الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي جرائم الخيانة والتجسس بين التطبيق القانوني والواقع العملي في المحافظات الشمالية الفلسطينية

الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي جرائم الخيانة والتجسس بين التطبيق القانوني والواقع العملي في المحافظات الشمالية الفلسطينية

المقدمة

ظهرت أهمية الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي إبان الحرب العالمية الثانية ، حينما تسارعت الأحداث في أوروبا لواقع الحرب ، بحيث فتحت الحرب آفاقاً واسعة في التواطؤ مع الأعداء ومساندتهم ومعاونتهم ، مما دفع الدول المتنازعة إلى إصدار تشريعات جديدة لمحاربة هذه السلوكيات في مراحله المبكرة تحوطاً لعدم بلوغ مراحل موغلة ، ومن أجل الحيلولة دون المساس بالمحل المراد حمايته وهو أمن الدولة بهدف محاربة تلك الظواهر.

لذا أدرجت التشريعات الجزائية المختلفة عناوين مختلفة للجرائم الواقعة على أمن الدولة منها: ما أدرجت فصل خاص لهذه الجرائم تحت عنوان الجرائم الماسة بأمن الدولة الخارجي ، كما هو الحال في التشريع الجزائي العراقي ، وفي التشريع الجزائي الكويتي عُنون لهذا الموضوع عنوان الجرائم المتعلقة بأمن الدولة ، أما التشريع الجزائي المصري فقد أتى بعنوانين مختلفين :

الأول : الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج.

الثاني : الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل.

أما التشريع الجزائي الساري المفعول محل هذا البحث، فقد وضع عنوان خاص تحت مسمى الجرائم الواقعة على أمن الدولة، وبغض النظر عن التسميات المختلفة التي جميعها تهدف إلى حماية المحل المحمي جزائياً وهو أمن الدولة، الأمر الواجب الإشارة إليه هو أن معيار التمييز في النصوص الواردة في التشريعات المختلفة بما فيها التشريع محل البحث ما بين أمن الدولة الخارجي والداخلي، أن الاعتداء على أمن الدولة الداخلي يقع على الحكومة، في حين الاعتداء على الأمن الخارجي يقع على

الدولة أو الأمة بأسرها رغم وجود رابطة وصلة بين النوعين من الجرائم من حيث الحق المعتدى عليه وجسامة الفعل.

وبناء على ما تقدم، يلاحظ أن التشريعات الجزائية المشار إليها أخذت بالمعيار المذكور كأساس في تجريم الجرائم التي تمس أمن الدولة، في وجودها واستقرارها وسيادتها على أرضها ومواطنيها أو تنال من نظام الحكم فيها أو في حال تعرض مؤسسات الدولة الدستورية للخطر، وهذا هو النهج الذي سلكه التشريع الجزائي الساري المفعول في المحافظات الشمالية لأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية رقم 16 لسنة 1960، إلا أن هذا التشريع الجزائي يصطدم بواقع يحمل في ثناياه خطأ في التطبيق على الصعيد القضائي ولا يتأتى هذا الخطأ إلا لأحد السببين : إما الفهم الخاطئ للنصوص أو الهروب من الواقع المرير نظرا لضعف التشريع وعدم ملائمته للواقع، وفي كلتا الحالتين، يعد خرفا واضحا لقاعدة دستورية وهــي " أن لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص " .

وللتأكيد على صحة ما ذكر أعلاه، فإن إشكالية البحث تتمحور حول واقعة محددة تتمثل بقيام شخص بالتعاون مع جهاز أمني لدولة إسرائيل بهدف الإخبار عن المروجين للمخدرات وعن سارقي السيارات، مما أوقع هذا الفعل إلى اعتقال لعدد منهم داخل حدود السلطة الوطنية الفلسطينية، بل أكثر من ذلك، من يقوم بالإرشاد عن الوطنيين ويؤدي ذلك الفعل إلى نتائج كالاعتقال فهل يصار إلى تطبيق الوصف الوارد في الفصل الخاص بالجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي في التشريع محل البحث ؟ و ما هو سر توجيه الخاطب للأردني وبذات الوقت كان الحق المراد حمايته هي الدولة الأردنية بحدود الإقليم الوارد وصفه في المادة 7 من قانون العقوبات ؟ وهل إسرائيل دولة معادية أم دولة أجنبية في ظل في اتفاقية إعلان المبادئ لعام 1993 وما لحقها من اتفاقيات ؟ وما هو اثر تطبيق الأمر رقم 1 لسنة 1994 الصادر عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية الراحل ياسر عرفات على التشريع محل البحث؟ وما هو كذلك حكم المادة 118 من القانون الأساسي التي نصت باستمرارية سريان القوانين واللوائح والقرارات المعمول بها في فلسطين قبل العمل بهذا القانون؟

إن الإجابة على تلك التساؤلات المذكورة يتقدمه معرفة أهمية البحث من حيث ضرورة الوقوف على الجرائم الواقعة على أمن الدولة، بما لا يجعل مجالاً للشك أن تطبيقها على الواقع الفلسطيني في المحافظات الشمالية محل نظر لسبب وحيد، يتمثل بوجود مبدأ الشرعية الذي نصت عليه المادة الثالثة من القانون محل البحث "بأن لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" والذي يتعارض ذلك المبدأ مع الاجتهاد أو

القياس، الأمر الذي يجعل من التطبيق السليم للنصوص محل البحث إلى نتيجة مأساوية محددة بإعلان البراءة كون الفعل لا يؤلف جرماً، باعتبار ذلك سبباً كافياً لحث الجهات ذات الاختصاص بالتدخل ووضع تشريعات تنال من كل من يتعاون أو يتعامل مع أي جهة دون الأطر المتعارف عليها في القانون المدني أو القانون التجاري أو أي قانون ينظم العلاقات السوية ما بين المواطنين الفلسطينيين وغيرهم من الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين.

