يعد نظام التأمين من الانظمة التي شهدت تطورا كبيرا في الحياة المعاصرة، حيث يعتبر من بين أهم الاسس التي تسمح بتحقيق الامن والاستقرار سواء للفرد أو المشروعات كما يساهم في دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وعليه فإن نظام التأمين يعتبر نوعا من الانشطة الاقتصادية )الخدمية( الحديثة، وفي رأي الفقهاء فإن عقد الـتأمين هو أحد العقود المستحدثة التي لم تكن معروفة كما في صورتها الحالية أو أي صورة أخرى وبسبب هذه الحداثة ولما للتأمين من أهمية ضمن هيكل النظام الاقتصادي للبلد، حيث يعتبر جزءا مكمال للنظام المصرفي، فقد أثار عقد التأمين الجدل الكثير فيما يختص بتكييفه الفقهي لذلك قام العلماء المسلمين بالبحث في مشروعيته، ومن خلال الندوات والمؤتمرات التي عقدت على فترات طويلة، نجد أن الفقهاء قد أصدروا فتاوى بتحريم نظام التأمين التجاري، وأوصوا بالبديل الشرعي وهو نظام التأمين التكافلي الذي ترسخ مفهومه في الدائرة الاقتصادية التأمينية، حيث أثبت جدارة الفكر التأميني التكافلي في قيادة هذه الصناعة على أسس وقواعد تميزه عن التأمين التجاري. حظيت صناعة التأمين التكافلي بقبول عموم المسلمين وعلمائهم، لأنها مبنية على أساس التعاون، إذا تم صياغة منتجات وخدمات تأمينية تكافلية لتكون بديال لعقود التأمين التجاري فبظهور المؤسسات المصرفية والاستثماريةالاسلامية كان لا بد من ضرورة إيجاد شركات تحميها من مخاطر العمليات المالية والتجارية التي تمارسها، فظهرت شركات التأمين التكافلي لتساهم في دعم منظومة الاقتصادالاسلامي،
حيث بدأت المسيرة التطبيقية بإنشاء بنك فيصلالاسلامي السوداني لشركة التأمين التكافلية أول شركة تأمين تكافلية إسالمية في العالم، ومما يشير لنمو هذه الصناعة أنه بعدما نجحت في إنشاء شركات التكافل بدأت في نقاش إنشاء شركات إعادة التكافل ليكون لها نظام متكالم يساعدها على الاستقاللية عن خدمات التأمين التجاري. مقابل الانتشار الواسع لصناعة التأمين التجاري لا ينكر وجود عدد من الدول العربية التي تحتوي على عدد محدود من شركات التأمين التكافلي، الامر الذي يتطلب ضرورة بدل ومضاعفة الجهود لتنمية صناعة التأمين التكافلي، من خلال الاستفادة من تجارب الدول التي عرفت انتشارا وازدهارا لهذه الصناعة كالسودان، ماليزيا والمملكة العربية السعودية . هذا ويساهم نظام التأمين التكافلي بمختلف أنواعه في دعم التنمية الاقتصادية، حيث أصبح وجوده ضرورة حتمية لتغطية المخاطر التي تواجه المؤسسات المصرفية والاستثمارية التشاركية )الاسالمية(، فضال عن كونه يجسد معنى التكافل والتعاون، وبذلك نجد أن نظام التأمين التكافلي يشمل على تأمين تكافلي عام، وتأمين تكافلي على الاشخاص. فالتأمين التكافلي العام هو الذي يشمل التأمين على الاشياء و التأمين من الاضرار والتأمين التكافلي من المسؤولية، حيث ينصب على حماية الممتلكات و أمولا المؤسسات والشركات والافراد وهو تأمين قصير المدة، وهذا يعني أن مدة التكافل أو التأمين غالبا ما تكون قصيرة المدى وتتراوح بين ستة )60 )أشهر وسنة أو سنتين. أما بالنسبة للتأمين التكافلي الخاص بالاشخاص أي )البديل عن التأمين على الحياة(، الذي نجده آثار نقاشا كبيرا على غرار باقي الانواع الاخرى للتأمين التكافلي، وذلك العتقاد جانب من الفقهاء الذين أجازوا بعض أنواع التأمين التجاري في حين حرم البعض منهم التأمين على الحياة بجميع صوره فهناك من يرى أن التأمين على الحياة لا يختلف في جوهره و حقيقته عن التأمين من الاضرار أو التأمين الصحي، لكن أثر اسمه الذي يفهم أنه يتعارض مع العقيدةالاسلامية في القضاء و القدر وعدم التوكل على اللهعز و جل، فاقترح تغيير اسم "التأمين على الحياة" إلى "التكافل لما بعد الموت" أو "التكافلالاسلامي لحماية الورثة ولحالات الضعف" ويتفرع التأمين التكافلي على الاشخاص إلى قسمين هما: التأمين على الحياة لحماية الورثة أو نحوهم. التأمين لدفع العوز عند الشدة .
