التطبيـق القضائـي التلقائـي لمسطـرة الشقــاق
التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية
فالمشرع المغربي في مدونة الأسرة أحاط التعدد بضوابط و قيود قانونيـة صارمة، حرصا على تحقيق العدل بين الزوجات مصدقا لقوله تعالى : فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة ( ) و حمايـة لحقوق الأطفال ، لذلك نجده يخضع طلبـات الإذن بالتعدد لرقابة قضاء الأسرة ، بحيث إن المحكمة لا تستجيب لها لمجرد الخـوف من عدم العدل أو إن وجد في عقد الـزواج شرط من الزوجة بعـدم التـزوج عليها ( )، وبذلك فالإذن بالتعدد رهين طبقـا للمادة 41 من المدونة بتثبت المحكمة من وجـود مبرره الموضوعي الاستثنائي ( )و توفر لطالبه الموارد الكافيـة لاعالة أسرتيـن، وضمان جميع الحقـوق من نفقة و إسكـان و مساواة في جميع أوجه الحياة ( )، وهذا لا يمكن التحقق منه من طرف المحكمة إلا من خلال تفعيل كافة الضمانات القانونية التي توفرها الضوابط الإجرائية المرتبطة بمسطرة التعدد ، ولعل أهمها الحضور الشخصي للزوجة المراد التزوج عليها لمحاولة الإصلاح و التوفيق بينهما، وذلك بعد الاستماع إليهما واستقصاء الوقائع و تقديم البيانات الضرورية في هذا الشـأن ، بحيث إذا ثبت للمحكمة من خلال المناقشات التي تجريها في غرفة المشورة، تعذر استمرارية العلاقة الزوجية وطلبت الزوجة التطليق، فإنها تقوم طبقا للمادة 45 من المدونة باتخاذ الإجراءات الضرورية التي تضمن لها كافة حقوقها وحقوق أطفالها، بتحديد مبلغ يكفي لاستفائها يودعه الزوج طالب التعدد في صندوق المحكمة في أجل لا يتعدى سبعـة أيام تحت طائلة اعتباره متراجعا عن طلبه - ثم تأذن بالتعدد بمقرر قضائي لا يقبل أي طعن.
وعليه فالمحكمة في تفعيلها لمسطرة التعدد ملزمة بمراعاة حالات الزوجين التي تستفاد من قرائن لفظية و أخرى حالية ، بحيث يجب النظر إلى حال الزوج الراغب في التعدد من زاوية قدرته على تحقيق المقصد الشرعي منه و المتمثل في العدل من جهـة، وفي ضرورته المصلحية من جهة أخرى، مع التأكد من عدم وجود شرط مانع من طرف الزوجة، و كذا النظر إلى حال هذه الأخيرة التي إما أن تقبل التعدد، أو لا تقبل به و تطلب التطليق أو لا تقبل به و لا تطلب ذلك ( )، بحيث قد يحصل أن يتمسك الزوج بطلبه الرامي إلى الإذن له بالتعدد ، إلا أن الزوجة المراد التزوج عليها ترفض ذلك و لا تطالب بالتطليق ، مما يخلق نوع من النزاع بينهما يجعل الأسرة تعيش في وضع غير مستقـر تتضرر منه حقـوق الجميـع و خاصة الأطفال إن وجدوا ، لذلك وعيا من المشرع بالمشاكل التي قد تنجم عن هذا الوضع الأسري الذي ينم عن تعارض مصالح الأطراف المعنية بموضوع التعدد ، فقد أجاز للمحكمة استثناء إمكانية اللجوء تلقائيا إلى تطبيق مسطرة الشقاق مرخصا لها بذلك تحوير موضوع النزاع، ذلك أن من الضمانات الأساسية لضمان الحياد القضائي، منع القاضي أو المحكمة حسب الأحوال تعديل أي عنصر من عناصر النزاع الموضوعية و الشكلية بالشكل الذي طرحه الخصوم، إذ يجب الفصل فيه دون إدخال عناصر جديـدة قد تعقد أو تؤخر ذلك، و هو ما ينص عليـه الفصل 3 من قانون المسطـرة المدنيـة حيث جاء فيه: » يتعين على القاضي أن يبت في حدود الطلبات و يبت دائما طبقا للقانون المطبق على النازلة و لو لم يطلب الأطراف ذلك بصفة صريحة «.
