الصلة بين العوامل الاقتصادية وظاهرة الجريمة
مجموعة دروس و بحوث في علم الاجرام للتحضير للمباريات و امتحانات السداسي الخامس شعبة القانون و التعمق في المادة الجنائية
1- علاقة التطور الاقتصادي بالظاهرة الإجرامية : يختلف الإجرام كما ونوعاً حسب درجة التطور الاقتصادي وما إذا كان اقتصادا زراعيا أم صناعيا .
ففي مجتمع الاقتصاد الزراعي يتميز الإجرام فيه بأنه قليل نسبيا نظرا لطابع الهدوء ويتخذ الإجرام في مجتمع الاقتصاد الزراعي طابع العنف بسبب ظروف الحياة الصعبة والقاسية فتكثر جرائم القتل .
.
.
.
.
الخ .
أما في مجتمع الاقتصاد الصناعي فتزداد فيه نسبة الإجرام بسبب كثرة النشاط والحركة ويأخذ الإجرام في هذا المجتمع طابع الحيلة والدهاء فتكثر فيه جرائم النصب .
.
.
.
الخ .
قد شهد القرن التاسع عشر تحولا في اقتصاد كثير من الدول من الاقتصاد الزراعي إلي الاقتصاد الصناعي اقترن بزيادة ملموسة في عدد الجرائم وبصفة خاصة جرائم الأموال وللوهلة الأولي يمكن القول أن هناك علاقة طردية بين ارتفاع مستوي المعيشة بسبب التطور الاقتصادي وبين حجم الظاهرة الإجرامية .
ولتفسير هذه العلاقة يتعين علينا أولا الاستعانة بنظرية قديمة للعالم بوليتي ثم بعد ذلك تطبيقها على تأثير التطور الاقتصادي على الظاهرة الإجرامية .
ترتكز نظرية بوليتي على فكرة مؤداها ضرورة عقد مقارنة بين النشاط الإجرامي من جهة والنشاط الاقتصادي الشريف من جهة أخرى ( تجارة ، صناعة .
.
.
الخ ) فإذا كشفت هذه المقارنة عن زيادة في عدد الجرائم يقابلها زيادة مماثلة في حجم النشاط الاقتصادي الشريف ، فإن هذا يعني أن نسبة الإجرام ثابتة أما إذا ارتفع عدد الجرائم بنسبة أقل من نسبة الزيادة في حجم النشاط الشريف .
فإن هذا دليل على تناقص الإجرام رغم الارتفاع الظاهري في عدد الجرائم .
وقد تأكد لبوليتي صدق نظريته عندما طبقها وخلص في النهاية إلي أن الظاهرة الإجرامية ظلت ثانية على الرغم من تحسن النشاط الاقتصادي ومن خلال هذه النظرية يمكن القول أن التطور الاقتصادي لا يؤدي فقط إلي ارتفاع معيشة الأفراد وإنما أيضا إلي تعدد علاقاتهم وتشابك مصالحهم كما يصحب ذلك خلق ظروف جديدة تدفع إلي الإجرام .
ينبغي الاهتمام بهذه الظروف الجديدة – لا بارتفاع مستوي المعيشة – لتفسير ما يطرأ على ظاهرة الإجرام .
1- فالانتقال من المجتمع الزراعي إلي المجتمع الصناعي يترتب عليه عدة نتائج منها هجرة الأفراد وتكدسهم في المناطق الصناعية وارتفاع مستوي الدخل الفردي .
الخ هذه النتائج وغيرها يصاحبها ظهور عدة مشاكل منها عدم التكيف الاجتماعي بين المقيمين في المناطق الصناعية مما قد يدفع ببعضهم إلي انتهاج السلوك الإجرامي ، فكثر جرائم الاعتداء على الأشخاص .
2- يؤدي التبادل التجاري إلي ظهور فئة تسعي إلي الكسب بأي ثمن ، ففكثر جرائم إساءة الائتمان ( خيانة الأمانة ) .
.
.
الخ 3- أن ارتفاع مستوي المعيشة يسهل ارتياد أماكن اللهو والتسلية مما يزيد من استهلاك المواد المخدرة والمسكرة وما ينجم عن ذلك من زيادة الجرائم الجنسية بصفة خاصة .
4- وأخيرا .
فإن تدخل السلطة التشريعية لوضع الضوابط للنشاط الاقتصادي دفع بعض الفئات إلي محاولة الخروج على هذه الضوابط مما أدي إلي ظهور نوع جديد من الجرائم هي الجرائم الاقتصادية نخلص من ذلك كله أن للتطور الاقتصادي أثر غير مباشر على الظاهرة الإجرامية 2- علاقة التقلبات الاقتصادية بالظاهرة الإجرامية : يقصد بالتقلبات الاقتصادية الأزمات الطارئة التي تنتاب الاقتصاد القومي .