وبالتالي تطبيق نصوص قانونية وردت في المواد 110 وما بعدها من التشريع محل البحث على وقائع لا تنطبق عليها تلك النصوص ، هو عين ال

 

مجافاة والمخالفة لمبدأ الشرعية والعمل القانوني السوي.

لذا لدراسة هذه الإشكالية محل هذا البحث يقتضي التعرض للإشكالية بالوصف التحليلي، بحيث يتم تقسيمها إلى مبحثين لكل منهما مطلبان :-

المبحث الأول : ماهية الركن القانوني للجريمة

المطلب الأول : مبدأ الشرعية.

المطلب الثاني : تطبيق الأحكام الجزائية من حيث الزمان والمكان والأشخاص.

المبحث الثاني : أركان جرائم أمن الدولة

المطلب الأول : الركن المفترض

المطلب الثاني : الأركان العامة

وفي النتيجة سيتم التعرض للآراء الفقهية والقضائية وعلى وجه التحديد القضاء الفلسطيني الذي طبق النصوص بما يتفق وهدف هذا البحث، وهو ما يميل إليه الباحث، ليكون ذلك واقعاً ملحا على الجهات المختصة لسن نصوص تجرم الأفعال التي تندرج بوصف دنيء أو ما يخالف القيم الإنسانية.

واللــــــه المـــــوفـــــق ،،،،

 

المبحث الأول

ماهية الركن القانوني للجريمة

من المبادئ العامة التي لا يختلف عليها اثنان، أنه ليتحقق وجود جريمة ما، يجب أن يتوفر نص في قانون العقوبات يُبين الفعل المكون لهذه الجريمة وبذات الوقت يحدد العقاب الواجب فرضه على مرتكب الفعل ، وهو ما يُعبر عنه بمبدأ الشرعية، وما تجدر الإشارة إليه أن قيام الجريمة من الناحية القانونية لا يتوقف على مجرد وجود نص بتجريم الفعل، وإنما يجب عدم إخضاع ذلك الفعل لأسباب التبرير أو الإباحة.

إذ ما ينطبق على ما ذكر أعلاه على سبيل المثال، أن المساس بالسلامة الجسدية للإنسان يعد جريمة ضرب إذا لم يترك أثراً بمنطق نصوص الإيذاء، إلا أن الفعل يعد مبرراً عند ممارسة الألعاب الرياضية إذا روعيت فيه القواعد الخاصة لكل لعبة.

وبإطلاعنا على ما أخذ به التشريع محل التطبيق في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في المحافظات الشمالية، نجد أن التشريع نص على أسباب التبرير في معرض تحديد عناصر الركن القانوني للجريمة ( م 59 – 62 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960)، على أن يتحقق الركن القانوني للجريمة بإخضاع الفعل لسلطان ذلك النص من الناحيتين الزمنية والمكانية .

وبناء عليه فإن دراسة الركن القانوني للجريمة ، يفرض تقسيم هذا المبحث إلى مطلبين، الأول نبحث من خلاله ضرورة توفر نص يجرم الفعل وهو ما يطلق عليه بمبدأ الشرعية، ومن خلال المطلب الثاني سنتعرض لتطبيق الأحكام الجزائية من حيث الزمان والمكان والأشخاص وأثر الأمر رقم 1 لسنة 1994 والمادة 118 من القانون الأساسي على التشريع محل البحث.

المطلب الأول

مبدأ الشرعية

لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص

نص المشرع الفلسطيني في القانون الأساسي المعدل لعام 2003 في المادة 11/2 منه على أن لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقاً لأحكام القانون.

بحيث يستفاد من هذا النص أن القانون الأساس لم ينص على مبدأ الشرعية صراحة، وإنما نص عليه ضمنا، وهو ما سلكه الدستور الأردني السابق للتشريع الجزائي محل البحث، إذ أن النص بصورة ضمنية على مبدأ الشرعية، يعني عدم إمكانية المشرع في قانون العقوبات مخالفة ذلك النص الضمني، وإنما تم التأكيد على مبدأ الشرعية بموجب المادة الثالثة من قانون العقوبات بأن " لا يقضى بأية عقوبة لم ينص القانون عليها حين اقتراف الجريمة، وتعتبر الجريمة تامة إذا تمت أفعال تنفيذها دون النظر إلى وقت حصول النتيجة.

ومن خلال هذا النص، فإن مصادر التجريم والعقاب يجب أن تكون مكتوبة في مصدر التشريع الجزائي، فإذا لم يشمل القانون الجزائي نصاً يقضي بالعقاب عن الواقعة المعروضة، فعلى القاضي المختص أن يقضي ببراءة المتهم لأن الفعل لا يؤلف جرماً إعمالا لنص المادة 274/1 من قانون الإجراءات الجزائية رقم 3 لسنة 2001.

ومن هذا المنطلق، القانون الجزائي يختلف عن سائر القوانين، ومنها القانون المدني أو التجاري بحيث القاضي المدني عندما ينظر في النزاع للفصل فيه ، عليه أن يأخذ بتلك النصوص فإذا لم يجد نصا يسعفه فيأخذ بمبادئ الشريعة الإسلامية وإن لم يجد فبمقتضى العرف أو مبادئ العدالة.

وبما أن مبدأ الشرعية في التشريع الجزائي " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص "، فالمشرع الجزائي هو الذي يحدد الأفعال المجرمة وُيبين مضمونها وأركانها وعناصرها بدقة ووضوح دون أن يكتنفها

الغموض، فإن هذا المبدأ هو الحد الفاصل ما للمشرع وما للقاضي من اختصاص، بحيث على جميع سلطات الدولة احترامه ومراعاته، و بالتالي يلاحظ أن هذا المبدأ يقوم على شقين متلازمين .

الشق الأول : بأن لا جريمة إلا بنص قانوني.

