تقييم السياسات العمومية في ضوء دستور 2011 - التقييم البرلماني نموذجا
برزت الحاجة للعمل بمقاربات التقييم في مختلف دول العالم، نتيجة تعدد المشاكل العمومية وتعقدها، وتزايد حاجيات المواطنين التي يتوجب على الحكومات تلبيتها، مقابل النقص الحاصل على مستوى الموارد العمومية، والتي تعد غير كافية لحل كل المشاكل، وتلبية كافة الحاجيات الشيء الذي فرض إدخال التقييم في دورة حياة السياسات العمومية، قصد تحديث طرق العمل، وتحديد الأولويات وعقدة تدبير الموارد، وذلك بغية تلبية أكبر عدد ممكن من الحاجيات بأقل تكلفة ممكنة، وبجودة تجعل الناس راضين عنها.
رابط تحميل الاطروحة اسفل التقديم
_____________________________
مقدمة :
برزت الحاجة للعمل بمقاربات التقييم في مختلف دول العالم، نتيجة تعدد المشاكل العمومية وتعقدها، وتزايد حاجيات المواطنين التي يتوجب على الحكومات تلبيتها، مقابل النقص الحاصل على مستوى الموارد العمومية، والتي تعد غير كافية لحل كل المشاكل، وتلبية كافة الحاجيات الشيء الذي فرض إدخال التقييم في دورة حياة السياسات العمومية، قصد تحديث طرق العمل، وتحديد الأولويات وعقدة تدبير الموارد، وذلك بغية تلبية أكبر عدد ممكن من الحاجيات بأقل تكلفة ممكنة، وبجودة تجعل الناس راضين عنها.
إلا أن تحقيق هذه الأهداف ليس بالأمر السهل، بل يتطلب الشروع في إجراء عمليات التقييم بشكل مؤسساتي ومنتظم، يرشد الحكومات إلى التعديلات والتقويمات الضرورية لتحسين نتائج سياساتها، والتعلم من أخطاء الماضي وتجاوزها في الحاضر والمستقبل. بالإضافة إلى ذلك، إن اللجوء إلى عمليات التقييم وتعميم العمل به يساهم في الرفع من انجاعة أداء الفعل العمومي، ومن إرساء ثقافة المحاسبة، وإعادة توطيد روابط الثقة وتقويتها بين المجتمع والدولة.
لهذا الغرض، عمل المشرع الدستوري خلال وضعه الدستور المملكة المغربية لسنة 2011 على دسترة مختلف مقاربات التقييم المعمول بها بمختلف التجارب الدولية، حيث قام بدسترة التقييم الديمقراطي، الذي أسنده للبرلمان باعتباره ممثلا للمواطنين، مقابل دسترة التقييم الداخلي للحكومة بالإضافة إلى دسترة التقييم التشاركي، تفعيلا لمبادئ الديمقراطية التشاركية إلى جانب الديمقراطية التمثيلية، من أجل الرفع من عدد مناصري السياسات العمومية والتقليص من الهوة بين المجتمع ومؤسسات الدولة.
كما قام المشرع الدستوري بدسترة فاعلين جند في التدخلات العمومية، ومنحهم حق تقديم المساعدة للبرلمان والحكومة، سواء عند وضع السياسات أو عند تقييمها، ويتعلق الأمر بمختلف المؤسسات الدستورية وهيئات الحكامة.
وعلى المستوى العملي، لم يتم تحديد اللحظة الزمنية للفاعلين قصد التدخل عن طريق التقييم في دورة حياة السياسات العمومية، بل يقي لهم المجال مفتوحا لاختيار اللحظة المناسبة للقيام بذلك، إذ يمكن لهم إجراء أشغال التقييم قبل وضع السياسات العمومية، قصد دراسة المشكل العمومي، وتحديد الحاجيات الأساسية للمواطنين، ووضع أهداف متلائمة معها، ومنسجمة مع بعضها بعضا، ومع أهداف السياسات الأخرى، ومع بيئتها.
كما يمكن لهم إجراء عمليات التقييم بشكل مواكب المسار تنفيذ السياسات العمومية، قصد التأكد من أن عملية التنفيذ تتم بنفس الشكل المخطط لها. أما التقييم الذي يتم إجراؤه على المدى
المتوسط، فإنه يتم من أجل تقييم مدى بلوغ الأهداف المحددة بنفس الطريقة المتوقعة. وعند الانتهاء من تنفيذ السياسات العمومية يمكن لهم إجراء عمليات التقييم اللاحق من أجل تقييم مدى فعالية ونجاعة تحقيق الأهداف المتوقعة، وتقييم آثارها على مستوى تطور حياة المواطنين، وبلورة حكم تقييمي يعكس حقيقة تنفيذ السياسات العمومية في الواقع، ويعكس مدى رضى المستفيدين منها. في هذه المرحلة من عملية التقييم، يتم اتخاذ القرار حول الاستمرار في العمل بنفس السياسة أو تعديلها أو إيقاف العمل بها ووضع سياسة جديدة.
