زراعة الأعضاء والأنسجة البشرية

مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب

زراعة الأعضاء والأنسجة البشرية
تعتبر زراعة الأعضاء البشرية من بين الوسائل الحديثة التي توصل إليها الطب الحديث في معالجة أكثر الأمراض المستعصية، سواء كانت ناتجة عن مرض عضال أو من جراء ما يتعرض له الأشخاص ضحايا حوادث السير أو حوادث الشغل والأمراض المهنية.

تمكن هذه الوسيلة الجديدة المستجدة في الطب والجراحة من القيام بعمليات مختلفة لإنقاذ حياة أو سلامة المريض، وذلك من خلال عمليات زرع الاعضاء البشرية أو الاستئصالها التى تتم بناء على سياسة التبرع، سواء من أشخاص أحياء أو من الأموات.

فالمقصود بزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية هو استبدال عضو الذي تعرض لمرض أو عضال أو تشوه بعضو سليم يستأصل من شخص حي أو طرف الاموات.

و قد اشتهرت هذه العمليات في الأوساط الطبية بزراعة الأعضاء (graffe ou transplantation des organes)، التي تخطت مرحلة التجارب العلمية، ودخلت في نطاق العلاج الطبي، وقد تأكد علميا نجاح هذه العمليات بعد اكتشاف عقار يسمى (cyclos poin – A) سنة 1980، والذي يحول دون رفض جسم المريض للعضو المزروع، وظهور عقار آخر في الولايات المتحدة يسمى OKT.

73 ، فهذه الاكتشافات ساهمت في ارتفاع نجاح هذه العمليات إلى جوالي 80% في مصر، و 94% في الولايات المتحدة الأمريكية.

(1) و جدير بالذكر أن عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية كانت في السابق تقتصر على زرع الكلية، وبعد ذلك أصبحت تشمل القلب والكبد والبنكرياس والنخاع العظمي والجلد والأمعاء والرئة والشعر والأسنان والعروق وقرنية العين والعظم.

.

.

وتثير مسألة أخذ وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية في الدول الإسلامية العديد من الإشكالات والتساؤلات حول مدى شرعية هذه العمليات وأخذها من جسم شخص حي أو ميت، من خلال اللقاءات والندوات سواء من قبل منظمات الطبية الإسلامية أو من طرف جهات رسمية، وموضوع غرس الأعضاء البشرية، كان من بين الموضوعات التي عرضتها منظمة الطب الإسلامي في جنوب إفريقيا، واعتبرتها مشكلات طبية معاصرة، وأقرت بأن غرس الأعضاء والأنسجة البشرية يشتمل على بعض الحالات التي نجح الطب المعاصر في علاجها بإحلال عضو بكامله أو جزء منه، أو من أنسجته سواء كان من الحيوان أو الإنسان.

(1) و لذلك فمن الممكن أن يتبرع إنسان بأحد أعضائه أو كمية من دمه، دون أن يصيبه ضرر، كما يمكن أيضا نقل بعض الأعضاء من شخص ميت كقرنية العين، أو القلب، أو الكلية أو بعض العظام أو صمامات القلب، والهدف من كل ذلك هو إنقاذ حياة الإنسان أو إزالة الألم عنه.

وقد أجمعت منظمة الطب الإسلامي على أن غرس أعضاء الحيوان أو جزء منها في جسم الإنسان لإنقاذ حياته أو تحسينها أمر واضح النفع وتتحقق به مصلحة مشروعة بل وواجبة شرعا لأنها تدخل تحت أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي.

وعليه، فإن عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية تشغل رجال الطب والقانون في أغلب الدول، وارتفاع عمليات الاستئصال والزرع،والعمليات المشبوهة للتجارة بالأعضاء البشرية، مما ادى الى ضرورة وضع نظام قانوني متكامل لهذه العمليات حفاظا على أطراف العلاقة في عملية التبرع من العبث بالذات البشرية و قبل الموت أو بعده.

وهو ما اتجهت اليه جل الدول في مقدمتها المشرع الفرنسي قانون الصادر في 22 دجنبر 1976 والذي ينظم عمليات التشريح وأخذ أجزاء من الجثث شريطة عدم صدور معارضة من المتوفي قيد حياته،اما إذا كان الأمر يتعلق بجثة قاصر فلابد من الحصول على النائب الشرعي أو اعتماد على مبدأ الرضا المفترض الذي كان سائدا في العديد من القوانين.

