل يكون مخيرا بين رفعها أمام القضاء المدني المختص أو رفعها أمام القضاء الجنائي. وهذا مجرد استثناء نص عليه المشرع الجنائي، ولا يجب التوسع فيه. ومن بين الأسباب التي جعلت المشرع يتيح هذه الإمكانية للمتضرر نجد:
ــ الاقتصاد في الوقت والنفقات.
ــ تبسيط الاجراءات المتبعة، وذلك من منطلق أن المحكمة الزجرية تكون قد اطلعت على وقائع القضية من الوجهة الجنائية، وتكون متمكنة من البت في وجود الضرر من عدمه، ومن تقدير التعويض الذي يستحقه المتضرر.
ــ تمكين الطرف المدني من الاستفادة من الأدلة التي تكون قد حصلت عليها النيابة العامة وقاضي التحقيق.
وأخيرا وليس آخرا، تجنب تعارض الأحكام التي تصدر من محاكم مختلفة وفي مسألة واحدة أساسها فعل إجرامي واحد.
أما المادة 10 فتنص على أنه :" يمكن إقامة الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية، لدى المحكمة المدنية المختصة.
غير أنه يجب أن توقف المحكمة المدنية البت في هذه الدعوى العمومية إلى أن يصدر حكم نهائي في الدعوى العمومية ن يصدر حكم نهائي في الدعوى العمومية إذا كانت قد تمت إقامتها".
وجاء في المادة 11 من ق م ج أنه:" لا يجوز للطرف المتضرر الذي أقام دعواه لدى المحكمة المدنية المختصة أن يقيمها لدى المحكمة الزجرية.
غير أنه يجوز له ذلك إذا أحالت النيابة العامة الدعوى العمومية إلى المحكمة الزجرية قبل أن تصدر المحكمة المدنية حكمها في الموضوع".
يستشف من المادتين المشار إليهما أعلاه، أنه يمكن للمتضرر أن يقيم الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية أمام المحكمة المدنية المختصة، نظرا لكونها صاحبة الاختصاص الأصلي.
لكن إذا أقيمت الدعوى المدنية أمام المحكمة المدنية، وأقيمت الدعوى العمومية أمام المحكمة الزجرية بشكل منفصل، يجب على المحكمة المدنية إيقاف البت في الدعوى المدنية إلى أن يبت القضاء الزجري بحكم نهائي في الدعوى العمومية تفاديا لحدوث تضارب بين القرارين، وتطبيقا للقاعدة التي تقول " أن الجنائي يعقل المدني".
والمدعي بالحق المدني الذي يقيم دعواه أمام جهة الاختصاص الأصلية، أي المحكمة المدنية صاحبة الاختصاص الأصلي، لا يجوز له أن يقيمها من جديد أمام المحكمة الزجرية، تطبيقا لقاعدة " من اختار لا يرجع". إلا أنه إذا كان قد أقام دعواه المدنية قبل تحريك الدعوى العمومية، ثم أقيمت بعد ذلك الدعوى العمومية، فإن المادة 11 تتيح للمدعي المدني، قبل أن تصدر المحكمة المدنية حكمها في الموضوع، أن يتخلى عن دعواه أمام المحكمة المدنية، ويرفعها إلى المحكمة الزجرية، نظرا لأن الطريق الجنائي لم يكن مفتوحا أمامه وقت رفع الدعوى المدنية، ولم تكن له حرية الاختيار في ذلك الوقت.
وتنازل المدعي عن طلباته المقدمة للمحكمة الزجرية لا يمنعه من تقديم نفس الطلبات من جديد أمام المحكمة المدنية، لأنها صاحبة الاختصاص الأصلي، طبقا لما جاء في المادة 356 من ق م ج.
وتنص المادة 12 من نفس القانون على أنه:" إذا كانت المحكمة الزجرية تنظر في الدعوى العمومية والدعوى المدنية معا، فإن وقوع سبب مسقط للدعوى العمومية يترك الدعوى المدنية قائمة، وتبقى خاضعة لاختصاص المحكمة الزجرية".
ويتحقق عرض الدعوى العمومية على المحكمة الزجرية بتوجيه الاستدعاء للمتهم بالحضور أمام المحكمة الزجرية قبل حدوث سبب للسقوط، أو بالكيفيات المشار إليها في المواد 47 و 73 و74 و384 و419 و461 من ق م ج. أما الدعوى المدنية فيتم عرضها بتقديم مذكرة كتابية كما هو منصوص عليها في المواد 92 وما بعدها إلى المواد 96 و349 و 350 من ق م ج، أو بالتصريح شفويا في الجلسة بالمطالبة بالحق المدني. وينذر المطالب بالحق المدني لأداء الرسم القضائي الجزافي، طبقا لما جاء في المادة 350 من ق م ج.
