الخطأ

مجموعة مواضيع في النظرية العامة للالتزام في القانون المغربي لإنجازالبحوث والتحضير للمباريات القانونية

الخطأ
أولا : تعريف الخطأ وأنواعه يعتبر الخطأ أهم الأركان الثلاثة التي تقوم عليها المسؤولية ، وذلك راجع إلى ما قام حوله من خلاف بين شراح القانون، سواء من حيث تحديد معناه أو في وضع معيار معين له، وبالتالي هل تترتب المسؤولية عن كل فعل يحدث ضررا، أم يلزم أن يكون ذلك الفعل خطأ؛ ففريق أول يبني رأيه على النظرية التقليدية للخطأ، يرى أنه يجب أن يتوافر في الخطأ عنصران: أولهما نفسي، وهو نية الإضرار بالغير أو توقع الضرر والمضي في الفعل المحدث له رغم ذلك أو عدم الاحتياط لتلافيه، وثانيهما مادي وهو أن يكون الفعل غير مشروع أو فيه إخلال بالواجب القانوني.

وفريق ثان يأخذ بنظرية تحمل التبعة، يرى أن كل فعل ترتب عليه ضرر يوجب مسؤولية فاعله، سواء كان هذا الفعل خطأ أم لا .

ومن أمثلة التعاريف التي أعطيت للخطأ التقصيري ما قال به "بلانيول" بأن الخطأ هو "إخلال بالتزام سابق".

لكن الإشكال الذي يطرحه هذا التعريف هو كيف يتم تحديد هذا الالتزام الذي يعتبر الإخلال به خطأ، مما جعل بلانيول يحاول حصره في أربعة أنواع: الكف عن الغش، الإحجام عن عمل لم تتهيأ له الأسباب من قوة ومهارة، الامتناع عن العنف، اليقظة في تأدية واجب الرقابة عن الأشخاص أو على الأشياء .

فيما يرى اسمان بأن الخطأ هو إخلال بواجب مقترن بادراك المخل إياه.

وعرفه ريبير بانه إخلال بالتزام سابق ينشأ عن العقد أو قواعد الاخلاق.

أما "ديموج" فيعرف الخطأ بأنه عبارة عن اعتداء على حق يدرك المعتدي فيه جانب الاعتداء، ويتضح من هذا التعريف أنه يتطلب توافر شرطين: أولهما مادي، وهو المساس بحق الغير، وثانيهما نفسي ويتمثل في إدراك ما يعتبر مساسا بذلك الحق.

والشرط الأول ينقصه تحديد المدى في حقوق الأغيار، الأمر الذي لاحظ تعذره جوسران فيما يقول به من أن الفكرة في الخطأ هي اعتبارية تتبع كل حالة بعينها، بحيث إن ارتكاب خطأ تقصيري هو المساس بحق الغير دون أن يتمكن المخطئ من التمسك بحق أقوى من حق الغير أو على الأقل يماثله، أما الشرط الثاني فيكمن في أن الخطأ قد يتوافر إما بعدم توقع نتائج الفعل كما في حالة الإهمال وعدم التبصر، وإما بالتمادي فيما أمكن توقعه منها، وذلك هو الفعل العمد، لهذا فإنه يكفي في مسألة محدث الضرر مع عدم توقعه، أن نثبت أنه كان يستطيع بشيء من اليقظة والحزم توقع ما قد يصيب الغير من ضرر بفعله.

وهناك بعض الآراء الأخرى التي تنهج في تعريف الخطأ نهجا ثانيا، وذلك بخلطه مع ركن الضرر، وقد تزعم هذا الرأي "بول لكلير" النائب العام البلجيكي الذي تأثر في تعريفه للخطأ بما ينجم عن السيارات من حوادث، إذ كان الميل السائد في تلك الأيام هو البحث عن وسيلة تمكن من تخليص الضحية في حادث سيارة من عبء إثبات خطأ السائق، تفاديا لما يعانيه من عقبات في هذا الصدد، إذ كانت المحاكم البلجيكية تطبق في هذا السبيل أحكام المسؤولية عن الأعمال الشخصية طبقا للمادة 1382 من القانون المدني الفرنسي.

