صور الخطأ الطبي في القانون المغربي

مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب

صور الخطأ الطبي في القانون المغربي
إذا كانت القوانين المنظمة لمهنة الطب لم تفرد احكاما للمسؤولية الجنائية للطبيب مهنة الطب، فإن ذالك يخضع للقواعد التقليدية للقانون الجنائي، على اعتبار أن الاعتداء المادي على حياة الإنسان وجسمه يخضع للحماية الجنائية، ومن تم فإن المحافظة على الصحة العامة يعتبر من النظام العام(2) .

أما بخصوص صور الخطأ الطبي فإنها تستمد من الخطأ الجنائي، فقد نص المشرع المغربي في الفصل 432 ق ج م (من ارتكب بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاة النظم والقوانين قتلا غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من 250 إلى 1000 درهم) .

وقد جاء في الفصل 433 ق.

ج.

م على انه (من تسبب بعدم تبصره او عدم احتياطه او عدم انتباهه او عدم مراعاة النظم او القوانين في جرح غير عمدي او اصابة او مرض نتج عنه عجزعن الاشغال الشخصية تزيد مدته 6 ايام، يعاقب بالحبس من شهر واحد الى سنتين و غرامة من خمسمائة درهم او ناحدى هاتين العقوبتين فقط ) .

وبدلك، فان المشرع المغربي قد اورد صور الخطا الجنائي في الفصلين 432و433 ق.

ج.

م ، الا ان الاشكال الذي يطرح ذكر صور الخطا في الفصلين السالفين ،هو ما اذا كان هذا التعداد الذي اورده المشرع تعداد حصريا ام انه تعداد ورد على سبيل المثال فقط، مما يمكن معه ادخال صور اخرى جديدة اقتضتها الجرائم الطبية المستحدتة التى تختلف عن الجرائم التقليدية بفضل ماطالها من تقدم تكنولوجي على ارقى المستويات.

وعليه فأن صور الخطأ الطبي من خلال الفصلين السابقين تتحدد على الشكل التالي : 1- الإهمال الطبي : يقصد بالإهمال الطبي في حالة امتناع الطبيب أو الجراح أن يتخذ ما كان يتخذه الطبيب البصير المتزن، في الظروف نفسها للحيلولة دون وقوع جريمة القتل أو الإصابة خطأ، حيث انه كان بإمكانه أن يتخذ الاحتياطات اللازمة من اليقظة والتبصر لتجنب الإضرار بالمريض، في حين ذهب بعض الفقه المغربي إلى أن جرائم الإهمال ترتكب نتيجة ترك واجب أو الامتناع عن تنفيذ أمر بشكل سلبي(1).

أما المشرع المغربي، فقد اعتبر من خلال الفصل 432 ق.

ج.

م على ان الإهمال الذي يتسبب في قتل غير عمدي أو تسبب فيه عن غير قصد يشكل صورة من صور الخطأ الجنائي مما يعرض مرتكبه إلى المساءلة الجنائية على أساس خطأ غير عمدي، أما الفصل 433 ق.

ج.

م فانه ينص على ان الإهمال الذي يتسبب في جرح غير عمدي أو الإصابة أو مرض نتج عنه عجز عن الأشغال الشخصية تزيد مدته على ستة أيام يعتبر كذلك من بين صور الخطأ الطبي.

وبالتالي فإن الخطأ الطبي يتحقق على هذا النسق، أي أن الطبيب الذي يرتكب إهمالا يتسبب في قتل أو إصابة خطأ يسأل جنائيا على أساس القتل أو الإصابة خطأ.

في حين ذهب المشرع الفرنسي الى تحديد صور الخطأ الجنائي في المواد 2-112 و 3-121 و 19-222 من قانون العقوبات الفرنسي، أما الإهمال كصورة من صور الخطأ الجنائي سواء في القتل أو الإصابة خطأ فقد نصت عليها المادة 3-121 بأن الإهمال الذي يتسبب في القتل أو الإصابة خطأ يعد خطأ جنائيا، ويعرض فاعله إلى المساءلة الجنائية(1).

