انتـــداب الحكميــــن في الطلاق للشقاق

التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية

انتـــداب الحكميــــن في الطلاق للشقاق
التحكيم نظام ذو بعد اجتماعي وإنساني أقره الشرع الإسلامي وتقره القوانين الوضعية الحديثة، لأجل حل النزاعات التي تنشأ بين الأفراد وأحيانا حتى بين الدول، حيث يضطلع بدور هام في تخفيف العبء عن القضاء واختصار معاناة الأطراف.

ومن القضايا التي حث فيها الشرع الإسلامي على اللجوء إلى التحكيم مجرد الخوف من حدوث الشقاق بين الزوجين، لقوله تعالى:  و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ، كما أن معظم القوانين العربية تبعا لذلك نصت على مسألة بعث الحكمين في دعاوي الشقاق و الضرر لعل في ذلك رجاء الإصلاح بين الزوجين المتخاصمين ( ).

فما هي شروط الحكمين ؟ و ما هي الصلاحيات المخولة لهما لاصلاح ذات البين بين الزوجين؟ 1- شـــــروط الحكميــــن: لضمان قيام الحكمين بالمهمة المنوطة بهما من طرف المحكمة على أحسن وجه والمتمثلـة في معرفة أسباب النزاع القائم بين الزوجيـن و محاولة الإصلاح بينهمـا، يتعين أن يتوفر فيهما طبقا للشرع و القانون شرطين أساسين إضافة إلى الشروط العامة الأخرى ( )، و هما شرط القرابة و شرط العدد ، حيث يقول تعالى :  فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ، فالنص عليهما في هذه الآية الكريمة مما لا شك فيه له مغزى ومعنى عميقين، إذ لا يتصور ذكرهما دون أن يكون لهما مقصد شرعي، وهذا ما يتعين معه القول بالحرص مبدئيا على وجوب بعث الحكمين من أهل الزوجين لأن كونهما قريبيـن منهما أدرى من غيرهما بأحوالهمـا وأقدر بذلك على الإصلاح بينهما، كما يجعل الزوجين بعيدين عن كل حرج في التصريح أمامهما بأمور تتعلق بأسرار علاقتهما الزوجيـة، التي قد لا يرغبان في إذاعتها أمام القضاء أو أمام أي شخص آخر أجنبي عنهما، حيث بقول ابن العربي: » المسألة التاسعة : الأصل في الحكمين أن يكونا من الأهل، و الحكمة في ذلك أن الأهل أعرف بأحوال الزوجين وأقرب إلى أن يرجع الزوجان إليهما ، فأحكم الله سبحانه الأمر بأهله « ( )، كما ذكر السيد قطب: » إن عنصر القرابة يجعل الحرج مرفوعا و النفـس أكثر اطمئنانـا، والأسرار أكثر صونـا وحفاظا من الذيـوع والانتشار .

.

.

« ( ).

وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط بأن لم يكن للزوجين معا أو أحدهما قريب يمكن أن يتولى مهمة التحكيم بينهما ، أو وجد و لكن لا تتوفر فيه الشروط الضروريـة، يجوز للمحكمة أن تعين شخصين أجنبيين ( أو شخص أجنبي حسب الأحوال ) مؤهلين للقيام بذلك بمقتضى المجاورة أو المخالطة أو الاطلاع ، يقول ابن العربي: » قال علماؤنا : فإن لم يكن لهما أهل أو كانا و لم يكن فيهما من يصلح لذلك لعدم العدالة أو غير ذلك من المعاني، فإن الحاكم يختار حكمين عدلين من المسلمين « ( ) و جاء في بداية المجتهد و نهاية المقتصد لابن رشد: » اتفق على جواز بحث الحكمين في التشاجر و أجمعوا علىأن الحكمين لا يكونان إلا أن يوجد في أهلهما من لا يصلح لذلك فيرسل غيرهما « ( ).

وإذا كان المشرع المغربي في مدونة الأسرة لم ينص صراحة على شرط القرابة في إجراء التحكيم في دعاوي الشقاق، فإن بعض القوانين العربية بخلاف ذلك ، مثل القانون اللبناني للأحوال الشخصية الذي ينص في مادته 130 على أنه: » إذا ظهر نزاع بين الزوجين وراجع أحدهما الحاكـم، فالحاكم يعيـن من عائلة الطرفين حكمـا، و إذا لم يوجد شخص لتعيينه حكما من عائلة الطرفين أو أحدهما أو وجد لكن غير حائز أوصاف الحكم يعين من يناسبهم من الخارج .

.

.

«، و كذا القانون المصري رقم 25 لسنة 1929 المعدل بموجب القانون 100 لسنة 1985 بنصه في المادة 7 على أنه: » يشترط في الحكمين أن يكونا عدلين من أهل الزوجين إن أمكن وإلا فمن غيرهم ، مما لهم خبرة بحالهما و قدرة على الإصلاح بينهما «.

ولئن كان يجوز التحكيم من شخص واحد في بعض القضايا المدنية التي لا يتعلق بها حق من حقوق الله، فإنه بالنظـر لخصوصية النـزاع في دعاوي الشقـاق، يتعيـن احترام شرط العـدد، كما يستفاد ذلك من قوله تعالى :  فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها ، وكذا من النصوص القانونية المتعلقة بالتحكيم بين الزوجين الواردة في معظم القوانين العربية ،منها المادتين 82 و 95 من مدونة الأسرة، لذلك لا يجوز التحكيم في دعاوي الشقاق إلا من طرف شخصين أحدهما يمثـل الـزوج والثاني يمثل الزوجة، ولا يشترط فيهما الذكورة بل يمكن للمرأة أن تتولى تلك المهمة، حيث جاء في الحكم القضائـي الصادر عن ابتدائية صفـرو ما يلي: » .

