الصلح في القوانين المدنية

الصلح في القوانين المدنية

المبحث الثاني : الصلح  في القوانين  المدنية

مما لا شك فيه ان الميدان المدني يعتبر المجال الخصب لأعمال الصلح واعتماده في حل النزاعات التي تثور بين افراد  المجتمع، التي  عادة ما تكون حول الحقوق التي يملكون التصرف فيها.

ويمكن القول بان المبدا العام هو امكانية اللجوء آلي الصلح،  وان الاستثناء هو حظر ذلك في حالات قليلة (38) ، بل ان المشرع ارتأى في حالات كثيرة ان ينص على وجوب اللجوء آلي  الصلح ورتب على مخالفة ذلك اثرا مهما يتراوح ما بين عدم قبول الدعوى،  وسقوط حق الطرف الذي تقاعس  آو تراخى عن المطالبة بالصلح في الاجل وحسب الشروط القانونية.

 

وقانون الالتزامات والعقود خصص القسم التاسع الفصول : 1098 الى 1116  للتعريف بالصلح، وشروط  ابرامه، والمجالات التي لا يجوز فيها، ونطاق الصلح الاثار المترتبة عليه، وكذا حجيته، ومتى يجوز الطعن فيه وكيفية تنفيذه وتفسيره وتأويله.

 

اما القوانين المدنية  الخاصة التي تتناول الصلح او تشير اليه فهي كثيرة ومتعددة، وتتعلق بمختلف جوانب الحياة المدنية كقضايا الاسرة والاحوال الشخصية والقضايا الاجتماعية وقضايا الكراء وقضايا المسؤولية  المدنية او القضايا  التجارية.

 

ويرد الصلح في قوانين الشكل،  كما يرد في قوانين الموضوع فضلا عن  الاشارة اليه في القوانين المنظمة  لبعض المهن المساعدة للقضاء او التي لها اختصاصات شبه قضائية كما هو الشان بالنسبة لبعض اللجن الإدارية او الظهير المنشئ لخطة الحسبة ومهام المحتسب وكذا الظهير الشريف المحدث لولاية المظالم.

 

على انه لا بد من ملاحظة ان يعرض النصوص توجب اللجوء الى  الصلح ترتب على اغفال ذلك آثارا قانونية كما تقدم، في حين نجد بعض القوانين الاخرى تجيز ذلك فقط وتترك الحرية للطرفين لاخذ المبادرة ولا ترتب أي اثر على  عدم القيام بمحاولة الصلح.

 وسنبحث  في نقطة اولى الفئة الاولى من القوانين، كما سنتعرض الى الفئة الاخرى في نقطة ثانية، وسنختم هذا المبحث باستعراض لبعض الجهات الموكول لها محاولة اصلاح الطرفين والتوفيق بينهما.

 

أولا : القوانين التي  توجب اللجوء الى الصلح

يأتي قانون المسطرة المدنية ومدونة الاحوال الشخصية  وظهير 24 ماي55 المنظم لكراء الاماكن المعدة للاستعمال التجاري والصناعي، وظهير 63  المتعلق بالتعويض عن حوادث  الشغل، وظهير 2 اكتوبر1984 المتعلق بتعويض المصابين  في حوادث السير، تاتي هذه القوانين في مقدمة القوانين  التي توجب الصلح،  وسنستعرض بعض الاحكام والمقتضيات الواردة في هذه القوانين  حسب موضوعها والنزاعات المتعلقة بها.

 

1- الصلح في قضايا الأحوال الشخصية

ينص الفصل 212 من قانون المسطرة المدنية على انه بعد تقديم مقال التطليق يستدعي  القاضي الزوجين قصد  محاولة التصالح بينهما كما ان مدونة الاحوال الشخصية تنص في الفصل 56 المتعلق بالتطليق  للضرر على الزوجة اذا ادعت ان زوجها يحلق بها أضرارا، لا تستطيع معها دوام العشرة معه، وثبت ما ادعته وعجز القاضي  عن الاصلاح بينهما، فانه يطلقها عليه فاذا لم تستطيع اثبات ما تدعيه رفض طلبها،  لكن اذا كررت الدعوى فينبغي  ان يبعث القاضي حكمين للسداد والتوفيق بينهما.