(1) ثم بعد ذلك، تم تعديل هذا القانون ليشمل التبرع بالأعضاء والأنسجة البشرية الصادر في 29 يوليوز 1994 سواء تم الحصول عليها من جسم إنسان حي أو من جثة ميت.

أما بالنسبة للمغرب، فقد كان ظهير 15 يوليوز 1952 هو المعمول به فيما يخص نقل الأعضاء من جثث المتوفي قصد استعمالها في المجال الطبي، وقد صدرت العديد من المناشير والدوريات المنظمة لذلك سواء في 1975 و 1990.

(2) وقد شكل صدور قانون 03/94 الصادر بظهير 18 يوليوز 1995 المتعلقة بتنظيم عملية الحصول على الدم البشري واستخدامه الخطوة الثانية في تنظيم التبرع بالأعضاء البشرية.

وشكل صدور قانون 98/16 الصادر في 25 غشت 1999 المتعلق بالتبرع بالأعضاء البشرية وأخذها وزرعها(3) نظاما قانونا لتنظيم هذا المجال، سواء بين أطراف العلاقة التي تبرعت بالأعضاء أو على مستوى الدولي من خلال منع التجارة الدولية في الأعضاء البشرية.

نستنتج من خلال كل ما سبق، سوف نحاول استعراض بعض الحالات التي يتم ارتكابها هي طرف الطبيب ومدى مسؤولية جنائيا عنها وفق القانون المغربي والمقارن.

أولا : مسؤولية الطبيب جنائيا في حالة تخلص شرط الرضا : اكدت أغلب التشريعات المقارنة التي نظمت زراعة الأعضاء البشرية سواء في حالة استئصال أو زرع من طرف الأشخاص الأحياء او الأموات، على ضرورة الحصول على رضاء المتبرع والمريض لإباحة عمليات نقل وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية.

1- التبرع بين الأحياء : يتطلب عمليات أخذ وغرس الأعضاء البشرية صدور موافقة أو رضاء سواء من المتبرع أو ذويه وكذلك من المريض.

أ- تخلف رضاء المتبرع : أجمعت مختلف التشريعات القانونية المقارنة على ضرورة حصول الموافقة من المتبرع من أخذ او استئصال الأعضاء والأنسجة البشرية، منها ما نص عليه المشرع الفرنسي، في المادة 1-1231L من قانون الصحة العامة الفرنسي نصت على أهمية الموافقة و التبصير المتبرع لكافة النتائج المترتبة على عمليات الاستئصال العضو، كم اشترطت أن يتم التعبير عن الإرادة عن طريق الكتابة وتودع لدى رئيس المحكمة الابتدائية في دائرته، أما في الحالات المستعجلة فانه يتم التعبير عن الإرادة بأي وسيلة من وسائل الإثبات، مع إمكانية العدول عن رضائه في أي وقت.

وفي حالة استئصال عضو أو نسيج بشري من المتبرع من طرف طبيب أو جراح دون إتباع الخطوات التي يحددها القانون، فانه يتابع وفق المادة 2-1272 من قانون الصحة العامة التي تعاقب على عدم احترام الشروط الواردة في المادة 1-1231 المتعلقة بأخذ موافقة المتبرع الراشد لاستئصال عضو أو نسيج من جسمه، ويعاقب الطبيب بالسجن من 7 سنوات وغرامة تصل إلى 100.

000 أورو.

(1) وقد سلك المشرع الجزائري نفس الاتجاه، ونص في المادة 162 قانون الصحة الجزائري )على أنه لا يجوز انتزاع الأنسجة أو الأعضاء البشرية من أشخاص أحياء إلا إذا لم تعرض هذه العملية حياة المتبرع للخطر وتشترط الموافقة الكتابية على المتبرع بأخذ أعضائه وتحرر هذه الموافقة بحضور شاهدين اثنين يتم ايداعها لدى مدير المؤسسة والطبيب رئيس المصلحة، ولا يجوز للمتبرع أن يعبر عن موافقته إلا بعد أن يخبره الطبيب بالأخطار الطبية المحتملة، التي قد تتسبب فيها عملية أخذ العضو أو النسيج (1).