وكانت هذه المحاكم تلزم المضرور بإثبات خطأ السائق حتى تترتب مسؤوليته.

أما السنهوري فيرى أن الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو الإخلال بالتزام قانوني، وهو وجوب أن يصطنع الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير، فإذا مال عن هذا السلوك الواجب، وكان من القدرة على التمييز بحيث يدرك أنه انحرف، كان هذا الانحراف خطأ يوجب مسؤوليته التقصيرية.

ويلخص عبد المنعم فرج الصدة ما تقدم من التعاريف بقوله: "إن الذي نخرج به من مجموع هذه الآراء المختلفة أن الخطأ في المسؤولية التقصيرية هو إخلال الشخص بالتزام قانوني مع إدراكه لهذا الإخلال، والالتزام القانوني الذي يقع الإخلال به في المسؤولية التقصيرية هو دائما التزام ببذل عناية، ومقتضى هذه العناية أن يتخذ الشخص سلوكا ينطوي على القدر العادي المألوف من اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير، فإذا انحرف عن هذا السلوك وكان مدركا لهذا الانحراف كان هذا منه خطأ يستوجب مسؤوليته التقصيرية".

أما بخصوص التعريف القانوني للخطأ فإن المشرع المغربي قد عمل على تعريفه في الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود المغربي كما يلي: "كل فعل ارتكبه الإنسان عن بينة واختيار، من غير أن يسمح له به القانون، فأحدث ضررا ماديا أو معنويا للغير، ألزم مرتكبه بتعويض هذا الضرر، إذا ثبت أن ذلك الفعل هو السبب المباشر في حصول الضرر".

والخطأ أنواع فإما أن يكون خطأ عمدا، ويسمى اصطلاحا "جرما"، وإما أن يكون خطأ بإهمال ويسمى "شبه جرم".

فالخطأ العمد هو الذي يقع بقصد الإضرار بالغير كأن يأخذ أحد ساعة آخر ويرمي بها أرضا فيكرسها، وقد أشار المشرع إلى الخطأ العمد في المادة 77 حينما تكلم عن الفعل الضار الذي "يرتكبه الإنسان عن بينة واختيار".

والخطأ بإهمال هو الذي يقع بدون قصد الإضرار كأن ينزلق أحد ويسقط على مال آخر، فيتلفه أو كأن تهمل الدولة إصلاح انهيار وقع في طريق عمومية ولا تنبه إليه فتسقط سيارة في مكان الانهيار وتلحق بها أضرار.

وقد أشار المشرع إلى الخطأ بإهمال في المادة 78 حينما عرض للخطأ الذي يرتكب "من غير قصد إحداث الضرر".

والخطأ من جهة ثانية إما أن يكون خطأ إيجابيا وإما أن يكون خطأ سلبيا.

فالخطأ الإيجابي هو الذي يكون فعل المخطئ فيه عملا إيجابيا، أو حسب مانص عليه الفصل 78 هو الذي يقوم على "فعل ما كان ينبغي الامتناع عنه" كأن يتلف أحد مال الغير أو يصدم سائق سيارة أحد المارة فيصيبه برضوض وجروح.

والخطأ السلبي هو الذي يكون فعل المخطئ فيه عملا سلبيا، أو حسب تعبير المشرع في الفصل 78 هو الذي يقوم على "ترك ما كان يجب عمله" كأن يهمل سائق السيارة إضاءة مصباح سيارته ليلا ويسبب حادث اصطدام بسيارة أخرى، أو كأن يتوانى المالك عن إصلاح حائط له فينهار الحائط ويتلف مزروعات الجار.