غير أن ممارسة وظيفة التقويم لا تتم بشكل اعتباطي، بل تتطلب ممارستها وفق مبادئ وقواعد محددة تضمن الاستقلالية والحياد للمقيمين المهنيين، وتنفيذ عمليات التقييم من خلال توظيف منهجيات وأدوات علمية مضبوطة، من أجل جمع المعلومات الضرورية وتحليلها، والوصول إلى نتائج موثوق فيها من طرف مختلف الفاعلين في السياسات المعنية بالتقييم.
ورغم أن ممارسة وظيفة التقييم في بعض الأحيان تكون فعلا سياسيا، وخصوصا عند ممارستها من طرف البرلمان قصد مساءلة الحكومة حول نتائج أدائها، إلا أنه من الضروري أن تتبني هذه المساءلة على استنتاجات تمت بلورتها من خلال الاعتماد على نتائج تقييمات علمية ومعايدة، وتقف على نجاحات وإخفاقات السياسات العمومية المعنية كما هي في الواقع.
وكما حدد المشرع الدستوري للبرلمان الآليات التي يمارس من خلالها وظائف التشريع والراقية، فإنه عمل على جعله يمارس وظيفة تقييم السياسات العمومية من خلال عقد جلسة سنوية المناقشة السياسات العمومية وتقييمها، كما تنص على ذلك الفقرة 2 من الفصل 101 من الدستور.
إلا أن عملية التحضير لهذه الجلسة السنوية تتم من خلال المرور بمجموعة من المراحل التي تنطلق من تحديد موضوع السياسات المعنية بالتقييم وتشكيل المجموعة الموضوعاتية التي ستشتغل عليه، وصولا إلى صناعة التقارير التقييم التقنية التي سيتم عرضها على الجلسة السنوية للمناقشة والتقييم، وتتطلب هذه المراحل التحضيرية العمل وفق مبادئ ومعايير محددة مسبقاء وبمنهجيات علمية، تجعل نتائج تقارير التقييم التقنية موضوعية وموثوق فيها، وقابلة للاستخدام من طرف الحكومة قصد تحسين أداء السياسات العمومية.
من جانب آخر، عمل المشرع الدستوري على تقوية دور البرلمان كفاعل في حقل السياسات العمومية، من خلال وضع مجموعة من الآليات أو إدخال تعديلات جوهرية على البات أخرى كانت موجودة من قبيل التوسيع من اختصاص القانون، وتكريس التداول الديمقراطي على التكبير الحكومي، وعلى أساس نتائج الانتخابات التشريعية المباشرة، وتبوى مجلس النواب الصدارة في ظل نظام الثنائية البرلمانية، من خلال إستاده مهمة التنصيب الحكومي، ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها، واعطائه الكلمة النهائية في التصويت على مشاريع ومقترحات القوانين.
كما تم العمل على التخفيف من قيود نظام العقلنة البرلمانية، من خلال التخفيض من نسبة النصاب القانوني الواجب توفره لتفعيل مجموعة من آليات المراقبة، وتوسيعها لتشمل الرامية مثول رئيس الحكومة أمام البرلمان للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة مرة كل شهر، والزامهوبتقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة سواء بمبادرة منه أو يطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو يطلب من الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس المستشارين.
...........
يحتل هذا الموضوع في الوقت الراهن أهمية بالغة نظرا للتحولات التي بدأ يشهدها التدبير العمومي، وما تشكله وظيفة تقييم السياسات العمومية كنقطة ارتكاز أساسية في هذا التحول، الأمر الذي يتطلب تعميق البحث فيها، من أجل تفكيك جوانبها المختلفة وتحليلها، قصد محاولة إزالة الليس الذي ما زالت تعرفه، وخصوصا أنها تعد من بين المواضيع الجديدة القديمة، التي تتقاطع في دراستها حقول علمية متعددة، حيث تجد حقل العلوم السياسية بعالجها من الجوانب المرتبطة بتحليل النظم السياسية وكيفية اشتغالها وأداء وظائفها وقياس اثارها على المجتمع، أما حقل القانون الدستوري فيعالجها من الزاوية المرتبطة بتنظيم المؤسسات الدستورية، وكيفية ممارسة صلاحيتها دون اعمال دراسة علاقتها فيما بينها.
كما يعالجها حقل العلوم الإدارية باعتبارها نشاطا متميزا صادرا عن السلطات العمومية، ويهدف إلى توظيف كافة الموارد المتاحة، واستغلالها بفعالية من أجل تحقيق أهداف معينة، فيوحين يتناولها حال علم التدبير من الجوانب المرتبطة بتدبير وإدارة المشاريع والمقدرة على إنجازها، وتحقيق أهدافها كما هو مخطط لها، انطلاقا من اعتماد حسن القيادة والتوجيه للموارد المتاحة بشكل ناجع وفعال.