أما المشرع المصري فانه ينص في المادة 244 من قانون العقوبات المصري على أنه (من تسبب خطأ في جرح شخص أو إيذائه بأن كان ناشئا في إهماله ورعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة مالية لا تتجاوز مائتي جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين)(2) .

ذهب المشرع المصري في المادة 244 ق.

ع.

م على أنه يعتبر خطأ جنائيا الإهمال الذي يتسبب في جرح شخص أو إيذائه بصورة غير عمدية، أما الإهمال الذي يتسبب في القتل خطأ فقد نصت عليها المادة 237 قانون العقوبات.

كما نص المشرع الإماراتي في المادة 27 من قانون المسؤولية الطبية والتامين الطبي على اعتبار الخطأ الطبي يتحقق ضمن الإهمال أو عدم بذل العناية اللازمة بالمريض.

أما على مستوى القضاء المغربي، فقد اعتبر أن الطبيب في علاقته بالمريض تخضع للعقد الطبي، الذي يحدد التزامات التي تقع على عاتق الطبيب خاصة التزام ببذل العناية اللازمة، وهو ما أكده حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش الذي جاء فيه ( وحيث أنه انطلاقا من موقف المشرع المغربي، وموقف الفقه الإسلامي وموقف القضاء المغربي، ونظيره الفرنسي و يمكن الجزم بان المسؤولية الواجبة على الدكتور.

.

.

المدعى عليه في النازلة هي المسؤولية العقدية، بمعنى أن هذا الطبيب ملزم بعقد مع المدعي الزبون، وهو عقد من نوع خاص يهدف إلى التزام بعناية.

.

.

وحيث أن هذا الموقف والسلوك يعتبر خطأ وإخلال بالتزام بعناية، وهو خطأ تولد عنه وفقا لعلاقة السببية حصول ضرر المدعي تمثل في إصابة بالعمى.

.

.

) (1).

و بذلك فان القضاء المغربي، يعتبر بأن مصدر المسؤولية الطبية تقوم على اساس العقد الطبي ، والذي يختلف عن باقي العقود العادية، و بذلك فإنه يعتبر عقد من نوع خاص نطرا لطبيعة العمل الطبي .

وفي حكم آخر صادر عن محكمة الابتدائية بتازة جاء فيه (أن الخبرة التي أفادت أن قطعة النسيج (ضمادة) التي تم العثور عليها برحم المريضة هي من مخلفات العملية الجراحية التي أنجزتها المتهمة الطبيبة، وبالتالي تبقى هذه الأخيرة مسؤولة عن ذلك مسؤولية كاملة.

.

.

لعدم تبصرها أثناء عملية إغلاق جرح المشتكية مما يشكل إهمالا من غير احتساب ما استعملته من قطع نسيج أثناء العملية بصورة دقيقة ومركزة)(2) .

يتضح من خلال هذا الحكم أن الخطأ الطبي الذي ارتكبته الطبيبة يتمثل عدم تبصرها اثناء عملية اغلاق جرح المشتكية مما بشكل اهمالا طبيا مما يعرضها للمساءلة الجنائية عن ما يقع للمريضة من مضاعفات صحية.

وفي قرار صادر عن المجلس الاعلى جاء فيه ( حيث يتبين مما ذكر أن كل من الطبيبين مسؤول عن المضاعفات التي حدثت للمريضة بعد دخولها من أجل الولادة، وذلك بسبب إهمالهما وتقصيرهما في بذل العناية اللازمة التي تفرضها قواعد المهنة، وذلك بعدم القيام بالفحوصات والتحليلات الطبية اللازمة قبل إجراء العملية الأولى أو الثانية وعدم بذل العناية اللازمة والسماح لها بالخروج من المصحة وهي لازالت في حالة الاستشفاء الشيء الذي نتج عنه مضاعفات خطيرة أدت بها إلى إجراء فتح شرج اصطناعي وكل هذا ما كان يقع لوقام الطبيبان بواجبهما في أحسن الظروف ووفقا لما تفرضه عليهما قواعد المهنة، خاصة وأن كلاهما طبيب اختصاصي وليس طبيب عادي يفترض فيهما أخذ الحيطة والحذر وبذل فائق عنايتهما للمريضة) (2).