والخطأ من جهة ثالثة إما أن يكون خطأ جسيما وإما أن يكون خطأ يسيرا، فالخطأ الجسيم هو الذي لا يرتكبه إلا شخص غبي، والخطأ اليسير هو الذي لا يرتكبه شخص متوسط الفطنة والذكاء.

ثانيا : عناصر الخطأ يتشكل الخطأ في القانون من عنصرين، أولهما ارتكاب الفعل وهو العنصر المادي، وثانيهما إدراك الفاعل وهو العنصر المعنوي.

فبالنسبة للعنصر المادي يصعب عمليا تحديد كل الواجبات التي إن تم خرقها اعتبر ذلك خطأ فالمشرع يستعصي عليه تحديد كل الالتزامات لذلك يكتفي في الغالب بوضع ضوابط الفعل، وتحديد واجبات تتطلب من الملزم القيام بأعمال معينة أو الامتناع عن القيام بأخرى، فإن هو قام بما هو مأمور به وامتنع عما هو منهي عنه يكون قد أدى الواجب ولم يقع في الخطأ، وإلا فإنه في الوضع المعاكس، يكون مخطئا، وبالتالي مسؤولا عن الأضرار التي يتسببها بفعله أو امتناعه .

ويمكن أن يتخذ هذا الإخلال إحدى صور ثلاث : 1 –مخالفة نص قانوني.

2 –مخالفة التزامات قانونية غير محددة في نص قانوني.

3 –ممارسة الحق بشكل تعسفي .

فإن كانت الصورة الأولى واضحة، على اعتبار أن النص القانوني حدد الفعل الواجب إتيانه والمنهي عنه، فإن الصورة الثانية تطرح إشكال معيار اعتبار الفعل خطأ، ما حدا بشراح القانون إلى تبني معيارين : أولهما شخصي يقوم على أساس النظر إلى شخص المعتدي، وبالتالي يختلف تقدير الخطأ باختلاف الأشخاص ، بمعنى أن الفعل قد يعتبر انحرافا بالنسبة لشخص معين ولا يعتبر كذلك بالنسبة لآخر ، وهذا المعيار منتقد من فريق آخر من شراح القانون، على أساس أنه يؤدي إلى تشديد المسؤولية على الشخص اليقظ وإلى تخفيفها على المهمل ، مما جعلهم يتبنون معيارا يقيس الانحراف على أساس سلوك معين لا يختلف من حالة لأخرى، وهو سلوك الشخص العادي الذي يمثل الجمهور، فننظر إلى المألوف من سلوك هذا الشخص ونقيس عليه سلوك الشخص الذي نسب إليه التعدي، فإن لم يخرج بفعله عن المألوف من سلوك الشخص العادي انتفى عنه الخطأ .

أما بالنسبة للعنصر المعنوي فيقصد به أن يكون من أتى الفعل المسائل عليه مدركا لما قام به ، أو على الأقل أن يتوقع ما يمكن أن تؤول إليه الأحداث نتيجة ما يقترفه أو يجتنبه من مواقف ألزمه القانون بها .

فالمشرع المغربي اشترط لقيام المسؤولية أن يرتكب الفعل الضار عن نيته واختيار وذلك من خلال الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود، كما أن الفصلين 96 و97 من نفس القانون اعتبرتا أن القصر وذوي العاهات لا يسألون في الأضرار الناتجة عن أفعالهم إلا إذا توافرت لهم التمييز الدرجة اللازمة لتقدير نتائج أعمالهم.

غير أن إعفاء من لم يتوفر على الإدراك والتمييز من المسؤولية خلق جدالا بين شراح القانون، سواء فيما يتعلق بالمجنون أو عديم التمييز، فمنهم من نحا إلى ضرورة اعتماد معيار موضوعي يرتب المسؤولية بمجرد القيام بالفعل الضار، ومنهم من اعتبر الإدراك والتمييز إلى جانب الفعل الضار عنصران أساسيان لقيام المسؤولية .

