نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب في القضاء

مواضيع في القانون الجنائي و مختلف الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي

نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب في القضاء

الفصل الثالث: نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب في القضاء

لا تقتصر نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب على الجانب التشريعي وانما تتصل بدور القاضي الجنائي ايضا، اذ ان القاضي وهو يواجه الجريمة يتمتع بسلطة معينة داخل مبدا الشرعية.. ولهذا فسوف يتم تقسيم هذا الفصل على مبحثين.. بحيث يتم معالجة مدى سلطة القاضي في تحديد الجريمة في المبحث الاول وسلطة القاضي في تحديد العقاب في المبحث الاخر وعلى النحو الاتي...

المبحث الاول: مدى سلطة القاضي في تحديد الجريمة

مما سبق تبين كيف ان نشوء مبدأ شرعية التجريم والعقاب كان لمواجهة تعسف القضاة فكان من بين اهم نتائجه ان تقرر الجريمة والعقاب بموجب نص تشريعي، دور القاضي فيه لا يتعدى تطبيقه على ما يعرض عليه من وقائع فالفعل او الامتناع لا يطلق عليه وصف الجريمة ما لم يكن مطابقا في اوصافه وعناصره للنموذج الذي حدده المشرع في النص ومن هنا ظهرت فكرة بناء نظرية تهدف الى بيان العوامل التي تؤدي الى تحقيق المطابقة بين الواقعة والنص([1])وقد اطلق على هذه النظرية (بالتكييف) فما هو التكييف؟ وما هي شروطه وما هي وسائل تحقيقه والنتائج المترتبة عليه؟ من خلال بحث هذا الموضوع سوف يتبين اثر مبدأ شرعية التجريم والعقاب على سلطة القاضي في تحديد الجريمة.

المطلب الاول: ماهية التكييف

من اجل بيان ماهية التكييف لا بد من تعريفه وبيان شروطه على وفق ما يأتي: -

اولا: تعريف التكييف:

يعرف التكييف: بانه (رد واقعة الدعوى الى النص القانوني الذي يؤثمها)([2]).

كما يعرف بانه (ثبوت الوقائع وصحة نسبتها الى المتهم فهو العلاقة بين الوقائع والقانون وينتهي بمنح الوقائع اسما قانونيا ينطوي في القانون الجنائي على نتيجة ملازمة هي تطبيق العقوبة المنصوص عليها بهذا الاسم فالتكييف يشكل من الناحية النفسية حكما حقيقيا هو عصب الحكم القضائي الصادر بلا شك وتتوقف صحة الاسم القانوني الممنوح للوقائع على الامساك المنضبط للعلاقة التي تربط هذه الوقائع بقواعد قانون العقوبات)([3]).

كما عرف تكييف الواقعة الجنائية بانه (ردها الى اصل نص القانون واجب التطبيق عليها ويكون في نطاق التقسيم الثلاثي للجرائم الى جنايات وجنح ومخالفات بردها الى نوع دون غيره من بين هذه الانواع الثلاثة بما يترتب على ذلك من اثار ضخمة في قانون العقوبات فضلا عن الاجراءات الجنائية حيث تظهر اثار التكييف بوجه خاص)([4] ).

كما عُرف (تكييف الوقائع التي تقوم عليها الجريمة هو اعتبارها غير مشروعة في نظر قانون العقوبات أي انها ذات صفة اجرامية ([5]).

كما عرف بانه ((عمل قانوني الزامي يقوم به القاضي، يتفهم الواقعة ويحدد عناصرها ويتفهم القانون في الواقع ويحدد عناصره ويطبق احدهما على الاخر ويصف الواقعة وصفا قانونيا. على ان تكون نقطة البدء في التكييف من الادنى (الواقعة) الى الاعلى (القانون)، حيث يفترض فهم القانون في الواقع، وهذا لا يتحقق الا بفهم الواقعة اولاً))([6] ).

كما عرف بانه ((التسمية التي يمنحها القانون او القاضي للواقعة المكونة للجريمة او لطبيعة الجريمة التي تشكلها الواقعة كما انه يعني تحديد العلاقة القانونية بين الواقعة الاجرامية وبين احكام القانون التي تنطبق عليها))([7]) .

كما يعرف بانه ((الحكم على الفعل الصادر عن الجاني بانه يطابق النموذج القانوني للجريمة))([8]).

ومن خلال استقراء هذه التعاريف يمكن تحديد معنى التكييف بانه تحديد النموذج القانوني للجريمة وفحص الواقعة المرتكبة وحدوث التماثل بينهما ووصف الواقعة المرتكبة بالوصف المحدد في القانون.

ثانيا: شروط صحة التكييف: يمكن اجمال شروط صحة التكييف بما ياتي:

1- تحديد النموذج القانوني للجريمة:

وتعني فكرة النموذج القانوني للجريمة (شمول النص العقابي على وصف دقيق لكل جريمة ويضم مختلف العناصر التكوينية لها فهي الشكل او التنظيم او الاطار القانوني الذي حدده المشرع للجريمة)([9] ). كما عرفت بانها (توفير الشكل القانوني للجريمة الذي يضم كل العناصر اللازمة لقيام الجريمة التي لو تخلف احدها لامتنع قيامها)([10] ).

ومن هذا يتبين ان مكونات النموذج القانوني للجريمة تظم كلا من اركان الجريمة وعناصر هذه الاركان([11])اذ لا بد من اقتران السلوك الاجرامي المرتكب مع النية الاجرامية لانهما ضروريان لقيام الشرعية الجزائية([12] )اذ يجب ان يضم نص التجريم والعقاب كل من ركني الجريمة المادي والمعنوي وعليه فسنتطرق اولاً للركن المادي للجريمة على ان نتناول الركن المعنوي فيها في نقطة ثانية.

حيث يعني الركن المادي: كل ما يدخل في كيان الحرية وتكون له طبيعة مادية ويتكون من ثلاثة عناصر اولها السلوك الاجرامي (Actus reus)([13] ) وقد عرف المشرع العراقي السلوك الجرمي في المادة (19/4) من قانون العقوبات العراقي النافذ بانه ((كل تصرف جرمه القانون ايجابيا كان ام سلبيا كالترك والامتناع ما لم يرد نص على خلاف ذلك)). ولا يوجد مثل هذا التحديد للسلوك الاجرامي في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ ولعل السبب في ذلك هو تركيز المشرع اليمني على القسم الخاص دون العام عند تنظيمه لهذا القانون.

ويتمثل العنصر الثاني للركن المادي بالنتيجة الاجرامية، وللنتيجة الاجرامية مدلولين الاول مادي يتمثل في التغيير الذي يحصل في العالم الخارجي كاثر السلوك الاجرامي والثاني قانوني ويتمثل في العدوان الذي ينال مصلحة او حق قدر المشرع جدارته بالحماية الجنائية ([14] ).. ولا بد من ان تتحقق الصلة بين السلوك الاجرامية وبين النتيجة الاجرامية بمدلولها المادي لان هذه الرابطة هي السبيل لاسناد النتيجة الى الفعل وسميت هذه الرابطة بالعلاقة السببية وهي العنصر الثالث من العناصر المكونة للركن المادي([15] ).

هذا وقد نص المشرع العراقي على هذه الرابطة في المادة (29) بما يأتي ((1- لا يسأل شخص عن جريمة لم تكن نتيجة لسلوكه الاجرامي لكنه يسأل عن الجريمة ولو كان قد ساهم مع سلوكه الاجرامي في احداثها سبب اخر سابق او معاصر او لاحق ولو كان يجهله. 2- اما اذا كان ذلك السبب وحده كافيا لإحداث نتيجة الجريمة فلا يسأل الفاعل في هذه الحالة إلا عن الفعل الذي ارتكبه)).

ومن ثم فان المشرع العراقي قد اعتمد نظرية السبب الملائم اخذا بنظر الاعتبار ما تنطوي عليه نظرية تعادل الاسباب من نتائج([16]).

كما ان المشرع العراقي اخذ بنظرية السبب المباشر في المادة (34) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ((تكون الجريمة عمدية اذا توافر القصد الجرمي لدى فاعلها وتعد الجريمة عمدية كذلك أ- اذا فرض القانون او الاتفاق واجبا على شخص وامتنع عن ادائه قاصدا احداث الجريمة التي نشأت مباشرة عن هذا الامتناع.....))([17] ).

هذا وقد نص المشرع اليمني في المادة (7) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ على ((لا يسأل الشخص عن جريمة يتطلب القانون لتمامها حدوث نتيجة معينة الا اذا كان سلوكه فعلا او امتناعا هو السبب في وقوع هذه النتيجة وتقوم رابطة السببية متى كان من المحتمل طبقا لما تجري عليه الامور في الحياة عادة ان يكون سلوك الجاني سببا في وقوع النتيجة وما كان سببه منه فهدر على ان هذه الرابطة تنتفي إذا تداخل عامل اخر يكون كافيا بذاته لاحداث النتيجة وعندئذ تقتصر مسؤولية الشخص عن سلوكه اذا كان القانون يجرمه مستقلا عن النتيجة)).