ذهب المجلس الأعلى هذا القرار إلى تاييد القرار الصادر عن محكمة الاستئناف، الذي قضى بان الخطأ الطبي يتجلى في الإهمال الذي وقع فيه الطبيبان أثناء إجراء العملية الجراحية من أجل الولادة، حيث أنه تم إهمال القيام بالفحوصات والتحليلات الطبية قبل إجراء العملية، بالإضافة إلى ذلك السماح للمريضة بالخروج من المصحة وهي لازالت في حالة الاستشفاء الشيء الذي نتج عنه مضاعفات خطيرة أدت إلى إصابتها بمضاعفات صحية، مما يشكل خطأ طبيا يعرض مرتكبه إلى المساءلة الجنائية خاصة أن كلا منهما طبيب اختصاصي وبالتالي فإن هذه الصفة تجعل من القضاء يتشدد في إقامة المسؤولية الجنائية.

كما أن هذا القرار يوكد على أن مهمة الطبيب أو الجراح لا تنتهي بمجرد انتهاء العملية الجراحية، بل يجب عليه بعد انتهاء العملية تتبع حالة المريض، ومراقبة وضعيته الصحية، خاصة إذا كان يخضع المريض إلى عملية التخدير في هذه الحالة يجب على الطبيب أن يحرص على تتبع حالته إلى أن يزول التخدير الجزئي من العضو الذي وقع تخديره، بالإضافة إلى ذلك يجب على الطبيب المسؤول عن عملية التخدير أن يحرص على تحديد الكمية التي يستعملها في عملية التخدير وإلا تعرض للمساءلة الجنائية في حالة إصابة المريض بضرر.

بالإضافة إلى ذلك هناك نوع آخر من الخطأ ويتعلق الامر بالخطأ المصلحي الذي يعود الى المرفق الصحي العمومي، في هذا الإطار صدر حكم محكمة الادارية بمكناس نص على ان المستشفى العمومي مسؤول عن الاهمال الطبي الذي تعرضت له المريضة من جراء الخطا المصلحي للمرفق، و تتلخص وقائع هذه القضية في ان امراة تعرضت لحاثة حريق في رجلها بحمام بسيدي قاسم نقلت على اثرخا الى مستشفى محمد الخامس وانه بعد مرور 5ايام شعرت بالالام في بطنها بسب حملها الذي كان يتجاوز 3اشهر كما نتج عنه نزيف دموي دون ان تتلقى اية اسعافات او علاج او تشخيص لحالتها من الطبيب المشرف عليها مما ادى الى وفاة المريضة وقد استند الحكم الى الخبرة الطبية مما تكون المسؤولية الادارية ثابتة في حق الرفق الصحي (1).

وفي اجتهاد قضائي صادر عن المجلس الأعلى جاء فيه، بان المرفق العمومي الصحي مسؤول الخطا المصلحي يتجلى فى الاهمال الذي من خلاله تعرض نزيل لسقوط بمستشفى الجامعي ابن رشد للأمراض العقلية بالجناح 36 وتعرضه لكسر بالعمود الفقري على إثر سقوطه بحديقة الجناح أذى إلى وفاته مما يشكل خطأ مصلحيا يحمل الدولة المغربية كامل المسؤولية وأحقيته في التعويض(2) .

أما في القضاء المقارن فقد ذهبت محكمة النقض الفرنسية الى اذانة طبيب تسبب في وفاة مريضة نتيجة اكتفائه بزيارتها في اليوم الموالي للعملية دون ان يلزم طبيب التخدير و افراد الطاقم الطبي باعلامه عن تطور الحالة الصحية للمريضة مما قضت بسؤوليته عن الخطا الطبي في صورة إهمال .

أما القضاء الاماراتي، فقد قضت محكمة الاتحادية العليا في حكم لها بخصوص الإهمال الى القول(إن المقصود بالإهمال كصورة من صور الخطأ التي تقوم عليها المسؤولية عن الإيذاء غير العمدي، هو حصول الخطأ بطريق سلبي نتيجة ترك واجب أو الامتناع عن تنفيذ أمر ما، فتشمل هذه الصور الحالات التي يقف فيها المتهم موقف سلبيا، فلا يتخذ الاحتياطات التي يدعو الحذر وكان من شأنها أن تحول دون حدوث النتيجة)(3).

