حدود السلطة التقديرية للمحكمة في تقدير النفقة
بالرجوع إلى المادة 190 من مدونة الأسرة نجد أن المحكمة هي المكلفة بتقدير النفقة، إلا أنها في سبيل حسن التقدير تعتمد على مجموعة من العناصر والمعايير ، إذ تعد هذه العناصر بمثابة قيود على السلطة التقديرية للقاضي وهذا ما تؤكده عدة قرارات صادرة عن المجلس الأعلى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر القرار القاضي بأن :" قضاة الموضوع لهم الصلاحية في تحديد قدر النفقة بعد أن تتوفر لهم العناصر الراجعة إلى اعتبار الأسعار وعادة أهل البلد وحال الطرفين كما أنهم غير مجبرين بالأخذ بالقدر المطالب به، إذ بوسعهم الحكم بأقل منه أو أكثر
بالرجوع إلى المادة 190 من مدونة الأسرة نجد أن المحكمة هي المكلفة بتقدير النفقة، إلا أنها في سبيل حسن التقدير تعتمد على مجموعة من العناصر والمعايير ، إذ تعد هذه العناصر بمثابة قيود على السلطة التقديرية للقاضي وهذا ما تؤكده عدة قرارات صادرة عن المجلس الأعلى نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر القرار القاضي بأن : " قضاة الموضوع لهم الصلاحية في تحديد قدر النفقة بعد أن تتوفر لهم العناصر الراجعة إلى اعتبار الأسعار وعادة أهل البلد وحال الطرفين كما أنهم غير مجبرين بالأخذ بالقدر المطالب به، إذ بوسعهم الحكم بأقل منه أو أكثر" .
وجاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالبيضاء " إن النفقة تخضع في تقديرها لسلطة القضاء ، غير أن هذه السلطة قد جعل لها المشرع سببا يحفظها من طغيان هذه السلطة مدا وجزرا .
ولعل السلطة التقديرية تكون في أوج استخدامها عند ما تنعدم تلك المعايير أو تنقص أما في حال توفرها ، فإن المحكمة ملزمة في قراراتها وأحكامها بإبراز المعيار الذي استندت عليه لإصدار حكمها، إذ يكون محل رقابة من طرف المجلس الأعلى.
وفي الواقع يبقى تقدير النفقة مسألة مرتبطة بالواقع أشد ارتباط وهي مسألة موضوعية بيد أن هذا لا يعني أن سلطة المحكمة مطلقة في هذا الإطار، وإنما هي سلطة تحدها المعايير المنصوص عليها في المادتين 189 و 190 من مدونة الأسرة ، مع ضرورة أخذ المحكمة بعين الاعتبار لدفوعات الطرفين معا.
وفي نفس الإطار ذهب بعض الفقه إلى القول بضرورة وضع معيار علمي دقيق لتقدير النفقة على شاكلة التعويضات في ميدان الشغل وحوادث السير مع اعترافهم بصعوبة الأمر باعتباره لصيقا بشخص الإنسان وحياته، إلا أنهم نادوا ببذل الجهد لإيجاد معايير تتميز بمرونة كبيرة يترك فيها المجال للقاضي للتصرف وفقا لظروف كل نازلة على حدة بحيث يمكن إيجاد جداول أو عمليات حسابية خاصة بكل شريحة .
مع التمييز بين المناطق الاقتصادية بالمغرب .
وأعتقد أن وضع معيار دقيق على شاكلة التعويضات المهنية وحوادث السير هو طرح صعب نظرا لأن التعويضات في مجال الشغل وحوادث السير يعود الأمر فيها إلى شركات التأمين على السيارات أو على صندوق الضمان الاجتماعي أو صندوق المعاشات والحال أن المؤمن في وضعنا غير موجود وإنما المتوفر هو زوج في أحسن الأحوال موظف معروف الراتب يقتطع من منبعه، وفي أسوأ الظروف رجل لا دخل له أو له دخل غير معروف ، مما يكون معه طرح وضع معيار دقيق وجامد غير ذي جدوى في الظروف الحالية.
أما مسألة وضع جداول أو عمليات حسابية، فتبقى صعبة التطبيق نظرا لأن فئة الفلاحين والحرفيين والصناع التقليديين معفية من الضرائب ، أما التجار وأصحاب المهن الحرة فإن الحس التنظيمي التجاري لا زال ضعيفا لديهم، فليست لديهم دفاتر محاسبية ، وبالتالي جدولتهم ستكون صعبة جدا.