يظهر اتجاه هذه المادة في قول المشرع ((وتقوم رابطة السببية متى كان من المحتمل طبقا لما تجري عليه الامور في الحياة عادة ان يكون سلوك الجاني سببا في وقوع الجريمة)) وهذا هو جوهر نظرية السبب الكافي او الملائم([18] ).

كما ويدخل الركن المعنوي وعناصره ضمن مكونات النموذج القانوني للجريمة فيعرف بانه الاصول النفسية لارتكاب الجريمة اذ لا يسأل شخص عن جريمة ما لم تقم علاقة بين مادياتها ونفسيته فهذا الركن هو السبيل في تحديد المسؤول عن الجريمة ولهذا الركن صورتين الاولى القصد الجرمي (mens rea)([19]) وقد عرفته المادة (33/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ بقولها (القصد الجرمي) (( هو توجيه الفاعل ارادته الى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا الى نتيجة الجريمة التي وقعت او أي نتيجة جرمية اخرى)).. كما عرفه المشرع اليمني في المادة (9) من قانون الجرائم والعقوبات النافذ بقوله ((يتوافر القصد الجرمي اذا ارتكب الجاني الفعل بارادته وعلمه وبنية احداث النتيجة المعاقب عليها ولا عبرة في توافر القصد بالدافع الى ارتكاب الجريمة او الغرض منها الا اذا نص القانون على خلاف ذلك ويتحقق القصد كذلك اذا توقع الجاني نتيجة اجرامية لفعله فاقدم عليه قابلا حدوث هذه النتيجة)).

اما الصورة الاخرى للركن المعنوي فتتحقق بصورة الخطأ فنصت المادة (35) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((تكون الجريمة غير عمدية اذا وقعت النتيجة الاجرامية بسبب خطأ الفاعل سواء كان هذا الخطأ اهمالا او رعونة او عدم انتباه او عدم احتياط او عدم مراعاة القوانين والانظمة والاوامر)) كما نص على ذلك قانون الجرائم والعقوبات اليمني في المادة (10) منه بقوله ((يكون الخطأ غير العمدي متوافراً اذا تصرف الجاني عند ارتكاب الفعل على نحو لا ياتيه الشخص العادي اذا وجد في ظروفه بان اتصف فعله بالرعونة او التفريط او الاهمال او عدم مراعاة القوانين واللوائح والقرارات. ويعد الجاني متصرفا على هذا النحو اذا لم يتوقع عند ارتكاب الفعل النتيجة التي كان في استطاعة الشخص العادي ان يتوقعها او توقعها وحسب ان في الامكان اجتنابها)).

ويدخل ضمن النموذج القانوني للجريمة ما يضعه المشرع من اوصاف خاصة بالجاني كصفة الموظف في جريمة الرشوة مثلا.

فمن خلال ملاحظة اركان الجريمة وتلك الاوصاف الخاصة بالجاني يمكن تحديد النموذج القانوني للجريمة الذي يعد من الشروط الاولى لتحقيق صحة التكييف.

2- فحص الواقعة المرتكبة:

تعد الجريمة واقعة انسانية اذ ترجع الى سلوك الفرد الذي يتنافى مع القيم الاجتماعية السائدة في المجتمع فالجريمة هي كل فعل يتعارض مع ما هو نافع للجماعة وهي انتهاك لقاعدة من قواعد السلوك([20] ).

والجريمة بهذا الاعتبار ترتكب تحت تاثير عوامل متعددة منها الداخلي كالوراثة والجنس والسن ومنها عوامل خارجية كالبيئة العائلية وبيئة العمل والصداقة([21] )ولا بد للقاضي ان يتفحص عناصر تلك الواقعة الانسانية والمتمثلة في الفعل الذي قام به الجاني والنتيجة التي ترتبت عليه وما هو الباعث الذي دفعه الى ارتكاب هذا الفعل وهل كان قاصدا ارتكابه ام لا كل تلك العناصر المكونة للواقعة الانسانية يجب ان تراعى في عملية التكييف، فالجريمة كحقيقة واقعية سلوك ليس من شان الرجل العادي ان يتخذه لو وجد في الظرف ذاته ([22]) .

3- حدوث التماثل بين مكونات النموذج القانوني للجريمة مع العناصر المكونة للواقعة: ذهب اتجاه الى ان حدوث التماثل يتحقق بالنظر اولاً الى الواقعة والعناصر المكونة لها ثم النظر الى القانون وملاحظة العناصر المكونة له ثم تطبق الواقعة على القانون([23] ).

ويبدو ان عملية التماثل ما هي الا معادلة حسابية منطقية الطرف الاول فيها النموذج القانوني للجريمة والطرف الاخر فيها العناصر المكونة للواقعة فالواجب اولاً ان تستحضر العناصر المكونة للنص ثم تستحضر العناصر المكونة للواقعة فاذا حدث التطبيق بين طرفي المعادلة تحققت صحة التكييف والا لن نكون امام تكييف دقيق والسبب الذي يوجب استحضار النص يرجع الى سببين اثنين الاول ان عناصر النموذج القانوني للجريمة محددة بالنص في حين انه لا يمكن حصر العناصر المكونة للواقعة بصورة تامة والسبب الاخر ان الواقعة لا تعد جريمة ولا يمكن ان يعتد بها الا بعد تجريمها من قبل المشرع.

 

المطلب الثاني: وسائل اعمال التكييف

لغرض تحقيق التماثل بين عناصر النموذج القانوني للجريمة وبين عناصر الواقعة المتركبة كان لا بد من ان يعتمد القاضي الجنائي([24])على عنصرين اثنين:

اولا: مُكنة التفسير:

ان ما لا شك فيه ان الانسان قاصر عن ان يلم بما سوف يحدث في المستقبل من احداث وهو بهذا الامر لا يستطيع ان يضع نصوصا قانونية تحكم جميع المسائل وتحتوي جميع الوقائع التي تحدث في المستقبل فإذا كان عقل الانسان قاصر كان القانون غير كامل لان الاخير من وضع الاول ولهذا السبب يجب ان يمنح القاضي مكنة التفسير. فما هو التفسير؟ وما هي ذاتية التفسير في التجريم والعقاب؟ وهل للقياس دور في ذلك؟ فكل هذه الاسئلة تعكس اثر مبدأ شرعية التجريم والعقاب على سلطة القاضي في تحديد الجريمة.

1- معنى التفسير: التفسير هو (تحديد المعنى الذي يقصده الشارع من الفاظ النص لجعله صالحا للتطبيق على وقائع الحياة)([25] ).

كما عُرف بانه (عملية عقلية علمية يراد بها الكشف عن المصلحة التي تهدف اليها الارادة التشريعية للحكم في الحالات الواقعية فهو يتضمن جميع العمليات التي يقتضيها تطبيق القانون على واقع الحياة)([26] ).

كما عرفه البعض الاخر بانه (نشاط عقلي يستخدم فيه المفسر قواعد اللغة والمنطق لتحديد المصلحة التي شرع النص الجنائي لحمايتها للوقوف على ما اذا كانت الالفاظ تتطابق مع المصلحة التي تمثلها الحالة المعروضة على القاضي من عدمه)([27] ).

والتفسير باعتبار الجهة التي تقوم به انواع ثلاثة فاذا كانت الجهة التي تتولى التفسير هي السلطة التشريعية سمي التفسير تشريعا واذا كان التفسير من جهة قضائية سمي تفسيرا قضائيا، ويسمى تفسيرا فقهيا اذا قام به الفقه كما يتنوع التفسير باعتبار اسلوبه فهو اما تفسير لغوي بالاستناد الى الفاظ النص واما تفسير منطقي بالاستناد الى غاية وروح التشريع([28]).

2- ذاتية التفسير:

على الرغم من اتفاق الفقه الجنائي على منح القاضي الجنائي مكنة التفسير الا انهم اختلفوا في مدى هذه المكنة فذهب البعض منهم الى ان تفسير قانون العقوبات يجب ان يكون ضيقا طبقا لما يقرره مبدأ الشرعية لان التوسع في تفسير نصوص التجريم والعقاب يؤدي الى استحداث جرائم وعقوبات لم يرد بشأنها نص، كما ذهب اخرون في وجوب ان يكون التفسير ضيقا في نصوص التجريم والعقاب وواسعا في النصوص المقررة لمصلحة المتهم على اعتبار ان التوسع ليس من شأنه استحداث جرائم او عقوبات ومن ثم لا يُمس مبدأ شرعية التجريم والعقاب([29] ). على ان الاتجاه الحديث يربط بين عمل المفسر وقصد الشارع من الفاظ النص (فان اقتنع بان ما يقول به (المفسر) يطابق ذلك القصد فلا اهمية بعد ذلك لكون هذا التفسير قد جاء ضيقا او واسعا اذ كل القيمة القانونية للنص منحصرة في كونه تعبيرا عن قصد الشارع فما طابق هذا القصد هو التفسير الصحيح للنص)([30] ).

ومن هنا يبرز اثر مبدأ شرعية التجريم والعقاب على مكنة القاضي في التفسير وبالتالي سلطته في تحديد الجريمة.