بالنسبة للمغرب، فقد نص المشرع في المادة 04 من قانون 98-16 على مبدأ الرضائية التبرع بالأعضاء البشرية، وقد حددت المادة 10 من نفس القانون شكليات التعبير عن هذه الموافقة، حيث نصت على أن التعبير على الموافقة يتم أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر إقامة المتبرع، وان يتم الاستعانة بطبيبان يعهد إليهما شرح مفصل للمتبرع بالعضو أبعاد العملية والفائدة العلاجية المرجوة من عملية الاستئصال.

أما الحالات التي يتم فيها عملية الاستئصال دون موافقة المتبرع أو شروط المحددة لهذا الغرض، يتابع وفق ما تقرره أحكام المادة 34 التي تعاقب كل شخص من خمس سنوات إلى عشر سنوات كل من قام بأخذ عضو شخص راشد على قيد الحياة دون الحصول على موافقة المتبرع.

اما فيما يخص بشكليه التعبير على رضاء المتبرع فان المشرع المغربي ينص على ضرورة أن يتم ذلك أمام رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها مقر إقامة المتبرع، في حين كان على المشرع أن ينص على شكل الكتابة بالإضافة إلى إيداعها على رئيس المحكمة حتى يفتح المجال أمام المتبرعين للإيصاء بأعضاء البشرية، رغم أن المشرع ينص صراحة على ذلك في المادة 14 لكن شريطة أن يتم التصريح بها لدى رئيس المحكمة الابتدائية،بالإضافة إلى ذلك، لا يجوز أخذ الأعضاء البشرية إذا كان من شأنه أن يعرض حياة المتبرع للخطر أو أن يضر بصحته ضررا بالغا ونهائيا.

أما بالنسبة للشخص القاصر الذي يتبرع بعضو أو نسيج بشري، فقد نص المشرع الفرنسي في المادة 2-1231(1) ، على أنه لا يجوز اخذ عضو لأجل زرعه من شخص قاصر حي أو شخص راشد يخضع لإجراء من إجراءات الحماية القانونية، إلا ان هناك استثناء في المادة 3-1231، قانون الصحة العامة الفرنسي التى جاء فيها على انه يجوز للقاصر حي أن يتنازل عن عضو أو نسيج بشري وفق الشروط التالية : - أن يكون القاصر المتبرع أخا او أختا للمتلقي - الحصول على رضا الممثل القانوني - الحصول على موافقة لجنة الخبراء.

أما المشرع المغربي، فقد تبنى اتجاه عدم جواز القاصر بأن يتبرع بعضو أو نسيج بشري وهذا ما أكدته المادة 11 من قانون 98-16، التي أكدت على أنه لا يجوز اخذ عضو لأجل زرعه من شخص حي قاصر أو من شخص حي راشد يخضع لإجراء من إجراءات الحماية القانونية.

وعاقب على كل شخص يخالف هذه المادة بالسجن من 10 إلى 20 سنة سواء كان شخص عادي أو طبيب أو جراح خرقا لأحكام المادة 11.

لكن هذا التوجه يتعارض مع ما تنص عليه المادة 09، حيث تنص على انه لا يجوز أخذ عضو بشري من شخص حي للتبرع به، إلا من أجل المصلحة العلاجية للمتبرع له يكون إما والدي المتبرع أو أخاه أو أخته أو ابنه أو ابنته أو زوجته أو أبناء وبنات الأعمام والأخوال.

ففي هذه الحالة قد يكون القاصر المتبرع هو السبيل لعلاج المتبرع له، ومن تم مادام أن المتبرع بالأعضاء البشرية وأخذها من الأحياء تقتصر على الأصول والفروع للمريض، فعلى المتبرع له ان يتم يحدد بعض الحالات الاستعجالية التي من الممكن اللجوء إليها إلى شخص قاصر أو راشد يخضع للحماية القانونية.

(1) ب- تخلف رضاء المريض : لاشك في القول بتوافر مسؤولية الطبيب جنائيا إذا لم يتم الحصول الحصول على موافقة المتبرع في الحالات السابقة، أما في حالة تخلف رضاء المريض (المتبرع له) او من ممثله القانوني أو إذا كانت الموافقة غير سليمة لعدم توافر إعلام المريض أو لعدم توافر القدرة على الإدراك والاختيار أو صدورها نتيجة لتهديد أو إكراه أو سائل احتيالية فإن الأمر لا يخرج عن الحالات السابقة.