وعلى  الحكمين ان يتفهما اسباب الشقاق،  ويبذلا جهدهما في الاصلاح، واذا عجز عن ذلك رفعا الامر للقاضي.

 

وفيما  يتعلق  بمسطرة الطلاق  فان الفصل 179 من ق م م  بعد تعديل 10 شتنبر1993  ينص على  ضرورة محاولة الصلح بين الزوجين قبل الاذن للزوج بايقاع الطللاق، في حين اقتصر  التعديل بالنسبة للفصل  48 من مدونة الاحوال الشخصية  على ان الطلاق لا  يسجل إلا بحضور الطرفين وبعد اذن القاضي، لكن اذا توصلت الزوجة بالاستدعاء ولم تحضر،  وأصر الزوج  على ايقاع الطلاق استغني عن حضورها.

وهكذا يتضح  بان التعديل  لم يشر الى ضرورة إجراء الصلح بين الزوجين قبل الطلاق، واقتصر على استدعائهما لحضور الاشهاد بالطلاق في مدونة الاحوال الشخصية.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

38- طبقا للفصل 1100  من ق ل ع " لا يجوز  الصلح في المسائل  المتعلقة بالحالة الشخصية او النظام العام او بالحقوق الشخصية الاخرى الخارجة عن دائرة التعامل".

كما ان  الفصل 1101  من نفس القانون ينص على انه " لا يجوز الصلح بين المسلمين على ما لا يجوز شرعا التعاقد عليه بينهم".

والفصل 1102  يقضي بعدم جواز الصلح على حق النفقة،  ولكن يجوز عن طريقة اداء ما هو مستحق منها ولو على شكل أقساط ".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

ونعتقد بان ذلك مجرد سهو وإغفال،  لان الهدف من استدعاء الزوجين لجلسة الطلاق  امام قاضي  التوثيق واصلاح ذات بينهما وإقناعهما بعدم إتيان أبغض الحلال الى الله،  خاصة عندما يكون لهما أولاد، كما هو واضح  من الفصل 179  ق م م المعدل.

 

هذا فضلا  عن تمكين التوثيق  من الاحاطة بكل  العناصر الضرورية والكفيلة بتمكينه من تحديد  الواجبات المترتبة على الطلاق بعدل  وانصاف والمناسبة للظروف الاجتماعية  للزوجين.

وهكذا يتبين بان هناك تباينا أو على الاقل عدم المواءمة بين قانون المسطرة المدنية، ومدونة  الاحوال الشخصية  حول اجبارية القيام بمحاولة الصلح بين الزوجين قبل ايقاع الطلاق،  بحيث توجب المسطرة المدنية ذلك في حين لا  تشير اليه مدونة الاحوال الشخصية وهذا ما دفع بعض الفقه وكذا بعض قضاة التوثيق الى انتقاد المشرع في هذه النقطة والى القول  بان الطلاق  في المذهب المالكي يقع بمجرد التلفظ  به او كتابته من طرف الزوج،  بل وبمجرد اشارته المعلومة ان كان عاجزا ويجب الاشهاد على ذلك في  حينه، ومن ثم لا مجال  للقيام باي صلح.

 

ولعل هذا ما دفع  أيضا  وزارة العدل  الى اصدار بعض المناشير وتنظيم بعض الايام الدراسية  لقضاة التوثيق (39) لتوحيد مسطرة الطلاق في جميع اقسام التوثيق، وحثهم على ضرورة القيام  باكثر من محاولة للصلح وتفادي ارتفاع  نسبة الطلاق.