ثالثا-موانع الخطأ أ- الجواز والدفاع الشرعيين - الجواز الشرعي:ينص الفصل 94 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:"لا محل للمسؤولية المدنية، إذا فعل شخص بغير قصد الإضرار ما كان له الحق في فعله.

غير أنه إذا كان من شأن مباشرة هذا الحق أن تؤدي إلى إلحاق ضرر فادح بالغير وكان من الممكن تجنب هذا الضرر أو إزالته، من غير أذى جسيم لصاحب الحق، فإن المسؤولية المدنية تقوم إذا لم يجر الشخص ما كان يلزم لمنعه أو لإيقافه".

فالفصل وضع قاعدة مفادها عدم المسؤولية عن الاستعمال المشروع للحق، ثم حدد ضوابط اعتبر تجاوزها سببا لقيام المسؤولية في حالة تحقق الضرر نجملها فيما يلي: - استعمال الحق بغير قصد الإضرار بالغير: فإذا استعمل الشخص الحق الممنوح له، لا لتحقيق مصلحته التي منح لأجلها هذا الحق، ولكن ليلحق الضرر بالغير ويسيء إليه، اعتبر مسؤولا عن الأضرار قد تنتج لهذا الأخير نتيجة ذلك.

والمعيار الذي يؤخذ به في مثل هذه الحالة هو معيار ذاتي، يبحث عنه في ضمير الشخص، ولكن يمكن أن يستدل عليه بمسلك الشخص الخارجي، فيستطيع القاضي آخذا بالقرائن القضائية أن يستنبط من هذا المسلك الخارجي توافر نية الإضرار بالغير لدى من يتذرع باستعمال الحق استعمالا مشروعا، ومن أهم هذه القرائن انعدام كل مصلحة أو تحقق منفعة بسيطة غير مقصودة لصاحب الحق في استعماله على الوجه الذي جعله يسبب للغير ضررا، إذ يفيد ذلك أنه إنما استعمل حقه بقصد الإضرار بالغير .

- رجحان الضرر على المصلحة رجحانا كبيرا: المعيار هنا موضوعي، معيار السلوك المألوف للرجل العادي، فليس في المألوف أن الرجل العادي يستعمل حقا على وجه يضر بالغير ضررا بليغا ولا يكون له في ذلك إلا مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب البتة مع هذا الضرر .

إن دراسة الفصل التي نظم الجواز الشرعي في قانون الالتزامات والعقود المغربي ومقارنتها مع الشروط التي استلزمها فقهاء الشريعة الإسلامية يبين أن هؤلاء الإخيرين أقروا نفس ما جاء في الفقرة الثانية من الفصل المذكور عندما اشترطوا ألا يكون الأمر مقيدا بشرط السلامة أي ألا يكون الفاعل ملزما بالتحرز والحذر في فعله حتى لا يضر بغيره، فإن كانت الإباحة مطلقة فلا ضمان، وقد وضعوا ضوابط لكل حالة.

غير أن الخلاف الجلي في هذا الشأن هو اشتراط ألا يتم الفعل الضار من أجل مصلحة الفاعل بل لفائدة الغير حتى لا يختلط حكم الجواز الشرعي بحكم الاضطرار، وهو ما لم يشترطه القانون الوضعي وفقهاؤه.

- الدفاع الشرعي:نص الفصل 95 من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أنه:"لا محل للمسؤولية المدنية في حالة الدفاع الشرعي، أو إذا كان الضرر قد نتج عن حادث فجائي أو قوة قاهرة، لم يسبقها أو يصطحبها فعل يؤخذ به المدعى عليه".

وحالة الدفاع الشرعي هي تلك التي يجبر فيها الشخص على العمل لدفع اعتداء حال غير مشروع موجه لنفسه أو لماله أو لنفس الغير أو ماله.

