جريمة تزوير الشواهد الطبية
مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب
.
.
ويشرط في إنجازها أن تتم وفق ضوابط والأصول مهنة الطب، وأن تحمل توقيع الطبيب بالإضافة إلى الموضوعية.
ومن المؤكد أن توقيع الطبيب على الشهادة الطبية يتمتع من حيث مبدأ بقة كبيرة، ومن تم فإن إخلاله في هذا الجانب يلحق ضررا كبيرا بالجهاز الطبي بكامله.
ومن هذا المنطلق فإن الشواهد الطبية التي يصدرها الطبيب أثناء مزاولته لعمله، والمتضمنة لبيانات غير حقيقية، يسأل الطبيب أو الجراح عن جريمة تزوير الشواهد الطبية المنصوص عليها في الفصل 364 ق.
ج.
م.
فوفقا للفصل 364 ق.
ج.
م فكل طبيب أو جراح أو طبيب أسنان يكون مسؤولا جنائيا عن الشواهد الطبية التي يصدرها والتي قد تتضمن بيانات أو إقرار كاذب لحالة مرض أو حمل أو غير ذلك من الوقائع(3) .
ولمساءلة الطبيب جنائيا عن جريمة تزوير الشواهد الطبية لابد من تحقق الاركان الجريمة التالية : 1- الركن القانوني : جاء في الفصل 364 من مجموعة القانون الجنائي المغربي ( كل طبيب أو جراح أو طبيب أسنان او ملاحظ الصحي او قابلة، إذا صدر منه أثناء مزاولة مهنته وبقصد محاباة شخص ما، إقرار كاذب أو فيه تستر على وجود مرض أو عجز أو حالة حمل أو قدم بيانات كاذبة عن مصدر المرض أو العجز أو سبب الوفاة، يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، ما لم يكون فعله جريمة أشد، مما خص عليه الفصل 248 وما بعده.
.
.
).
نص المشرع المغربي من خلال هذا الفصل على أن تزويرالشواهد الطبية من طرف الطبيب أو الجراح أو طبيب أسنان (2) أثناء مزاولته لعمله يعد جريمة،خاصة اذا كانت تتضمن إقرار كاذب اوتستر على بيانات كاذبة يكون مصدرها الوفاة أو المرض أو العجز فإنه يعاقب وفق الفصل 364 ق.
ج.
م.
كما اتجه المشرع الإمارتي في المادة 219 من قانون العقوبات الاتحادي على أن (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات كل طبيب أو قابلة أصدر شهادة أو بيانا مزورا في شأن حمل أو ولادة، أو مرض أو عاهة أو وفاة أو غير ذلك، مما يتصل بمهنته مع علمه بذلك ولو وقع الفعل نتيجة رجاء، أو توصية أو وساطة).
يتضح من خلال هذه المادة على جريمة تزوير الشواهد الطبية التي يرتكبها الطبيب أو قابلة وتتضمن وقائع مزورة في شأن الحمل أو الولادة أو المرض وارتكبت عن قصد وبأي وسيلة كانت.
كما قامت مجموعة من التشريعات المقارنة بتحريم تزوير الشواهد الطبية،وعلى راسها المشرع المصري (1) والفرنسي (2).
2- الركن المادي : يتجلى الركن المادي في الفصل 364 ق.
ج.
م في إصدار الطبيب أو الجراح أو طبيب أسنان شواهد طبية تتضمن إقرار كاذب أو التستر على وجود عجز، او مرض، أو حالة حمل، وهذا النوع قد يستعمل لأغراض غير مشروعة، أما النوع الثاني من الشواهد الطبية أن تحتوي على بيانات كاذبة عن مصدر المرض أو العجز أو سبب الوفاة، وغالبا ما يستعمل هذا النوع من الشواهد الطبية في حوادث السير أو حوادث الشغل والأمراض المهنية(1)، من أجل إعطاء بيانات غير حقيقية أمام القضاء للحكم بالتعويض المادي، ويكون لها دور مهم في تحديد المبلغ وتقدير حجم الضرر.
وبدلك، فإن المشرع المغربي يجرم تزوير الشواهد الطبية سواء كانت تحتوي على إقرار كاذب بوجود مرض أو عجز أو حالة حمل، أو بيانات غير صحيحة حول مصدر المرض أو عجز أو سبب الوفاة.
وقد اكد المشرع المغربي أن محتويات الشهادة الطبية المزورة تتكون من إقرار أو بيانات غير حقيقية.
والواقع العملي يكشف أن الشهادة تتعلق أكثر بشخص معين، صفته حالته الصحية، وضعه الشخصي والمهني، في حين البيانات تتعلق بوقائع وأحداث.