 

وارتباطا بموضوع الصلح في مسطرة الطلاق تجدر الاشارة الى ان الامر الصادر عن قاضي التوثيق  بتحديد الواجبات المترتبة على الطلاق النهائي  ولا يقبل أي طعن، لكن يمكن للمتضرر منه ان يتقدم لقاضي الموضوع بمقال يرمي إلى مراجعته وطبقا للفصل 180 من ق م م يتعين على هذا القاضي ان يستدعي الطرفين حالا وان يجري محاولة صلح بينهما، واذا  تم  التصالح  اصدر القاضي في الحال حكما نهائيا باثبات الصلح والاتفاق المبرم الذي ينهي النزاع، وينفذ الحكم المذكور ولا يقبل أي طعن.

 

2- الصلح في القضايا الاجتماعية

ينص الفصل 2777 من قانون المسطرة المدنية على ما ياتي :

" يحاول القاضي في بداية  الجلسة التصالح بين الاطراف"

ويطبق هذا في جميع  القضايا الاجتماعية  سواء منها  النزاعات المتعلقة بعقد الشغل او أي خلاف ينشا بين المشغل الاجير، او قضايا حوادث الشغل الامراض المهنية، او قضايا الضمان الاجتماعي حيث يتم اثبات  الصلح او الاتفاق بمقتضى امر.

 

او محضر حسب التفصيل  المبين في الفصل 278 من ق م م وكلاهما يضع حدا للنزاع وينفذ بقوة القانون ولا يقبل أي طعن (40) ولا يمكن احالة  الطرفين على جلسة الحكم الا بعد فشل  محاولة الصلح وتعذر تحقيق التوفيق بينهما.

 

وقد استقر الاجتهاد القضائي على مستوى محاكم الاستئناف والمجلس الاعلى على الغاء او نقض الاحكام  والقرارات التي لا تشير الى اجراء  محاولة الصلح في القضايا الاجتماعية، كما اعتبر القضاء ان الامر او المحضر المثبت  للصلح هو عقد قضائي وككل العقود  يمكن ان يكون قابلا للابطال لعيب في الرضا وهذا ما ذهبت اليه  محكمة الاستئناف بالرباط في قرارها المؤرخ بـ 1952/11/15 والذي جاء فيه : " الآمر القضائي بالانفاق الواقع عند محاولة الصلح يمكن ان  يكون قابلا للابطال نتيجة الخطا الواقع في حساب اجر المصاب على اثر التصريحات  الكاذبة للمؤاجر" (41).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

39- المنشور عدد 007 سري بتاريخ 2002/2/5 والذي لم يقتصر على التاكيد  على اجراء الصلح قبل الاذن بالطلاق، ولكنه ذهب بعيدا والزم العدول بالاشارة الى ذلك في عقد الطلاق والتنصيص فيه على فشل هذه المحاولة، وكل الاجراءات  المتخذة فيها من استدعاءات  وحضور او تخلف في جلسة الصلح وافادة القيم عند الاقتضاء.

40- حكم ابتدائية الدار البيضاء بتاريخ 22/2/1950 مجلة المحاكم المغربية عدد 1065  سنة 50 ص60.

41- محكمة ميكو: قواعد المسطرة في المادة الاجتماعية.

محمد سعيد بناني : قانون الشغل  بالمغرب،  علاقات الشغل الفردية الجزء 1 ص 74.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

من اهم المميزات الاساسية التي تنفرد بها مسطرة الصلح  في القضايا الاجتماعية ان القاصرين الذين لم تتأت مؤازرتهم من طرف آبائهم او حاجريهم يمكن للقاضي  ان ياذن لهم بطلب الصلح وابرامه والدفاع عن مصالحهم في هذه المسطرة.

 

3- الصلح في قضايا الكراء

يعتبر كراء المحلات المعدة للاستعمال التجاري والصناعي من اهم العقود في الحياة العملية، وينظمه ظهير 24 ماي1955 والذي يتميز بمسطرة الصلح  الاجبارية المنصوص عليها  في الفصل 27 منه، كما يتميز بانه قانون مختلط يجمع بين الشكل والموضوع بل وبينهما ويبن التنظيم القضائي او القانون القضائي الخاص، لانه ينص على جهتين قضائيتين مستقلين هما : قاضي الصلح، وقاضي الموضوع وحدد لكل منهما اختصاصها المسطرة المتبعة، والقواعد الموضوعية المطبقة امامها، وطرق الطعن  في الاوامر والاحكام الصادرة عنها.