فقد اعتبر القضاء الإماراتي، بان الإهمال الطبي يتجلى في حصول الخطأ بطريق سلبي نتيجة ترك واجب أو الامتناع عن تنفيذ أمرها سواء ترتب عليه قتل أو إصابة خطأ مما يجعله كصوره من صور الخطأ والذي تقوم عليه المسؤولية الجنائية للطبيب.

تجدر الإشارة إلى أن القضاء المغربي، بخصوص المسؤولية الجنائية للطبيب عن الأخطاء الطبية ما زالت لم تصل إلى درجة المستوى النى وصلت اليه القوانين المقارنة خاصة القانون الفرنسي والمصري، وذلك يرجع ذلك الى عدة أسباب منها غياب الجانب القانوني المتعلق بالمسؤولية الجنائية للطبيب، بالاضاقة إلى ذلك أن القضاء الجنائي ما زال لم يتعامل مع الجرائم الطبية بنفس الكيفية التي يتعامل بها في القضايا الجنائية الأخرى.

كما أن نظام الخبرة الطبية بدوره يعتبر من هذه الإشكالات التي تعيق المسؤولية الجنائية للطبيب حيث أن أغلب التقاريرالطبية رغم أنها استشارية بالنسبة للمحكمة الزجرية في تقدير المسؤولية الجنائية، إلا أنها لم تتسم بالموضوعية والاستقلالية، نظرا لعلاقة الزمالة الي تربط بين الطبيب والطبيب الخبير اوالطبيب الشرعي، وبذلك نرى بان يتدخل المشرع المغربي لاصدار قانون خاص بالخبرة الطبية ، و كذلك إحداث هيئة خاصة بخبراء الطب في الميدان الطبي والجراحي، وبالتالي تجاوز ما يجري به العمل من الاعتماد على لائحة الخبراء الوطنية لدى محاكم الاستئناف بالمغرب.

(1) وعليه، فإن الخطأ الطبي في صورة إهمال يتحقق من خلال الموقف السلبي للطبيب نتيجة ترك واجب أو الامتناع عن تنفيذ أمر ما، ويتجلى كذلك في إخلاله بواجبات الحيطة والحذر التي يفرضها القانون وعدم حيلولته تبعا لذلك دون أن يفضي إلى حدوث النتيجة الإجرامية (1).

2- عدم الاحتياط الطبي : يتمثل عدم الاحتياط الطبي، في الخطأ الذي ينطوي عليه النشاط الإيجابي لعمل الطبيب، ويدل على عدم التبصر أو عدم تدبر العواقب، وقد يدركه بضرر متوقع كأثر لفعله، ولكنه لا يفعل شيئا لدرئه واتقائه، ومن ذلك، إجراء الطبيب علاجا بالأشعة بواسطة أجهزة يعرف أنها معيبة، او عدم اتخاد الطبيب الاحتياطات اللازمة في استعمال الأشعة على جسم طفل، مما يسبب له حروقا خطيرة نشأت عن عدم مراعاة وضعية الطفل عند التشخيص.

وفي هذا الصدد صدر قرار عن محكمة الاستئناف بفاس جاء فيه ( وحيث أنه من الثابت بلا جدال ان الولد المعني قد اصيب في عينه اثناء عملية توليد أمه من طرف الطبيب المدعى عليه بسبب الآلة التي استعملها في عملية التوليد، وحيث انه باعتبار أن الطرف الذي يبرز أولا من جسم الجنين حين ولادته من رحم أمه هو الرأس ترى هذه المحكمة انه كان بإماكن الآلة المستعملة في عملية التوليد ان تمسك بالجزء البارز من جسم الجنين، ولو بذل أقصى الاعتناء المطلوب دون إحداث الإصابة المعنية، الشيء الذي يكون معه الخطأ المؤسس عليه الدعوى تابث وبالتالي يجب تأييد الحكم المستأنف في جميع ما قضي به)(2).

يشير هذا القرار الى ان الطبيب يسال عن الخطا الطبي اثناءعملية التوليد، و ذلك من خلال عدم اتخاذه الاحتياطات اللازمة لسلامة جسم الجنين من اي مساس قد يتعرض له اثناء عملية الولادة و بذلك فان هذا النوع الاكثرشيوعا من الناحية العملية.