.

.

و قررت المحكمة انتداب حكمين لتقصي أسباب الشقاق و أن يكون ذلك بتقرير مكتوب، و كلفت المحكمة أم الزوجة بإعداد تقرير مع أخ الزوج أعلم لها الحاضرين .

.

.

« ( ).

2- صـلاحيــات الحكميــن يتمتع الحكمين في مجال التحكيم بين الزوجين في دعاوي الشقاق، بصلاحيات مهمة لأجل محاولة التوفيق والإصلاح بينهما، فقد ورد في المادة 95 من مدونة الأسرة أنه: " يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين و بذل جهدهما لإنهاء النزاع "، حيث لا يتقيدان أثناء قيامهما بمهمتهما تلك بأوضاع المرافعات وقواعد القانون، وإنما يتقيدان فقط بالقواعد الخاصة الواردة في باب التحكيم بين الزوجين ،من بذل الجهد لتقصي الحقائق والتعرف على أسباب النزاع القائم بينهما ودوافعه وخلفياته، ووضع تقرير بخصوص ذلك يتم رفعه إلى المحكمة في الأجل المحدد من طرفها ( ).

وعليه يجوز للحكمين اختيار الطريقة المثلى التي من شأنها أن تمكنهم من القيام بمهمتهم ، بما في ذلك الانتقال إلى منزل الزوجين للاجتماع بهما معا أو ينفرد كل حكم بالطرف الذي هو من أهله و الاطلاع على أحوالهما، وكذا الاستماع إلى أقوالهما لتكوين فكرة أولية عن أسباب النزاع و المتسبب فيه ،مع إمكانية التردد عليهما بين الفينة والأخرى قصد إتاحة الفرصة لهما عساهما أن يتصالحا ويعيدا علاقتهما الزوجية إلى حالتها الطبيعية، ثم عقـب ذلك يجتمع الحكمان ويتـداولان ويتبادلان المعلومات بينهما، حول النتائج المستنتجة من خلال الحديث الذي أجرياه معا أو أجراه كل واحد منهما مع أحد الزوجين الذي يعنيه.

ولتسهيل مهمتهما و تحقيق غايتها للحكمين أن يذكرا الزوجين بما يجب التذكير به من حقوقهما وواجباتهما المتبادلة، ووجوب حسن المعاشرة، والعواقب الوخيمـة التي قد تنتـج عن تفكـك الأسـرة بالنسبـة لهما و لأطفالهمـا إن وجـدوا، وإشعارهما بأن هذا الخلاف يعتبر من الأمور العادية التي لا يخلو كل بيت منها، إلى غير ذك من الأمور التي يجب أن يعتمد فيها الحكمان على أسلوب الترغيب والترهيب، لتحقيق الغاية التي من أجلها تم انتدابهما في دعاوي الشقاق.

لكن التساؤل المطروح هل تلك الصلاحيات المخولة نظريا للحكمين يتم تفعيلها عمليا ؟ إن ما يجري به العمل بخصوص محاولات الصلح بين الزوجين عن طريق التحكيم، يبرز مما لإيداع مجالا للشك عدم إدراك مضامينها و أهدافها، بحيث انه في ظل ارتفاع نسبة التطليق للشقـاق منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيـق إلى الآن، نتيجـة الإصرار مبدئيـا على طلبه و التشبث به ( خاصة من جانـب المـرأة )، ورفض كل المساعي الرامية إلى إجراء الصلح بين الزوجين التي تقوم بها المحكمة، يجعل مهمة الحكمين تنتهي قبل أن تبدأ، ذلك أن اللجوء إليهما من طرف المحكمة يكون له عمليا طابعا شكلـيا لأجـل فقـط الاستئناس و احتـرام الإجـراءات المسطـريـة لدعـاوي الشـقاق، أما نتيجـة النـزاع فغالبا يتم الحسم فيها مسبقا في الجلسـة الأولى التي تعقدها.

عمومـا في حالـة فشل الحكمين إصلاح ذات البيـن بيـن الزوجيـن أو اختـلفـا في مضـمون التقريـر أو في تحديد المسـؤولية ، أو لم يقدمـاه خـلال الأجل المحدد لهما، فإنهما يرفعان الأمر إلى المحكمة لاتخاذ ما تراه مناسـبا لتسوية الـنـزاع المعـروض عليها( )، من خلال إجراء بحث إضافي حوله بالوسيلة التي تراها ملائمة ( المادة 96 مدونة الأسرة )، و نفـس هذا المقتضى تنص عليه بعض القوانيـن العربيـة كالمجلة التونسية للأحوال الشخصية التي تنص في فصلها 25 على أنه: » إذا اشتكى أحد الزوجيـن من الإضرار به، و لا بينة له و أشكل على الحاكم تعيين الضرر بصاحبه يعين حكمين، و على الحكمين أن ينظرا، فإن قدرا على الإصلاح أصلحا، و يرفعان الأمر إلى الحاكم في كل الأحوال «.

وكذلك من الوسائل التي يمكن للمحكمة اللجوء إليها لإجراء الصلح بين الزوجين أو للقيام بالبحث الإضافي طبقا للمادتين 82 و 96 من مدونة الأسرة، ما يصطلح عليه بمجلس العائلة.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0