 

ما يهمنا الان في الظهير هو مسطرة الصلح الإجبارية الواردة فيه، والتي اوجب الفصل 27 على المكتري سلوكها خلال اجل  ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ تبليغه بالانذار بإنهاء عقد الكراء او تعديل  شروطه وذلك تحت طائلة سقوط حقه في الانتفاع بمقتضيات الظهير،  كما حدد بدقة  متناهية الإجراءات  التي ينبغي اتباعها خلال جلسات الصلح، والآثار المترتبة عن حضور او تخلف أي من  الطرفين، حدود سلطة قاضي الصلح  وكذا اختصاص قاضي الموضوع بتحديد شروط تجديد عقد الكراء.

 

وبشكل العمل القضائي المتعلق بمختلف إشكاليات مسطرة الصلح في نطاق هذا الظهير ثروة زاخرة وغنية كانت ولا تزال موضوع ابحاث  ودراسات تعاليق لا يسمح هنا باستعراضها كلها وآخر اشكالية كانت محل خلاف فقهي وقضائي هي المحكمة المختصة للنظر في مسطرة الصلح وتجديد عقد الكراء التجاري، أو التعويض عنه في حالة انهائه، بعد احداث المحاكم التجارية حيث انقسم  الفقه واختلفت المحاكم فيها، ويمكن رصد اهم  الاتجاهات في هذا الصدد وتصنيفها على الشكل الاتي :

 

الاتجاه الاول : الاختصاص للمحاكم التجارية

يرى بان الاختصاص للبت في مسطرة الصلح وكل ما يتعلق بتطبيق ظهير 55/5/24 المتعلق بكراء المحلات المعدة للاستعمال  التجاري والصناعي  منعقد للمحكمة التجارية لان الامر  يتعلق بدعاوي تعد من صميم النزاعات المرتبطة بالاصل التجاري المنصوص عليها في الفقرة الاولى من المادة الخامسة من القانون رقم 53 -95 المحدث للمحاكم التجارية.

 

وتعتبر محكمة الاستئناف التجارية بمراكش متزعمة لهذا الاتجاه والتي جاء في احد قراراتها بان المادة الخامسة من القانون 53-95 "جاءت واضحة ولا تحتاج الى تاويل، وان لفظة النزاعات الواردة في الفقرة 5 منها جاءت شاملة لجميع النزاعات سواء تعلق الامر بالعقود المنصبة على الاصل التجاري،  او النزاعات الرامية الى رفض تجديد العقود في اطار ظهير24/5/55 أو غيرها من المنازعات الاخرى، وسواء تعلق الامر بنزاع حول الاصل التجاري برمته او احد عناصره، اذا ان مناط اختصاص المحاكم التجارية هو وجود نزاع يتعلق  بالاصل التجاري  بصرف النظر عن كون  العقد  مدنيا  او تجاريا".

 

الاتجاه الثاني الاختصاص للمحاكم العادية  أي ذات الولاية العامة

خلافا  للاتجاه الاول فان بعض المحاكم التجارية تصرح بعدم اختصاصها للبث في النزاعات المتعلقة بكراء المحلات التجارية،  وترى بان الاختصاص يعود للمحاكم العادية كما عليه الشان قبل صدور القانون المحدث للمحاكم التجارية وذلك لعلة ان النزاع  في هذه القضايا لا ينصب  على الاصل التجاري، ولكنه  يتعلق  فقط بعقد الكراء،  شانها شان أية منازعة تنصب على أي عنصر  من عناصر  الاصل التجاري وينبغي ان تبقى ضمن اختصاص المحاكم ذات الولاية العامة.