وتأسيسا على ذلك يعتبر التأمين التكافلي على الاشخاص بذلك نوعا من أنواع نظام التأمين التكافلي، وبديال شرعيا للتأمين عن الحياة الذي تعرفه منظومة التأمين التجاري، فقد جاء ليكمل الخدمات التي تقدمها البنوك التشاركية، ليحقق من خلال ذلك شكال من أشكال الامن والاطمئنان الممنوح لكل من البنك و زبنائه، إضافة الى دعمه للتنمية الاجتماعية والاقتصادية نظرا لطبيعته وللأسس التشريعية التي تنظمه. الاطار التاريخــي للموضـــوع: من وجهة نظر تاريخية فقد شهد نظام التأمين التكافلي تطورا ملحوظا، خاصة في السنوات الاخيرة، وأصبح صناعة مالية قائمة بذاتها، حيث حظي بإسهامات فكرية حاولت ايجاد حلول لجميع الاكراهات التي قد تعتريه سواء اكانت إكراهات فقهية أم فنية، فأضحى يحتوي على أحكام وضوابط خاصة به، تتالءم مع أحكام الشريعةالاسلامية ومقاصدها. تعود فكرة نشأة التأمين تعاونيا تكافليا مع نشأة الانسان وتطورت بتطوره، فلم يكن في وسع الانسان أن يعيش أبدا دون أن يضع يده في أيادي الاخرين درءا للمخاطر التي تصيبه، وقد عرفت صورة من التأمين في العصر الفرعوني، فقد كونوا المصريين القدماء جمعيات تعاونية لتحمل تكاليف تجهز ودفن الموتى، وكان يقوم كل عضو في هذه الجمعيات بدفع 3 اشتراك سنوي للجمعية طولا حياته نظير قيام الجمعية عند موته بتحنيط جثته ودفنه . كما ظهر عند العرب قبلالاسلام، فمن المعروف أن العرب اشتهروا بالتجارة ومن أشهر الرحالت التي كانوا يقومون بها للتجارة رحلة في فصل الشتاء ورحلة في فصل الصيف الى الشام، وكان القائمون على تنظيم هذه الرحالت من رؤساء ومشايخ القبائل يجمعون من كل تاجر يشترك في هذه الرحالت مبلغ من المال بنسبة رأس المال الذي يشترك به في التجارة على أن يعوض من هذا المبلغ الذي تم جمعه كل تاجر يصاب بخسارة أو تبور تجارته. وخلال القرن التاسع عشر ميالدي بدأ " التأمين على الحياة " في الظهور، ومع التطور الصناعي الذي شهدته هذه الفترة، وانتشار استعمال اآلالت الميكانيكية والمعالم والمختبرات والمصانع، ظهر نوع جديد من التأمين يسمى بالتأمين ضد المسؤولية كالتأمين ضد حوادث المصانع والمختبرات العلمية، ومع ظهور النقل وتحسن وسائله، أقبلت شركات التأمين على تغطية المخاطر التي قد تنشأ منه سواء تلك التي تتعرض لها الطائرات نفسها، أو ما تنقله من أشخاص وبضائع. بهذه الصورة يتضح لنا بأن التأمين بمعناه التجاري بدأ تكافليا تعاونيا،
ومع ازدهار الصناعة وزيادة التبادل التجاري بين الدول طغى تحقيق الربح على تقديم الخدمة، وانتشر بصورته التجارية في مختلف أنحاء العالم، حيث ظهرت شركات التأمين التجاري في البلدانالاسلامية التي تقوم على مبدأ الربح، فأخذ الفقهاء والباحثين والعلماء بدراسة التأمين التجاري، حيث عقدت الندوات والمؤتمرات، واستقر الامر على تحريم التأمين التجاري مع إيجاد البديل الشرعي وهو شرعية التأمين التكافلي، ويعتبر العالمة "محمد أمين ابن عابدين" أول فقيه تحدث عن التأمين بصيغته المعهودة اليوم، حيث يرى بأن نظام التأمين التجاري باطل في حين أجاز صيغة بديلة هي صيغة التأمين التكافلي. وبدأ التطبيق الفعلي لنظام التأمين التكافلي بعد صدور فتوى مجمع الفقهالاسلامي التابع لرابطة العالمالاسلامي في دورته المنعقدة بمكة المكرمة سنة 0191م وقرار أسبوع الفقهالاسلامي الثاني المنعقد بدمشق سنة 0100م، ومؤتمر مجمع البحوث العلمية السابع بالازهر سنة 0110م، وقرار هيئة الرقابة ببنك الفيصلالاسلامي السوداني، وكانت دولة السودان صاحبة السبق في إنشاء أول شركة تأمين تكافلي سنة 0111م، واعتبرت هذه الفترة نقلة كبيرة وحقيقية لنظام التأمين التكافلي من المجال النظري إلى المجال العملي التطبيقي، وذلك من خلال المباحثات وتداول اآلراء في المجامع الفقهية والندوات العلمية والمؤتمرات العالمية حول عدم شرعية التأمين التجاري، مما استدعى ضرورة إيجاد بديل شرعي له، وذلك بإنشاء شركات تأمين تكافلية، تقوم مقام شركات التأمين التجارية.