الفقرة الثانية: أسباب سقوط الدعوى العمومية
ومن بين أسباب سقوط الدعوى العمومية، ما تم التنصيص عليه في المادة الرابعة من ق م ج، حيث جاء فيها:" تسقط الدعوى العمومية بموت الشخص المتابع وبالتقادم وبالعفو الشامل وبنسخ المقتضيات الجنائية التي تجرم الفعل، وبصدور مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به.
وتسقط بالصلح عندما ينص القانون على ذلك.
تسقط أيضا بتنازل المشتكي عن شكايته إذا كانت الشكاية شرطا ضروريا للمتابعة، ما ينص القانون على خلاف ذلك".
أولا: موت الشخص المتابع
المسؤولية الجنائية مسؤولية شخصية، فإذا مات الشخص المتابع قبل إقامة الدعوى يتعين على النيابة العامة حفظ الملف، أما إذا أقيمت الدعوى العمومية بعد الموت بعد الموت، فيجب على المحكمة أن تصرح بعدم قبولها.
وإذا مات الشخص المتابع بعد إقامة الدعوى العمومية أو أثناء سير إجراءاتها، فيجب على المحكمة المعروضة عليها القضية أو قاضي التحقيق التصريح بسقوط الدعوى العمومية.
وتصريح المحكمة بسقوط الدعوى العمومية فصلا فيها، وإنما مجرد إعلان عن إنهاء إجراءات المتابعة، أما الدعوى المدنية التابعة فتتابع فيها الإجراءات ضذ الورثة والمسؤول عن التعويض المدني طبقا للمادة 12 من ق م ج.
ثانيا: التقادم
بالرجوع للمادة الخامسة من ق م ج على أنه:" تتقادم الدعوى العمومية، ما لم تنص قوانين خاصة على خلاف ذلك بمرور:
ــ خمس عشرة سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجريمة،
ــ أربع سنوات ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب الجنحة،
ــ سنة ميلادية كاملة تبتدئ من يوم ارتكاب المخالفة
غير أنه إذا كان الضحية قاصرا وتعرض لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه أحد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة، فإن أمد التقادم يبدأ في السريان من جديد لنفس المدة ابتداء من تاريخ بلوغ الضحية سن الرشد المدني.
لا تتقادم الدعوى العمومية الناشئة عن الجرائم التي ينص على عدم تقادمها القانون أو اتفاقية دولية صادقت عليها المملكة المغربية وتم نشرها بالجريدة الرسمية".
ومن جهة أخرى نجد قوانين تنص على مدد أطول للتقادم، منها قانون العدل العسكري، الذي يقضي بأن مدة التقادم في جريمتي العصيان والفرار من الجندية، لا يبدأ السريان إلا بعد أن يبلغ الجاني خمسين سنة.
ومنها ما يقرر مدة أخف، كالمادة 25 من قانون الصيد البري، التي قررت تقادم الدعوى بعام واحد من تاريخ إنجاز المحضر المثبت للمخالفة.
ومن هنا فإن تاريخ ارتكاب الجريمة هو منطلق احتساب أجل التقادم، وعليه إذا انصرمت المدة التي يحددها المشرع دون أن تبادر النيابة العامة أو الجهة المخول إليها حق إقامة الدعوى العمومية إلى ممارسة الدعوى، فإن الدعوى تعتبر قد سقطت بمضي المدة، وتمتنع بعد ذلك من ممارستها، ويتعين على القضاء التصريح بسقوطها.
وآجال التقادم لا تشمل اليوم الأول ولا اليوم الأخير حسب المادة 750 من ق م ج.
إلا أن مدة التقادم قد يطرأ عليها تغيير، بسبب إجراء قاطع أو موقف للتقادم. ويقصد بالإجراء القاطع لمدة التقادم هو كل إجراءات من إجراءات التحقيق أو من إجراءات المتابعة، تقوم به السلطة القضائية أو تأمر بالقيام به. وتعني إجراءات التحقيق هي الإجراءات التي تندرج في إطار التحقيق الإعدادي أو التحقيق النهائي لقضية من القضايا. وتقوم به السلطة القضائية إما في إطار مسطرة التحقيق الإعدادي أو في إطار تحقيق تكميلي، أو في إطار مناقشة قضية بالجلسات. وأما إجراءات المتابعة فهي كل الإجراءات التي تقوم بها الجهة المكلفة بإقامة الدعوى العمومية لعرض القضية على القضاء قصد البت فيها.
ويترتب عن هذا الإجراء عدم احتساب المدة السابقة، ويبدأ احتساب مدة التقادم بكاملها من جديد، انطلاقا من تاريخ الإجراء القاطع، ويمكن أن يتكرر أكثر من مرة.