أما حقل المالية العمومية فيبحث في موضوع السياسات العمومية باعتبارها نشاطا عموميا، عندما تستخدم الوسائل والتدابير المالية، قصد تلبية الحاجات وحل المشاكل العمومية، من خلال تحقيق أهداف على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، دون إعمال دراسة الجوانبوالمتعلقة بعلاقة الكلفة بالنتائج والآثار المحققة.
وتزداد أهمية هذا الموضوع في معالجته انطلاقا من الجوانب المرتبطة بحلل العلوموالسياسية والقانون الدستوري مع الانفتاح على باقي الحقول العلمية الأخرى، التي تتقاطع في دراسته، وذلك من أجل محاولة تقديم أطروحة ملمة بمختلف جوانب الموضوع، كي تشكل إضافة نوعية لما حققه البحث العلمي من تراكم ببلادنا.
تتمحور الإشكالية الرئيسية لهذه الأطروحة حول إبراز أهمية مأسسة وظائف تقييم السياسات العمومية، واستقراء الآليات المؤسساتية المخول لها ممارستها، مع تخصيص حيرا مهما الوظيفة التقييم البرلماني باعتبارها نموذجا لهذه الأطروحة. وتتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية، والتي يمكن صياغتها على الشكل التالي:
ماهي طبيعة السياسات العمومية؟ وما هي العناصر المكونة لها؟ وكيف يمكن
تمييزها عن التدخلات العمومية الأخرى؟ وهل عملية تنفيذ السياسات العموميةومنضبطة إلى إجراءات وضعها وتنفيذها ؟ وهل دفاتر التحملات الخاصة بهاوالتضمن مؤشرات لتقييمها ؟
هل يتم مراعاة مدى انسجام السياسات العمومية مع بعضها بعضا ومع محيطها ومع كافة التدخلات العمومية الأخرى؟ وهل يتم إشراك الفئات المستهدفة من السياسات العمومية في عملية صنعها وتنفيذها وتقييمها ؟ بما فيها الفئات المتأثرة نها سواء سلبا أو إيجاباء أو بطريقة مباشرة أو غير مباشرة؟
ما هي الغاية من مأسسة وظائف تقديم السياسات العمومية؟ وكيف تتم ممارسة هذه الوظائف من طرف مختلف المؤسسات المخول لها ذلك؟ ومتى يتم التدخل لتقييم السياسات العمومية؟
هل نتائج تقييم السياسات العمومية تنعكس على عملية صنعها وتقويمها؟ وهل لها العكاس على مستوى أداء الحكومة لمهامها؟ أم أن هذه الأخيرة مازالت رهينة التراكمات الممارسة التقليدية للسلطة رغم الاختصاصات الدستورية الواسعة المخولة لها، ورغم المبادئ والآليات الجديدة للتدبير التي تعرض التقيد بشفافية اتخاذ القرارات
ماهي الغاية من إستاد البرلمان وظيفة تقييم السياسات العمومية؟ وكيف يمارس هذه الوظيفة الجديدة؟ وهل يتوفر على الإمكانيات والقدرات العلمية والتقنية والفنية التي ستمكنه من القيام بأشغال التقييم؟ وهل طبيعة العلاقة التي تربط البرلمان بالحكوم ةستسمح له بتقييم سياساتها بشكل ناجع ودفعها التقويمها ؟
إن معالجة الإشكالية الرئيسية والأسئلة المتفرعة عنها، يتطلب الانطلاق في عملية البحث من خلال الفرضيات التالية:
إن مأسسة تقييم السياسات العمومية ترمي إلى قياس مردودية التدبير العمومي، قصد الرفع
من نجاعته وفعاليته، وتحسين مستوى أدائه، حتى تتمكن السياسات والبرامج الموضوعة من تحقيق الأهداف والآثار المتوخاة منها.
ان تقييم السياسات العمومية ممارسة مستوحاة من التجارب الدولية، ثم مأسستها في المغرب بناء على توصيات المؤسسات المالية الدولية، لكن اختلاف الظروف والبنيات والعقليات أثرت على نتائج ممارسة هذه الوظيفة، ويظهر ذلك جليا من خلال التجارب الأولى التي تم القيام بها من طرف المؤسسات المخول لها ممارسة هذه الوظيفة بحكمومقتضيات الدستور.
إذا كان الرهان على مأسسة تقييم السياسات العمومية يتمثل في الاستفادة من مساهمتها في تطوير أداء التدبير العمومي والارتقاء به، بما يكفل تحقيق كسب رهان التنمية بأبعادها المختلفة، فإن ممارسة وظيفة التقييم مازالت تصطدم بمجموعة من المشاكل المعقدة، والإكراهات البنيوية، وعلى مستويات مختلفة الشيء الذي يتطلب بذل مجهودا إضافيا للتغلب عليها، قصد ممارسة هذه الوظيفة بشكل ناجع ومنتج، ويضمن بلوغ الغابات
.......
_____________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1E6bK0IkAwn2zgAkANJzpMjd5Y8qvbjar/view?usp=drivesdk