و بذلك فالتطبيق القضائي التلقائي لمسطرة الشقاق ، يجسد الدور التدخلي للقضاء في حسم النزاعات الزوجية الناجمة عن تفعيل مسطرة التعدد، ليبقى السـؤال المطروح: هل يمكن الحديث عن حالات أخرى للتطبيق القضائي التلقائي لمسطرة الشقاق ؟ مبدئيا يمكن الجزم بصعوبة التدخل القضائي التلقائي لتطبيق مسطرة الشقاق في كل حالة نزاع بين الزوجين دون إثارة الدعوى منهما أو من أحدهما، إلا أن ذلك التدخل يمكن أن يتحقق في بعض الحالات إذا ما استحضرنا الدور الهام الذي أضحت تضطلع به النيابة العامة في قضايا الأسرة ، حيث أصبحت طبقا للمادة 3 من مدونة الأسرة طرفا أصليا في كل القضايا الرامية إلى تطبيقها، و هو ما يعني تعزيز دورها التقليدي الذي كانت تقوم به في الدعاوى المدنية وفقا لنصوص قانون المسطرة المدنية.
فالمشرع من خلال مواد مدونة الأسرة خول للنيابة العامة باعتبارها طرفا أصليـا صلاحيات وقائية و حمائية مهمة ، كلها تصب في اتجاه حماية الأسرة من التفكك و الحفاظ على مصالح الزوجين و الأطفال ( ) ،و بذلك يمكن لها طبقا للقانـون أن تبادر بصفتها مدعية إلى رفع دعوى الشقاق ضد الزوجين إذا ثبت لها ما يبرر ذلك كتضرر الأطفال من جراء النزاع القائم بينهما .
.
.
، للنظر في مدى استعدادهما لإعادة علاقتهما إلى حالتها الطبيعية حفاظا على استقرار الأسرة، أو الحكم بالتطليق بينهما عند الاقتضاء، غير أن النيابة العامة قبل إقدامها على ذلك يجب أن ترجح المصلحة العامة للأسرة وتجعلها فوق كل اعتبار حتى لا يكون لتدخلها آثار عكسية على وحدتها.
وطبعا بصفتها مدعية في هذه الحالة لا يجوز تجريحها من طرف الأطراف، لأن الخصم لا يجرح خصمه و إنما يواجهه بحججه و وسائل دفاعه، و لها أن تقوم أيضا بتجريح القاضي طبقا للقانون باعتبارها خصما في الدعوى، كما تأخذ الكلمة قبل الأطراف و تملك حق الطعن ( ).
ما يدعم هذا الرأي أن الفقه المالكي الذي يعتبر المرجع الفقهي الذي ينبغي على القضاء العمل به فيما يخص تطبيق مدونة الأسرة، تعامل بكثير من المرونة مع مسألة تعيين الحكمين، بحيث لم يشترط حصول الشقاق والخصومة ورفع الأمر إلى المحكمة لكي تتدخل، بل يكفي أن يعلم الحاكم أو القاضي بأنه حصل نوع من النزاع بين الزوجين يخاف منه الشقاق كي يسوغ له التدخل لحسمه، لذلك فالرأي الراجح عند جمهور العلماء أن المخاطب في قوله تعالى : و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله عليما خبيرا ( ) هم الحكام لأنهم هم المكلفون بالسهـر على مصالح المجتمع و رفع المظالـم عن أفـراده ( )، حيث يقول في هذا الإطار الفقيه ابن العربي المعافري المالكي الأندلسي ما يلي : » إذا علم الحاكم ( أي القاضي ) من حال الزوجين الشقاق لزمـه أن يبعـث إليهما حكمين و لا ينتظر ارتفاعهما، لأن ما يضيع من حقوق الله أثناء ما ينظر رفعها إليه لا جبر له« ( )، و كذلك قال الحطاب الملكي : » إذا اختلف الزوجان و خرجا إلى ما لا يحل من المعاتبة كان على السلطان أن يبعثا حكمين ينظرا في أمرهما، و إن لم يرتفعا و يطلبا ذلك، فلا يحل أن يتركهمـا على ما هما فيه من المآثم و فسـاد الدين « ( ).
عموما إذا كانت الغاية من التطبيق القضائي التلقائي لمسطرة الشقاق حسم النزاع القائم بين الزوجين حول مسألة التعدد ، تفاديا لكل الآثار السلبية التي قد تنجم عن استمراره، فإن اللجوء إلى تطبيقها من طرف الزوجين أو أحدهما ينبغي أن يتأسس على أحد المبررات المنصوص عليها في مدونة الأسرة.