بينما السبب الواقف فيكمن في استحالة إقامة الدعوى العمومية الناتجة عن القانون نفسه، ولا يعني توقف التقادم إهمال احتساب المدة المنصرمة منذ تاريخ ارتكاب الجريمة، وإنما يعني أن حساب التقادم يتوقف في التاريخ الذي يطرأ فيه المانع القانوني، الذي يحول دون إقامة الدعوى العمومية، ويستأنف السريان بارتفاع المانع، مع احتساب المدة السابقة.
ومن أجل توفير حماية قانونية للقاصرين، نص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من ق م ج، على وقف التقادم لمصلحة الضحية القاصر، الذي تعرض لاعتداء جرمي ارتكبه في حقه أحد أصوله أو من له عليه رعاية أو كفالة أو سلطة. لذا تعتبر فترة قصور الضحية فترة توقف للتقادم بالنسبة للقاصر حتى يبلغ سن الرشد المدني، ولا يسري الأجل إلا ابتداء من تاريخ بلوغه 18 سنة.
ولهذا يعتبر التقادم من النظام العام، يمكن للمتهم أن يتمسك به في سائر مراحل المسطرة، وعلى المحكمة أن تثيره تلقائيا، وتقرر سقوط الدعوى العمومية.
ثالثا: العفو الشامل
يعتبر العفو الشامل سبب من أسباب سقوط الدعوى العمومية، ويكون بنص تشريعي صريح، يحدد ما يترتب عليه من آثار، دون المساس بحقوق الغير. لذا إذا صدر هذا العفو قبل إقامة العوى العمومية، يغل النيابة العامة عن تحريكها، وإذا صدر أثناء مواصلة إجراءاتها كان سببا لسقوط الدعوى العمومية. أما إذا صدر بعد صدور الحكم البات فيها، فإنه يؤدي إلى سقوط العقوبة.
رابعا: اكنساب المقرر قوة الشيء المقضي به
الأمر يتعلق بصدور قانون جديد ينسخ النص الذي كان يجرم الفعل، وسواء قبل متابعة الفاعل أو أثناء إجراءات المتابعة، فإن الدعوى العمومية تسقط بسبب رفع صفة الإجرام عن الفعل الذي كان معاقبا عليه ساعة ارتكابه. كما أن إذا صدر القانون الجديد بعد اكتساب الحكم بالعقوبة حجية الأمر المقضي، فإن أثره ينسحب إلى العقوبة ويضع حدا لتنفيذها.
إلا أن مقتضيات الفصل الخامس من القانون الجنائي لا تسري على القوانين المؤقتة التي تظل مقتضياتها سارية الجرائم التي ارتكبت خلال مدة تطبيقها، طبقا لما جاء في الفصل 6 من القانون الجنائي.
خامسا: صدور مقرر اكتسب قوة الشيء المقضي به
من أهم أسس المحاكمة العادلة، عدم إمكانية محاكمة الشخص مرتين من أجل نفس الفعل الواحد، حتى ولو اتصف الفعل بأكثر من وصف. وهذا ما نصت عليه المادة 4 من ق م ج.
إلا أن يكون هذا السبب المسقط للدعوى العمومية، يستدعي توفر شروط في الحكم السابق:
ــ أن يكون حكما قضائيا صادرا عن سلطة قضائية.
ــ أن يكون الحكم حائز لحجية الشيء المقضي، أي أن يكون غير قابل للطعن.
ــ أن يكون حكما قطعيا، أي حاسما في موضوع النزاع.
سادسا: الصلح
سمح القانون بإجراء المصالحة بشأن بعض الجرائم، ويعتبر ذلك من أسباب انقضاء المتابعة الجنائية بشأنها. ومن بين النصوص التي تقتضي صراحة بجواز المصالحة النصوص الآتية:
ــ المادة 74 من ظهير 17 /10 /1917 المتعلق بالمحافظة على الغابات.
ــ المادة 22 مكرر من ظهير 21 / 7 /1923 المنظم للصيد البري.
ومن هنا إذا أبرم الصلح، يتعين على المحكمة أن تصرح بسقوط الدعوى العمومية، لأن الصلح يعتبر من أسباب انقضائها. وإذا كان الدعوى العمومية لم تتم ممارستها بعد، فينبغي على النيابة العامة أن تقرر حفظها لسقوطها بسبب الصلح.
وجدير بالذكر أن المشرع جاء يمستجد مهم في قانون 2002 ، يتمثل في كون أن النيابة العامة لم يعد لها خياران أثناء ملاءمة المتابعة، بل أصبح لها طريق ثالث، هو الصلح الجنائي، وهذا دليل على أننا أمام مفهوم جديد لمؤسسة النيابة العامة، حيث انفتحت العدالة الجنائية على العدالة التصالحية، لكن في حدود معينة وشروط محددة.