إذ بالرجوع للمادة الثالثة من قانون العقوبات الساري، فقد نصت على ألا يقضى بأية عقوبة ما لم ينص القانون عليها حين اقتراف الجريمة ، مما يقضى هذا الشق بعدم إمكانية تجريم أي فعل لا يرد له وصف جزائي مهما بلغ وجه نذالة أو دناءة الفعل حتى لو كان مجحفا لقواعد الأخلاق أو القيم الإنسانية.

ومن هنا يتم التأكيد على أن الفعل يجب أن يكون بوصف محدد وبدقة متناهية لا يقبل التفسير أو القياس عليه، فارتباط شخص مع جهاز مخابرات

 

 دولة إسرائيل ليدلها على مروجي المخدرات أو سارقي السيارات في السلطة الوطنية الفلسطينية لا يمكن اعتبار ذلك الفعل دس دسيسة ووشاية بالمعنى الوارد في المادة 111 من قانون العقوبات الساري في الضفة الغربية ، إذ المادة المشار إليها حددت الركن المفترض لهذه الجريمة وهو أن يكون الفاعل أردنيا وحددت كذلك الركن المادي والركن المعنوي ، ليدفع الجاني الدولة الأجنبية على العدوان على الدولة الأردنية بإقليم محدد في المادة 7 من قانون العقوبات وليس سلطة حكم ذاتي.

مما يقتضي والحالة هذه إجراء تعديل للنص لتحديد الوصف الجزائي الدقيق دون غموض، ولتحديد الفاعل والحق المعتدى عليه أهي سلطة حكم ذاتي أم دولة بما لا يتعارض ومفهوم الدولة وسلطة الحكم الذاتي استناداً لقواعد القانون الدولي.

أما الشق الثاني وهو لا عقوبة إلا بنص.

فهذا الشق يعد المعادلة المكملة للقاعدة الأولى، بمعنى أن القاضي لا يجوز أن يقضي بالعقاب ما لم ينص القانون على ذلك صراحة بخصوص الواقعة المعروضة عليه، إلا أن للقاضي أن يحكم بحدود الحد الأدنى أو الحد الأقصى بما لا يزيد أو ينقص إلا في الأحوال المحددة في القانون. لذلك يرى البعض أن إيقاع العقوبة على فعل مجرم باسم القانون يرسي العدالة ويرسخ نصوص القانون في

أذهان الناس ونفوسهم بأن الفعل المجرم يقابله عقاب، وهذا المبدأ يوفر حماية حتى للمذنبين بأن لا يتم إيقاع عقوبات شديدة لمن يتم إدانته.

ورغم أن هذا المبدأ كان عرضة للنقض لجمود النص ومجافاته لقواعد الأخلاق، وتقييد القاضي في تقدير جسامة الجريمة، إلا أن سهام النقض لم تقوى على إصرار التشريعات الجزائية بالنص على هذا المبدأ في القوانين الأساسية والتشريعات الجزائية صونا للحريات الشخصية ما لم يتم تكبيدها بنص قانوني.

ومن هنا وقع الخلط عندما نادى الفقهاء بتفسير النصوص في قانون العقوبات، وعلى وجه الخصوص عندما يكون النص غامضاً، خصوصا عندما تكون الصياغة معيبة بسبب النقل، بل إن بعضهم ذهب للقول إلى أن النص الواضح يحتاج للتفسير، لأنه يجب عدم الوقوف عند المعنى الصوري للألفاظ ويلزم البحث عن المعنى العميق وعن حقيقة فحواه، مما يستدعي معرفة ما إذا كان هذا التفسير يتعارض مع مبدأ الشرعية للجريمة والعقوبة المنصوص عليها في المادة الثالثة.

وهناك من قال بعدم جواز التفسير في المواد الجنائية، وخصوصا في التشريعات التي لا تعتمد على السوابق القضائية التي ليس لها صفة الإلزام، بخلاف التشريعات التي تعتمد على السوابق القضائية التي نظامها يتبنى النظام الانكلو سكسوني، والتي جعلت نصوصها أقرب ما تكون إلى الشروحات الفقهية من حيث طولها وشمولها لكل ما يحتاج إليها القاضي، الأمر الذي يُبنى على ما ذكر أعلاه، أن

التفسير قد يتحقق بالتفسير من حيث المصدر الذي ينقسم إلى أربعة مصادر: تفسير تشريعي أو رسمي وتفسير صادر عن ديوان تفسير القوانين وتفسير قضائي وتفسير فقهي.

أما بخصوص التفسير التشريعي: فهو مستوحى من اسمه بمعنى أن السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص في سن القوانين، وهي صاحبة الاختصاص كذلك في التفسير، إذ أورد قانون العقوبات محل البحث في المادة الثانية منه معنى الألفاظ كالمملكة وبيت السكن والطريق العام والإجراءات القضائية والمكان العام والليل والجرح وفي بعض الأحيان يصدر تفسير لاحق لصدور التشريع بهدف

تفسير ما هو مبهم، بشرط ألا يحتوي هذا التفسير اللاحق على قاعدة مستحدثة، وإلا اعتبر هذا إنشاء لقواعد قانونية جديدة، أما إذا كان التفسير صادر عن ديوان تفسير القوانين، وهو ما نفتقر إليه في القانون الأساسي الفلسطيني لعام 2003، إلا أن قانون العقوبات الساري المفعول رقم 16 لسنة 1960 الذي صدر بموجب الدستور الأردني، فقد نص الأخير في المادة 123 منه على أن يكون لجانب المحاكم هيئة متخصصة بتفسير القوانين، وتنعقد هذه الهيئة المؤلفة من رئيس أعلى محكمة نظامية بالإضافة لعضوية اثنين من قضاتها واحد كبار موظفي الوزارة ذات العلاقة يعينه مجلس الوزراء يضاف إليهم عضو يندب من الوزير، بحيث يتم تفسير الحالة عندما تكون المحاكم لم يسبق لها أن فسرت النص القانوني.

