تفسير المدرسة التكوينية التقليدية ( المدرسة اللومبروزية ) للسلوك الإجرامي
مجموعة دروس و بحوث في علم الاجرام للتحضير للمباريات و امتحانات السداسي الخامس شعبة القانون و التعمق في المادة الجنائية
ولقد أجرى لمبروزو أبحاثه هذه على حوالي 383 جمجمة لمجرمين موتي .
وحوالي 600 ستمائة مجرم على قيد الحياة مستخدما المنهج التجريبي .
ساعده على نتائجه التي وصل إليها فحص ثلاث حالات كانت فتحا له نحو بناء نظريته .
الحالة الأولي : كانت للص محترف وشقي يدعي فيليلا حيث قام بفحص جسمه وهو على قيد الحياة وبعد وفاته عهد إليه بتشريح جثته .
استخلص لمبروزو بعد فحص فيليلا وتشريح جثته نتيجة مؤداها أن المجرم وحش بدائي تتوافر فيه بطريق الوراثة خصائص الإنسان البدائي وخلص من ذلك إلي الربط بين الإجرام والتخلف العضوي .
الحالة الثانية : كانت لمجرم خطير يدعي فرسيني إتهم بقتل حوالي عشرين امرأة بطريقة وحشية ، وبعد فحص لمبروزو لفرسيني انتهي إلي أن هذا المجرم له خصائص الإنسان البدائي في تكوينه الجسماني وتوجد عنده مظاهر قسوة الحيوانات المفترسة .
، ضمن لمبروزو النتائج التي توصل إليها في الطبعة الأولي من كتابه " الإنسان المجرم " والذي قال فيه أن المجرم وحش بدائي يتميز بملامح خاصة توافرت فيه عن طريق الوراثة وأنه مطبوع على الإجرام .
لقد لقيت آراء لمبروزو في البداية نجاحا سريعا وتأييدا من بعض الباحثين ما لبث أن انقلب إلي نقد شديد من جميع الاتجاهات وبصفة خاصة من زميله فيري ، أحد أقطاب المدرسة الوضعية التي ينتمي إليها لمبروزو نفسه .
ومع ذلك ، لم يؤد هذا النقد إلي تغيير آراء لمبروزو عن المجرم المطبوع ، إنما قام بإجراء المزيد من الفحوص والأبحاث التي كشفت له أن هناك عوامل أخرى – غير التي انتهي إليها سابقا – تدفع إلي الإجرام مما يمكن معه التمييز بين أنواع المجرمين استنادا إلي هذه العوامل .
ففي عام 1884 ، مكـّن فحص الحالة الثالثة لمبروزو من إكمال نظريته وهي حالة الجندي " مسديا " الذي كان مريضا بالصرع ، ولم يعرف عنه سوء الخلق وبسبب واقعة تافهة وعلى أثر هذه الواقعة ثار ثورة عنيفة ، وطارد ثمانية أفراد من رؤسائه وزملائه وقتلهم جميعا .
بعد دراسة لمبروزو لهذه الحالة تبين له أن مسديا يجمع صفات الحيوانات الأشد توحشا ، فضلا عن حالة الصرع الوراثي المصاب بها والتي دفعه إلي ارتكاب جريمته وخلص إلي وجود علاقة بين الإجرام والصرع وأن المجرم الصرعي أحد أنماط المجرمين بالفطرة أو بالطبع .
كما استفاد لمبروزو من نقد زميله " فيري " له مما جعله يفسح مجالا في نظريته للعوامل الاجتماعية .
وعلى ضوء النتائج السابقة أعاد لمبروزو صياغة نظريته وقسم على أساسها المجرمين إلي الفئات التالية 1- المجرم المطبوع أو المجرم بالفطرة أو المجرم بالميلاد : يتميز المجرم المطبوع لدي لمبروزو بصفات موروثة خاصة يرتد بها إلي عهد الإنسان البدائي ، وهذه الصفات منها ما هو عضوي أو خلقي ومنها ما هو خاص بالحواس ومن الصفات العضوية ما هو عام مشترك بين جميع المجرمين ، ومنها ما هو خاص بجرائم معينة .
ومن الصفات العضوية العامة صغر حجم الجمجمة وعدم انتظام شكلها ، وعيوب في التجويف الصدري وزيادة في طول الأذرع والأرجل .