خامسا: تنازل المشتكي عن شكاينه
اشترط المشرع في بعض الجرائم ضرورة تقديم شكوى من أجل تحريك المتابعة، والتنازل عن الشكاية يضع حدا للدعوى العمومية. ومن بين هذه الجرائم التي تتوقف المتابعة فيها على شكاية جريمة الخيانة الزوجية. حيث جاء في الفصل 492 من ق ج على أن سحب الشكاية يضع حدا لآثار الحكم بالمؤاخذة الصادر ضد الزوج أو الزوجة.
ومن هنا يعتبر التنازل عن الشكاية من أسباب سقوط الدعوى العمومية، متى كانت الشكاية شرطا أساسيا لتحريك المتابعة، دون ان يصرح النص صراحة بذلك.
وإذا توفر سبب من هذه الأسباب، فإن الدعوى المدنية تبقى قائمة، وخاضعة للمحكمة الزجرية.، بينما الدعوى العمومية تسقط بتوفر أحد هذه الأسباب.
الفقرة الثانية: وظيفة المتابعة
من بين أهم الوظائف المسندة للنيابة العامة، الأمر يتعلق بمبدأ ملاءمة المتابعة، الذي يعطي للنيابة العامة خيارين أو ثلاث خيارات على مستوى تحريك الدعوى العمومية، وذلك من منطلق أن قانون المسطرة الجنائية 2002 جاء بخيار ثالث، متعلق بالصلح الجنائي. إما أن تتخذ طريق المتابعة، أو أن تختار طريق الحفظ.
وهناك أسلوبين أو نظامين في المتابعة، أسلوب قانوني، لا يترك خيارا للنيابة العامة، فهي ملزمة بتحريك الدعوى العمومية بمجرد علمها بارتكاب جريمة ما ضد الشخص الذي نسبت إليه في المحضر أو التقرير أو الوشاية أو الشكاية، حتى ولو كانت أدلة الإدانة عنها غير كافية، أو مشكوك في صحتها، أو حتى غير موجودة بسبب خلو المسطرة من أية إشارة إليها، وذلك من منطلق كون النيابة العامة وجدت للدفاع عن المجتمع ضد ظاهرة الإجرام وليس للحكم على قيمة الحجج أو الأدلة التي ينسب بها نشاط ما إلى فاعل معين، والذي يعود أمره إلى المحكمة التي لها وحدها أن تفحص الأدلة وتفرق بين الصحيح والكافي منها عن الكاذب والناقص، فتعتبر منها ما هو جدير بالأخذ به وتبعد ما هو من قبيل الوشايات الكاذبة والقرائن الضعيفة[3].
ومن هنا فالنيابة العامة لا تملك بشأنها أي خيار آخر، حيث لا تملك سلطة تقديرية من أجل ملاءمة المتابعة. وهذا الأسلوب نمطي وآلي، لا يترك هامش الحرية للنيابة العامة، بل يمكن من القضاء على كل تهاون للنيابة العامة مهما كان سببه. وهو نظام صارم، لا يترك هامشا للنيابة العامة. فهي ملزمة بالمتابعة بمجرد الاشتكاء لها أو التقدم ببلاغ إليها. لكن ما يعاب على هذا النظام هو عدم مرونته وعدم تركه سلطة تقديرية لمؤسسة النيابة العامة، من أجل دراسة القضية قبل اتخاذ قرار المتابعة.
أما الأسلوب الثاني، فياخذ بمبدأ ملاءمة المتابعة، وهو أسلوب تقديري، أو أسلوب ملاءمة المتابعة، بمقتضاه لا يفرض على النيابة العامة تحريك الدعوى العمومية بمجرد ما ترد عليها من محاضر أو وشايات أو تقارير أو وثائق أو بلاغات. تفيد اقتراف جريمة من طرف شخص ما، وإنما تترك لها سلطة تقديرية في تحريك الدعوى العمومية من عدمها بناء على ملاءمة ذلك للصالح العام أو العكس. وهذا المبدأ تحكمه عدة متغيرات، تكمن في تفاهة الجريمة المرتكبة رغم وجود أدلة ضد مرتكبها، أو عدم كفاية الأدلة ضد شخص ينسب إليه اقتراف جريمة والذي سيؤدي حتما للتبرئة أمام المحكمة[4] .
وتأسيسا على ما سبق، يتضح أن هذا الأسلوب له عدة مزايا، تكمن بالأساس في عدم جر العباد لساحة المخاصمة الجنائية بناء على أدلة قد تكون واهية، لا أساس لها من الصحة، بحيث يكون الهدف هو التشهير بهم والإساءة لسمعتهم، لكن أيضا له عيوب، تتجلى في تحول هذه المؤسسة لمحكمة تحكم على قيمة الأدلة وتقيس جسامة الجرائم من تفاهتها، وهذا ليس من وظيفتها أو صلاحيتها، لأن ذلك في عمقه تقرير لبراءة غلفت بحفظ المتابعة وتركها، ومن شأن هذا أن يفرز سلوكات لا ينبغي أن يتصف بها رجل القضاء، من قبيل المحاباة والتحيز.