3- دور القياس في التجريم والعقاب:

يعني القياس (اعطاء حكم حالة منصوص عليها لحالة غير منصوص عليها لتشابه الحالتين في العلة)([31]) .

وبتأثير مبدأ شرعية التجريم والعقاب فان الراي الراجح يحضر استعمال القياس في اعمال نصوص التجريم والعقاب اذ لا يمكن ان يعتبر الفعل جريمة قياسا على فعل اخر قد جرمه القانون طالما ان الفعل الاول لم يتقرر في القانون انه جريمة، ولا يهم بعد ذلك مدى خطورة هذا الفعل ومدى جسامة تهديده لمصلحة اجتماعية([32] ).

ثانيا: استعمال الادلة:

التكييف عملية عقلية لا بد للقاضي فيها ان يستند على ادلة تمكنه اولا من معرفة عناصر النموذج القانوني للجريمة والعناصر المكونة للواقعة، كما تمكنه من تحديد التطابق والتماثل بينهما ويعتمد القاضي على نوعين من الادلة عقلية([33])وتقوم هذه الادلة على مبدأ القناعة القضائية الذي يعني بنوع (من اليقين الخاص بالعمل القضائي الجنائي بوجه عام وتقدير الادلة بوجه خاص فهي ليست مجرد رأي او اعتقاد او بين الاعتقاد واليقين فخصائصها المميزة لا تعرف هذا التدرج في مراحل التقسيم للادلة، فهي واحدة في ثباتها لتقدير قيمة الدليل لانها تقوم على اسس عقلية منطقية رصينة في تحديد النتائج من مقدماتها([34])كتقدير قيمة الشهادة.

غير ان مبدأ القناعة السابق ليس مطلقا اذ يقيد بضوابط قانونية لضمان التطبيق السليم للقانون ولهذا فان هناك نوع اخر من الادلة النقلية التي تجاور الادلة العقلية وتعرف بموجب نص قانوني فيخضع لها القاضي ويلزم بها اذ يقوم المشرع بتنظيم القناعة واليقين القضائي طبقا لقواعد قانونية ينص عليها بهذا الشأن وذلك اما بتحديد دليلا معينا او يستلزم شروطاً للدليل القابل لاثبات الادانة وبهذا فان المشرع هو الذي يحدد حجية الادلة النقلية ويحدد القيمة المقنعة لها على وفق معايير خاصة به([35])، ومثالا في القانون العراقي الشهادة الواحدة لا يمكن ان تكون اساسا للحكم على وفق ما قررته المادة (213) من قانون اصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ.

المطلب الثالث: نتائج تحقق التكييف

تبين بان معنى التكييف هو تحديد النموذج القانوني للجريمة وفحص الواقعة المرتكبة وحدوث التماثل بينهما ووصف الواقعة المرتكبة بعد ذلك بالوصف المحدد في القانون وعلى هذا فان نتائج تحقق التكييف تتمثل بالاتي: -

اولا: اعتبار الواقعة المرتكبة جريمة:

فعند تحقق التماثل بين النموذج القانوني للجريمة وبين الواقعة المرتكبة باستعمال الادلة العقلية والنقلية تسمى الواقعة المرتكبة (جريمة) ولكن وان كان هذا هو الاصل فان التطابق بين الواقعة والنموذج القانوني للجريمة قد لا يطلق عليه وصف الجريمة استثناءً من هذا الاصل وهذا يتحقق في ما اذا توافر سبب من اسباب الاباحة([36] )فالفعل والامتناع لا يكون جرما الا اذا عجز الفاعل عن تبريره باحد الاسباب التي تجيزه وتبيحه واذا استطاع تبريرها بسبب قانوني فانها تكون مباحة وتزول عنها صفة الجريمة (فاسباب الاباحة هي الاسباب والحالات  التي من شأنها ازالة الصفة للجريمة عن الفعل الذي تقترن به وتخرجه من نطاق الجرائم المعاقب عليها الى مصاف الاباحة([37] ). فهي تجعل العنصر القانوني في الجريمة منتفيا.

هذا وقد عالج المشرع العراقي اسباب الاباحة في الفصل الرابع من الباب الثالث الخاص بالجريمة في المواد من (39-46) من قانون العقوبات العراقي النافذ وحددها وفق الترتيب الاتي:

1- اداء الواجب: حيث اشتملت عليه المواد من (39) و (40).

2- استعمال الحق: حيث اشتملت عليه المادة (41).

3- حق الدفاع الشرعي: حيث اشتملت عليه المواد من (42-46).

اما المشرع اليمني فقد جاء في الفصل الرابع من الباب الثالث الخاص بـ (الاسباب التي تستبعد صفة الجريمة) وحددها بالاتي:

1- اسباب الاباحة: حيث نص في المادة (26) من قانون الجرائم والعقوبات على استعمال الحق واداء الواجب وفي المادة (27 )،(28)،(29) على الدفاع الشرعي كسبب من اسباب الاباحة.

2- مسؤولية الصغير ومن في حكمه: عد المشرع اليمني صغر السن والعيب العقلي من الاسباب التي تستبعد صفة الجريمة.

الا انه لم يستعمل عبارة (لا جريمة) عند النص على ذلك وانما استعمل عبارة (لا يسأل جزائياً .....) وذلك في المادة (31) و (33) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ مما يعني ان المشرع اليمني عدها موانع للمسؤولية وليست اسباب للاباحة وهنا يتضح التناقض الذي وقع فيه المشرع اليمني عند معالجته لاسباب الاباحة فمرة يعدها مما ينفي الجريمة ومرة يعدها مانعا للمسؤولية.

3- ما يستبعد الركن المادي وما ينفي الخطأ: حيث نص المشرع اليمني في قانون الجرائم والعقوبات النافذ على اعتباره الاكراه المادي والقوة القاهرة من اسباب الاباحة التي تنفي عن الفعل صفة الجريمة اذ نصت المادة (35) منه ((لا يرتكب جريمة من وقع منه الفعل المكون لها تحت ضغط اكراه مادي يستحيل عليه مقاومته او بسبب قوة قاهرة... ويستثنى من ذلك القتل وتعذيب الانسان فلا ترفع المسوؤلية فيهما عن المكره ومن اكرهه)). كما ان المشرع اليمني وفي القانون ذاته عد حالة الضرورة والاكراه المعنوي موانع للمسؤولية على وفق ما نصت عليه المادة (36) منه (( لا مسؤولية على من ارتكب فعلا الجأت اليه ضرورة وقاية نفسه او غيره او ماله او مال غيره من خطر جسيم محدق لم يتسبب هو فيه عمدا ولم يكن في قدرته منعه بوسيلة اخرى ويشترط ان يكون الفعل متناسبا مع الخطر المراد اتقائه ولا يعتبر في حالة ضرورة من اوجب عليه القانون مواجهة ذلك الخطر)).

من هنا يتضح مدى خطأ مسلك المشرع اليمني في معالجته لاسباب الاباحة والخلط بينهما وبين موانع المسؤولية.

ففي الوقت الذي يُعد فيه كل من صغر السن والاكراه المادي والمعنوي من موانع المسؤولية الجزائية في قانون العقوبات العراقي النافذ على وفق ما قررته المواد (60)،(61)،(62)،(64)،(65)، نجد ان المشرع اليمني قد اعتبر الاكراه المادي سبب من اسباب الاباحة.

ثانيا: تحديد وصف قانوني للجريمة:

ويعني الوصف القانوني للجريمة (المادة القانونية المنطبقة على الواقعة المعدة جريمة)([38] ). فالتشريع العقابي يحتوي على مواد قانونية عديدة تضمنت تجريم الافعال والمعاقبة عليها وهنا يترتب على تحقيق التكييف تسمية الجريمة بإسم معين وتحديد النص القانوني الواجب التطبيق ويظهر اثر تحقق التكييف بالنسبة لتحديد الوصف القانوني للجريمة في اختلاف اركان الجرائم فلكل جريمة نموذجها الخاص الذي تتميز به عن غيرها من الجرائم فالقاضي يستطيع ان يحدد النموذج القانوني للجريمة وبالتالي إعمال التكييف بالاستناد الى نصا قانونيا معين([39])فالنموذج القانوني لجريمة الضرب المفضي الى موت يختلف عن النموذج القانوني لجريمة القتل العمد.

فالركن المعنوي لجريمة الضرب المفضي الى موت هو قصد المساس بجسم المجني عليه دون قصد ازهاق روحه بينما هو في جريمة القتل العمد قصد ازهاق الروح([40]). وهنا على القاضي ان يحدد الوصف القانوني للواقعة المرتكبة امامه هل هي من نوع الجريمة الاولى ام الثانية ويتحقق ذلك عن طريق عملية التكييف.

غير ان القاضي قد يجد ان هناك اكثر من نص قد ينطبق على الواقعة المعروضة امامه او ان هناك اكثر من فعل داخل هذه الواقعة يشكل جريمة مستقلة فما هو حكم هذه الحالة؟

تعرف هذه الحالة بالتعدد ... الذي يعني (حالة ارتكاب الشخص لعدة جرائم قائمة سواء بفعل واحد ام بافعال متعددة لا توجد بينها ارادة الشارع وقبل ان يصدر عليه حكم بات عن واحدة منها)([41]).