فقد نص المشرع المغربي في المادة 24 من قانون زراعة الأعضاء البشرية، على أنه يجب أن يتأكد الطبيب المسئول قبل زرع عضو من موافقة المتبرع له على ذلك، ويجب عليه التحقق من سلامة العضو من كل مرض معد أو من شأنه أن يعرض حياة المتبرع له إلى الخطر، وعليه أن يتحقق من ذلك من خلال المعطيات المتوفرة علميا من ملائمة العضو المزمع زرعه لجسم المتبرع له.

أما في المادة 09 من قانون 98 .

16 فقد حددت الأشخاص الذين يقومون بعمليات التبرع بالأعضاء البشرية وحصرتها في الأصول والفروع المتبرع له، وان يكون التبرع من أجل المصلحة العلاجية.

وبذلك، عاقب المشرع المغربي في المادة 37 كل طبيب أو جراح أو كل شخص قام بعملية أخذ أعضاء خرقا لأحكام المادة 09 لأجل معالجة أشخاص غير أولئك الواردة ببيانهم في المادة المذكورة، بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.

000 إلى 200.

000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط 2- التبرع بالأعضاء البشرية من الأموات : أقر المشرع المغربي في المادة 13 من قانون 98-16 على انه يجوز لكل شخص راشد يتمتع بكامل قواه أو الأهلية، أن يعبر وهو على قيد الحياة ووفق الأشكال والشروط المنصوص عليها عن إرادته بترخيص أو منع أخذ أعضائه أو أعضاء معينة منه بعد مماته.

واستنادا إلى ما تقرره المادة 04 من هذا القانون لا يجوز أخذ الأعضاء إلا بعد أن يوافق المتبرع مسبقا على ذلك،و استئصال عضو أو نسيج بشري من جثث الموتى، يجب أن يكون وفق ما تقرره القواعد والشروط المنصوص عليها في هذا القانون.

(1) - موافقة المتبرع : اما بخصوص موافقة المتبرع أثناء حياته بالتبرع بالأعضاء البشرية من أجل منفعة أو علاج لشخص أو المؤسسة عمومية، فإن الأمر يحتاج إلى تمييز بين أن يكون الشخص المتبرع إما ان يكون راشدا أو قاصرا.

في حالة حصول موافقة للمتبرع أثناء حياته بترخيص أخذ أعضائه أو أعضاء معينة منه بعد مماته، فإن المشرع اشترط وفي المادة 14 أن يسجل تصريح المتبرع المحتمل لدى رئيس المحكمة الابتدائية التابع لها محل إقامة المتبرع ويتم تسجيل هذا التصريح بدون صوائر بعدما يتأكد لدى القاضي القناعة بأن المتبرع المحتمل يتصرف بإرادة حدة وعن إدراك لما سيقدم عليه، وأن يكون التبرع مجاني ويتم تحديد المؤسسة المرخص لها بتلقي التبرعات بالأعضاء دون غيرها.

ويتم مساءلة الطبيب أو الجراح جنائيا عن الاستئصال الذي يتم دون موافقة الشخص او الذي اعترض على استئصال عضو من أعضائه بعد مماته، ويعاقب وفق ما تقرره المادة 2/36 التي تعاقب كل شخص بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات بغرامة مالية من 50.

000 إلى 300.

000 درهم إذا أخذ عضو من أعضاء شخص متوفى عبر على قيد حياته، إما باعترافه أو رفضه على ذلك.

كما اتجه المشرع الجزائري نفس الاتجاه حيث نص في المادة 165 من قانون الصحة(1) الجزائري على أنه يمنع القيام بانتزاع أنسجة أو أعضاء بهدف الزرع إذا عبر الشخص قبل وفاته كتابيا عن عدم موافقته على ذلك أو إذا كان هذا الانتزاع يعيق عملية التشريح الطبي الشرعي.