وعن اختلاف الصفات الخلقية أو العضوية باختلاف الجرائم يري لمبروزو أن المجرم يميل إلي السرقة يتميز بحركة غير عادية لوجهه ويديه ، صغر عينيه وعدم استقرارهما ، كثافة شعر حاجبيه وضخامة الأنف القاتل يتميز بالنظرة العابسة الباردة وضيق أبعاد رأسه وطول فكيه ، بروز وجنتيه ، المجرم الذي يميل إلي ارتكاب جرائم الجنس يتميز بطول أذنيه وانخساف جمجمته وتقارب عينيه وفرطحة أنفه وضخامتها وطول ذقنه الملحوظ .
أما الصفات الخاصة بالحواس فقد لاحظ لمبروزو كثرة وجود الوشم على أجسام المجرمين ، كما لفت نظره خلاعة الرسوم الوشمية وبذاءتها ، فاستخلص من ذلك تميز المجرمين بضعف إحساسهم للألم وفظاظتهم وغلظة قلوبهم .
وذهب لمبروزو في بداية أبحاثه إلي أن الصفات الإجرامية السابقة تتوافر لدي 65 – 70 % من المجرمين ، لكنه عاد مع تقدم أبحاثه ودراساته إلي خفض هذه النسبة إلي ما يعادل 30 – 35 % 2- المجرم الصرعي : هو المصاب بصرع وراثي يؤثر على العضلات والأعصاب والتوازن النفسي .
يصبح المجرم الصرعي مجرما مجنونا لا مجرما صرعيا فحسب 3- المجرم المجنون : هو من يرتكب الجريمة تحت تأثير المرض العقلي .
ألحق لمبروزو بهذا النوع من المجرمين ، المجرم الهيستيري ، ومدمن الخمور والمخدرات 4- المجرم السيكوباتي : وهو مجرم مصاب بالشخصية السيكوباتية والذي لا يستطيع التكيف مع المجتمع مما قد يدفعه إلي ارتكاب الجريمة 5- المجرم بالصدفة : يقسم لمبروزو هذه الفئة إلي نوعين : أ- المجرم الحكمي :وهو ذلك المجرم الذي يرتكب الجرائم غير العمدية مثل جرائم الإجهاض وحمل السلاح والصحافة ب- المجرم ذو الاتجاه الإجرامي المختلط : وهو الذي يرتكب الجريمة بسبب مؤثرات خارجية طارئة ، أي عن طريق تأثير الوسط أو البيئة التي يعيش فيها .
هو يتميز ببعض الخصائص العامة للمجرم المطبوع أو المصاب بالصرع ولكن بصورة أخف درجة وأقل ظهورا فالاختلاف بينهما من حيث الدرجة لا من حيث النوع .
6- المجرم المعتاد : وهو المجرم الذي اعتاد على ارتكاب الجرائم تحت تأثير ظروفه الاجتماعية ويعتبر الإجرام بالنسبة له حرفة أو طريقة حياة .
7- المجرم العاطفي : وهو الشخص الذي يتميز بحساسية مفرطة وهذه الحساسية المفرطة هي التي تدفعه إلي الإجرام وأغلب الجرائم التي يرتكبها جرائم اعتداء على الأشخاص أو جرائم سياسية .
سؤال فرعي : اكتب في تقدير نظرية لمبروزو كأحد النظريات العلمية في تفسير السلوك الإجرامي ؟ (سؤال امتحان ذكر مرتين هام جداً ) لا يمكن أن نجحد فضل لمبروزو في لفت الأنظار إلي دراسة شخص المجرم .
كما لا ننكر فضل لمبروزو في توجيه الانتباه إلي الأسلوب العلمي الذي قامت عليه فحوصه وأبحاثه .
يلاحظ من عرض مضمون نظرية لمبروزو السابق أنه استمر على موقفه من فكرة المجرم بالفطرة رغم التعديلات اللاحقة التي أدخلها على النظرية .
ولقد أدي هذا الموقف من لمبروزو إلي استهداف النظرية للنقد من جانبين : أولا : عدم اتباع المنهج العلمي السليم : 1- أن العينة التي أجرى عليها أبحاثه كانت قليلة نسبيا من حيث العدد ولا تكفي لدراسة ظاهرة معقدة كالظاهرة الإجرامية 2- أن العينة التي أجرى عليها لمبروزو أبحاثه لم تكن تمثل تمثيلا صادقا الظاهرة الإجرامية وإنما اختياره لها كان خبط عشواء .