وللوقوف على الوصف الذي يجب ان يعتمده القاضي للواقعة المعروضة امامه كان لا بد من التمييز بين نوعين من التعدد اذ يظهر من خلال التعريف السابق للتعدد ان هناك نوعان من التعدد هما:

1- التعدد المعنوي للجرائم: ويقصد بالتعدد المعنوي او الصوري للجرائم (ان يرتكب الجاني فعلا ماديا واحدا ينطبق عليه اكثر من نص من نصوص قانون العقوبات سواء ترتب على ذلك الفعل نتيجة واحدة ام اكثر مختلفة ام متماثلة)([42] )وقد نص على هذا النوع من التعدد المشرع العراقي في المادة (141) من قانون العقوبات العراقي النافذ بقوله ((اذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها اشد والحكم بالعقوبة المقررة لها واذا كانت العقوبات متماثلة حكم باحدها)).

اما المشرع اليمني فلم يورد نصا كالنص العراقي غير انه لو حدث ان فعلا للجاني قد اكتسب اكثر من وصف قانوني كالاعتداء على امرأة حامل بالضرب فيؤدي ذلك الى اجهاضها فالفعل الواحد هنا قد شكل جريمة اجهاض محكومة بالمادة (239) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ المتعلقة بالاجهاض بغير رضى والتي نصت على ان ((كل من اجهض عمداً امرأة دون رضاها يعاقب بدية الجنين غرة هي نصف عشر الدية اذا اسقط جنينها متخلقا او مات في بطنها)) كما انه يشكل جريمة ايذاء عمدي وفق المادة (244) من قانون الجرائم والعقوبات التي نصت ((يعاقب بالارش والحبس مدة لا تزيد على سنة او الارش والغرامة من اعتداء على سلامة جسم غيره باي وسيلة ....)).

وباعتبار هذا التعدد المعنوي فان القاضي يستطيع ان يطبق نص المادة  (116) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني التي نصت على ان ((اذا تعددت عقوبات الدية والارش والغرامة تنفذ جميعها)) أي لا يمكن للقاضي ان يعتمد على تنفيذ العقوبة الاشد لان العقوبة المحددة لكل من الجريمتين هي من عقوبات الدية والارش اما اذا حدث التعدد المعنوي في جرائم القصاص فيطبق القاضي العقوبة الاشد وفقا لما قضت به المادة  (110) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني، واذا تعددت جرائم الحدود فانه يطبق نص المادة (111) منه بان يقدم الاشد منها على غيره.

2- التعدد المادي: ويسمى بالتعدد الحقيقي ويعني (ان يرتكب الفاعل عدة جرائم مستقلة في اوقات مختلفة معاقب عليها وتسند جميعها الى للفاعل نفسه وهذه الجرائم قد تقوم بينها رابطة ما وقد لا تقوم بينها أي رابطة او علاقة)([43] ).

وقد عرف المشرع العراقي هذا النوع من التعدد في المادة (142) والمادة (143) من قانون العقوبات العراقي النافذ فخص المادة (142) بالنص على ((اذا وقعت عدة جرائم ناتجة عن افعال متعددة ولكنها مرتبطة ببعضها ارتباطا لا يقبل التجزئة ويجمع بينهما وحدة الغرض وجب الحكم بالعقوبة المقررة لكل جريمة والامر بتنفيذ العقوبة الاشد دون سواها....)) ونص في المادة (143/أ) ((اذا ارتكب شخص عدة جرائم ليست مرتبطة ببعضها ولا تجمع بينها وحدة الغرض قبل الحكم عليه من اجل واحدة منها حكم عليه بالعقوبة المقررة لكل منها ونفذت جميع العقوبات عليه بالتعاقب ....)).

اما المشرع اليمني فقد نص في المادة (115) من قانون الجرائم والعقوبات على هذا النوع من التعدد فقد نصت ((بغير اخلال بالاحكام السابقة اذا ارتكب شخص جريمتين تعزيريتين او اكثر ولم يكن قد حكم عليه لاحدها بحكم بات وجب ان يعين الحكم عقوبة واحدة لجميع الجرائم هي المقررة لاشدها وهذه هي التي ينطق بها وتنفذ دون غيرها....)).

ومن خلال استقراء نص المشرع العراقي والمشرع اليمني يتبين ان المشرع اليمني لم يميز عند معالجته للتعدد الحقيقي بين وجود ارتباط او وحدة غرض تجمع بين الافعال المرتكبة من قبل الفاعل على عكس ما ذهب اليه المشرع العراقي. كما ان المشرع اليمني ضيق نطاق تطبيق هذا النوع من التعدد على جرائم التعزير فقط دون غيرها من الجرائم.

هذا حكم تعدد الاوصاف القانونية للجريمة او الجرائم المرتكبة من قبل فاعل واحد([44] ).

هذا وان الوصف القانوني للجريمة يتأثر بظروف تشديدها بوصفها من العناصر التكوينية للوصف القانوني للجريمة على ما يذهب اليه اغلب الفقه الجنائي([45])، فالظروف التي تغير من وصف الجريمة هي عناصر تدخل في تكوينها كي تحدد وصفها القانوني بين مجموعة من الجرائم تحمل اسما واحدا وتشترك في اركانها فيقتصر دور هذه الظروف على تحديد مكان الجريمة من بين مجموعة من الجرائم تحمل الاسم نفسه فالقتل العمد له اركان حددتها نص المادة (405) من قانون العقوبات العراقي النافذ مثلا فان توافر في القتل ظرف مشدد خاص كسبق الاصرار مثلا فان الوصف القانوني للجريمة سوف يتغير الى نص المادة (406) من قانون العقوبات العراقي النافذ.

(فاذا غير الظرف من وصف الجريمة كان لهذا التغيير مظهرا يدل عليه هو خضوع الجريمة مقترنة بالظرف لنص قانوني يختلف عن النص الذي كانت تخضع له وهي متجردة من هذا الظرف)([46]).

ومن هنا يتبين الدور الذي يلعبه التكييف في وصف الفعل المرتكب بـ (الجريمة) ودوره في تحديد الوصف القانوني لها.

 

المبحث الثاني: مدى سلطة القاضي في تحديد العقوبة

ان من بين اهم نتائج مبدأ شرعية التجريم والعقاب ان لا عقاب الا بموجب نص تشريعي تتباين فيه سلطة القاضي في تقدير هذا العقاب تحقيقا للملائمة بينه وبين ما في الجاني من خطورة وهذا ما يعرف بتفريد العقاب الذي يمثل السياسة العقابية المعاصرة([47]) .

اذ يعد العقاب من الضروريات اللازمة لتحقيق السيطرة الاجتماعية والمحافظة على القيم والقواعد التي تنظم سلوك الافراد داخل المجتمع وهو بهذا الاعتبار ضرورة لتحقيق الامن الاجتماعي فهو يحقق ردعا للغير مخافة ان يتعرضوا للعقاب الذي نال المجرم بما يعرف بالردع العام، كما انه يحقق ردعا خاصا يتمثل في منع المجرم من ارتكاب الجريمة مرة اخرى خوفا من العقاب، غير ان الوظيفة الحقيقية للعقاب تهدف الى اصلاح المجرمين من خلال رفع وانماء روح الجماعة لديهم وزرع مفاهيم اجتماعية داخل انفسهم. بما يحقق تماسكا اجتماعيا بين المجرم بعد اصلاحه والمجتمع الذي يعيش فيه ([48]). ولتحقيق هذه الاهداف كان لا بد من ان تكون العقوبة متناسبة مع ما يحمله الجاني من خطورة اجرامية([49] )، ويتحقق ذلك من خلال سلطة القاضي في تحديد العقاب.

فما هي هذه السلطة؟ وهل تتعارض مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب؟

المطلب الاول: مفهوم سلطة القاضي في تحديد العقوبة

لكي يتسنى بيان مفهوم هذه السلطة لا بد اولا من التطرق لتطور سلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة ثم تحديد معنى هذه السلطة على ضوء النظام المستقر حاليا:

اولا: تطور سلطة القاضي في تقدير العقوبة:

يمكن استعراض هذا التطور في ثلاثة نظم([50] )هي: -

1- نظام السلطة المطلقة: ففي المجتمعات البدائية كان لرئيس القبيلة سلطة مطلقة على افراد قبيلته فهو يحكم عليهم بما يشاء دون الالتزام باي قاعدة ثابتة، كما ان اغلب الملوك القدماء كانوا يباشرون سلطة القضاء بانفسهم او حتى بواسطة افراد من طبقة خاصة وكانوا يمارسون هذه السلطة بصورة مطلقة لا قيد فيها، غير ان هذه السلطة المطلقة التي استأثر بها القضاة فاساءوا استعمالها تعرضت للانتقادات والدعوات الى التنديد بالاستبداد القضائي وضرورة تقييد سلطة القاضي في فرض العقوبات فظهر نظام جديد هو نظام السلطة المقيدة.