أما بخصوص التفسير القضائي ، فتقوم المحاكم بحكم وظيفتها في فض المنازعات المعروضة عليها بتفسير النص المراد تطبيقه إذا شاب النص عيب في التطبيق، رغم أن هذا التفسير غير ملزم ولا يشكل سابقة يمكن الاعتماد عليها من ذات المحكمة، وإنما يتم الاستئناف به.

أما بالنسبة للتفسير الفقهي، فهو أمر لا غنى عنه إذ يقوم الشرِاح والفقهاء بتشريح النصوص والتعليق على قرارات المحاكم بما يساهم بشكل كبير في إثراء النقاش بما يقدمونه م�� نقض وتأييد للفكرة، رغم أن هذا التفسير ليس له قوة ملزمة، إلا أن ما جرى عليه أن القضاء تأثر كثيراً بآراء الفقهاء، بل إن العديد من أحكامه كانت انعكاس لتبني وجهة نظر صادره عن فقيه كأساس في إصدار تشريع أو تعديله نتيجة للنقص والعيوب التي يدعو الفقه إلى إصلاحها.

وبالتالي التفسير اللغوي أو ما يطلق عليه بالتفسير المنطقي أو التفس

 

ير المقرر، أو التفسير المقيد أو التفسير الموسع أو التفسير بطريق القياس جميعها يتعارض مع مبدأ الشرعية، لأن المشرع يجب أن يكون دقيق اللفظ بصورة تمنع الاجتهاد في مورد النص، كما انه لا يمكن الاعتماد على المصدر التاريخي للنص للوقوف على طبيعة قصد المشرع، ولا يجوز كذلك قياس فعل أو واقعة لم يرد نص لتجريمها على واقعة ورد نص بتجريمها، لان في ذلك القياس سيؤدي إلى تقرير جرائم وعقوبات لم ينطق بها المشرع.

وعليه بوجود مبدأ الشرعية في التشريع الجزائي يكاد أن ينهي مسألة التفكير في التفسير أو الاجتهاد أو حتى في معرفة القصد للتشريع الجزائي من خلال المصدر التاريخي، لما لهذا المبدأ من قوة حضور بضرورة تحديد الوصف الجزائي للجرم بما يقابله من ضرورة وضع عقاب.

المطلب الثاني

تطبيق الأحكام الجزائية من حيث الزمان والمكان والأشخاص

أولا : من حيث الزمان

إن المتتبع للنصوص الواردة في قانون العقوبات رقم 16 لسنـ1960ـة، يجد فيه نظاماً زمنياً يحدد بدأ سريانه ومكان سريان أحكام ذلك القانون، للإشارة إلى مسألة في غاية الأهمية تتمثل في سلطان هذه النصوص، وهو أهلية المحاكم الفلسطينية للنظر في الجرائم التي تمتلك قانوناً حق النظر فيها .

وبما انه من المتفق عليه أن سريان القانون يبدأ من اليوم التالي لتاريخ مرور مدة النشر، ويستمر العمل به حتى يتم إلغاؤه بتشريع لاحق أو ضمنياً بنص يتعارض مع التشريع السابق، الأمر الذي يستدل من ذلك أن هناك قاعدة سائدة في قانون العقوبات تقتضي بعدم رجعية أحكام قانون العقوبات وفق مدلول حكم المادة 6 منه التي نصت على " كل قانون يفرض عقوبات أشد لا ينطبق على الجرائم المقترفة قبل نفاده "، بل أن المادة 117 من قانون الأساسي المعدل لعام 2003 أكدت على هذا الأثر بعدم رجعية القوانين وعلى وجه الخصوص في المواد الجزائية، وبالتالي النص الواجب التطبيق هو النص المعمول به وقت ارتكاب الجرم، وليس النص المعمول به وقت المحاكمة.

وهذه القاعدة تُعد نتيجة منطقية لمبدأ الشرعية، بحيث إذا أنطبق نص التجريم على وقائع سابقة على نفاذه لقضي على هذا المبدأ، إلا أن ذلك لا يتعارض مع قاعدة ما هو أصلح للمتهم عندما يقرر المجتمع فيما بعد أن يخفض العقوبة أو يلغي الجرم بما لا يتعارض والحقوق المدنية ، بمعنى إذا كان حق العقاب مبني على العدالة والمصلحة في آن واحد ، فإن للمشرع الحق في إلغاء أو خفض العقاب

على فعل أو ترك، لأنه لا معنى للإصرار على تطبيق العقاب السابق ما دام أن المجتمع رأى أن مصلحته لم تعد جديرة بالحماية أو أنها على درجة ليست بالأهمية .

وبناءً على ما تقدم ، نلاحظ أن التشريع الجزائي الأردني ما زال سارياً بموجب الأمر رقم 1 لسنـ1994ـة الصادر عن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات، التي أصبح لها موطأ قدم في بعض المناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة بموجب اتفاقية إعلان المبادئ، الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني ودولة إسرائيل في 13 /09/1993، حيث نصت المادة الأولى من الأمر باستمرار العمل بالقوانين والأنظمة والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل تاريخ 05/06/1967 في الأراضي الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة حتى يتم توحيدها " كما و نصت المادة 118 من القانون الأساسي الفلسطيني على الإبقاء للتشريعات السارية نافذة المفعول قبل التاريخ المشار إليه " بما لا يتعارض وأحكام هذا القانون الأساس المعدل تظل سارية القوانين واللوائح والقرارات المعمول بها في فلسطين قبل العمل بهذا القانون إلى أن تعدل أو تلغى وفقاً للقانون "

ومما يُشار إليه، أن بقاء التشريعات سارية المفعول لحين توحيدها بتشريع جديد، أمر يقضي والحالة هذه الرجوع إلى تلك التشريعات بما تضمنته من أحكام، ما دام أن الأمر والقانون الأساسي المعدل لم يأخذا بالحسبان الإشكاليات التي تقع عند التطبيق، وهذه الإشكالية باعتقادي لن تأتي على تطبيق القانون من حيث الزمان، بل على العكس وجود الأمر والمادة 118 من القانون الأساسي هو تعزيز لاستمرارية العمل بالقوانين إلى أن يتم التعديل أو الإلغاء، لكن الإشكالية تكمن في مبدأ الصلاحية الإقليمية لتطبيق الأحكام الجزائية من حيث المكان وكذلك لمبدأ الصلاحية الذاتية وهو ما سنتعرض له.