وقد يكون لهذه الأزمات صفة الدورية أو لا تكون كذلك وعلى الرغم من كثرة الأبحاث المتعلقة بإبراز العلاقة بين الأزمات الاقتصادية والظاهرة الإجرامية فإن نتائجها متضاربة .
فقد انتهت بعض الأبحاث إلي أنه يترتب على الأزمات الاقتصادية ارتفاع عدد الجرائم وبصفة خاصة السرقة والتسول .
على الناحية الأخرى توصلت بعض الأبحاث إلي عكس النتائج السابقة فيذهب " فيري "إلي أن الأزمات الاقتصادية يترتب عليها انخفاض في نسبة الإجرام .
وقد حاول بعض الباحثين تفسير هذا التضارب في النتائج التي تكشف عن العلاقة بين الأزمات الاقتصادية والظاهرة الإجرامية على أساس الزمن أو الوقت الذي أجربت فيه الأبحاث السابقة بحسب ما إذا كانت قد أجريت فور الأزمة مباشرة أم بعدها بفترة من الزمن .
الواقع أن البحث في أثر التقلبات الاقتصادية على الظاهرة الإجرامية يتطلب النظر في مدي قدرة الأفراد على إشباع حاجياتهم ولما كان إشباع هذه الحاجيات يرتبط بمقدار دخلهم "الحقيقي " فإذا لم تؤثر هذه التقلبات على الدخول الحقيقية للأفراد .
فإن الظاهرة الإجرامية لا تتأثر .
أما إذا نتج عن التقلبات الاقتصادية المساس بالدخول الحقيقية للأفراد ففي هذه الحالة يمكن الحديث عن تأثير هذه التقلبات على الظاهرة الإجرامية ثانيا : أثر الوضع الاقتصادي الثابت على الظاهرة الإجرامية : نقصد بالوضع الاقتصادي الثابت فترات الاستقرار التي يمر بها الاقتصاد القومي عقب التطور الاقتصادي أو التقلبات الاقتصادية ودخول الأفراد تتفاوت بين الارتفاع والانخفاض والانعدام فإذا كان دخل الفرد مرتفعا أو متناسبا مع مستوي الأسعار فإن إشباع الحاجات الفردية يكون ميسرا وسهلا ومن ثم تقل جرائم السرقة إلا أنه من الناحية الأخرى قد تغري هذه الظروف بعض الأفراد إلي زيادة ثرواتهم بالطريق غير المشروع فتكثر بذلك جرائم الاحتيال .
وإذا كان دخل الفرد منخفضا أو منعدما فإن هذا الفرد يوصف بأنه فقير أو معوز وحالة العوز أو الفقر تطلق على الشخص الذي يعجز عن إشباع الحد الأدنى من متطلبات الحياة حسب ما هو سائد في المجتمع الذي يعيش فيه .
وقد اعتقد الفلاسفة أن الفقر يولد الجريمة أما الدراسات الحديثة فقد تضاربت نتائجها .
فبعضها يذهب إلي قيام علاقة إيجابية بين الفقر والجريمة وبعضها نفي وجود مثل هذه العلاقة .
رأي الدكتور : التسليم بالنتائج المتضاربة يعني استبعاد الفقر تماما من عوامل الإجرام .
ولكن هذا يتنافي مع الواقع وعلى هذا فإننا نستبعد تماما الأبحاث التي تنفي أصلا وجود أية علاقة بين الفقر والجريمة ولكننا في الوقت ذاته لا نسير إلي النهاية مع الأبحاث التي تذهب إلي الربط بين الفقر والجريمة فإذا كانت هذه الأبحاث قد أثبتت أن نسبة المجرمين الفقراء مرتفعة بين المجرمين بصفة عامة ، فإن هذا لا يدل بذاته على أن كل الفقراء مجرمين هذا من ناحية كما لا يحول من ناحية أخرى من وجود نسبة من المجرمين الأغنياء بين المجرمين بل أن نسبة عالية من إجرام الأغنياء لا تصل إلي علم السلطات ويتوافر بشأنها ما أطلق عليه " الرقم الأسود " أو " الرقم الغامض " ولعل هذا هو السبب في وجود نسبة مرتفعة من المجرمين الفقراء في السجون .
وقد بينا منذ قليل أن للثراء أثر غير مباشر على الظاهرة الإجرامية فهل للفقر ذات الأثر ؟ نعتقد أن الإجابة هي نعم .
فالفقر تصحبه آثار شخصية واجتماعية .
قد يتولد عنها السلوك الإجرامي متى تضافرت معه العوامل الأخرى المؤدية لهذا السلوك