كما جاء في قرارصادر عن مجلس الأعلى نص على (.

.

.

لكن فإن المحكمة اتخذت فيما قضت به على ما جاء في تقارير الخبراء المحتج بها والمثبتة لكون فقدان بصر العين اليسرى للمدعية كان من جراء النزيف الدموي الذي أصابها خلال العملية التي أجريت عليها من طرف الطبيب، وانها ما استخلصت من ذلك أن خطأ الطبيب يتجلى في عدم الاحتياطات اللازمة للحد من النزيف الدموي المذكور تكون قد استعملت سلطتها في تقدير الوثائق)(1).

وقد ذهب المجلس الاعلى إلى أن إثبات الخطأ الطبي يكون بناء على تقارير الطبية التي يقوم بها الخبراء في الطب، وهو ما اشار اليه في هذا القرار حيث ان فقدان بصر العين اليسرى للمدعية كان من جراء النزيف الدموي الذي أصابها خلال إجراء العملية الجراحية من طرف الطبيب، وأن ذلك يرجع إلى خطأ طبي يتمثل في عدم اتخاذ الطبيب للاحتياطات اللازمة للحد من النزيف الدموي المذكور تكون قد استعلت سلطتها في تقدير الوثائق .

أما القضاء المقارن، فقد جاء في قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية حول الأخطاء الطبية في عمليات التوليد، بإدانة طبيب بسبب عدم احتياطه بعد إشرافه على ولادة متعثرة أحاطت بها مخاطر كبيرة، فلم يترك للقابلة التي كلفت بمتابعة هذه الحالة تعليمات مكتوبة اوتوجيهات محددة بشأن توجيهه إلى حقن المريضة بدواء معين، وتحديد مدة هذا الحقن، مما أدى إلى تصرف القابلة منفردة بإيقافها الحقن، فتسبب ذلك في نزيف داخلي للمريضة أسفر عن وفاتها، وبذلك تمت إدانة القابلة والطبيب معا عن جريمة القتل خطأ(1) .

يثير هذا القرار على جانب مهم من الاخطاء الطبية المتعلقة بعمليات التوليد، حيث ان هذه المهمة يقوم بها في أغلب الأحيان الممرضات أو مساعدي الطبيب، وفي حالة مخالفة إرشادات الطبيب، ويترتب على ذلك ضرر للمريض تطرح مسألة مسؤولية مساعدي الطبيب الجنائية، إلا أن الطبيب في نهاية الأمر يبقى مسؤولا جنائيا عن الحادث الطبي بناء على نظرية افتراض الخطأ حيث أنه يسأل عن أعمال مساعديه (2).

أما مهنة الطب خاصة في القطاع العام، فانه يعرف أزمة حادة على مستوى تقديم الخدمات الصحية، رغم المجهودات المبذولة على مستوى الحكومي، منها برنامج( 2008-2012) حول النهوض بالقطاع الصحي، إلا أن هذا النجاح رهين بتحسين الوضعية المادية للأطباء والممرضين وعدم تمركز الخدمات الصحية (3).

وفي قرار صادر عن محكمة باريس قضى بإدانة طبيب أسنان عن جريمة قتل خطأ لإجرائه عملية جراحية لخلع أسنان المريض دون إجراء فحص عام وإجراء أشعة، ولخطئه في تخدير المريض تخديرا كاملا دون الاستعانة بطبيب تخدير متخصص، وطبيب جراح في جراحة الفم لإجراء العملية التي تخرج عن تخصصه باعتباره طبيب أسنان، وليس جراح الفم والأسنان، بالإضافة إلى عدم اتخاذه للاحتياطات الواجبة في مثل هذه العملية مع سوء حالة المريض الصحية ودون توافر حالة الاستعجال مما ترتب عليه سقوط جزء من سن المريض في القصبة الهوائية نشأ عنه وفاته (4) .

يتضح من خلال هذا القرار بأن الخطأ الطبي الذي وقع فيه الطبيب يتجلى في إجراء عملية جراحية لخلع أسنان المريض دون إجراء فحص عام وإجراء أشعة، وكذلك لخطئه في تخدير دون الاستعانة بطبيب تخدير، كما أن هذه المهنة تحتاج إلى التخصص الفني حتى لا تتعرض صحة وسلامة المريض إلى خطر.

