إن
تطور الجريمة وتطور أساليب إرتكابها، ونظرا لما يعرفه العصر من تطور هائل لوسائل الإتصال نتيجة الثورة التكنولوجية، من شأنه أن يصعب مهام العدالة الجنائية في الوصول إلى المجرمين أو التأخر في ذلك، مما أصبح معه لزاما إعتماد ما وصل إليه العلم الحديث من وسائل تواكب التطور الذي بلغت إليه الجريمة ومن ثم
التصدي لها.
ومن بين الوسائل الناجعة في هذا الإطار نجد إجراء إلتقاط المكالمات والإتصالات الموجهة بوسائل الإتصال عن بعد، وهو ما عمل المشرع على بلورته في شكل قواعد قانونية إبان التعديل الذي أدخله على قانون المسطرة الجنائية الجديد.
وبمراجعتنا للمواد المنظمة لإلتقاط المكالمات والإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد، يتضح أن الخطاب بخصوص القيام بهذا الإجراء موجه لقاضي التحقيق، والنيابة العامة بمحكمة الإستئناف على سبيل الإستتناء، إذ الأصل في ذالك المنع، حسب الفقرة الأولى من المادة 108من ق م ج .
وهكذا إذن فإن للوكيل العام القيام بهذا الإجراء إما بناء عل إذن يحصل عليه من الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف، أو بمبادرة منه في حالة الإستعجال، بشرط إشعار الرئيس الأول بذلك ليقرر بشأن استمراره أو تعديله أو إلغائه .
وهكذا فإن التساؤل الذي يثار بهذا الخصوص هو معرفة الجهة التي تتخذ القرار بإصدار أمر بالتقاط المكالمات .
بالرجوع إلى المادة 108 من ق م ج، يتبين أنه من الصلاحيات الممنوحة للوكيل العام للملك تقديم ملتمس للرئيس الأول لمحكمة الإستئناف من أجل إصدار أمر بالتقاط المكالمات الهاتفية أو الإتصالات المنجزة بوسائل الإتصال عن بعد وتسجيلها وأخذ نسخة منها، أوحجزها إذا اقتضت ضرورة البحث ذلك، متى كانت الجريمة
موضوع البحث تتعلق بالمس بأمن الدولة، أو جريمة إرهابية، أو تتعلق بالعصابات الإجرامية ، أو بالقتل أو التسميم أو بالإختطاف وأخذ الرهائن ، أو بتزييف أو تزوير النقود أو سندات القرض العام، أو بالمخدرات والمؤثرات العقلية ، أو بالأسلحة والذخيرة والمتفجرات ، أو بحماية الصحة، وهي جرائم واردة على سبيل الحصر ولا
يمكن الخروج إلى غيرها .
أما في حالة الإستعجال القصوى فإنه يمكن للوكيل العام الأمر بإلتقاط المكالمات المكالمات أو الإتصالات الهاتفية وتسجيلها وأخذ نسخة منها وحجزها متى كانت ضرورة البحث تقتضي التعجيل خوفا من اندثار وسائل الإثبات، إذا تعلق الأمر بأحد الجرائم المنصوص عليها على سبيل الحصر في الفقرة الرابعة من المادة 108 من
ق ج على أن يشعر الرئيس الأول فورا بالأمر الصادر عنه بهدف تأييده أو إلغائه أو تعديله، ومن ثم فإنه في واقع الأمر فإن الجهة التي لها الحق في إصدار أمر إلتقاط المكالمات الهاتفية والإتصالات المنجزة هي من إختصاص قاضي التحقيق الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف ، ما دام أن هذه الأخيرة هو الذي يتمتع بسلطة
الموافقة على السيد الوكيل العام للملك الرامي إلى الإذن بهذا الإجراء، وكذلك تأييد قرار هذا الأخير أو إلغائه أو تعديله، ومن خلال ذلك يبسط رقابته على قرار الوكيل العام إذ يتأكد من حالة الإستعجال، ومدى أهميتها بالنسبة للبحث، وما إذا كانت الجريمة التي يقع البحث بشأنها واردة ضمن الجرائم المحددة في الفقرة الرابعة من
المادة 108 من ق م ج، لاسيما أن قرار الرئيس لا يمكن الطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن ، حسب الفقرة الثامنة من المادة 108 من ق م ج .
فالملاحظ أن الذي يتخذ قرار التصنت فعليا هو الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف، ونعتقد أن المشرع أسند له هذه المهمة ليس باعتباره أعلى جهة في الدائرة الإستئنافية، ولكن باعتبار أن المشرع جعله هو رئيس الغرفة الجنحية، والتي بطبيعة الحال تعتبر جهة رقابة على عمل قاضي التحقيق وبالتالي جميع الإجراءات و الأوامر المتعلقة
بالبحث التمهيدي .
لكننا نرى من وجهة نظرا أنه وإن كان من المستبعد تصور عدم تأييد الرئيس الأول لأمر الوكيل العام، إلا أنه ممكن الوقوع لذلك فإنه من الأجدر منح الوكيل العام اتخاذ هذا القرار دون رقابة الرئيس الأول، إذ كيف يعقل أن يمنح إتخاد هذا الإجراء من طرف قاضي التحقيق على صعيد المحكمة الإبتدائية ولا يمكن إتخاده من طرف
النيابة العامة بمحكمة الإستئناف، علما أن جميع الجنايات الخطرة تعرض أمامها .
وعلى كل حال وفي انتظار تدخل المشرع، فإن السؤال الهام الذي يطرح في هذا الصدد، ما هي طبيعة هذا الأمر هل هو أمر قضائي أم أمر ولائي ؟
يرى البعض أنه أمر ولائي لأنه غير قابل لأي طعن، وهذه الطبيعة هي التي يجب أن تفسر بها مقتضيات المادة 108من ق م ج، وهو رأي وجيه وقانوني ولا يسعنا إلا تأييده من الناحية القانونية، لكننا لا نخفي تحفظنا حوله في حالة ما إذا كانت الجريمة التي ترغب النيابة العامة إتخاد تدبير التنصت الهاتفي بشأنها خطيرة، لكن الرئيس
الأول ارتأى نظره خلاف ذلك وهو ما قد يجعل وسائل الإثبات تتلاشى وتندثر، لذلك فإن المنطق السليم يقتضي منح الوكيل العام للملك هذا الإختصاص مادام أن الإجراء بكامله جاء به المشرع على سبيل الاستثناء.
وهناك تساؤل أيضا يثار في هذا الصدد، يتعلق بإمكانية النيابة العامة الإلتماس من قاضي التحقيق إتخاد إجراء التنصت الهاتفي في إطار السير العادي لإجراءات التحقيق ؟
يرى البعض أنه يمكن ذلك وأن قاضي التحقيق يمكنه أن يستجيب لهذا الملتمس أو يرفضه، تبعا لما تقتضيه مصلحة التحقيق ولا نعتقد أنه يمكن الطعن في هذا القرار لأنه يكون ذا طابع سري .