2- نظام السلطة المقيدة : وفي هذا النظام فان القاضي يجرد من كل سلطة تقديرية في التجريم وفي العقاب وما على القاضي في هذا النظام الا ان يطبق نوع ومقدار العقوبة المحددة سلفا للجريمة من قبل المشرع، الا ان هذا النظام قد تعرض لانتقاد يتحدد بانه انحرف بعدالة العقاب نحو عدم مساواة بالغة وشديدة وبالتالي لم يحقق هذا النظام المساواة بين المواطنين امام القانون وبذلك فقد عرف نظام جديد هو نظام السلطة النسبية في تقدير العقوبة.

3- نظام السلطة النسبية في تقدير العقوبة: يقوم هذا النظام على التعاون بين المشرع والقاضي في مدى مساهمة كل منهما في تحديد العقاب الملائم للجاني، اما دور المشرع فيتحدد بتخصيص عقوبات متنوعة لاصناف متعددة من الجرائم وقد سبق ان بينا دور المشرع في تحديد الجريمة والعقاب لذا فسوف يقصر الكلام هنا على دور القاضي في تحديد العقاب بما يعرف بـ (التفريد القضائي). فالنظام النسبي هو النظام المعاصر لسلطة القاضي في تقدير العقاب.

ثانيا: التفريد القضائي: يعني التفريد القضائي ان (تتولى السلطة القضائية توقيع العقوبة المناسبة لتأهيل المجرم ضمن حدود المقاييس المقررة للجرائم في القانون)([51])فقد قضت المادة (109) من قانون الجرائم العقوبات اليمني النافذ ((يقدر القاضي العقوبة التعزيرية المناسبة بين الحدين الاعلى والادنى المقررين للجريمة مراعيا في ذلك كافة الظروف المخففة او المشددة وبوجه خاص درجة المسؤولية والبواعث على الجريمة وخطورة الفعل والظروف التي وقع فيها وماضي الجاني الاجرامي ومركزه الشخصي وتصرفه اللاحق على ارتكاب الجريمة وصلته بالمجني عليه وما اذا كان قد عوض المجني عليه او ورثته وعند تحديد الغرامة يراعي القاضي المركز الاقتصادي للجاني .....)) وللتفريد القضائي وسائل قانونية تتحدد بالاتي([52] ):

1- التدرج الكمي للعقوبة: ويعني تحديد المشرع حدين ادنى واعلى للعقوبات التي تقبل بطبيعتها التجزئة مثل العقوبات السالبة للحرية والغرامة فترك المشرع للقاضي سلطة تقدير مقدار العقوبة دون تجاوز حديها وللتدرج الكمي طريقتي:

أ- التدرج الكمي الثابت: ويتحقق عندما يحدد المشرع حدين ادنى واعلى ثابتين.

ب- التدرج الكمي النسبي: حيث يلزم القاضي بتدريج مقدار العقوبة بالنسبة الى قيمة الضرر المترتب على الجريمة او قيمة الفائدة التي حصل عليها المجرم منها او بالنسبة للدخل اليومي للمجرم، والغرامة هي العقوبة الوحيدة التي يمكن تطبيق هذا النظام عليها([53] ).

2- الاختيار النوعي للعقوبة([54] ): ويتحقق هذا النظام عن طريق:

أ- نظام العقوبات التخييرية اذ يترك للقاضي في هذا النظام  حرية الاختيار في الحكم على المجرم باحدى عقوبتين مختلفتين في النوع او يحكم بكليهما.

ب- نظام العقوبات البديلة: فيجوز للقاضي طبقا لهذا النظام ان يحل عقوبة من نوع معين محل عقوبة من نوع اخر مقرر اصلا لجريمة ما وذلك عند تعذر تنفيذ العقوبة الاصلية ولملائمة العقوبة البديلة لحالة المجرم الشخصية.

3- التخفيف والتشديد الاسثنائيان للعقوبة:

قد يوجه القاضي حالات وافعال تؤثر في تخفيف او تشديد العقوبة للجريمة المرتكبة يحددها المشرع او يترك تحديدها للقاضي فيجيز له عند توافر المخفف منها النزول بالعقوبة الى ما دون حدها الادنى المقرر للجريمة او احلال عقوبة اخرى من نوع اخف محلها، وهذه تعرف بالظروف المخففة او الاعذار المعفية او المخففة للعقوبة([55] ).

اما المشدد منها فيجوز للقاضي عند توافرها ان يتجاوز الحد الاعلى المقرر للعقوبة او احلال عقوبة اخرى من نوع اشد محلها وهذه تعرف بالظروف المشددة([56]).

4- ايقاف تنفيذ العقوبة([57] ): يقضي هذا النظام بمنح القاضي سلطة تعليق تنفيذ العقوبة على شرط موقوف خلال مدة تجربة يحددها القانون فاذا ما تبين للقاضي ان شخصية مرتكب الجريمة غير خطرة على امن المجتمع كان له ان يستخدم هذا النظام فيجعل العقوبة ملائمة لشخصية الجاني وبذلك يتحقق تفريد العقاب.

ومن هنا يتبين مفهوم سلطة القاضي في العقاب التي تتحدد بضرورة منح القاضي قدرا من الصلاحيات المحددة تشريعا لتحقيق تفريد العقاب بوصفه المنهج الحديث في السياسة الجنائية، ولكن هل يتعارض منح القاضي الجنائي مثل هذه السلطة مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب الذي من اهم نتائجه انه حدد سلطة القاضي بتطبيق نصوص التجريم والعقاب؟ هذا ما سوف يتم الاجابة عليه من خلال المطلب الاتي:

 

المطلب الثاني: مدى توافق سلطة القاضي التقديرية مع المبدأ

ان سلطة القاضي في تحديد العقاب ليست سلطة تحكمية تعطي للقاضي امكانية فرض عقوبات لم يرد بشأنها نص انما هي سلطة تقديرية هدفها تحقيق الملائمة بين العقوبة وشخصية الجاني (فالقانون لا يمنح القاضي قوة خلاقة بل يعتبر دروه تأكيدا لارادة المشرع اذ ليس من حقه مسايرة افكاره الخاصة في تقدير حكمه لان الحكم الجنائي لا يجوز ان يكون حقلا للافكار الشخصية)([58] ).

ومن هذا المنطلق فان سلطة القاضي الجنائي في تحديد العقاب لا تتعارض مع مبدأ الشرعية اذ يظل القاضي محددا بقيود معينة حتى عند ممارسته لسلطته التقديرية هذه ويبدو لنا ذلك من خلال الاتي:

اولا: سلب السلطة التقديرية للقاضي في تحديد العقاب في بعض الاحيان:

قد يقوم المشرع بتحديد عقوبة واحدة للجريمة المرتكبة ليس للقاضي عند توافر شروط نص التجريم ان يحكم بغير هذه العقوبة او ان ينزل بها او يرتفع بها. كما فعل المشرع العراقي في المادة (406/1) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالاعدام من قتل نفسا عمدا في احدى الحالات التالية: أ- اذا كان القتل مع سبق الاصرار والترصد)).

فبموجب هذه المادة ليس للقاضي ان يحكم بغير الاعدام عند توافر القتل عمدا مع سبق الاصرار او الترصد وبهذا فلا سلطة تقديرية له في مجال العقاب وان كان له سلطة في تكييف الواقعة المرتكبة ومثالها في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ

المادة (298) الخاصة بحد السرقة حيث نصت على ان ((كل من سرق نصاب وتوافرت في فعله شروط الحد تقطع يده اليمنى من الرسغ حداً فاذا ارتكب جريمة مماثلة بعد ذلك تقطع رجله اليسرى من الكعب فاذا ارتكب ذات الجريمة بعد ذلك يستبدل بالقطع الحبس مدة لا تجاوز خمسة عشر سنة واذا تعدد الفاعلون للسرقة اقيم الحد على كل واحد منهم بصرف النظر عما ساهم به في السرقة)).

يتبين من خلال هذا النص ان القاضي اليمني ليس له سلطة تقديرية في تحديد عقاب السارق اذا ما توافرت شروط السرقة وبهذا فان عدم منح سلطة تقديرية هو امر يتفق مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب.

ثانيا: عدم تعارض التدرج الكمي للعقوبة مع المبدأ:

فعلى الرغم من ان المشرع قد ترك للقاضي سلطة تقديرية لتحديد مقدار العقوبة في هذا النظام كما اسلفنا الا ان القاضي يظل مقيداً بالحد الاعلى او الحد الادنى الثابت بنص التجريم والعقاب ومن ثم فان القاضي لم يقض بعقوبة جديدة وانما قضى بعقوبة قد قررها المشرع سلفا وبهذا فانه لا تعارض بين السلطة الممنوحة للقاضي في حالة التدرج الكمي للعقوبة وبين مبدأ الشرعية وهذا ما ذهب اليه المشرع العراقي في المادة (407) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت على ان ((يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين او بالحبس مدة لا تقل عن سنة الأم التي تقتل طفلها حديث العهد بالولادة اتقاء للعار اذا كانت قد حملت به سفاحا)).