 

وتمثل المحكمة التجارية بالبيضاء هذا الاتجاه كما يتضح  من حكمها الصادر بتاريخ 9 يناير1998 في الملف  2434 وهو الحكم الذي الغته محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء، وصرحت  باختصاص المحكمة التجارية لكن باسباب وحيثيات أخرى كما سنرى في الاتجاه الثالث.

 

الاتجاه الثالث : الاختصاص منعقد للمحاكم التجارية ومحاكم الولاية العامة

هذا الاتجاه يسند الاختصاص للجهتين القضائيتينالمحاكم التجارية، ومحاكم الولاية العامة انطلاقا من صفة  اطراف العقد التي يستمد  منها  هذا الاخير  طبيعته  التجارية أو العادية المختلطة.

وهكذا  يكون عقد الكراء  عقدا تجاريا اذا  ابرم  بين تاجرين  وينعقد الاختصاص للمحاكم التجارية، وهذا ما ورد في حكم للمحكمة التجارية بالرباط بتاريخ 1998/6/30  وتاريخ  1998/7/2  والذي ايدته محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء في 26 غشت 1998  بانية قرارها  على ان النزاع  اثير بسبب عقد كراء تجاري  ابرم بين تاجرين، مما تكون معه المحكمة التجارية مختصة للبث فيه.

 

اما اذا كان عقد الكراء مبرما بين تاجر  وشخص غير تاجر - مدني - فان المحكمة الابتدائية  تكون هي  المختصة ما لم يكن  هناك اتفاق على اسناد الاختصاص للمحكمة التجارية، وفي هذا الصدد صرحت محكمة الاستئناف التجارية بالبيضاء بتاييد الحكم الابتدائي  القاضي بعدم اختصاص المحكمة التجارية : قرار عدد 99/181 بتاريخ 1999/02/18 ملف 99/7/134  غير منشور.

 

واذا كان المكري غير تاجر وكان هو المدعي في القضية واختار ان يرفع الدعوى امام المحكمة التجارية  باعتبارها محكمة المدعى عليه التاجر، فان الاختصاص ينعقد بهذه الاخيرة،  ولو تمسك المدعى عليه بعدم اختصاصها.

 

الصلح في ظهير 2 اكتوبر1984 المتعلق  بالتعويض عن حوادث السير.

طبقا للمادة 18 من ظهير 2 اكتوبر1984  بمثابة القانون المتعلق بتعويض المصابين  في حوادث  تسببت فيها عربات  برية ذات محرك يجب على المصاب فور استقرار جراحه او على المستحقين  للتعويض  من ذوي الضحية اثر وفاته  ان يتقدم قبل اقامة  أية دعوى قضائية بالتعويض بطلب الى مؤسسة التامين المعنية يرمي الى تعويضهم عما لحقهم  من ضرر،  وذلك  باستثناء طلب استرجاع مصاريف الجنازة والمصاريف  الطبية والجراحية،  ومصاريف الاقامة بالمستشفيات،  والنفقات التي يستلزمها استعمال اجهزة التعويض او تقويم اعضاء الجسم وتدريبه  على استرجاع حركاته العادية.

 

ولا تطبق هذه المقتضيات اذا اقيمت الدعوى العمومية وتقدم  المصاب او ذوو حقوقه بطلباتهم المدنية.

وهكذا يتضح  ان المشرع أوجب اللجوء الى شركة التامين في محاولة لابرام الصلح بينها وبين المطالبين بالتعويض، والزمها بدراسة الطلب  و ان تشعر المعنيين بالامر خلال اجل ستين يوما بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار  بالتوصل او تبليغه  بواسطة اعوان كتابة الضبط بمبلغ التعويض الذي تقترحه عليهم، ويعد عدم الجواب  خلال هذا الاجل بمثابة رفض التعويض.