كما أن بعض الأخطاء الطبية التي تحصل من الناحية العملية بشكل كبير ترجع إلى عدم احترام الأطباء للتخصص الفني في مجال الطب والجراحة، حيث أن بعض الاطباء يقومون باجراء العمليات الجراحية الخارجة عن نطاق تخصصهم، و كمثال على ذالك كاجراء عمليات التجميل لازالة بعض التشوهات مما يترتب عليها ارنكاب بعض الأخطاء الطبية، من اجل تحقيق الربح المادي، وهذا يتنافى مع مبادئ والقواعد العلمية للطب كمهنة إنسانية وبالتالي يكون لها تأثير على صحة المريض.

وفي قرار صادر عن محكمة التعقيب الجزائية التونسية ،أكدت على أن استعمال (آلة بستوري) كهربائي لم يسبق تجربته من قبل الطبيب للتحقق من سلامته على صحة المريض مخدر، تسبب له في حرق برجليه نتيجة لخطأ الطبيب في عدم السيطرة على استعمال تلك الآلة، وفي عدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة عند استعماله مما يجعل الطبيب يسأل عن خطئه الطبي(1).

وبالتالي فان الطبيب يقع عليه مجموعة من الواجبات منها التحلي والإتقان في إنجاز العمليات الجراحية، وأن يبذل أقصى جهده وعنايته للحفاظ على حياة المريض وسلامة جسمه وهو ما تنص عليه قوانين أخلاقيات مهنة الطب سواء في المغرب(2) ٬ أو فرنسا(3).

3- عدم مراعاة القوانين أو اللوائح أو الأنظمة : فالطبيب أثناء مزاولته للعمل الطبي، يخضع بالدرجة الأولى لضميره وكذلك للقواعد القانونية المنظمة لمهنة الطب(1)٬ بالإضافة إلى ذلك للقواعد العامة المنصوص عليها في القانون الجنائي التي تحمي الجسم البشري أو الإنسان من أي اعتداء، كما يخضع للأنظمة القانونية المنظمة للمهنة مثل القانون الأساسي المنظم لهيئة الأطباء الوطنية بالمغرب(2)٬ وهيئة الأطباء الأسنان الوطنية في القطاع الخاص(3) ٬ وقانون الذي يتعلق بأخلاقيات المهنة(2)، وعدم مراعاة لهذه القوانين او القرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية والأنظمة الأساسية بشكل مخالفة للقواعد والأصول العلمية المنظمة لمهنة الطب.

في هذا الصدد جاء في حكم صادر عن محكمة النقض الفرنسية(4) ٬ بأن على الطبيب مراعاة القواعد الفنية في عمله، فإذا خرج الطبيب عن القواعد والأصول العامة التي تتطلبها الحيطة وحسن التقدير، فإنه يكون مقصرا في أداء عمله وتقوم مسؤوليته، كما يعتبر الطبيب مخطئا إذا تهاون وقصر في معرفة الأصول العلمية المتعارف عليها في مهنة الطب التي تفترض من كل طبيب يزاول هذه المهنة معرفتها والإلمام بها .

وعليه فإن صورة عدم مراعاة القوانين والأنظمة، تعتبر كصورة من صور الخطأ الطبي، في حين وصفها الأستاذ عبد الواحد العلمي بالخطأ الخاص، لأن القاضي لا يلزم عندها بتقييم سلوك المتابع للقول بتبوث الخطأ في جانبه من عدمه، وأن مجرد مخالفته للقانون أو الأنظمة يؤدي بذاته ومباشرته إلى مساءلته عن المخالفة أو الجنحة، هذا تمييزا له عن باقي الصور التي يطلق عليها بالخطأ العام.

4- الرعونة الطبية : تعني الرعونة الطبية عدم الحذق والدراية، وهي تتعلق بمن يمارس الأعمال الفنية مثال ذلك مهنة الطب والجراحة، ومهنة الصيدلة، وتتحقق الرعونة الطبية عندما يزاول الطبيب مهنته ولا تتوفر فيه المؤهلات العلمية سواء كانت علمية أو ذات طبيعة فنية، أي تنقصه الخبرة اللازمة للقيام بالعمل الطبي سواء كان القيام بجراحات معينة، مثال ذلك القيام بإجراء عمليات التجميل دون علم بهذا النوع من الجراحات.