فالظاهر من خلال هذا النص ان القاضي له ان يحكم بالسجن عشر سنوات او بالحبس مدة لا تقل عن سنة او باي عقوبة بين هذين الحدين دون ان يكون له السلطة بالحكم مدة اقل من سنة او اكثر من عشر سنين. ويجد هذا الامر تطبيق له في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة 131 الخاصة بجرائم الاعتداء على الدستور والسلطات الدستورية حيث نصت على ان ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على عشر سنوات كل من توصل او شرع في التوصل بالعنف او التهديد او أي وسيلة اخرى غير مشروعة الى :1- الغاء او تعديل او ايقاف الدستور او بعض نصوصه. 2- تغيير او تعديل تشكيل السلطة التشريعية او التنفيذية او القضائية او منعها من مباشرة سلطتها الدستورية او الزامها باتخاذ قرار معين)) فيظهر من هذا النص ان ليس للقاضي الجنائي اليمني ان يفرض عقوبة الحبس مدة تزيد على عشر سنوات او ان يفرضها باقل من ثلاث سنوات التزاما منه بالخط التشريعي الذي حدده المشرع سلفا ضمن نص المادة (131) وبهذا فانه لا تعارض بين نظام التدرج الكمي للعقوبة وبين مبدأ الشرعية.

ثالثا: عدم تعارض نظام العقوبات التخييرية مع المبدأ:

على الرغم من ان للقاضي في هذا النظام حرية اختيار العقوبة الملائمة للمجرم الا ان القاضي لا يستطيع ان يقرر عقوبة جديدة غير تلك المحددة في النص العقابي، اذ يمكن للقاضي ان يفرض عقوبة السجن المؤبد او المؤقت على من قتل نفسا عمدا طبقا لما قررته المادة (405) من قانون العقوبات العراقي النافذ وليس للقاضي ان يقرر عقوبة اخرى غيرها كأن يفرض عقوبة الحبس مثلا كما يجد هذا الامر تطبيقه في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة (223) منه الخاصة باخفاء الفارين والتي نصت على ان  ((يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر او بالغرامة كل من اخفى بنفسه او بواسطة غيره احد الفارين من الخدمة العسكرية)) فعلى الرغم من ان القاضي اليمني مخير بين عقوبة الحبس او الغرامة وتطبق اكثرها ملائمة مع شخصية الجاني الا انه لا يستطيع فرض عقوبة اخرى غير عقوبة الحبس او الغرامة كعقوبة الجلد مثلا.

رابعا: عدم تعارض التخفيف او التشديد الاستثنائيين للعقوبة مع المبدأ:

فعلى الرغم من ان للقاضي عند توافر هذه الاسباب ان ينزل بالعقوبة الى ما دون حدها الادنى المقرر للجريمة او ان يتجاوز الحد الاعلى المقرر لها فان هذا الامر لا بد ان يكون مقيدا بحدود معينة ينص عليها القانون، كشرط عدم تجاوز ضعف الحد الاقصى للعقوبة او بشرط عدم تجاوز مدة السجن المؤقت في أي حال عن خمس وعشرين سنة على وفق ما قررته المادة (136) من قانون العقوبات العراقي النافذ التي نصت ((اذا توافر في جريمة ظرف من الظروف المشددة يجوز للمحكمة ان تحكم على الوجه الاتي: 1- اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي السجن المؤبد جاز الحكم بالاعدام. 2- اذا كانت العقوبة السجن المؤقت او الحبس جاز الحكم باكثر من الحد الاقصى للعقوبة المقررة للجريمة بشرط عدم تجاوز ضعف هذا الحد على ان لا تزيد مدة السجن المؤقت في أي حال عن خمس وعشرين سنة ومدة الحبس على عشر سنوات)). ويظهر عدم التعارض بين تشديد العقوبة او تخفيفها مع مبدأ الشرعية مما جاء في المادة (220) من قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ الخاصة بجريمة التخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الإلزامية فعلى الرغم من اعتبار القيام بالتخلف في زمن او في حالة استدعاء الاحتياط العام ظرفا مشددا يمكن للقاضي ان يعاقب المتخلف عنه بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات بدلا من الخمس سنوات الا انه لا يستطيع ان يفرض عقوبة الحبس بما زاد عن العشر سنوات كما انه لا يستطيع ان يفرض عقوبة اشد من الحبس كعقوبة الاعدام تطبيقا لما حدده المشرع من قيد على سلطة القاضي في التشديد اذ نصت هذه المادة على ان ((أ- كل يمني ارتكب جريمة التخلف عن اداء خدمة الدفاع الوطني الالزامية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات. ب- اذا كان التخلف في زمن او في حالة استدعاء الاحتياط العام يعاقب المتخلف بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات)).

كما يظهر عدم تعارض تخفيف العقوبة في قانون الجرائم والعقوبات اليمني النافذ في المادة (109) التي نصت على ان (( ..... اذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هي الاعدام واقترنت بظرف مخفف طبق القاضي عقوبة الحبس بحد اعلى يتجاوز خمس عشرة سنة وبحد ادنى لا يقل عن خمس سنوات)).

فعلى الرغم من ان القاضي له سلطة في التخفيف بموجب هذه المادة الا ان هذا التخفيف قد قيده المشرع بحدين اعلى وادنى لا يستطيع القاضي تجاوزهما وهذا ينسجم مع مقتضيات مبدأ الشرعية.

خامسا: عدم تعارض ايقاف تنفيذ العقوبة مع المبدأ :

اذ يمنح هذا النظام للقاضي سلطة تعليق تنفيذ العقوبة على شروط معينة يجب على الجاني ان يلتزم بها ومن هذا المنطلق فان هذا النظام لا يتعارض مع مبدأ شرعية التجريم والعقاب لان القاضي ملزم بالشروط المحددة سلفا في التشريع ولا يستطيع ان يحيد عن تطبيقها اذ نصت المادة (144) من قانون العقوبات العراقي النافذ على ان ((للمحكمة عند الحكم في جناية او جنحة بالحبس مدة لا تزيد على سنة ان تأمر في الحكم نفسه بايقاف تنفيذ العقوبة اذا لم يكن قد سبق الحكم على المحكوم عليه عن جريمة عمدية ورأت من اخلاقه وماضيه وسنة وظروف جريمته ما يبعث على الاعتقاد بانه لن يعود الى ارتكاب جريمة جديدة .....)) كما نص في المادة (145) من القانون ذاته على ان ((للمحكمة عند الامر بايقاف التنفيذ ان تلزم المحكوم عليه بان يتعهد بحسن السلوك خلال مدة ايقاف التنفيذ ....)) كما قررت في المادة (146) على ان ((تكون مدة ايقاف التنفيذ ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم)).

ومن خلال استقراء النصوص السابقة يتبين جملة القيود التي وضعها المشرع العراقي لتحقيق ايقاف تنفيذ العقوبة فإذا ما اراد القاضي ان يميل الى تطبيق هذا النظام فعليه ان يتبع ويلتزم بتلك القيود. هذا وقد عرف قانون الجرائم  والعقوبات اليمني النافذ نظام وقف التنفيذ بموجب المادة (118) منه والتي نصت على ان ((للقاضي عند الحكم بالغرامة او الحبس مدة لا تزيد على سنة ان يامر  بوقف تنفيذ العقوبة اذا تبين من فحص شخصية المحكوم عليه وظروف جريمته ما يبعث على الاعتقاد بانه ليس يعود الى ارتكاب جريمة اخرى... ويكون وقف تنفيذ العقوبة لمدة سنتين من تاريخ الحكم النهائي واذا انقضت هذه المدة دون ان يتوافر سبب من اسباب الغاء وقف التنفيذ اعتبر الحكم كان لم يكن))([59] ).

ومن خلال كل ما سبق يظهر ان مبدأ شرعية التجريم والعقاب قد اثر وبشكل واضح على دور القاضي سواء في التجريم او في العقاب، فاما دوره في التجريم فانحصر في تكييف الواقعة المرتكبة بانها جريمة ووصف هذه الجريمة بوصف قانوني معين ولم يكن له أي دور في ايجاد نصوص التجريم فضلت هذه الاخيرة من اختصاص المشرع.

وقد اثر ايضا مبدأ الشرعية على سلطة القاضي في تحديد العقاب فظهر ان القاضي مطبق للنص مع امكانية ان تكون له سلطة تقديرية تنسجم ومبدأ الشرعية اذ لا يستطيع هذا القاضي ان يفرض عقوبة لم يرد بشانها نص ولا ان يتنازل عقوبة بغير الطريقة المحددة من قبل المشرع.