ثانياً: مبدأ الصلاحية الإقليمية

بموجب الأمر رقم 1 السنة 1994 والمادة 118 من القانون الأساسي المعدل، ستبقى بعض التشريعات التي كانت مطبقة قبل 5/6/1967 سارية، وبما أن التشريع الجزائي محل البحث لم يتعرض

لإلغاء أو تعديل حكمي، فإن جميع النصوص ستبقى على حالها، مما يعني أن نص المادة 7 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 سيبقى سارياً، إذ نصت المادة 7 منه على أن " تسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في المملكة جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه "، ولكي تعد الجريمة مرتكبة في الأردن كما ورد في التشريع محل البحث، الذي لم يجر عليه تعديل حتى في كلمة الأردن، لتكون المناطق مثل

 

اً أو مناطق السلطة الذاتية الفلسطينية أو جزء من فلسطين التاريخية أو أية سيادة تابعه لفلسطين، فيشترط أن يكون أحد العناصر المؤلفة للجريمة أو أي فعل من أفعال الجريمة غير متجزئة أو فعل اشتراك أصلي أو فرعي، والإقليم الذي تم تحديده بموجب المادة 7/2/أـب،" الذي يشمل أراضي المملكة طبقة الهواء التي تغطيها والبحر الإقليمي إلى مسافة خمسة كيلو مترا من الشاطئ والمدى الجوي الذي يغطي البحر الإقليمي والسفن والمركبات الهوائية الأردنية، والأراضي الأجنبية التي يحتلها الجيش الأردني إذا كانت الجريمة المقترفة تنال من سلامة الجيش أو من مصالحة "، لذلك التعريف الوارد في مسودة مشروع قانون العقوبات الفلسطيني لعام 2010 عرف الوطن أو البلاد في المادة السادسة منه بأنها الأراضي والمياه الإقليمية والفضاء الجوي التي لفلسطين سيادة أو ولاية عليها وهو أفضل من التعريف الوارد في التشريع الأردني للاعتبارات السياسية، ولوجود كيان آخر ضمن إقليم فلسطين التاريخية، وان كان هذا التعريف ناقص كونه كأنه اعتمد على وجود اتفاق كامل مع الجانب الإسرائيلي ( وهو لم يتم حتى الآن ) وبموجبه تم تحديد وترسيم الحدود، وهذا التعريف في مسودة المشروع لم يتعامل مع الواقع الحالي الذي قسم المناطق الفلسطينية إلى ثلاثة أقاليم أ و ب و ج بموجب اتفاق إعلان المبادئ.

وما تجدر الإشارة إليه وللأسف، أن المنشور رقم 2 لسنة 1967 الصادر عن قائد قوات الجيش الإسرائيلي بصفته رئيس قوة الاحتلال آنذاك، أشار في المادة الأولى من ذلك المنشور إلى الإقليم بعبارة المنطقة وشملها بالضفة الغربية، أما الأمر رقم 1 لعام 1994 والمادة 118 الواردة في القانون الأساسي المعدل لعام 2003، وإن أشارا إلى استمرارية العمل بالقوانين من حيث الزمان المعمول به قبل 5/6/1967 في الأراضي الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن ذلك يتعارض مع ذات اتفاقية إعلان المبادئ التي أعطت الولاية للسلطة الوطنية الفلسطينية من حيث الصلاحية الإقليمية والصلاحية الذاتية بحدود ضيقه، وان كان مع مرور الزمن أصبحت الولاية المكانية والذاتية أشمل إلا انه دون اتفاق.

وعليه كان يجب على المشرع الفلسطيني التنبه لهذا المسألة بتعديل بعض النصوص الخاصة بالولاية الإقليمية ضمن المناطق الجغرافية التي وافقت عليها منظمة التحرير الفلسطينية لتشمل قواعد التشريع الجزائي كل فلسطيني مقيم داخل المناطق المحددة في أ و ب و ج و كذلك الفلسطيني المقيم شرقي القدس ممن لا يحمل الجنسية الإسرائيلية الذي ينطبق عليه التشريع الجزائي الساري محل هذا البحث استنادا لمبدأ الصلاحية الذاتية، أو على اقل تقدير أن يكون الأمر رقم 1 لسنة 1994 والمادة 118 قد شملا المناطق المقسمة كأساس لمد الولاية الإقليمية والشخصية، وبالتالي عند ترسيم الحدود بموجب اتفاق نهائي معلن ويُوافق عليه، لا بأس من أن يتم اعتماد التعريف الوارد في المادة 6 كأساس في تحديد الإقليم.

ثالثا : مبدأ الصلاحية الذاتية

إن التشريع الجزائي الساري المفعول نص في المادة التاسعة منه على سريان أحكام هذا القانون على كل أردني أو أجنبي فاعلا أو شريكا أو محرضا أو متدخلا ....."

كما أن المادة العاشرة من ذات القانون نصت على أن تسري أحكام هذا القانون على كل أردني فاعلا كان أو شريكا أو محرضا أو متدخلا ارتكب خارج المملكة جناية أو جنحه ... "

مما يستدل من هذا التشريع أن هذا المبدأ يعاقب كل شخص ارتكب جريمة في أي مكان في العالم وفقا لقانونه الشخصي وهو قانون الدولة التي ينتمي إليها على أساس الرابطة التي تربط الفرد بالدولة بموجب قانون الجنسية الذي يحدد من هو الأردني.