يتبين من هذا الفصل، أنه يجوز من الناحية المدنية إعفاء الشخص من المسؤولية والتعويض متى وجد في حالة دفاع شرعي، فإذا رأى شخص نفسه أو ماله أو نفس الغير أو ماله مهددا باعتداء واقع من شخص آخر، فرد هذا الاعتداء باعتداء مثله، وترتب على ذلك ضرر للمعتدي، فإنه لا يسأل لأنه كان يرد اعتداءا غير مشروع، ورد الاعتداء غير المشروع عمل مشروع فلا تترتب عليه المسؤولية.

وإذا كانت حالة الدفاع الشرعي تعفي من تقررت لصالحه من المسؤولية، فذلك رهين بتحقق الشروط التالية: 1 ـ فبالنسبة للاعتداء يشترط فيه: ـ أن يهدد الاعتداء النفس أو المال: وكما هو واضح من الفصل 124/3 من القانون الجنائي، فإن المشرع المغربي قد توسع في نطاق المحل الذي يجوز رد العدوان الواقع عليه بالدفاع الشرعي، فقرر أن الدفاع قد يكون على نفس راد الاعتداء أو غيره، أو عن ماله أو مال غيره.

وفي هذا الصدد نلاحظ أن المشرع لم يشترط أية علاقة بين الذي يقوم برد العدوان بالدفاع الشرعي عن نفس الغير أو ماله، وبين هذا الغير.

ـ أن يكون خطر الاعتداء حالا: وهو يكون كذلك، إذا كان الاعتداء لم يقع بعد ولكنه وشيك الوقوع بحسب المجرى المألوف للأمور، ونحو ذلك أن يهدد شخص آخر بقتله أو إيذائه، ويخرج السكين من غمده ويتجه نحوه، ففي هذه الحالة يكون للمهدد بالقتل أو الإيذاء بالدفاع عن نفسه.

ويكون خطر الاعتداء حالا كذلك إذا كان الاعتداء قد وقع فعلا، ولكنه لم ينته بعد، وهذه الحالة كثيرة الوقوع كالشخص الذي يكيل للآخر ضربا مبرحا وهو في حالة غضب وثوران شديد يستدل منهما أن المتعدي مازال ينوي الاستمرار في ضرب المعتدى عليه، وهنا يجوز للمعتدى عليه ممارسة حقه في الدفاع الشرعي لمنع المعتدي من الاستمرار في عدوانه الذي يعتبر قانونا، حالا.

ـ أن يكون الاعتداء غير مشروع: حتى يبرر للفرد رد اعتداء حال عن النفس أو المال للمدافع أو غيره بالقوة، فلابد أن توجه هذه القوة ضد اعتداء غير مشروع، وبالنتيجة فلا يجوز مواجهة فعل مشروع كمطاردة رجل الشرطة أو أي أحد من الجمهور لمجرم في حالة التلبس بالقوة والعنف، لأن فعل رجل الشرطة أو أي أحد من الجمهور في هذه الحالة مشروع، ونفس الحكم ينطبق على مختلف صور التأديب التي يقوم بها الأب على أبنائه أو زوجاته أو المعلم على تلامذته، إذا كان هذا التأديب في حدود إصلاح الحدث أو الزوجة أو التلميذ.

2 ـ ويشترط في فعل الدفاع لكي يكون فعل الدفاع معتبرا ما يلي: ـ أن يكون لازما وضروريا لدرء الاعتداء: وهذا الشرط بديهي لأنه إذا كان للمعتدى عليه الفرصة لمراجعة السلطة العامة أو أية وسيلة أخرى غير رد العدوان بالقوة، ولم يلجأ إليها، فإنه سيكون مسؤولا بدوره إن هو التجأ إلى الدفاع بدل استنفاذه لتلك الوسيلة، ومع ذلك وجب الإشارة إلى خلاف في الفقه يدور حول صلاحية الهرب أو الفرار كوسيلة يلزم اللجوء إليها من طرف المعتدى عليه بدل رد العدوان بالقوة ومواجهة المعتدي.