أما بالنسبة للشخص القاصر المتوفى أو كان راشدا خاضعا لإجراء من إجراءات الحماية القانونية، فلا يجوز أخذ عضو من أعضائه إلا بموافقة ممثله القانوني و يتم تسجيلها في السجل الخاص من طرف الطبيب المدير أو ممثله، شريطة ألا يكون المتوفى قد عبر وهو على قيد الحياة عن رفضه التبرع بأعضائه، و عدم احترام هذه الاجراءات المنصوص عليها في المادة 20 باستئصال أي عضو من الأعضاء البشرية من الشخص القاصر وهو على قيد الحياة عن رفضه التبرع بأعضائه فإنه يتابع وفق المادة 6/36 من قانون 98/16 ويعاقب بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.

000 إلى 300.

000 درهم.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة 16 من نفس القانون قد أعطيت إمكانية إجراء عمليات أخذ الأعضاء لأغراض علاجية أو علمية من أشخاص متوفين لم يعبروا وهم على قيد الحياة عن رفضهم الخضوع لعمليات من هذا النوع، في مستشفيات عمومية التي تحدد قائمتها من طرف وزير الصحة، هذا المقتضى يمكن أن يؤدي إلى المساس بحرمة الموتى في عدم المساس بأجسادهم خاصة بالنسبة للأشخاص اللذين يوجدون في وضعية تعرضهم لحوادث السير أو الحرب أو قوارب الموت، ولم يتم التعرف على هويتهم ، ويتم استغلال ذلك لأغراض غير مشروعة، كما هو الشأن في الشبكات الدولية التي تتاجر بالأعضاء البشرية خاصة في المناطق التي يكون فيها الحروب أو الحوادث الطبيعية.

ونعتقد بأن المشرع المغربي في المادة 16 من قانون 98-16 قد تبنى مبدأ الرضى المفترض الذي سارت عليه بعض التشريعات القانونية المقارنة منها المشرع الأمريكي والبريطاني (1) ، وبالتالي ترى بأن يتم تقييد هذا التوجه بنصوص تنظيمية تحدد شروط والحالات التي يمكن استئصال الأعضاء البشرية من أجل الغرض العلاجي.

كما أن المشرع المغربي حدد في المادة 7 من نفس القانون ضمانة مهمة تتعلق بالحفاظ على أسرار الطبية المتعلقة بعملية نقل او زرع الأعضاء البشرية، حيث نص على أنه تمكن من التعرف على هوية المتبرع له، كما لا يجوز كشف أي معلومات من شأنها تمكن من التعرف على هوية المتبرع والمتبرع له، إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك.

و يتعرض الطبيب أو الجراح للمادة 32 التي تنص على أنه يعاقب بغرامة من 50.

000 إلى 100.

000 درهم كل من أفشى معلومات حول هوية المتبرع أو المتبرع له، أو يكشف هوية المتبرع أو المتبرع له أو هما معا.

أما فيما يخص الإجراءات القانونية المتخذة لاستئصال الأعضاء البشرية من الأشخاص المتوفين، فإن المشرع اشترط وضع محضر معاينة طبي يثبت واقعة وفاة المتبرع دماغيا كما هو مبين في المادة 21 من قانون 98-16.

ويعاقب الطبيب أو الجراح او كل شخص قام بعملية أخذ أعضاء بشرية من جسم متبرع لم يتم بعد وضع محضر إثبات وفاته الطبية بصفة قانونية ويتعرض للعقاب المنصوص عليه في الفصل 392 ق.

ج (2).

ثانيا : مسؤولية الطبيب جنائيا في حالة تخلف الغرض العلاجي: أكدت أغلب التشريعات المقارنة إلى نظمت زراعة الأعضاء البشرية على أن استئصال وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية يكون لغرض علاجي وليس للتجارب العلمية.

نص المشرع الفرنسي في المادة 3-1231 قانون الصحة العامة الفرنسي على أن الاستئصال الأعضاء البشرية وزرعها سواء كان مصدرها شخص حي أو ميت يتم استخدامها من أجل الغرض العلاجي للمرض، وما يؤكد ذلك هو أن القانون المتعلق بزراعة الأعضاء البشرية تم تعديله في 06 غشت 2004 لتلبية حاجيات المواطنين الفرنسيين و الأجانب خاصة أن هناك العديد من الشركات التجارية التي تقوم بتصدير وإيراد الأعضاء البشرية (1 .