أما في المغرب وباعتباره من أواخر الدول العربية التي شرعت في وضع إطار قانوني للمالية التشاركية، فقد أدخل التأمين التكافلي أول مرة في مدونة التأمينات، بموجب القانون رقم 01.21 المعدل والمتمم لمدونة التأمينات، وبعد مخاض عسير وتعديالت متكررة ومعمقة، وأخذا بعين الاعتبار لكل المالحظات التي قدمها المجلس العلمي الاعلى واللجنة الشرعية للمالية التشاركية، تم إقرار التأمين التكافلي بصيغته النهائية بموجب ظهير شريف رقم 0.01.006 صادر في 1 ذي الحجة 0226 الموافق ل 1 أغسطس 4601 بتنفيذ القانون رقم 09.91 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 01.11 المتعلق بمدونة التأمينات، وذلك في انتظار العمل بها من قبل مؤسسات التأمين. الاطــــار المفاهيمــي للموضوع: انبثقت فكرة التأمين التكافلي من نظام التأمين التجاري ولكنه أشمل وأعم بحيث يلبي حاجة المجتمع من أفراد وشركات وغير ذلك، حيث لا يقتصر على أصحاب مهنة معينة أو شريحة معينة من المجتمع، كما أنه ينسجم مع أحكام وقواعد الشريعةالاسلامية، و لما كان التأمين التكافلي من بين المواضيع المهمة في النشاط الاقتصادي المعاصر فقد تعددت التعاريف بتعدد الباحثين الذين تناولوه، حيث تناوله لبعض منهم كنظام في ما تطرق له البعض الاخر كعقد وفي ما يلي أبرز التعاريف التي جاءت في ذلك: التأمين لغة: مادة ) أمن( تدل في أصلها على ثالثة معان: الامانة: ضد الخيانة: 4 { وتخونوا أمانتكم وأنتم تعلمون{ ، والامن: ضد الخوف: }وأمنهم من خوف{ 5 ، والايمان: 6 ضد الكفر: } يأيها الذين ءامنوا لا تكونوا كالذين كفروا{ ، والتأمين مصدر فعل رباعي مضعف العين: أمنه يؤمنه: أعطاه الامان، فهو مؤمن واسم المفعول مؤمن، ويقال استأمن فالنا على ماله: جعله أمينا عليه فهو مستأمن، مشتق من الامن، والامن مصدر فعل رباعي ثالثي: أمن يأمن مثل سلم يسلم وزنا ومعنى، أمنا وأمانا وأمانة وأمنة وأمنا وإمنا، أي: اطمأن 7 ولم يخف، فهو آمن وأمن وأمين . والتأمين يستهدف الامن والسالمة، فيستعمل موصوفا، كالتأمين التجاري والبحري، ومضافا، كالتأمين الشيخوخة والعجز، ومتعديا بــ "على"، كالتأمين على الحياة وعلى القروض، وبــ" الالم"، كالتأمين للزواج وللوفاة، ومع "ضد"، كالتأمين ضد المخاطر.