وفي هذا الإطار حاولت مدونة الأسرة ، الإتيان بجديد في هذا المجال حيث أقرت بتوفير الضمانات الكفيلة باستمرار أداء النفقة لكنها لم توضح ما هي هذه الضمانات؟ لكن الممارسة القضائية تعتبر أن الضمانات تكمن في اقتطاع النفقة من منبع الأجر ، إلا أن الصعوبة تثور حينما يتعلق الأمر بملزم غير موظف ، فالمحكمة هنا تحدد أو تقدر النفقة لكنها تبقى دون تنفيذ على اعتبار أنه لا توجد أي وسيلة لإرغام الملزم على الأداء .
وعموما فإن الزوجة يحكم لها بالنفقة من تاريخ إمساك الزوج عن الإنفاق الواجب عليه ولا تسقط بمضي المدة ( المادة 195) ، كما ألزم المشرع المحكمة بالبث في قضايا النفقة في أجل أقصاه شهر واحد ، إلا أن هذه المدة لا تحترم وذلك لإكراهات التبليغ وطول المساطر ، الشيء الذي يفرغ هذا المقتضى من جدواه.
وحيث إن قانون المسطرة المدنية هو القانون العام في الإجراءات القضائية ، فإن القضايا المتعلقة بالأسرة تطبق عليها المسطرة المدنية ، ومن جملتها الفصل 179 هذا الأخير عرف تعديلات مهمة كان آخرها تعديل سنة 2003 حيث تم إلغاء بعض المقتضيات وإضافة أخرى ، إذ تم إلغاء الفقرات المتعلقة بإبرام الصلح، والحكمين ووضع المستحقات في الصندوق قبل إعطاء الإذن بالطلاق ، وبقيت المقتضيات الأخرى دون تعديل.
هذه المقتضيات التي تجعل من البث في طلبات النفقة يتم باستعجال ، مع تنفيذ الأوامر والأحكام بغض النظر عن كل طعن ، بل أكثر من ذلك، فإن الحكم الصادر في دعوى النفقة المؤقتة ينفذ قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه، الشيء الذي يفيد أن أهم خاصية للحكم القاضي بالنفقة هو شموله بالنفاذ المعجل بقوة القانون ، إذ يجب على المحكمة القضاء به في الأحكام الصادرة في قضايا النفقة ولو لم يطلبه الخصوم.
كما أن المشرع أكد على أن البث في طلبات النفقة باستعجال غير أن كلمة استعجال هناك من يفهمها على أساس أن الطلب يوجه إلى رئيس المحكمة بصفته قاضي الأمور المستعجلة فجهة توجيه الطلب بقيت محط نقاش خاصة في ظل النص القديم للفصل 149 من م.
م الذي كان يتضمن عبارة على شكل استعجالي ، الشيء الذي جعل بعض الفقه والممارسين للقضاء يؤولون الأمر على أساس أن البث في القضايا المتعلقة بالنفقة يتم من طرف قضاء الموضوع لكن النظر فيه يكون على وجه سريع ، إذ أن المشرع المغربي أعطى للمتقاضين إمكانية أخرى أكثر سرعة هادفا إلى استصدار أمر ينفذ قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه ، وبعد التعديل الذي تم بموجب القانون رقم 03.
72 عوضت كلمة أو عبارة على شكل استعجالي بكلمة " باستعجال " إلا أنه رغم ذلك لا يمكن الحسم في الأمر ، وإنما يبقى مفتوحا وقابلا لجميع التأويلات ، خاصة وأن المشرع عاد بعد ذلك وصرح بأنه " تنفذ الأوامر والأحكام في هذه القضايا .
" فاستعمال كلمة " الأوامر " و" الأحكام" دليل على أن الطلب يمكن أن يبث فيه القضاء الاستعجالي ، كما يمكن أن يبث فيه قضاء الموضوع مع إجازة الاستفادة من المسطرة الاستعجالية كقضاة المستعجلات ، كما حرص المشرع على أن يبث قاضي الموضوع في دعوى النفقة المؤقتة باعتباره أكثر إحاطة بالملف من غيره وفي أقرب وقت ممكن ليس فقط عن طريق تطبيق المسطرة الاستعجالية بل أيضا عن طريق تقييده لمدة زمنية قصيرة لا يحق له تجاوزها وهي مدة شهر من تاريخ الطلب ، وأرى أن في كل هذا ما يغني عن الالتجاء إلى رئيس المحكمة الابتدائية باعتباره قاضيا للمستعجلات .
كما تجدر الإشارة إلى أن هذه النفقة المفروضة للمطلقة ، يمكن أن تقدم بشأنها طلبات الزيادة أو التخفيض منها ولكن شريطة مرور سنة على فرضها إلا في حالة وجود ظروف استثنائية ( المادة 192) كتغير حال الزوج فقرا أو غنى أي تغيرها من اليسر إلى العسر أو العكس ويقصد بها كذلك تغيير الأسعار بشكل مفاجئ وملموس ارتفاعا أو انخفاضا.
فإذا تحقق ذلك فرضت النفقة من جديد وقبل مضي السنة على فرضها .