المسؤولية عن فعل الحيوان في القانون المغربي
مجموعة دروس وعروض في قانون المسؤولية المدنية في القانون المغربي للتحضير للمباريات القانونية
.
.
"، يتبين أن تحققها يستلزم شرطين أولهما أن يتولى شخص حراسة حيوان وأن يحدث هذا الحيوان ضررا للغير.
وحارس الحيوان هو من في يده زمامه، فتكون له السيطرة الفعلية عليه في توجيهه وفي رقابته، ويكون هو المتصرف في أمره سواء ثبتت هذه السيطرة الفعلية بحق أو بغير حق، أي سواء كانت السيطرة شرعية أو غير شرعية، مادامت السيطرة الفعلية قائمة.
فليس حارس الحيوان هو ضرورة مالكه، فقد ينتقل زمام الحيوان –السيطرة الفعلية في توجيهه وفي رقابته وفي التصرف في أمره- من يده إلى غيره، فيصبح هذا الغير هو الحارس.
وليس الحارس هو ضرورة المنتفع بالحيوان، إذا لم يكن لهذا السيطرة الفعلية في توجيهه ورقابته وهو نفس ما أقره فقهاء الشريعة الإسلامية، وليس الحارس هو من يعرف عيوب الحيوان ويتركه مع ذلك يضر بالناس، مادام لا يملك التصرف في أمر، وليست له سيطرة فعلية في توجيهه وفي رقابته، وليس الحارس هو من يكون الحيوان في حيازته دون أن تكون له السيطرة الفعلية في التوجيه والرقابة فلا يعتبر حارسا بوجه عام السائق والخادم والسائس .
والأخذ بمعيار السيطرة الفعلية يمكننا من تقرير القواعد التالية : -مالك الحيوان هو في الأصل صاحب السيطرة الفعلية عليه، وهو الذي يملك زمامه في يده، فله التوجيه والرقابة، وهو المتصرف في أمره، ومن تم يكون حارس الحيوان هو أصلا مالكه، فهناك إذن قرينة على أن مالك الحيوان هو الحارس، وإذا رجح المضرور على المالك فليس عليه أن يثبت أنه هو الحارس، بل المالك هو الذي عليه أن يثبت أنه لم يكن حارسا للحيوان وتحت إحداثه الضرر، وإذا أنفلت زمام الحيوان من يد المالك بأن ضل أو شرد، كان هذا خطأ في الحراسة، ويكون مسؤولا عما يحدث الحيوان من ضرر.
وإذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد أخرى، فإن كان قد انتقل رغم إرادة المالك أو دون علمه، كما لو انتقل إلى لص سرق الحيوان، أو إلى تابع للمالك استولى على الحيوان واستعمله لمنفعته الشخصية، فإن السيطرة الفعلية على الحيوان تنتقل في هذه الحالة من المالك إلى هذا الغير، ويصبح السارق أو التابع الذي استولى على الحيوان لنفعه الخاص هو الحارس، ويكون هو المسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر، ومن تم نتبين أنه ليس من الضروري أن تكون السيطرة الفعلية مشروعة لها سند من القانون، ففي المثلين اللذين نحن بصددهما يتضح أن كلا من اللص والتابع مسيطر على الحيوان سيطرة غير مشروعة.
أما إذا انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد الغير برضا من المالك، وكان الغير تابعا له كالسائق والسائس والخادم والراعي، فالأصل أن انتقال الحيوان إلى يد التابع لا ينقل إليه السيطرة الفعلية على الحيوان، إذ الغالب أن المالك يستبقي سيطرته الفعلية على الحيوان حتى بعد أن يسلمه لتابعه، فيبقى المالك في هذه الحالة هو الحارس، ولكن لا شيء يمنع في بعض الحالات أن تنتقل السيطرة الفعلية إلى التابع، كما إذا سلم صاحب الحصان حصانه لخيال يجري به في السباق، فإن الخيال في هذه الحالة من وقت أن أمسك بزمام الحصان وبدأ يجري به في السباق قد انتقلت إليه السيطرة الفعلية على الحصان وأصبح هو الحارس، فيكون مسؤولا مسؤولية الحارس، ويكون المالك مسؤولا مسؤولية المتبوع.
وإذا كان المالك قد نقل الحيوان إلى شخص غير التابع ينتفع به كالمستأجر أو المستعير، انتقلت في الغالب من الأحوال إلى هذا الشخص السيطرة الفعلية على الحيوان، إذ هو في سبيل الانتفاع به يمسك زمامه في يده وله حق التصرف في أمره، وتم يكون هو الحارس، فإن نقله المالك إلى شخص غير التابع لا لينتفع به بل للمحافظة عليه أو لعلاجه، كصاحب الاسطبل وصاحب الفندق والطبيب البيطري، فالأصل هنا أيضا أن السيطرة الفعلية تنتقل إلى هذا الشخص ويكون هو الحارس ما لم يستبق المالك السيطرة الفعلية فيبقى هو الحارس .