 

كما يجب  على المطالبين بالتعويض في حالة توصلهم باقتراح شركة التامين ان يخبروها  بنفس الوسيلة بقبولهم او رفضهم لهذا الاقتراح والذي  يجب دفعه خلال ثلاثين يوما الموالية  لقبوله تحت طائلة زيادة تعويض قدره نصف المبلغ  المحجوز.

وبالرغم من كون هذا الظهير يوجب الصلح، ويحدد الاجراءات المتبعة في ابرامه  الا ان النتائج المحققة لم ترق الى المستوى المطلوب لحد الان.

 

5- الصلح في مدونة التجارة

 نظم الكتاب الخامس من مدونة التجارة والخاص بصعوبات المقاولة مساطر الوقاية الداخلية  والخارجية والتسوية الودية التي ينبغي  ان تخضع لها المقاولات  التي تعرف صعوبات من شانها الاخلال باستمرارية استغلالها ( المادة 545) ويتعين على رئيس المقاولة او مجلس إدارتها او مجلس المراقبة ان يقوم بتصحيح وضعيتها عن طريق الوقاية الداخلية واذا عجز هؤلاء عن ذلك فان رئيس المحكمة يباشر تلك المهمة عن طريق الوقاية الخارجية حيث يستدعي رئيس المقاولة طبقا للمادة 548 للاستماع اليه والنظر في الاجراءات الكفيلة بتصحيح الوضعية.

 

واذا تبين بان صعوبات المقاولة قابلة للتذليل بفضل تدخل احد الاغيار فان رئيس المحكمة يعين هذا الاخير بصفته وكيلا خاصا ويكلفه بالمهمة ويحدد له اجلا  لانجازها.

 

واذا تقدم رئيس المقاولة بطلب التسوية الودية وعرض وضعيتها المالية والصعوبات التي تواجهها،  والحاجيات الضرورية لها وكذا وسائل  مواجهتها،  وتبين لرئيس المحكمة ان اقتراحات رئيس المقاولة موضوعية وجدية و من شانها ان تسهل  تصحيح وضعية المقاولة فانه يفتح اجراء التسوية  الودية، ويتعين مصالحا لمدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر قابلة للتمديد لمدة شهر واحد على الاكثر بطلب من المصالح.

وإذا تمكن هذا الاخير من ابرام اتفاق صلح من الدائنين، يصادق عليه رئيس المحكمة بعد اثباته  في محرر يوقعه الاطراف والمصالح.

ويوقف هذا الاتفاق اثناء مدة تنفيذه كل دعوى قضائية، وكل اجراء فردي،  ويوقف كذلك الاجال المحددة للدائنين تحت طائلة  سقوط أو فسخ الحقوق المتعلقة بهؤلاء ( المادة 558).

 

ثانيا : القوانين التي تجيز الصلح

الأصل ان الصلح  جائز ومطلوب لانهاء جميع النزاعات المدنية، والتي تدور حول  اشياء يملك الاطراف حق التصرف فيها،  وتقع  ضمن دائرة  التعامل و ليس لها أي مساس بالنظام العام،  ولا تتنافى والاخلاق الحميدة.

 

ويمكن استعراض  أهم القوانين التي تجيز الصلح وبإيجاز شديد فيما يأتي :

 

1- قانون الالتزامات والعقود :

حدد قانون الالتزامات والعقود الدائرة الضيقة التي تعتبر استثناء لا يمكن اجراء الصلح فيها في الفصلين 1100-1101  وهي الامور المتعلقة بالاحوال الشخصية، والنظام العام،  او الحقوق الخارجة عن دائرة التعامل.

ويبقى كل ما عدا ذلك ملكا لإرادة الاطراف وبمتناولهم وضع حد لاي نزاع حوله بواسطة الصلح.