ـ أن يكون فعل الدفاع متناسبا مع الاعتداء: وقد استلزم المشرع صراحة توافر هذا الشرط في الفقرة 3 من المادة 124المذكورة، وهو شرط اقتضته المبادئ العامة على اعتبار أن ممارسة حق الدفاع الشرعي كممارسة أي حق يجب أن يمارس بلا إفراط، وبدون أن يكون مشوبا بالتعسف في استعماله، ومن ثم فلكي يعتبر المرء في حالة دفاع شرعي لزمه أن يستعمل قدرا من القوة والعنف متناسبا مع جسامة فعل الاعتداء، ويلاحظ بأن شرط التناسب هذا ولو أن المشرع قد استلزمه فهو لم يحدد له معيارا يتحقق به، ولذلك يبقى للقضاء القول الفاصل في مدى توافره من عدمه في ضوء ظروف الدعوى وملابساتها، فمثلا الذي يهاجم آخر بالصفع، يكون له إذّاك أن يدافع عن نفسه بضربه المهاجم بلكمات بقبضة يديه، أو طرحه أرضا، أو ضربه بأي أداة لا خطورة فيها كعصا أو حبل بلاستيكي.

والملاحظ من خلال عرض أحكام الدفاع الشرعي في القانون الوضعي أنها تنطبق تماما مع مثيلتها في الشريعة الإسلامية، إلا فيما يخص المستفيد من هذا المانع إذ حصره فقهاء الشريعة الإسلامية في المسلم ومن له الأمان، وهو ما لم تشر له فصول القانون المنظمة للمسألة اعتبارا لكون جميع البلاد هي دار أمان لانخراط أغلب الدول في معاهدات السلام الدولية وبالتالي لم يعد هناك محل وفائدة في اشتراطه صراحة.

ب- الضرورة وتنفيذ أمر الرئيس - الضرورة:عرف فقهاء القانون الضرورة بأن يجد الشخص نفسه مضطرا لدفع خطر جسيم عن طريق التضحية بما هو أقل منه أو مساو له، كأن يضطر سائق سيارة إلى الاصطدام بحائط أو إتلاف مال للغير تفاديا لارتكاب حادثة سير نتيجة لقطع أحد الراجلين لعرض الطريق، أو كمن اضطر إلى إخماد الحريق بأدوات مملوكة للغير الأمر الذي أدى إلى تلفها ، أو هي الحالة التي يرتكب فيها الشخص نشاطا يجرمه القانون ويلحق أذى بنفس الغير أو ماله، ويكون الفاعل مضطرا إلى ارتكاب هذا النشاط المجرم بقصد المحافظة على حياته أو ماله .

ولم يرد نص خاص في حالة الضرورة في قانون الالتزامات والعقود المغربي، وإنما ذكرها المشرع في الفصل 124 من القانون الجنائي بنصه على أنه:"لا جناية ولا جنحة ولا مخالفة .

.

.

إذا اضطر الفاعل ماديا إلى ارتكاب الجريمة، أو كان في حالة استحال عليه معها، استحالة مادية، اجتنابها، وذلك لسبب خارجي لم يستطع مقاومته"، ويشترط لتحقق حالة الضرورة الشروط التالية : 1 –أن يكون هناك خطر حال يهدد الشخص الذي ارتكب بفعل الضرورة أو شخصا آخر، سواء أكان الخطر يهدد الشخص الذي ارتكب فعل الضرورة أو شخصا آخر، وسواء أكان الخطر يهدد النفس أو المال .

2 –ألا يكون لإرادة الشخص دخل في إيجاد هذا الخطر، فلا يحق لمن يرتكب أمرا ممنوعا أوقعه في محظور أن يعتبر نفسه في حالة ضرورة تمكنه من الإضرار بالغير للإفلات من هذا المحظور، كل ذلك تحت طائلة إثارة مسؤوليته الشخصية عما فعل.

وهذا الشرط هو الذي يميز حالة الضرورة عن حالة الدفاع الشرعي، بحيث لو كان مصدر الخطر من وقع عليه فعل الضرورة لوجدنا بصدد حالة الدفاع الشرعي .