التأمين اصطالحا: من الناحية الفقهية وحسب ما كتب العلماء المتقدمون بمعنيين: بمعنى )آمين(، وبمعنى ) الضمان(، فالتأمين بمعنى )آمين(، وهو ما قال عنه نزيه حماد: التأمين في لغة الفقهاء يعنون به قول آمين، فيقولون: :أمنت على الدعاء تأمينا، أي قلت عنده: 8 آمين، ومعناه: استجب" . 9 وقد يطلق الضمان ويراد به التأمين، وهو في فقهالاسلامي عام وخاص : ـ الضمان بمفهومه العام: قال الشيخ علي الخفيف: " الضمان بمعناه الاعم في لسان الفقهاء هو شغل الذمة بما يجب الوفاء به من مال أو عمل، والمراد ثبوته فيها مطلوبا أداؤه شرعا عند تحقق شرط أدائه، سواء أكان مطلوبا اداؤه في الحال كالدين الحال، أو في الزمن المستقبل المعين، كالدين المؤجل الى وقت معين، إذ هو مطلوب أداؤه في لما تحقق شرط أدائه، كالمبيع في يد من اشتراه بعقد فاسدا فإن ضمانه على مشتريه مادام في يده، يضمنه بقيمته إذا هلك لبائعه". وقال القرافي رحمه هللا: " أسباب الضمان ثالثة: الاتالف نحو قتل الحيوان، أو التسبب في الاتالف نحو حفر بئر ليقع فيه إنسان، أو وضع اليد غير المؤمنة بقبض المشتري للمبيع بيعا فاسدا والغاصب ". ـ الضمان بمفهومه الخاص: قد يطلق ويراد به )التأمين(، وهو ما نجده في بعض النصوص القديمة، كما في القانون العثماني، ومنه: أن " الضمان هو تعهد بالتعويض، لقاء رسم معين، عن الخسائر والاتالف التي تحصل للأمولا المنقولة وغير المنقولة من جراء المهالك والاخطار من أي نوع كانت". لذلك فإن بعض النصوص القانونية لمجوعة من الدول العربية كالعراق وسوريا والاردن، التي اعتمدت على القانون العثماني، الزلت تطلق على التأمين مصطلح "الضمان".
- التأمين التكافلي لغة: مكون من كلمتين: ) التأمين( و )التكافل(، فهو مركب إضافي ) التأمين( سبق تعريفه، أما )التكافل(، فهو مصدر تكافل تكافال، وتكافل القوم: تعايشوا 10 وتضامنوا، أي تعاونوا، وهو المعنى الذي يفهم من )التعاون( . أما التأمين التكافلي اصطالحا: فقد اختلفت الدراسات في تعريفها لمفهوم التأمين التكافلي وذلك لأن شكل التعاون يختلف بحسب الحالة التي تراد، ولكن عند التأمل في 11 التعريفات الواردة عليه، نجد أنها تنحصر في صورتين : ـ الصورة الاولى: تنطبق على تأمين تكافلي غير منظم ، وهو " تأمين لا يقوم على الاشتراك والتحديد ) الشخص الذي يصرف له غير معين(. وإنما يمارس بين الناس على وجه العموم من قبيل المساعدة لبعضهم البعض، للتخفيف مما قد يطرأ عليهم من أضرار". ـ الصورة الثانية: تنطبق على تأمين تعاوني منظم، وهو ما يأخذ شكل التنظيم، والادارة، والاشتراك، والتحديد بين الجماعة التضامنية من أجل مواجهة الاخطار والكوارث التي قد تقع على بعضهم، وهو ينقسم إلى قسمين هما: التأمين التكافلي البسيط والتأمين التكافلي المركب. التأمين التكافلي البسيط )التبادلي المباشر(: المراد به تعاون مجموعة من الاشـخاص لتفـادي الاضـرار الناتجـة عـن خطـر معـين، بحيـث يـدفع كـل مـنهم مبلـغ مـن المـال ليـتم تعـويض مـن أصـيب بـالخطر مـنهم مـن مجمـوع تلـك الاشتراكات، وإذا بقي شيء أعيد لهم، وإذا لم تف الاقساط أخذ منهم. التأمين التكافلي المركب )التبادلي المتطور(: هو تأمين تكافلي بسـيط في الاصـلالاأنـه تتـولى إدارتـه شـركة متخصصـة بصـفة الوكالـة، ويكـون جميـع المسـتأمنين مسـاهمين في هـذه الشـركة، وتتكـون مـنهم الجمعيـة العموميـة، ثم مجلس الادارة.