 


([1] ) دكتورة. آمال عبد الرحيم عثمان، المرجع السابق، ص3. ويؤيد هذا الاتجاه قرار محكمة تمييز العراق في الاضبارة المرقمة 254/هيأة عامة/99 والمؤرخ في 31/5/2000 بقولها (( ..... ولدى عطف النظر على اوراق الدعوى وجد ان المتهم المذكور كان قد ذكر في كافة ادوار التحقيق والمحاكمة انه متخلف من الخدمة العسكرية وان المحكمة لم تسأل دائرة تجنيده عن موقف المتهم من الخدمة العسكرية وهل انه متخلف منها حسبما ادعى ام انه هارب منها وحيث ان هذا الامر له علاقة بالتكييف القانوني للجريمة وبالعقوبة المقررة لها مما اخل ذلك بصحة القرارات الصادرة في الدعوى وعليه واستنادا للمادة (259/أ-/7) من قانون اصول المحاكمات الجزائية قرر نقض القرارات المذكورة واعادة الاوراق الى محكمتها لاجراء المحاكمة مجددا بحق المتهم المذكور وفق ما تقدم واصدار الحكم القانوني فيها....).

وتتلخص وقائع هذه الدعوى ان محكمة جنايات صلاح الدين قررت بتاريخ 8/6/1999 تجريم المتهم (ك.ع) وفق احكام قراري مجلس قيادة الثورة المرقمين 59 و 114 لسنة 1994 وبدلالة المواد 47 و 48 و 49 من قانون العقوبات لسرقته سيارة المشتكي (أ.د) اثناء ايقافها في الشارع العام بالاشتراك مع متهم آخر مفرقة اوراقه وحكمت عليه بالاعدام شنقا حتى الموت واحتساب مدة موقوفيته. قرار لمحكمة تمييز العراق برقم 254/هيأة عامة/1999 بتاريخ 31/5/2000 (غير منشور).

([2] ) د. فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية المخففة للعقوبة، دراسة مقارنة، جامعة بغداد، 1979، ص221.

([3] ) د. محمد زكي ابو عامر، شائبة الخطأ في الحكم الجنائي، مركز الاسكندرية للجمع والتصوير، بدون سنة طبع، ص287-288.

([4] ) د. رؤوف عبيد، المشكلات العملية الهامة في الاجراءات الجنائية، ج1، ط2، دار الفكر العربي، القاهرة، 1972، ص21.

([5] ) د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، دراسة تأصيلية مقارنة للركن الممعنوي، الجرائم العمدية، دار النهضة العربية 1978، ص116- 117.

([6] ) هدى سالم محمد الاطرقجي، التكييف القانوني للجرائم في قانون العقوبات العراقي، دراسة مقارنة، اطروحة دكتوراه، جامعة الموصل، 2000، ص32.

([7] ) باسم عبد الزمان الربيعي، المرجع السابق، ص150.

([8] ) د. عبد العظيم مرسي وزير، الشروط المفترضة في الجريمة، دراسة تحليلية تاصيلية، دار النهضة العربية، 1983، ص47.

([9] ) د. آمال عبد الرحيم عثمان، المرجع السابق، ص3-4.

([10] ) د. عبد العظيم مرسي وزير، المرجع السابق، ص46-47.

([11] ) يرى جانب من الفقه ان النموذج القانوني للجريمة يتكون من الشروط المفترضة في الجريمة وركنيها المادي والمعنوي وعناصرهما كما انه يضم كذلك الظروف المشددة التي تغير من وصف الجريمة.

اتجاه ذكره باسم عبد الزمان الربيعي، المرجع السابق، ص87.

([12] ) Cross and Jones, cases on criminal law, 5th ed., London, 1973, p. 1.

([13] Cross and Jones, Introduction to Criminal law, 8th ed., London, Butterworth, 1976, p. 27.

([14] ) للمزيد حول النتيجة الاجرامية ينظر، محروس نصار الهيتي، النتيجة الجرمية في قانون العقوبات رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1989.

([15] ) للمزيد حول هذه الرابطة وما قيل بصددها من نظريات ينظر د.رؤوف عبيد، السببية في القانون الجنائي دراسة تحليلية مقارنة، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1959.

([16] ) د. ضاري خليل محمود، المرجع السابق، ص70.

([17] ) ينظر للتوسع في اتجاه المشرع العراقي وما قيل حول النظريات/ مجيد خضر السبعاوي، الرابطة السببية في القانون الجنائي، دراسة تحليلية تطبيقية مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1999.

([18] ) د. علي حسن الشرفي، المرجع السابق، ص265-266.

([19] ) Cross and Jones, Introduction to Criminal Law,op. cit. P. 30.

([20] ) د. عوض محمد والدكتور محمد زكي ابو عامر، مبادئ علم الاجرام والعقاب، الدار الجامعية، 1989، ص41.

([21] ) للمزيد حول عوامل السلوك الاجرامي ينظر، د. محمد شلال حبيب، اصول علم الاجرام، مطابع دار الحكمة، ط2، 1986، ص161 وما بعدها.

([22] ) د. رمسيس بهنام، نظرية التجريم في القانون الجنائي، منشأة المعارف بالاسكندرية، 1977، ص3.

([23] ) هدى سالم محمد الاطرقجي، المرجع السابق، ص32.

([24] ) نفترض في القاضي الجنائي مطبق النص توافر جميع شروط القاضي المحايد المتخصص والمستقل. ينظر للتوسع في هذه الشروط وما توفره من نتائج مهمة، د. نجيب احمد عبد الله، استقلال القضاء في القانون اليمني، دراسة مقارنة، جامعة صنعاء، 1999، ص35-38.

([25] ) د. محمود نجيب حسني، المرجع السابق، ص86.

([26] ) الاستاذ عبد الباقي البكري والمدرس زهير البشير، المرجع السابق، ص118.

([27] ) د. رفاعي سعيد سعد، تفسير النصوص الجنائية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، 1995، ص15.

([28] ) للمزيد حول معنى التفسير وانواعه وضوابطه ينظر،د. ابو اليزيد علي المتيت، تفسير القاعدة الجنائية،بحث منشور في مجلة ادارة قضايا الحكومة،العدد الثاني،ابريل يونية،السنة 14،1970،ص390 وما بعدها،ود. صالح محسوب، التفسير والقياس،في التشريعات العقابية الحديثة شركة التجارة والطباعة المحدودة،بغداد،1953، ص69-87.

([29] ) اراء ذكرها د. احمد فتحي سرور، الوسيط، المرجع السابق، ص67، و د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، المرجع السابق، ص91.

([30] ) د. محمود نجيب حسني، شرح قانون العقوبات، المرجع السابق، ص92.

([31] ) د. علي حسين الخلف، الوسيط، المرجع السابق، ص77، هامش 8.

([32] ) د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات المرجع السابق، ص53، و د. علي حسين الخلف، المرجع السابق، ص77، و د. ضاري خليل محمود، المرجع السابق، ص24.

([33] )يؤيد هذا الاتجاه ما ذهبت اليه محكمة تمييز العراق بقرارها المرقم 239 والمؤرخ في 31/1/2000 بقولها (( ..... فان ما تحصل ضد المتهم من ادلة كافية ومقنعة لتجريمه والحكم عليه وفق المادة 406/1- ح من قانون العقوبات وبدلالة المواد 47و48و49 منه.....)). حيث تتلخص وقائع هذه الدعوى ان المحكمة الجنايات اصدرت قرار بالغاء التهمة الموحهة الى المتهم (أ.ص) والافراج عنه لعدم كفاية الادلة ضده عن واقعة جريمة قتل المجني عليه (ح.ع) بعد ان سرق مبلغا من المال ولعدم قناعة الهيأة العامة في محكمة التمييز بقرار محكمة الجنايات قررت نقضه للاسباب الواردة في القرار اعلاه. قرار محكمة تمييز العراق المرقم 239/هيأة عامة/ 99 المؤرخ في 31/1/2000 (غير منشور).

كما يتاكد هذا الاتجاه بقرار محكمة تمييز العراق المرقم 260/هيأة عامة/98 في 12/7/1999 بقولها (( ..... بما ان المتهم انكر الجريمة تحقيقا ومحاكمة والمشتكي وزوجته والشاهد قضيتهم انفي الذكر والذين تراجعوا عنها

عند تدوين شهاداتهم ضده وحيث ان الجريمة عقوبتها الاعدام ولعدم كفاية الادلة ضد المتهم قرر نقض كافة القرارات التي اصدرتها محكمة الجنايات والغاء التهمة المسندة الى المتهم المذكور والافراج عنه واطلاق سراحه من السجن حالا عن هذه الدعوى ...)) وتتلخص وقائع هذه الدعوى بان محكمة جنيات نينوى جرمت المتهم (ش) وفق احكام المادة 440/1-2-3-4 عقوبات المعدلة بالقرار المرقم 114 لسنة 1994 لقيامه بالاشتراك مع متهمين اخرين مفرقة قضيتهم بسرقة دار المشتكي(ع) وحكمت عليه استدلالا بالقرار 86 لسنة 94 بالاعدام شنقا حتى الموت وبعد تمييز القرار صدر القرار التمييزي اعلاه المنشور بالموسوعة العدلية، مكتبة شركة التامين الوطنية، العدد 82 لسنة 2001 ،ص8-9.

([34] ) د. فاضل زيدان محمد، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الادلة، دراسة مقارنة، رسالة دكتوراه، جامعة بغداد، 1987ن ص144.

([35] ) د. فاضل زيدان محمد، المرجع السابق، ص80.