فأغلب المجرمين الذين أخضعوا لأبحاثه من مرتكبي جرائم العنف خاصة القتل وليست هذه هي الفئة الوحيدة التي تشمل عليها الظاهرة الإجرامية 3- أن لمبروزو لم يستخدم المجموعة الضابطة في أبحاثه ، فلم يقارن المجرمين بعدد مماثل من غير المجرمين 4- أن لمبروزو لجأ إلي التعميم الخاطئ في استخلاص نتائجه حيث أن ما توصل إليه من نتائج كان بصدد حالات فردية محددة ( فيليلا – فرنسني – مسديا ) .
ثانيا : عدم صحة النتائج التي توصل إليها لمبروزو : تتضح عدم صحة هذه النتائج فيما يلي : 1- يؤخذ على لمبروزو أنه جعل من الملامح الخلقية التي يتميز به المجرمون العامل الأساسي والجوهري في تكوين السلوك الإجرامي وأغفل العوامل الأخرى.
وبصفةٍ خاصة العوامل الاجتماعية.
فالمجرم قبل أي شيء إنسان يتأثر بالبيئة أو المحيط المادي الذي يعيش فيه ، ومن ثم كان من الضروري أن يكون لهذا المحيط دورا في ارتكاب الجريمة.
2- إن فكرة المجرم بالفطرة ، أو بالميلاد فكرة يأباها المنطق السليم ، لأن اعتبار سلوك ما جريمة يتوقف على المجتمع الذي يجرمه.
3- فكرة الارتداد إلى البدائية الأولى ، وإن الإنسان المجرم وحش بدائي ، فكرة خاطئة.
ذلك أن معلومات لمبروزو عن الإنسان البدائي ، ليست كافية حتى يمكن أن يقاس المجرم عليها.
كما إن القول بأن توافر صفات الإنسان البدائي في عصرنا هذا يجعل صاحبها مجرما قول غير دقيق ، لأنه يعني أن المجتمع البدائي كله مجتمعا من المجرمين.
يضاف إلى هذا ، أنه قد ثبت أن الإنسان المعاصر لا يختلف من ناحية الخصائص الخلقية عن إنسان ما قبل التاريخ وذلك بالنسبة لنفس الجنس الذي ينتمي إليه.
4- ثبت علميـا عدم صحة ما ذهب إليه لمبروزو من توافر صفات وملامح عضوية أو مرضية معينة يتميز بها المجرمون عن غير المجرمين.
1- ففي دراسة قام بها العالم الإنجليزي جورنج على 3000 مسجون إنجليزي وقارنها بمجموعة مماثلة من غير المجرمين ثبت له عكس ما انتهي إليه لمبروزو .
2- وثبت علميا أيضا عدم صدق قول لمبروزو أن جمجمة المجرم أصغر وأخف وزنا من جمجمة غير المجرم .
3- كما تأكد علميا كذلك عدم صحة القول بوجود المجرم المجنون أو الصرعي ، فلم يثبت علمياً أن كل مجنون أو مريض بالصرع ارتكب الجريمة .
إزاء هذه الانتقادات السابقة حاول أنصار المدارس التكوينية إنقاذ نظريتهم .
1- فلقد أكد " فيري " على أهمية العوامل الطبيعية والاجتماعية والنفسية إلي جانب العامل العضوي في تكوين السلوك الإجرامي 2- كما أضاف " جاروفالو " إلي جانب الشذوذ الخـِلقي الشذوذ الخَـلقي والنفسي 3- ولتجنب النقد الخاص بالمجموعة الضابطة والموجه إلي منهج لمبروزو في البحث ، قام العالم الأمريكي هوتون بدراسة استمرت اثنتي عشر عاما متواصلة على مجموعة من المحكوم عليهم بلغ عدد أفرادها 13.
873 مقارنا إياهم بمجموعة من غير المجرمين بلغ عدد أفرادها 3203 ولقد انتهي هذا العالم من دراساته إلي نتائج مماثلة تقريبا لتلك التي انتهي إليها لمبروزو من قبل .
وقد تعرضت آراء هوتون لنفس الانتقادات الموجهة ضد نظرية لمبروزو .
لهذا كان على أنصار المدارس التكوينية تجاوز الملامح الخارجية للإنسان المجرم إلي فحص أعضائه الداخلية .