أما في حالتنا، واستنادا للتعريف الوارد في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 فنحن معشر الفلسطينيين لا نملك الجنسية الفلسطينية، التي كانت لنا بموجب قانون الجنسية الفلسطيني لعام 1925 الصادر عن حكومة الانتداب البريطانية، وبالتالي إلغاء قانون الجنسية المذكور بقانون جنسية أردني يحدد من هو الأردني، بعد الوحدة عام 1950 بين الضفة الشرقية والغربية، أصبح جميع الأفراد القاطنين في

المملكة الأردنية الهاشمية بموجب التشريعات الأردنية أردنيون، ومن هنا تأتي إشكالية أخرى في التطبيق على الصلاحية الشخصية، وذلك لسببين الأول: عدم وجود قانون جنسية فلسطيني يحدد من هو الفلسطيني، والثاني: التشريع الجزائي المعمول به هو تشريع أردني خاطب بموجبه كل أردني ولا مجال لإعمال النص على الأردني والحالة المعروضة هو فلسطيني.

إذن لكل ما سبق ذكره أعلاه ، الصلاحية الزمانية والمكانية والشخصية هي جزء من مبدأ الشرعية، بأن " لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص " إذ كيف سيتمكن القاضي من تطبيق مبدأ الشرعية بأن لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص، والصلاحية المكانية غير متوفرة ليكون للمحاكم الفلسطينية صلاحية الفصل في النزاع ، وكيف يمكن تطبيق مبدأ الشرعية إذا كان مبدأ الصلاحية غير متوفر أصلا، فعلى من سيطبق القانون إذا لم يتم تحديد الفاعل وفق المفهوم آنف الذكر كعنصر متمم لمبدأ ا

 

لشرعية ؟

المبحث الثاني

أركان جرائم أمن الدولة الخارجي

كثيراً من التشريعات الجزائية أخذت بآراء الفقه للتمييز بين جرائم الخيانة والتجسس، حيث أن البعض استعرض معايير للتفرقة بين جرائم الخيانة والتجسس على أساس ثلاثة معايير :

المعيار الأول: أخذ بالتبعية كأساس للتفرقة بين الجريمتين، بحيث يرى أنصار هذا المعيار أن طبيعة الأعمال التي تصدر عن الجاني في حالتي التجسس والخيانة واحدة، فإذا أهدر الجاني واجب الولاء لوطنه فهو خائن، أما إذا صدر الفعل عن أجنبي بحيث لا تربطه بالدولة التي أضر بها علاقة التبعية والتي تتمثل بالولاء والإخلاص فيعد فعله تجسساً، رغم أن هذا المعيار تعرض للنقض، لان المواطن قد يحمل أكثر من جنسية باعتبار الجنسية هي المُعبر الحقيقي عن التبعية، الأمر الذي يفقد هذا المعيار واقعيته كأساس في التفرقة بين الجريمتين فيما لو ارتكب الجاني فعله لمصلحة دولة يحمل جنسيتها وضد دولة يحمل جنسيتها أيضا.

أما معيار الموضوعية : فيرى أصحاب هذا الفكر أنه يجب البحث في طبيعة الأعمال المادية الصادرة عن الجاني، بحيث إذا انصبت هذه الأعمال في محلها بأعمال مادية وتسليم أشياء يعد ذلك الفعل خيانة، أما إذا كانت الأفعال تتمثل بالبحث والاستقصاء فيعد الفعل تجسساً.

أما بخصوص معيار الباعث، فيرى أصحاب هذا الفكر أن الضابط في التفرقة بين الجريمتين يكمن في الباعث على ارتكاب الفعل، بحيث تعتبر الجريمة جريمة خيانة إذا كان الباعث هو شخصي يتمثل الرغبة في الإضرار بالدولة، أما إذا كان الباعث هو ذو طبيعة خاصة يهدف لمنافع مادية أو أدبية فهي جريمة تجسس.

وبغض النظر عن المفارقات في المعايير، فإنه من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن المشرع في التشريع الساري المفعول محل البحث أخذ بالجريمتين، بحيث افرد أحكاما خاصة لكل منهما، إذ جُمعت

الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي في المواد 110-134 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وقد جاء تصنيف تلك الجرائم على النحو التالي :

1- جرائم الخيانة المنصوص عليها في المواد 110 – 117.

2- جرائم الماسة بالقانون الدولي المنصوص عليها في المواد 118 – 123.

3- جرائم التجسس المنصوص عليها في المواد 124 – 126.

4- جرائم الاتصال بالعدو لمقاصد غير مشروعة المنصوص عليها في المواد 127 – 129.

5- جرائم النيل من هيبة الدولة ومن الشعور القومي المنصوص عليها في المواد 130 – 132.

6- جرائم المتعهدين زمن الحرب المنصوص عليها في المواد 133 – 134.

وبما أن الواقع العملي على أرض الواقع الذي يصدر عن الفاعلين وهو الغالب يندرج في مفهوم جرائم الخيانة والتجسس بحيث افرد التشريع الساري أحكاما خاصة لكلتا الجريمتين، فإنه من المناسب أن يتم التعرف على أركان هاتين الجريمتين لمطابقة الأوصاف على حكم تلك المواد مع الواقع الفلسطيني، بما يخدم أهداف هذا البحث من خلال مطلبين الأول يتمثل بالتعرف على الركن المفترض لكل من الجريمتين، والثاني للتعرف على الأركان العامة لكلتا الجريمتين.