أما المشرع المغربي فقد نص في المادة 3 من قانون 98-16 على أنه لا يجوز أن يتم التبرع بالأعضاء البشرية وأخذها وزرعها إلا لغرض علاجي أو علمي، وبالتالي فإن فلسفة المشرع جاءت من خلال هذا القانون لتنظيم التبرع بالأعضاء البشرية للغرض العلاجي أو العلمي.

في حين أن القوانين المقارنة تؤكد على أن التبرع بالأعضاء البشرية يكون لأجل الهدف العلاجي دون العلمي، فالمشرع المغربي يتيح إمكانية، لإقامة التجارب العلمية على الإنسان.

كما ان المشرع المغربي اكد على الطابع العلاجي في المادة 09 من قانون 98-16 قيد الحياة لغرض غير علاجي أو علمي يتابع وفق المادة 33 من قانون 98-16 ويعاقب بالسجن من خمس إلى عشر سنوات.

أما أخذ عضو من أعضاء شخص متوفي وفق المادة 36 لغرض غير علاجي أو علمي يعاقب الطبيب أو الجراح أو كل شخص بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.

000 إلى 300.

000 درهم.

كما اتجه المشرع الجزائري من خلال قانون زراعة الأعضاء البشرية لسنة 1990/17 في المادة 161 على أن استئصال الأعضاء البشرية، وزرعها لا يتم إلا لأغراض علاجية، ونصت المادة 1/168 على إنشاء مجلس وطني لأخلاقيات العلوم الطبية يختص بعمليات انتزاع الأنسجة والأعضاء وزرعها وكل المناهج العلاجية التي تفرضها تطور التقنيات الطبية(1 .

و اخيرا، نص المشرع المغربي في المادة 46 من قانون 98-16 على إنشاء مجلس استشاري لزرع الأعضاء البشرية تسند إليه مختلف العمليات التي يتم فيها أخذ الأعضاء والأنسجة البشرية وزرعها وحفظها ونقلها (2) .

ثالثا : مسؤولية الطبيب جنائيا عن التجارة بالأعضاء البشرية : تتجه أغلب التشريعات المقارنة إلى ضرورة أن يكون نقل الأعضاء والأنسجة البشرية بدون مقابل مادي.

جاء في المادة الأولى من قانون زراعة الأعضاء البشرية البريطاني _كل فعل يتعلق ببيع الأعضاء البشرية بالنسبة للأعضاء وسواء كان الغرض إجراء عملية زراعة العضو المنقول في المملكة المتحدة أو خارجها ويمتد التجريم إلى الأعمال السابقة التي تهدف إلى تنفيذ الاتجار بالأعضاء البشرية مثل التحريض والاتفاق والمساعدة ولو لم يقع فعل الاتجار) (3) .

ونصت المادة 7 من نفس القانون على أن التجريم يقتصر على الأعضاء غير المتجددة مثل الكلية القلب والكبد والبنكرياس والرئة، أما غيرها من الأنسجة المتجددة مثل الدم البشري والنخاع والخلايا التناسلية فلا تخضع للتجريم.

يتضح من خلال هذا القانون أن المشرع البريطاني يجرم الاتجار في الأعضاء البشرية غير المتجددة، أما الأعضاء المتجددة فإنها لا تخضع للتجريم، ويمكن ان تكون محل معاملات تجارية.

أما المشرع الفرنسي فقد نص في المادة 1-1272 قانون الصحة العامة الفرنسي على أن الشخص الذي يتلقى بمقابل عن التبرع بالأعضاء البشرية يعاقب بالسجن من 7 سنوات وغرامة تصل إلى 100.

000 أورو.

المشرع المغربي أخذ بالاتجاه الذي يتبنى سياسة التبرع بالأعضاء البشرية لأن العديد من الأمراض لا يمكن علاجها إلا عن طريق استبدال العضو التالف من الجسم بعضو آخر سليم كالكلية والقلب وقرنية العين والكبد، ويتحقق ذلك من خلال التبرع بالأعضاء البشرية بشكل مجاني ودون مقابل، وهو ما تم التأكيد عليه في المادة 05 التي تنص على أن التبرع بعضو بشري أو الإيحاء به يعد عملا مجانيا لا يمكن بأي حال من الأحوال بأي شكل من الأشكال أن يؤدى عنه أجر أو أن يكون محل معاملة تجارية.