ومهما يكن، فالمشرع المغربي اختار الأسلوب الثاني، القائم على ترك سلطة تقديرية للنيابة العامة في تحريك المتابعة من عدمه، لكنه مكن المتضرر من الجريمة من إمكانية إقامة الدعوى العمومية بدل النيابة العامة، عن طريق مطالبته بالحق المدني أمام قضاء الحكم، طبقا لماء جاء في المادة 3 من قانون المسطرة الجنائية، أو أمام قاضي التحقيق، كما نصت على ذلك المادة 92 من قم ج.
ولهذا فالنيابة العامة لها سلطة تقديرية في المتابعة، ولا تلعب دورها إلا في تحريك وتأسيس الدعوى العمومية، وبمجرد إثارتها لا تملك أي سلطة عليها، وليس لها حق سحب الدعوى العمومية بعد أن قامت بتحريكها أمام المحكمة المختصة وذلك بالتخلي عن متابعتها ومراقبتها، وترتب عن ذلك نتيجتين:
ـــ بمجرد أن تحرك الدعوى العمومية، لا يمكنها أن تحول دون تدخل القاضي الجنائي، لأنها هي التي تمكنه من التدخل، ويمكن للنيابة العامة، إذا لم تقتنع بالمتابعة، أن تلتمس الإعفاء من المتابعة. فقد نصت المادة 372 من ق م ج أنه:" إذا كان الأمر يتعلق بمتابعة من أجل جنحة من الجنح المنصوص عليها في المادة 41 من هذا القانون، فإنه يمكن للمحكمة المعروضة عليها القضية بناء على ملتمس تقدمه النيابة العامة في حالة تنازل الطرف المتضرر من الفعل الجرمي عن شكايته، أن توقف سير إجراءات الدعوى العمومية ما لم تكن قد بتت فيها بحكم نهائي".
ــ لا يمكن للنيابة العامة أن تتخلى عن طرق الطعن المفتوحة أمامها قانونا، ولا أن تتخلى عن طعن تقدمت به.
يستشف من هذا أن النيابة العامة أن تمارس وظيفتها قبل إثارة المتابعة، عن طريق الصلح الجنائي، أو بعد إقامة الدعوى العمومية، وذلك من خلال التماس إيقاف سير الدعوى العمومية.
وبهذا فإن النيابة العامة إما أن تتابع أو أن تعمد إلى اتخاذ قرار الحفظ، هذا الأخير لا يقبل الطعن. بينما الأمر الذي يتخذه قاضي التحقيق بعدم المتابعة قابل للطعن. وبإمكان النيابة العامة أن تتراجع عن هذا القرار إذا ظهرت عناصر جديدة، تسترجع النيابة العامة حقها في المتابعة، طبقا لما هو منصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 372 من ق م ج.
ومن بين المبررات التي تجعل النيابة العامة تختار طريق الحفظ، استنادا لسلطتها لمبدأ ملاءمة المتابعة نجد:
ــ يمكن أن لا تشكل الأفعال جريمة، وقد تكون القضية ذات طبيعة مدنية، تخرج عن إطار تدخل القضاء الجنائي.
ــ يمكن أن تكون القضية قد تقادمت وفق المدد المحددة قانونا.
ــ يمكن أن يصدر بشأن القضية عفوا.
ــ يمكن أن لا يتم العثور على مرتكب الجريمة، لكن يمكن للنيابة العامة أن تلتمس التحقيق ضد مجهول، ولا يمكنها إحالة القضية على قضاء الحكم ضد مجهول.
المحور الثاني: طرق إثارة المتابعة
مما لا شك فيه أن هناك طرق متعددة لتحريك الدعوى العممومية، وتختلف باختلاف الجهة التي تحرك الدعوى العمومية، حيث خول المشرع لكل من وكيل الملك والوكيل العام حق إقامة الدعوى العومية، كل في مجال اختصاصه.
الفقرة الأولى: إقامة الدعوى العمومية من طرف وكيل كيل الملك
يختص وكيل الملك بإقامة الدعوى العمومية وممارستها في المخالفات والجنح. ويختص وكيل الملك بإقامة الدعوى العمومية إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بدائرة نفوذه، أو كان أحد المشتبه فيهم بدائرته، أو إذا تم إلقاء القبض على أحد هؤلاء بدائرة نفوذه. المادة 44 من ق م ج.
أولا: بالنسبة للمخالفات
ينعقد الاختصاص لإقامة الدعوى العمومية لوكيل الملك، بواسطة أحد الطرق التالية:
1 ــ السند القابل للتنفيذ
تقترح النيابة العامة على المخالف أداء الغرامة المقررة للمخالفة، إذا كانت هذه الأخيرة ثابتة في حقه بمقتضى محضر أو تقرير، ولا يظهر فيها متضرر أو ضحية، ويعاقب عليها بغرامة مالية.