ولم تحدد المادة 86 المذكورة الحيوانات التي يسأل حارسها عن الضرر الناشئ من فعلها، لذلك يجب أن تصدق هذه المادة على أي نوع من الحيوانات، لا فرق بين المستأنس منها والمتوحش، كذلك يستوي أن يكون الحيوان من الدواب كالمواشي والخيل والبغال والحمير والجمال، أو من الحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط، أو الدواجن، أو من الطير، أو من الحيوانات المفترسة كالفيلة والأسود والنمور.
إنما يشترط أن يكون الحيوان مملوكا لأحد من الناس أو على الأصل أن يتولى شخص حراسته، أما الحيوانات التي توجد طليقة في عقار، سواء كانت متوحشة أو غير متوحشة، فلا يسأل مبدئيا مالك العقار أو مستأجره أو حائزه عن الضرر الذي تحدثه هذه الحيوانات وهو نفس قول البلقيني السابق ذكره، إذا لم يكن قد فعل شيئا لجلبها أو للاحتفاظ بها في هذا العقار، على ما أوضحته الفقرة الأولى من المادة 87، غير أن الفقرة الثانية من نفس المادة قررت المسؤولية في حالتين : أولا : إذا وجدت في العقار حظيرة أو غابة أو حديقة أو خلايا مخصصة لتربية أو لرعاية بعض الحيوانات، إما لغرض التجارة، وإما للصيد وإما للاستعمال المنزلي.
ثانيا : إذا كان العقار مخصصا للصيد .
ولكي تقوم مسؤولية حارس الحيوان يتعين أن يكون هذا الأخير هو الذي ألحق بفعله ضررا بالغير وأن يكون له دور إيجابي في الفعل، أما إذا حصل الضرر دون أن يكون للحيوان أي دور كما لو ارتطم شخص بجسم حيوان فجرح، فإن الضرر لا يكون في هذه الحالة من فعل الحيوان، إذ أن دوره كان سلبيا لا إيجابيا.
ولا يشترط بالدور الإيجابي للحيوان في إحداث الضرر أن يكون قد تدخل مباشرة، فلو خرج حيوان مفترس من قفصه في السيرك فجأة إلى الطريق العام، فأصاب الذعر والهلع أحد المارة وسقط فجرح دون أن يمسه الحيوان، فهذا الضرر يعتبر من فعل الحيوان .
وقد يضر فعل الحيوان الحارس ذاته غير المالك فلا يسأل عنه هذا الأخير، إلا إذا تمكن الحارس من إثبات خطأ من جهته وفقا لأحكام المسؤولية عن العمل الشخصي، ومثاله أن يكون المالك قد كتم على الحارس عيبا في الحيوان يعلمه، أما الضرر الذي يلحقه الحيوان بنفسه وهو في عهدة حارسه، كأن يختنق بمربطه أو يسقط من مكان مرتفع فيتأذى، وقس على ذلك .
.
.
فلا يحق لمالكه أن يطالب الحارس بالتعويض عن ذلك إلا إذا أثبت خطأ في جانبه طبقا للأحكام العامة .
واختلفت الآراء في تحديد أساس مسؤولية حارس الحيوان، فذهب جانب من فقهاء القانون إلى اعتبار أساسها فكرة تحمل التعبة، فالغرم بالغنم، فكما أن حارس الحيوان يغنم من نشاطه، فعليه أن يتحمل ما يحدثه من غرم، ولكن هذا الاتجاه يجعل المسؤولية تقع على حارس الحيوان ولو لم يكن هو المنتفع به .
وقال فقهاء آخرون بأن أساس المسؤولية هو الخطأ المفترض في جانب الحارس، وهو خطأ في الرقابة والتوجيه، وهذا هو القول المعول عليه في الفقه والسائد في الاجتهاد .
وقد فضل المشرع المغربي ألا يتشدد في مسؤولية حارس الحيوان، واعتبر قرينة الخطأ التي بنى عليها هذه المسؤولية قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس، ذلك أن الفصل 86 لم يقتصر على السماح بحارس الحيوان بأن يدفع عنه المسؤولية إذا هو أثبت أن الحادث الذي سبب الضرر نتج عن ظرف طارئ أو قوة قاهرة أو من خطأ المضرور، بل أجازت له أن يتحلل من كل مسؤولية إذا هو أقام الدليل على أنه اتخذ الاحتياطات اللازمة يمنع الحيوان من إحداث الضرر ولمراقبته.