في هذا الإطار يأتي هذا القانون لمنع الاتجار في الأعضاء البشرية او ان يكون محلا اى عقد من العقود التي يكون محلها مقابل مادي(1) ،ومن تم فإن إجازة التبرع يتمشى مع أحكام الشريعة الإسلامية التي لا تجيز بيع أي عضو من أعضاء الإنسان حيا كان او ميتا فالإنسان خلقه الله مالكا للمال وليس مالا يخضع للتملك، فقد جاء في بدائع الصنائع للكسائي أن (أجزاء لا تصلح للبيع).

وعاقب المشرع المغربي في المادة 30 كل قانون 98-16 بأية وسيلة كانت تنظيم أو إجراء معاملة تجارية بشأن أخذ أعضاء بشرية خرقا للمادة 50 من نفس القانون بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.

000 إلى 100.

000 درهم، وكذلك يعاقب بنفس العقوبات كل من تلقى أو حاول تلقي أجرة غير ذلك المنصوص عليها والمتعلقة بإجراء عمليات مرتبطة بعمليات أخذ أعضاء بشرية أو الاحتفاظ بها أو زرعها أو ساعد على ذلك، ويدخل في حكم هذه المادة الطبيب أو الجراح الذي يقوم بتنظيم أو إجراء معاملة تجارية أو كانت له علاقة يتلقى أجرة عن أخذ عمليات أو الاحتفاظ بها أو زرعها أو ساعد على ذلك، ويعاقب بنفس العقوبات المنصوص عليها في المادة 30.

كما يجوز للمحكمة أن تقوم بمصادرة المبالغ المعروضة أو المفتوحة لقاء هذه العمليات التي تكون موضوع معاملة تجارية أو غير ذلك.

أما فيما يخص استيراد الأعضاء البشرية وتصديرها، فإن المشرع المغربي في المادة 27 من قانون 98/16 يمنع استيرادها أو تصديرها ما لم ترخص الإدارة بذلك، أو في حالة وجود اتفاقية بين المغرب والدولة الأجنبية التي تسمح بذلك.

وعلى العموم، فالمشرع المغربي يقر بمشروعية نقل الأعضاء وزرعها من شخص حي أو ميت، لكنه يقيد ذلك الاستئصال أو زرع بمجموعة من الشروط أهمها حصول موافقة أو رضا المتبرع والمتبرع له، وان يكون الغرض علاجيا وأن تتم عمليات مجانيا بدون كسب أو ربح.

أما في الدول الغربية خاصة الولايات وبريطانيا وفرنسا، فإنها تقر بأن أعضاء البشرية يمكن أن تكون محل للبيع أو الهبة أو الوصية، وان الاتجاه الغالب أنها تتوفر على العديد من الشركات الكبرى التي تنشط في التجارة العالمية للأعضاء البشرية، ولها فروع متعددة الجنسية في العديد من الدول خاصة الدول العالم الثالث، حيث يقم استغلال الثغرات القانونية أو عدم وجود نصوص قانونية منظمة أو حروب أهلية أو كوارث طبيعية، من أجل الحصول على أكبر عدد من الأعضاء البشرية، وذلك راجع إلى توفر هذه الشركات على موارد مالية بشرية.

ولعل ما يؤكد ذلك انتشار العديد من الشركات الكبرى في هذا المجال منها، شركة Osteotech وشركة France transplant, cryolife وكذلك نشر الإعلانات المختلفة في وسائل الإعلام عن فرص الزرع وأثمانها الباهضة، هذه الأعمال تدخل في الوساطة الدولية لنقل وزرع الأعضاء البشرية.

(1) في نفس السياق، فقد أثار الصحفي السويدي (دونالد بوستروم) بعض الحقائق المثيرة للجدل حول تورط الجيش الإسرائيلي في القيام بالعديد العمليات التشريح لشهداء فلسطينيين(2) وأخذ أعضائهم وأنسجتهم البشرية، وهو ما يشكل خطرا على الأشخاص سواء كانوا أحياء أو امواتا، من هنا تأتي ضرورة إصدار تشريعات لتقنين وتنظيم عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية.