وإذا تعرض المخالف على الأداء تحال القضية على الجلسة وفقا لمقتضيات المشار إليها في المواد 375 وما يليها إلى 382 من ق م ج.
2 ــ الاستدعاء للجلسة
يقوم وكيل الملك بتوجيه استدعاء للمخالف لحضور الجلسة، التي يبت فيها قاض منفرد في الموضوع. وهذه هي الطريقة الاعتيادية لإقامة الدعوى العمومية. ويمكن تطبيقها حتى بالنسبة للمخالفات القابلة لتطبيق مسطرة السند القابل للتنفيذ. لذا فهي تشكل الوسيلة الوحيدة لإقامة الدعوى العمومية في المخالفات الأخرى التي لا تتوفر فيها شروط مسطرة السند القابل للتنفيذ.
ثانيا:بالنسبة للجنح
تقام الدعوى العمومية من أجل جنحة من الجنح، إما بالاستدعاء المياشر أو بواسطة الإحالة الفورية على المحكمة أو عن طريق المطالبة بإجراء تحقيق إذا كانت الجريمة تقبل التحقيق، أو بواسطة ملتمس يرمي لاستصدارأمر قضائي في غيبة المعني بالأمر.
1 ــ الاستدعاء لجلسة المحاكمة
تعتبر هذه الطريقة من الطرق التي تتحرك بها الدعوى العمومية من قبل النيابة العامة، حيث يوجه وكيل الملك الاستدعاء للمتهم للحضور بالجلسة طبقا لمقتضيات المواد 308 وما يليها. ويستدعي في نفس الوقت المسؤول عن الحق المدني إن وجد ( الفقرة الثانية م المادة 384 من ق م ج). فالاستدعاء هو الذي يحرك الدعوى العمومية في هذه الحالة، ويتعلق الأمر بالجنح غير المتلبس بها، التي يكون فيها المتهمون غير معتقلين لأسباب. وغالبا ما لا تحتاج إلى بحث مستفيض ولا لتحقيق إعدادي، بل تكتفي النيابة العامة بتوجيه وثيقة رسمية تسمى الاستدعاء إلى المشبوه بارتكابه لجنحة، يتم بموجبها عرض القضية مباشرة على المحكمة، بقصد البت فيها.
وقد أوجبت المادة 308 من ق م ج أن يتضمن الاستدعاء بيان اليوم والساعة ومحل انعقاد الجلسة ونوع الجريمة، وتاريخ ومحل اقترافها والنصوص المطبقة بشأنها، وإلا يؤدي الاخلال بذلك إلى البطلان.
2 ــ الإحالة الفورية أو عرض المتهم على المحكمة وبدون سبق استدعائه
طريق من طرق المتابعة، لا تقوم النيابة العامة باستدعاء المشبوه فيه بارتكاب جنحة لجلسة الحكم، بل تقوم بعرضه مباشرة على الجلسة، طبقا للمادة 73 من ق م ج للحكم عليه وفقا للمادتين 47 و74 من نفس القانون، اللتين تجيزان لوكيل الملك إصدار أمر باعتقاله وعرضه فورا على المحكمة لمحاكمته، اللهم إذا لم يكن مقررا عقد جلسة في نفس اليوم، فإنه يجب عرضه لزوما داخل ثلاثة أيام على جلسة تعقد خصيصا لذلك وفقا للمادة 385 المحال عليها بالمادتين 47 و74 من نفس القانون.
جاء في الفقرة الأولى من المادة 74 من ق م ج أنه:" إذا تعلق الأمر بجنحة معاقب عليها بالحبس، أو إذا لم تتوفر في مرتكبها ضمانات كافية للحضور، فإنه يمكن لوكيل الملك أو نائبه أن يصدر أمرا بإيداع المتهم بالسجن بعد إشعاره بأن من حقه تنصيب محام عنه حالا واستنطاقه عن هويته والأفعال المنسوبة إليه، كما يمكن أن يقدمه للمحكمة حرا بعد تقديم كفالة مالية أو كفالة شخصية".
يستشف من الفصل المشار إليه أعلاه، أن هناك ثلاث خيارات متاحة أمام وكيل الملك:
ــ متابعة المتهم وإصدار أمر بالإيداع في حقه (الاعتقال).
ــ متابعته في سراح بعد أداء كفالة مالية
ــ متابعته في سراح مقابل كفالة شخصيةز
وهذه الخيارات الثلاث، مرتبطة بتطبيق مسطرة التلبس بالجريمة المنصوص عليها في المادة 56 من ق م ج أو في حالة انعدام ضمانات الحضور.