المطلـــب الأول

الركن المفترض

سبق وأن أشرنا أن قانون العقوبات محل البحث حدد في جرائم الخيانة من المواد 110- 116 الفئة الموجه لها الخطاب وهم الأردنيون، لان واجب الولاء والوفاء أمر حتمي لوطنهم وشعبهم، كما أن بعض الأجانب لهم منزلة الأردنيين بموجب قانون الجنسية الأردنية المعدل رقم 7 لسنة 1963، الذي حدد ذلك القانون الأردني بالفئات الآتية :

1- كل من حصل على الجنسية الأردنية أو جواز سفر أردني بمقتضى قانون الجنسية لسنة 1928 وتعديلاته والقانون رقم 6 لسنة 1954.

2- كل من كان يحمل الجنسية الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15/5/1948 ويقيم عادة في المملكة الأردنية الهاشمية خلال المدة الواقعة ما بين 20/11/1949 ولغاية 16/2/1954.

3- من ولد لأب يتمتع بالجنسية الأردنية.

4- من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من أم تحمل الجنسية وأب مجهول الجنسية أو لا جنسية له أو لم يثبت نسبته إلى أي أب قانوناً .

5- من ولد في المملكة الأردنية الهاشمية من والدين مجهولين ويعتبر اللقيط في المملكة مولوداً فيها ما لم يثبت عكس ذلك.

6- جميع أفراد عشائر بدو الشمال.

7- الأجنبية التي تتزوج من الأردني وأعلنت عن رغبتها خطياً في الحصول على الجنسية الأردنية بموافقة وزير الداخلية على أن يمضي على زواجها مدة ثلاثة سنوات وكانت تحمل جنسية دولة عربية وإذا مضى على زواجها مدة خمس سنوات ما لم تكن تحمل جنسية دولة عربية.

وبالتالي من حصل على الجنسية الأردنية يعد مخاطباً بواجب الوفاء والولاء والإخلاص للأردن وعليه يعد مخاطباً بنصوص المواد 110- 116.

وما تجدر الإشارة إليه أن اصطلاح الأردني يشمل الذكر والأنثى، ولا فرق بين من يحمل الجنسية الأردنية الأصلية أو التبعية أو بالتجسس من العرب أو الأجانب، فجميعهم مخاطبون بأحكام النصوص المشار إليها.

وبناء على ما تقدم وللتأكيد على وجهة نظر الباحث حول عدم إمكانية تطبيق النص أو النصوص الواردة في المواد 110 – 116 على المواطن الفلسطيني الذي يقطن في

 

المحافظات الشمالية هو نص المادة الثالثة من قانون الجنسية الأردنية رقم 6 لسنة 1954 التي نصت على أن "يعتبر أردني الجنسية كل من أحرز الجنسية الأردنية بمقتضى قانون الجنسية الأردنية لسنة 1928 وتعديلاته وكل من كان يحمل الجنسية الأردنية بمقتضى القانون رقم 56 لسنة 1949، وكل من كان يحمل الجنسية

الفلسطينية من غير اليهود قبل تاريخ 15/5/1948 ويقيم عادة بتاريخ صدور هذا القانون في المملكة الأردنية الهاشمية".

كما أن المادة 22 من منه ألغت أي قانون يتعارض مع أحكامه ومنها قانون الجنسية الفلسطينية لعام 1925، الأمر الذي يجعل من تطبيق النصوص الخاصة بجرائم الخيانة على المواطنين الفلسطينيين خصوصاً بعد اتفاق إعلان المبادئ لعام 1993 دون أن يتم تحديد جنسية الفلسطيني يتعارض مع التطبيق السليم لنصوص قانون العقوبات الساري وعلى وجه التحديد "المواد 110- 116".

لذا كان على المشرع الفلسطيني إما إصدار قانون يحدد من هو الفلسطيني مع إجراء تعديل على بعض النصوص لقانون العقوبات أو أن يصدر تشريع جزائي جديد يحدد الركن المفترض أسوة بباقي التشريعات.

أما بخصوص جرائم التجسس، واستناداً إلى ما ذهب إليه الفقه، بحيث تأثر التشريع محل البحث بالتقسيم الذي أورده حول الجهة المخاطبة في جرائم الخيانة وهم المواطنون لكل دولة، وكذلك

في جرائم التجسس، فالجهة المخاطبة هي كل من تتواجد في الدولة لتمكين الدولة الأجنبية من العلم بأسرار الدولة الدفاعية والإستراتيجية، إلا أن ذلك لا يجري على إطلاقه لأن المواطن قد يعمل في مجال التجسس الذي تم تعريفه بموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907 " بأن الجاسوس هو كل شخص أقدم متخفياً متستراً باحثاً عن معلومات جامعاً لها محاولاً استقصاءها جاعلاً نطاق عمله ضمن دائرة العمليات الحربية لأحد الطرفين مستهدفاً نقل المعلومات إلى الطرف الآخر".

ورغم اختلاف الدول في التعبير عن تلك الأسرار، فقد اختلفت في تعريفها كثيرا من التشريعات، وإن كانت جميعها تنصب على كشف سر من أسرار الدولة التي تخصها في سلامة الدفاع القومي الوطني.

وبالنتيجة فإن خطة التشريع محل البحث الوارد ذكرها في المواد 124 – 126 وإن وردت تحت عنوان الخيانة، فإن المخاطب بها هو الأردني وغير الأردني والدليل على ذلك أن المشرع في تلك المواد لم يحدد الركن المفترض كما فعل في المواد 110 – 116.

المطلب الثاني

الأركان العامة في جرائم الخيانة والتجسس

كي يتحقق الركن المادي للجريمة لا بد من توافر ثلاثة عناصر، إذ دون وجود ركن مادي فلا يتصور وجود جريمة، وتتمثل هذه العناصر بالسلوك والنتيجة الإجرامية والعلاقة السببية بينهما، فإن تحققت هذه العناصر اكتمل الركن المادي واعتبرت الجريمة تامة، وإن تخلفت النتيجة الجرمية لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل تكون الجريمة ناقصة ويكون السلوك شروعاً بارتكاب الجريمة.