.

و هذا الخصوص المادة 37 من قانون 10.

94 المتعلق بمزاولة مهنة الطب واضحة، أي أن القانون يضع بعض شروط للحصول على صفة متخصص، منها الشهادات العلمية المحصل عليها في المجال الذي يريد الطبيب أن يتخصص فيه، على عكس ذلك على مستوى الواقع، حيث أن العديد من المخالفات تجري في هذا الباب خاصة إجراء عمليات الجراحية والتجميلية بدون تخصص، من أجل الحصول على الربح المادي، أوبالدعاية بأن هناك طبيب متخصص في هذا النوع من الجراحات في حين أن الأمر غير ذلك، وإنما الهدف هو جلب الجمهور لتقديم خدماته الطبية بمقابل مادي.

وفي هذا الصدد ينص المشرع الإماراتي في المادة 27 ف1 من قانون المسؤولية الطبية والتامين الطبي، على أن الجهل بالأمور الفنية يعتبر خطأ طبيا ويترتب عليه المسؤولية الجنائية للطبيب، هذا الطرح يساير التطور والتقدم الذي يشهده الطب، مقارنة مع القواعد التقليدية للقانون الجنائي، حيث أنه يسهل عمل القضاء الزجري في اعتبار الجهل بالأمور التقنية والعلمية خطأ طبيا يترتب عليه مسؤولية الطبيب الجنائية عما يلحقه بالمريض من ضرر.

أما على مستوى القضاء المصري فقد جاء في حكم صادرعن محكمة النقض بان(الآثار الحيوية الموجودة برأس الجنين الذي عثر عليه الطيب الشرعي بالتجويف البطني ، تشير إلى أن وقت إجراء عملية الإجهاض كان الجنين مازال حيا وغير متعفن كما يقرر المتهم، وانه يفسر تشخيص المتهم لوفاة الجنين لعدم سماعه ضربات قلب الجنين، وانه في مثل هذه المدة من الحمل التي وصلت إليها المجني عليها ما كان ينبغي استعمال جفت البويضة لاستخراج الجنين على عدة أجزاء كما أقر المتهم، فضلا عما ظهر من وجود تمزيق كبير بالرحم، وإن ذلك مفاده أن المتهم قد أخطأ في الطريقة التي اتبعها في إنزال الجنين الأمر الذي أدى إلى حدوث الوفاة نتيجة تمزق الرحم.

.

.

خلص الحكم إلى تبوث الاتهام المسند إلى الطاعن).

(1) يتضح من خلال هذا الحكم الصادر عن القضاء المصري بأن الخطأ المنسوب إلى الطبيب يتجلى في عدم إتباعه للطريقة السليمة في إنزال الجنين، مما أدى إلى حدوث الوفاة نتيجة لتمزق الرحم، وبالتالي تقع على الطبيب مسؤولية الجنائية عن هذا الخطأ وفق ما تقرره المادة 237 قانون العقوبات المصري بشأن القتل خطأ(2) .

وبذلك فإن مدلولات مختلف صور الخطأ الجنائي متداخلة فيما بينها باستثناء الخطأ في صورة عدم مراعاة النظم أو القوانين فهي واضحة لا تحتاج من القاضي الزجري بذل الجهد للتحقق منه.

كما انه في إطار الحديث عن الخطأ الجراحي يجب التمييز بين الفريق الطبي (l’équipe médicale) ، و الطب الجماعي (la médecine de groupe) ، ففي الحالة الأولى يشترك أكثر من طبيب في نفس التخصص لعلاج المريضظ ، فالمسؤولية تقع على كل طبيب أو بالتضامن حسب الأحوال، اما الحالة الثانية ، فيوجد اكثر من طبيب من نفس الموقع، يؤدي كل منهم خدمة مختلفة عن الآخر، إلا أن خدمات متبادلة ومتكاملة، فيما بينهم، وهنا يظل كل منهم مسؤولا عن نتائج تدخله.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0