كما يمكن لوكيل الملك أن يعدل على تطبيق هذه الخيارات، ويلجأ إلى الخيار الأصلي، المتمثل في الاستدعاء شريطة احترام الآجال المرتبطة بذلك.
وعلاوة على ذلك، تتيح المادة 74 من ق م ج لوكيل الملك إمكانية اعتقال المتهم في حالتين:
ــ حالة التلبس بالجريمة،
ــ حالة انعدام ضمانات الحضور.
ومن جهة أخرى، نجد المادة 47 من ق م ج تنص على مسطرة الإحالة الفورية في حالات أخرى، وتنقسم هذه الحالات إلى مجموعتين، وينبغي أن يتوفر شرط من المجموعة الأولى، وشرط من المجموعة الثانية على الأقل، لإمكانية تطبيق مسطرة الإحالة الفورية.
بالنسبة للمجموعة الأولى:
ــ اعتراف المشتبه فيه بالأفعال المكونة لجريمة يعاقب عليها بالحبس،
ــ أو ظهور معالم أو أدلة قوية على ارتكابه لها.
أما المجموعة الثانية:
ــ لا تتوفر في المتهم ضمانات الحضور،
ــ أو يظهر بأنه خطير على النظام العام،
ــ أو يظهر أنه خطير على سلامة الأشخاص أو الأموال.
ومن أجل تطبيق مسطرة الإحالة الفورية، في غير حالة التلبس، لابد أن يتحقق شرط من المجموعة الأولى وشرط من المجموعة الثانية على الأقل لسلوك هذه المسطرة كما هو منصوص عليها في المادة 74 من ق م ج.
المطالبة بإجراء تحقيق
يمكن لوكيل أن يلتمس إجراء تحقيق إذا كان الحد الأقصى المقرر للعقوبة المقررة للجنحة هو خمس سنوات أو أكثر.
كما يمكن أن يلتمس إجراء تحقيق إذا تعلق الأمر بجنحة ارتكبها حدث يقل سنه عن 18 سنة كيفما كانت العقوبة المقررة للجنحة.
وفي حالات أخرى قد ينص القانون على إجراء تحقيق إجباريا أو اختياريا، فيتعين تطبيق إرادة المشرع إذا كان يأمر به على سبيل الوجوب.
الأمر القضائي
إذا تعلق الأمر بجنحة يعاقب عليها القانون بغرامة فقط لا تتجاوز خمسة آلاف درهم، ولا يظهر فيها متضرر، ويكون ارتكابها مثبت في محضر أو تقرير، يمكن لوكيل الملك أن يتقدم بملتمس إلى القاضي من أجل إصدار أمر قضائي في غيبة المتهم ودون استدعائه.
ولا يمكن أن تتجاوز الغرامة التي يحكم بها القاضي في هذه الحالة نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجنحة، بالإضافة إلى المصاريف والعقوبات الإضافية.
ويتم تبليغ هذا الحكم القضائي للمتهم وللمسؤول المدني عند الاقتضاء، اللذين يمكنهما التعرض عليه داخل أجل عشرة أيام من تبليغه.
وفي حالة التعرض تجري المحاكمة بالشكل الحضوري العادي، ويقبل حكم المحكمة الاستئناف، طبقا لما جاء في المادة 383 من ق م ج.
الفقرة الثانية: إقامة الدعوى العمومية من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف
يختص الوكيل العام للملك بإقامة الدعوى العمومية وممارستها أمام محكمة الاستئناف في الجنايات والجرائم المرتبطة أو غير القابلة للتجزئة عنها سواء كانت جنحا أو مجرد مخالفات.
وتكون الجرائم مرتبطة:
ــ إذا ارتكبت في وقت واحد من طرف عدة أشخاص مجتمعين.
ــ إذا ارتكبت من طرف أشخاص مختلفين، ولو في أوقات مختلفة، ولكن بناء على اتفاق سابق بينهم.
ــ في حالة ارتكاب الجناة لجرائم من أجل الحصول على وسائل تمكنهم من ارتكاب جرائم أخرى، أو تساعدهم على تمام تنفيذها أو تمكنم من الافلات من العقاب.
تعتبر جريمة إخفاء الأشياء المحصل عليها من جريمة، مرتبطة بالجريمة التي مكنت من الحصول على تلك الأشياء أو انتزاعها أو اختلاسها كلا أو بعضا، طبقا لما جاء في المادة 257 من ق م ج.
تعتبر الجرائم غير قابلة للتجزئة، إذا كانت متصلة اتصالا وثيقا لدرجة أن وجود بعضها لا يتصور بدون وجود البعض الآخر. أو عندما تكون مترتبة عن نفس السبب وناشئة عن نفس الدافع، وارتكبت في نفس الوقت وفي نفس المكان. المادة 256 من ق م ج.