3 –أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد بكثير من الضرر الذي وقع، ونرى هنا وجوب التمييز بين فرضيات أربع : -الفرضية الأولى: أن يكون الضرر الذي وقع لا يعد شيئا مذكورا بجانب الخطر المراد تفاديه، فالشخص الذي يخشى اغرق لا يحجم عن إتلاف مال زهيد القيمة، كأن يقتلع شجرة مملوكة للغير يمسك بها حتى ينقذ نفسه من الغرق، فإذا ارتفع الخطر إلى هذا الحد من الجسامة، ونزل الضرر إلى هذا الحد من التفاهة، أمكن القول إن الخطر هنا يعد قوة قاهرة تنفي المسؤولية بتاتا، فلا يرجع صاحب الشجرة بدعوى المسؤولية، وكل ما يرجع به هو دعوى الإثراء بلا سبب إذا توفرت شروطها.

الفرضية الثانية: أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد بكثير من الضرر الذي وقع، وهذا هو الفرض المألوف في حالة الضرورة، فالشخص الذي يستولي على دواء لا يملكه، يعالج به نفسه من مرض دهمه، يتفادى خطر المرض، وهو في العادة أشد بكثير من الخسارة التي تصيب صاحب الدواء، والمريض الذي استولى على الدواء يعتبر في حالة ضرورة ملحة تعفيه من المسؤولية التقصيرية، وإن كانت لا تعفيه من رجوع صاحب الدواء عليه، بدعوى الإثراء بلا سبب.

الفرضية الثالث: أن يكون الخطر المراد تفاديه أشد من الضرر الذي وقع، ولكنه لم يبلغ حد القوة القاهرة ولا حد الضرورة الملحة، فالشخص الذي يتلف مالا للغير ذا قيمة لا يستهان بها، ليطفئ حريقا شب في داره، لا يعفى من المسؤولية جملة واحدة، وتقدر الضرورة بقدرها ويلزمه القاضي بتعويض مناسب من المسؤولية، إلى جانب رجوع صاحب المال عليه بدعوى الإثراء بلا سبب.

الفرضية الرابع : أن يكون الخطر المراد تفاديه مساويا للضرر الذي وقع، أو دونه في الجسامة وفي هذه الحالة لا يجوز لشخص أن يلحق بغيره ضررا ليتفادى خطرا لا يزيد عن هذا الضرر، وإن فعل ذلك كان متعديا وتحققت مسؤوليته التقصيرية كاملة .

-تنفيذ أمر الرئيس:الأصل أن المأمور الذي ينفذ الأمر المشروع الصادر من رئيسه لا يعتبر مخطئا ولو أضر بالغير، طالما لم يتجاوز الحدود المعقولة للتنفيذ، فإن تجاوز فإنه يسأل، كما يسأل الآمر إذا أصدر أمرا غير مشروع .

ويستوي في ذلك أن يكون الأمر ناشئا عن أمر القانون مباشرة أو عن أمر صادر من إحدى السلطات التي أناط القانون بها إصداره .

ويجب على الموظف، أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته، وأن اعتقاده كان مبنيا على أسباب معقولة، والأساس في هذا أن طاعة القانون في أسباب الإباحة التي لا يعتبر فيها الفعل خطأ، وبالتالي لا توجد مسؤولية جنائية أو مدنية، فإن عهد القانون باختصاص معين لموظف، فإن ما يصدر عنه في حدود ذلك الاختصاص يكون مباحا، أي أن العمل يعتبر مباحا إذا كان مطابقا للقانون وبتوافر هذا العمل في نطاق اختصاص الموظف، فإذا خرج عن دائرة اختصاصه لا تكون له سلطة ما، وإنما يعتبر فردا من الأفراد، وإذا كان الفعل تنفيذا لأمر رئيس فإنه يجب أن يكون في حدود ما أذن به.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0