([36] ) د. آمال عبد الرحيم عثمان، المرجع السابق، ص288.

([37] ) د. عباس الحسني، شرح قانون العقوبات العراقي الجديد، القسم العام، مطبعة الازهر، بغداد، 1969-1970، ص105.

([38] ) الاستاذ عبد الامير العكيلي والدكتور سليم حربة، المرجع السابق، ج1، ص164.

([39] ) ويؤيد هذا الاتجاه ما ذهبت اليه محكمة تمييز العراق بقرارها المرقم 251/هيأة عامة/99 والمؤرخ في 31/5/2000 بقولها (( ..... كما قررت نقض قراري الادانة والعقوبة الصادرين بحق المتهم (ع،أ) لغرض ادانته وفق المادة (421) عقوبات لان الثابت من ادلة الدعوى تحقيقا ومحاكمة ان دوره اقتصر على استدراج المجني عليه الى المكان المتفق عليه لغرض تاديبه من قبل بقية المتهمين ولم يثبت اتفاقه معهم على قتله ولان كل منهم يسأل عن قصده في الجريمة .....)) حيث تتلخص وقائع هذه الدعوى بان محكمة جنايات الكرخ قد قررت بتاريخ 11/11/98 ادانة المتهمين (أ.م) و (ع.ر) و (ع،أ) وفق احكام المادة 406/1-أ/47 و 48 و 49 من قانون العقوبات لقتلهم المجني عليه (أ.أ) وحكمت على كل واحد منهم بالسجن المؤبد استدلالا بالمادة (132/1) عقوبات ولدى تدقيق الدعوى تمييزا فقد قررت محكمة التمييز تغيير الوصف القانوني لفعل المتهم (ع.أ) وابداله من (406) عقوبات الى (421) منه وتحديد عقوبته استنادا لها كون مفردات الواقعة المنسوبة الى هذا المتهم تتطابق مع المادة الاخيرة دون المادة (406) من قانون العقوبات .. قرار محكمة تمييز العراق برقم 251/هيأة عامة/ 99 في 31/5/2000 (غير منشور).

([40] ) د. احمد فتحي سرور، الوسيط، المرجع السابق، ص166-167.

([41] ) باسم محمد شهاب، تعدد الجرائم واثره في العقاب، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1994، ص33.

([42] ) د. حسني احمد الجندي، شرح قانون العقوبات اليمني، العقوبة، ج2، مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعي، 1992، ص283.

([43] ) د. الفونس ميخائيل حنا، تعدد الجرائم واثره في العقوبات والاجراءات، ط1، 1963، ص311.

([44] ) للمزيد حول تعدد الجرائم وانواعه والاجراءات المصاحبة له واثره في العقاب ينظر، باسم محمد شهاب، المرجع السابق.

([45] ) د. احمد فتحي سرور، الوسيط، المرجع السابق، ص686. و د. عبد الحميد الشواربي، الظروف المشددة والمخففة للعقاب، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية، 1986، ص12.

([46] ) د. عبد الحميد الشورابي، المرجع السابق، ص13.

([47] ) د. اكرم نشأت ابراهيم، السياسة الجنائية، المرجع السابق، ص93.

([48] ) للمزيد حول وظائف النظام العقابي واساليب تطبيقه ينظر، د. نبيل السمالوطي، علم اجتماع العقاب، ج1، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، جدة، بلا سنة طبع، ص99- 118.

([49] ) طالب فرج عاصي، تفريد العقاب في ضوء قانون اصلاح النظام القانوني، بحث مقدم للمعهد القضائي في العراق، 1985، ص25.

([50] ) للمزيد حول هذه النظم ينظر، د. اكرم نشأت ابراهيم، الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة، دراسة مقارنة،مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1996، ص12-60.

([51] ) د. اكرم نشأت، السياسة الجنائية، المرجع السابق، ص93.

([52] ) جنان جميل، ضوابط التقدير القضائي للعقوبة، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1972، ص36-54.

([53] ) للمزيد حول مفهوم الغرامة النسبية ينظر، ايدان خالد قادر، الغرامة في القانون العراقي والمقارن، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1979، 216-236.

([54] ) عبد الباسط محمد سيف الحكيمي، التفريد القضائي للعقاب، دراسة مقارنة، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1996، ص77-85.

([55] ) وهذا ما يؤكده قرار محكمة تمييز العراق المرقم 271/هيأة عامة/1998 والمؤرخ في 12/7/1999 بقولها((ان عقوبة الاعدام و المقضي بها على المتهم فقد وجد من ظروف الحادث انه حصل دون اكراه او ترويع ومن ظروف المتهم كونه شابا في مقتبل العمر وليس له سوابق قرر تخفيف عقوبة الاعدام الى السجن المؤبد)) وتتلخص وقائع هذه الدعوى ان محكمة جنايات بابل بتاريخ 10/12/96 وبالدعوى المرقمة 891/ج/96 تجريم المتهم (س) وفق المادة (433/ثالثا/رابعا عقوبات) المعدلة بالقرار 59 لسنة 1994 وحكمت عليه بقطع يده اليمنى من الرسغ قررت التمييز بالعدد 4489/ج1/97 وبتاريخ 26/10/97 نقض الفقرة الحكمية وتوجيه التهمة له وفق المادة (433/ثالثا/رابعا) لقيامه بالاشتراك مع المتهمين المفرقة قضيتهم بسرقة البقرة العائدة للمشتكي (ن) والحكم عليه بالاعدام شنقا حتى الموت فاصدرت محكمة التمييز قرارها اعلاه بتخفيف عقوبة الاعدام الى السجن المؤبد. ينظر قرار محكمة تمييز العراق المرقم 271/هيأة عامة/98 في 12/7/99 المنشور في الموسوعة العدلية، مكتبة شركة التامين الوطنية، عدد 82،

السنة 2001، ص7-8. وينظر حول الاعذار القانونية المخففة، د. فخري عبد الرزاق الحديثي، الاعذار القانونية المخففة للعقوبة،دارسة مقارنة، جامعة بغداد، 1979.

([56] ) وهذا ما يؤيده قرار محكمة التمييز في العراق بالاضبارة المرقمة 386/الجزء الاول/98 وبتاريخ 23/9/1998 الذي قرر ((..... تصديق قرار التجريم لموافقته للقانون واعادة الاضبارة لمحكمتها لتشديد العقوبة المفروضة على كل واحد منهم وفرضها دون استدلال بالمادة (132) عقوبات ....)) فاصدرت محكمة جنايات البصرة حكما بالاعدام شنقا حتى الموت استنادا للمادة (442/اولا وثانيا) من قانون العقوبات المعدلة بالقرار 114 لسنة 1994 ضد كل من المتهمين (ج.ك) و (ن.ح) و (م.ض) وقد صدق هذا القرار تمييزا بالقرار المرقم 277/هيأة عامة/99 والمؤرخ في 10/6/2000 وتتلخص وقائع هذه الدعوى ان المتهمين اعلاه تم ادانتهم لسرقتهم سيارة المشتكي (ق.ع) بقوة السلاح والاكراه وحكمت عليهم بموجبها على وفق القرار اعلاه، قرار محكمة تمييز العراق 277/هيأة عامة/99 في 10/6/2000 وهو قرار (غير منشور). وينظر حول الظروف المشددة، علي جبار شلال، الظروف المشددة العامة، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1985.

([57] ) للمزيد حول مفهوم ايقاف تنفيذ العقوبة وشروطه ينظر، محمد عبودي نغيمش، نظام ايقاف تنفيذ العقوبة في قانون العقوبات العراقي والمقارن، رسالة ماجستير، جامعة بغداد، 1979، ص121-123 و ص142-354.

([58] ) د. اكرم نشأت ابراهيم، الحدود القانونية، المرجع السابق، ص59.

([59]) عالج المشرع اليمني وقف التنفيذ بطريقة مختلفة عن منهج المشرع العراقي اذ جوز المشرع اليمني وقف تنفيذ الحكم بالغرامة ولم ياخذ بهذا الحكم المشرع العراقي.

كما ان المشرع اليمني حدد مدة وقف التنفيذ بسنتين تبدأ من تاريخ الحكم النهائي في حين ان مدة وقف التنفيذ في القانون العراقي هي ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم.

هذا وقد جاء المشرع اليمني في المادة (118) بتعبير (الحكم النهائي) فهل قصد بهذا التعبير الحكم المكتسب الدرجة القطعية اما قصد به حكم اول درجة والقابل للطعن فيه؟

نعتقد بان المقصود بالحكم النهائي هنا هو الحكم الذي استنفذ طريق الطعن بالاستئناف او مضت مواعيده دون الطعن فيه بهذا الطريق على وفق ما قررته المادة الثانية من قانون الاجراءات الجزائية اليمني النافذ وبهذا تبدأ مدة ايقاف التنفيذ بعد صدور الحكم الاستئنافي وان طعن فيه بالنقض امام محكمة النقض. ولهذا ندعو المشرع العراقي الى ايراد تعبير (الحكم القطعي) في نهاية المادة (146) لتصبح ((تكون مدة ايقاف التنفيذ ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم القطعي).

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0