 

2- قانون المسطرة المدنية:

نجد في قانون المسطرة  المدنية امكانيات وفرص عديدة للصلح  وخلال جميع مراحل النزاع، خاصة بواسطة القاضي المكلف بالقضية او القاضي المقرر الذي يامر بكل إجراءات التحقيق المسطرية، وفي مقدمتها  اجراء البحث  مع اطراف النزاع بمكتبه  او بعين المكان عند الاقتضاء، وهذا البحث  يعتبر فرصة ثمينة لتقريب  وجهات النظر، والدفع بالاطراف للصلح ( الفصلان45 و334 من ق م م) كما ان الفصول119 الى 123 المتعلقة بالتنازل تؤكد بان الطرفين بإمكانهما في اية  لحظة وبعيدا عن المحكمة ان يبرما صلحا  ويسحبا نزاعهما امام القضاء

 

3- قانون  التحفيظ العقاري :

طبقا للفصل 31 من ظهير 12 غشت1913 المتعلق بالتحفيظ، فان المحافظ يمكنه ان يدعو المتعرضين وطالبي التحفيظ  للصلح، وان يعمل على التوفيق بينهم ويحرر محضرا بذلك، ويكون لاتفاقيات الاطراف المدونة بهذا المحضر قوة الالتزام العرفي.

 

واذا تعذر الوصول الى صلح بين المتعرضين وطالبي التحفيظ يوجه المحافظ الملف الى المحكمة بعد انذار  المتعرضين بان يقدموا  كل الحجج المؤيدة لتعرضهم وذلك خلال اجل ثلاثة اشهر.

 

وتبقى إمكانية ابرام الصلح قائمة امام المحكمة حيث ان القاضي المقرر بناء على الفصل 34 من الظهير بالنسبة للمحكمة الابتدائية والمستشار المقرر  بناء على الفصل 43 يمكنهما  القيام بجميع الاجراءات الضرورية لتهيئ القضية وتجهيزها وعلى الخصوص اجراء أبحاث مع الاطراف  والوقوف على عين العقارات لتطبيق الرسوم او الاستماع  الى الشهود وهي الاجراءات التي تنتهي في كثير من  الاحيان بابرام الصلح.

 

4- قانون محاكم الجماعات والمقاطعات

طبقا للفصل  26 من الظهير الشريف بمثابة قانون بتنظيم محاكم الجماعات والمقاطعات وتحديد اختصاصها المؤرخ في 1974/7/15 فان الحاكم يحاول التصالح بين الاطراف  ولا يصدر حكمه الا بعد  فشل هذه المحاولة،  وعند نجاحها يثبت الاتفاق كتابة وينتهي النزاع.

 

5- القانون رقم 99-06 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة :

طبقا للفصل 86  من قانون حرية الاسعار والمنافسة فان جميع المخالفات لاحكام الباب السابع من هذا القانون والنصوص المتخذة لتطبيقه تكون اما محل  مصالحات واما محل عقوبات ادارية أو قضائية.

وتحدث بنص تنظيمي الجهة المؤهلة لاجراء المصالحة ولاصدار العقوبات الإدارية.

 

وطبقا للفصل 87 من نفس القانون فان الجهة المشار اليها في الفصل 86 تؤهل وحدها لابرام المصالحات، ويتخذ مقرر المصالحة بعد استطلاع راي رئيس المصلحة  الخارجية  للادارة الراجع اليها امر  البضاعة او المنتوج او  الخدمة  المقصودة.

ولا يجوز ان يمارس حق ابرام المصالحة بعد ان توجه الجهة المذكورة في الفقرة الاولى من هذه المادة الملف الى المحكمة الابتدائية  المختصة.

ويترتب عن  ابرام  المصالحة دون قيد أو شرط سقوط حق الادارة في المتابعة، ولا يسلم رفع اليد الجزئي عن امر الحجز المنصوص عليه في الفقرة 2 من الفصل63 اعلاه الا في حدود المبالغ المؤداة في حالة الاتفاق على دفعات متتالية ( المادة88 ).

 

ويجب ان يتم اثبات المصالحة كتابة في عدد  من الاصول  يساوي  عدد  الاطراف التي لها مصلحة مستقلة،  وتعفى عقود المصالحة من اجراءات ورسوم التسجيل (المادة 89).

 

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0