تتم المتابعة في الجنايات أو الجرائم المرتبطة بها من طرف الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، إما بواسطة الإحالة المباشرة على المحكمة أو الاحالة على قاضي التحقيق.
أولا: الاحالة المباشرة
جاء في المادة 49 من ق م ج أن الوكيل العام للملك يحيل ما يتخذه من إجراءات إلى هيئات التحقيق أو هيئات الحكم المختصة.
وتنص الفقرة الثانية من المادة 419 من ق م ج أن القضية تحال على غرفة الجنايات. " بإحالة من الوكيل العام للملك طبقا للمادتين 49 و73 من هذا القانون".
واستنادا للمادة 73 من ق م ج فإن الإحالة المباشرة على غرفة الجنايات تكون ممكنة متى تعلق الأمر بالتلبس بجناية طبقا لمقتضيات المادة 56 من ق م ج، إذا لم تكن الجرائم التي يكون التحقيق فيها إلزاميا، وكانت القضية جاهزة للحكم.
وفي هذه الحالة فإن الوكيل العام للملك أو أحد نوابه يستفسر المتهم عن هويته ويشعره بحقه في تنصيب محام عنه حالا، وإلا فإنه سيعين له من طرف رئيس غرفة الجنايات تلقائيا، ثم يستنطقه حول الأفعال المنسوبة إليه. فإذا اتضح أن القضية جاهزة للحكم، فإن الوكيل العام للملك يصدر أمرا بإيداع المتهم في السجن وإحالته مباشرة على غرفة الجنايات داخل أجل لا يقل عن خمسة أيام، ولا يزيد عن 15 يوما ( الفقرة الأخيرة من المادة 420 والفقرة الرابعة من المادة 73 من ق م ج).
وإذا كان الأمر يتعلق بالمتابعة من أجل جنحة مرتبطة بالجناية، فإن الوكيل العام للملك يمكنه أن يتابع الجانح في حالة سراح مقابل كفالة مالية أو شخصية طبقا لما جاء في الفقرة الثانية من المادة 73 من ق م ج.
ولا يبدو من قراءة المادة 73 أنه بإمكان الوكيل العام للملك إحالة المتهم مباشرة على غرفة الجنايات وتركه في حالة سراح. وذلك لأن الفقرتين 4 و5 من المادة 73 من ق م ج صريحتان في أن الوكيل العام للملك يأمر بوضع المتهم رهن الاعتقال وتحيله على غرفة الجنايات إذا كانت القضية جاهزة، ويلتمس إجراء التحقيق إذا ظهر له أن القضية غير جاهزة.
وبطبيعة الحال فإن الجنح أو المخالفات المرتبطة بالجناية أو غير القابلة للتجزئة عنها، تتم إحالتها بنفس الكيفية مع مراعاة المقتضيات المتعلقة بنوع الجريمة، إذ لا يمكن إيداع مرتكب مخالفة بالسجن، كما أن مرتكب الجنحة تطبق عليه المقتضيات المتعلقة بالمتابعة من أجل الجنح (الاستدعاء أو مسطرة الإحالة).
ثانيا: التماس إجراء تحقيق
إذا لم يكن متاحا تطبيق مسطرة الإحالة المباشرة، فإن الوكيل العام للملك يحيل القضية على قاضي التحقيق بمقتضى ملتمس إجراء تحقيق، طبقا لما جاء في المادة 83 من ق م ج.
وفي هذا الإطار يمكن التمييز بين حاليتن من الحالات التي يطلب فيها التحقيق، إما أن يكون إجباريا أو اختياريا.
ــ إذا كان التحقيق إجباريا فيتعين على الوكيل العام للملك المطالبة به، ولو توفرت إمكانية الإحالة المباشرة، وكان الأمر يتعلق بحالة تلبس بالجناية.
ــ وإذا كان القانون يترك الاختيار للوكيل العام للملك بشأن إجراء التحقيق، فله أن يعدل عن سلوكه، ويتبع مسطرة الإحالة المباشرة، أي توفر حالة التلبس وكون القضية جاهزة للحكم، وإلا فإنه يكون مطالبا بالتماس إجراء التحقيق.
[1] ــ تنص المادة 2 من قانون المسطرة الجنائية:" يترتب عن كل جريمة الحق في إقامة دعوى عمومية لتطبيق العقوبات والحق في إقامة دعوى مدنية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي تسببت فيه الجريمة".
[2] ــ جاء في المادة 36 من ق م ج :" تتولى النيابة العامة إقامة وممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها وتطالب بتطبيق القانون، ولها أثناء ممارسة مهامها الحق في تسخير الققوة العمومية مباشرة".
[3] ــ عبد الواحد العلمي، شروح في القانون الجديد المتعلق بالمسطرة الجنائية، الجزء الأول، ص: 105 .
[4] ــ نفس المرجع، ص: 106 .