وعودا على بدء، إذ بالجوع إلى أحكام المواد 110 – 116 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، فقد سبق وأن اشرنا إلى أن الركن الأول يتمثل بالجهة المخاطبة والذي سبق كذلك أن اشرنا إليه بالركن المفترض ،بحيث قصد المشرع مخاطبة فئة محدده بعينها، وهم الأردنيون ومن في حكمهم وهو ما عبر عنه المشرع بعبارة كل أردني .

أما بخصوص باقي الأركان والتي لها علاقة مباشرة بمبدأ الشرعية الذي سبق وأن تعرضنا له في البحث الأول، فيتمثل ذلك في ركنين أساسيين الأول الركن المادي والثاني الركن المعنوي وهو القصد الجرمي .

أولا الركن المادي :

إذا عدنا قليلاً للخلف ووقفنا ملياً على الإشكالية محل البحث، والتي تتمثل بقيام شخص بالارتباط مع جهاز أمني للدولة الإسرائيلية مقابل الإخبار عن سارقي السيارات وتجار المخدرات فيما إذا يعد هذا الفعل انخراطاً في صفوف العدو أو يعد دس دسيسة ضد الدولة الفلسطينية لدى دولة أجنبية لدفعها على العدوان ....؟

بحيث إذا تم استعراض الركن المادي لحكم المادة 110 من قانون العقوبات محل البحث لوجدنا أنه يشترط في أن يكون الجاني مقاتلاً فعلياً منضماً إلى القوات الميدانية المحاربة وقادراً على حمل السلاح.

أي أن يكون محارباً وأن تكون الحالة القائمة ما بين الدولة والعدو حالة حرب قائمة، لا أن تكون حالة سلم، مما يجعل من سلوك الجاني وهو الانضمام أو الانخراط مع قوات العدو دون تحديد سواء أكانت تلك القوات برية أو جوية أو بحرية ويدخل في هذا المفهوم القوات الشعبية المحاربة أو المقاومة التي توصف بالوصف القانوني للقاتل.

وفي حال دس الدسيسة أو الدسائس لدى دولة أجنبية لدفعها على العدوان على الأردن بموجب حكم المادة 111، فإن الركن المفترض كذلك في هذا الركن هو الأردني أو من ينزل منزلته من لأجانب الذين لهم محل إقامة وفق التحديد الوارد في المادة 117 .

وبخصوص الركن المادي الذي يتألف من نشاط أو سلوك سواء أكان شفاهةً أو كتابة رمزاً أو تصريحاً أو بالواسطة، يقصد منه توجيه أو خدمة الدولة الأجنبية للقيام بعمل عدائي ضد الدولة الأردنية وقد يكون عن طريق النميمة أو الوشاية أو باختلاق وقائع لا حقيقة له

 

ا، وبالتالي هذا المصطلح فضفاض يفتقر إلى التحديد الدقيق الذي يمنح هذا المصطلح سلطة تقديرية للقاضي في استخلاص معنى دس الدسيسة بناء على الوقائع المعروضة عليه بما يتفق وما يقدم من بينات حولها.

وعليه فلا يتصور قيام الركن المادي للإشكالية محل البحث بناء على ما تم ذكره أعلاه لاختلاف الركن المادي في كل واقعة، ولانعدام الركن المفترض ابتداءً الذي ورد له تخصيص في المادة 9 من القانون محل البحث استناداً لمبدأ الشرعية آنف البحث، وكون أن المحل المعتدى عليه لا ينطبق عليه الوصف الوارد في المادة 7 مع واقع المحل المعتدي عليه في المحافظات الشمالية، وهذا ما توصل إليه الاجتهاد القضائي الفلسطيني في قراراته الحديثة المؤيدة من محكمة الاستئناف.

لذلك بفقدان الركن المفترض والمحل المعتدى عليه بالمفهوم المحدد لشكل الدولة وحدودها وفق تعريف القانون الدولي للدولة والواقع القانوني الوارد في المادة 7 محل التشريع الساري وواقع اتفاق إعلان المبادئ الذي أعطى للسلطة الوطنية الفلسطينية سلطة حكم ذاتي على رقعة جغرافية محددة أمنياً من طرفه تسمى أ ، يجعل من جميع ذلك لغايات تطبيق أحكام المواد 110- 116 على الإشكالية محل البحث بعيدة المنال وفق المفاهيم سابقة الذكر .

ثانياً : الركن المعنوي

يشترط لتوفر الركن المعنوي وهو القصد الجنائي في الجرائم الواقعة على أمن الدولة الخارجي وخصوصاً في جرائم الخيانة والتجسس قصدان الأول : القصد العام المتمثل في نية الإضرار بالشيء محل الحماية وفق الوصف الوارد في المواد 110 – 116، وكما سبق وأن أشرنا إلى أن المحل الواجب حمايته هو الدولة، أي أن يقدم الفاعل على النشاط الصادر عنه عن وعي وإرادة وعلم، وأن يتوفر كذلك القصد الخاص في كل جريمة المتمثل إما بنية فوز قوات الدولة الأجنبية على القوات الوطنية أو بنية إلحاق الضرر بالمعدات والآلات أو بنية شل الدفاع الوطني .

وكل ذلك يستلزم أن يكون المحل المعتدى عليه هو الدولة التي ورد وصفها في المادة 7/2/ أ- ب من قانون العقوبات، وهذا الوصف ليس له مجال في التطبيق على واقع الحال للمحافظات الشمالية بعد اتفاق إعلان المبادئ الذي قسم المناطق الفلسطينية المحتلة إلى ثلاثة أقسام، تشمل الصلاحية الأمنية بكل ما تعنيه الكلمة من للجانب الفلسطيني في مناطق أ فقط دون ب و ج .

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0