رابعا : عدم احترام مكان تنفيذ عمليات نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية : نصت أغلب القوانين المقارنة على تحديد أماكن إجراء عمليات استئصال أو زرع الأعضاء والأنسجة البشرية، وهي غالبا ما تتم في المستشفيات العمومية أو المراكز الاستشفائية الخاصة والتي يتم تحديدها بناء على قرار تنظيمي صادر عن وزير الصحة العمومية (1).

القانون الفرنسي نص في قانون 29 يوليوز 1994 على إلزامية إجراء عمليات أخذ أو زرع الأعضاء البشرية في المؤسسات الصحة العمومية المرخص لها من السلطة الإدارية (وزارة الصحة الفرنسية) حسب المادة 1-1233 من قانون الصحة العامة الفرنسي، والطبيب الذي يخالف هذه النصوص القانونية يسأل جنائيا على مخالفته لأماكن تنفيذ عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية، ويعاقب وفق المادة 5-1272 من قانون الصحة العامة الفرنسي التي تعاقب بالحبس من 2 سنوات وغرامة 30.

000 أورو.

أما المشرع المغربي من خلال قانون 98-16 فإنه ينص في المادة 25 على أنه لا يجوز القيام بنقل أو زرع الأعضاء والأنسجة البشرية إلا داخل المؤسسات العمومية المعتمدة(1) ، غير أنه إذا كان الأمر يتعلق بزرع قرنية العين أو أعضاء قابلة للخلفة بشكل طبيعي أو أنسجة بشرية داخل المراكز الاستشفائية الخاصة المعتمدة لهذا الغرض من طرف وزير الصحة باقتراح من هيئة الأطباء الوطنية بالمغرب فإن الطبيب لا يسأل جنائيا عن ذلك، ويمنع على هذه المراكز الاستشفاء الخاصة إجراء عمليات نقل وأخذ الأعضاء البشرية.

وفي حالة مخالفة الطبيب أو الجراح لهذه المقتضيات المنصوص عليها في المادة 25 يعاقب وفق المادة 31 من قانون 98-16 بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50.

000 إلى 500.

000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

أما إذا كان الأمر يتعلق بعملية زرع قرنية العين الطابع العلاجي أعضاء قابلة للخلفة بشكل طبيعي داخل المراكز الاستشفائية الغير المرخص لها وفق المادة 25 من نفس القانون فان الطبيب أو الجراح يعاقب بنفس العقوبات في المادة 25(2) ، وكذلك الطبيب مدير المؤسسة إذ تم ارتكاب المخالفة داخل مصحة أو داخل مركز استشفائي خاص تطبق عليه نفس العقوبات وفق المادة 3/31 قانون 98/16(2) .

والمشرع المغربي من خلال قانون 98-16 يعطي إمكانية لتحديد المستشفيات العمومية والمراكز الاستشفائية التي يمكن لها أن تقوم بعمليات استئصال وزرع الأعضاء والأنسجة البشرية بناء على قرار صادر عن وزير الصحة (3)كما أنه ألزم الطبيب المدير المستشفى في المادة 17 من نفس القانون من التوفر على سجل خاص يعد لتلقي التصريحات المنصوص عليها في القانون، سواء كانت تعبر عن رغبة الشخص في التبرع بالأعضاء البشرية، أو رفض أو تحديد عضو الذي يمكن أن يكون محل استئصال.

ونظرا لضرورة هذا الإجراء الذي يقوم به الطبيب المتعلق بمسك سجل خاص بالتصريحات داخل المستشفيات المعتمدة، فإنه يسأل جنائيا في حالة استئصال عضو أو نسيج بشري، داخل هذه المستشفيات، وكان قد عبر الشخص عن رفضه لأخذ عضو أو نسيج بشري، ويعاقب بالعقوبات المقررة في المادة 3/36 بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 50.

000 إلى 300.

000 درهم.

إما إذ تم استئصال عضو أو نسيج داخل المستشفيات المعتمدة لنقل وزرع الأعضاء البشرية، وكان الشخص في حالة لا تمكنه من التعبير عن رفضه لذلك، وتمت الإشارة إلى هذه الحالة في السجل الخاص بالمستشفى، وفق المادة 17 (1) فإن الطبيب او الجراح يسأل عن هذه الحالة وتطبق عليه العقوبات المنصوص عليها في المادة 3/36 بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة من 50000 إلى 300.

000 درهم (2).

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0