وفي هذا الشأن، قضت محكمة النقض الفرنسي بأن التزوير هنا لا ينطبق إلا على وثيقة المكتوبة، وإن مجرد إعطاء بيانات شفوية لا تقوم به الجريمة(2).
3- الركن المعنوي : جريمة تزوير الشواهد الطبية من بين الجرائم العمدية في القانون الجنائي المغربي، وبالتالي لتحقيقها لابد من وجود القصد الجنائي، (القصد العام) لدى الطبيب واتجاه إرادته إلى ارتكاب السلوك الإجرامي٬ ويكون ازاء هذا القصد متى ضمن الطبيب في الشواهد الطبية بيانات غيرحقيقية بقصد استعمالها لاغراض ادارية او قضائية او غيرها٬ ويتم عادة اثبات هذا التزوير بكافة الوسائل(1) .
ويعاقب الطبيب أو الجراح أو طبيب أسنان وفق الفصل 364 ق.
ج.
م في حالة إثبات تزوير الشواهد الطبية، بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات، بالإضافة إلى أنه يجوزللمحكمة الحكم عليه بالحرمان من واحد وأكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من خمس سنوات إلى عشر.
واستنادا الى النص القانوني اعلاه، قضت المحكمة الابتدائية بالرباط في إحدى أحكامها بمسؤولية الطبيب عن جريمة تسليم شهادة طبية مزورة، وتتلخص أطوار هذه القضية، في أن الطبيب (المتهم) قام بتسليم شهادة مزورة تثبت واقعة الولادة لامرأة حامل في المصحة التي يزاول فيها عمله، وأن الهدف من هذه الشهادة هو تسجيل الولادة الحديثة في رسم الحالة المدنية، وبذلك فإن تسليم الشهادة تحتوي على وقائع غير حقيقة تشكل جريمة(2).
وتجدر الإشارة إلى انه نظرا لما للشهادة الطبية من قيمة قانونية في الحياة اليومية للأفراد، نرى بأن يتم إصدار قرار إداري عن وزارة الصحة أو قانون يلزم الأطباء بتحرير الشواهد الطبية باللغة العربية والفرنسية، حتى تكون لها ضمانة أكبر، خاصة أنها في بعض الأحيان قد تكون دليل إدانة المتهم.
و في هذا الإطار قضت محكمة الاستئناف بوجدة بما يلي (حيث أن الضحية عزز أقواله بشهادة طبية تثبت الاعتداء الجنسي، وحيث إن الضحية من مواليد 1985، أي أن عمره يقل عن 15 سنة، وحيث أن إنكار المتهم نسب إليه، ما هو إلا محاولة للتملص من العقاب، والإفلات من العقوبة، وحيث تبين للمحكمة بعد الإطلاع على وثائق الملف ومستنداته ، واستنادا إلى ما راج أمامها في الجلسة أن المتهم قام بالأفعال المنسوبة إليه)(1) .
يتضح من خلال هذا القرار أن المحكمة استندت في إدانة المتهم على دليل طبي أي الشهادة الطبية، التي تثبت الاعتداء الجنسي الذي تعرض له الضحية القاصر من طرف المتهم(الطبيب)، كيفت الجريمة ( هتك عرض قاصر) و حكمت المحكمة بالمقتضيات المنصوص عليها في الفصل 484 ق.
ج.
وإدانته بسنتين جبسا نافدا.
4- العقاب : عاقب المشرع المغربي في الفصل 364 ق.
ج.
م على جريمة تزوير الشواهد الطبية التي يرتكبها الطبيب أو الجراح أو طبيب أسنان من سنة إلى ثلاث سنوات.
كما يجوز للمحكمة أن تحكم عليه بالحرمان من واحد أو أكثر من الحقوق المشار إليها في الفصل 40 من خمس إلى عشر سنوات.
أما المادة 219 قانون العقوبات الإماراتي تعاقب على هذه الجريمة بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات.
تجدر الإشارة إلى إن المادة 219 قانون العقوبات الاتحادي الإماراتي إلى ان ارتكاب التزوير الشواهد الطبية، يعاقب عليه ولو وقع الفعل نتيجة رجاء او توصية او وساطة للحصول على النتيجة.
أما بالنسبة للمشرع المغربي، فإنه لم ينص على وقوع الفعل عن طريق توصية أو وساطة، إلا أن ارتكاب تزوير الشواهد الطبية بمقابل مادي، تقوم على اساس جريمة الرشوة وفق للفصل 248/ف4 التي تعاقب كل من طلب أو قبل عرضا أو عدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان، بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى خمس ألاف درهم.