طلبات التدخل في قانون المسطرة المدنية المغربي
مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات
نستشف من هذا التعريف، أن هناك نوعين من التدخل، الأول يسمى بالتدخل الاختياري “الفقرة الأولى”، والثاني يطلق عليه التدخل الإجباري أو ما يسمى أيضا باختصام الغير “الفقرة الثانية”.
-الفقرة الأولى: التدخل الاختياري حدد المشرع المغربي أحكام التدخل الإرادي أو الاختياري في الفصول من 111إلى 118من ق.
م.
م.
والتدخل الإرادي أو الاختياري هو “طلب عارض يبدى أمام المحكمة التي تنظر الدعوى الأصلية أثناء نظرها وبمناسبتها من شخص ليس طرفا فيها أي ليس من خصومها ويتم بإرادة الشخص واختياره.
” يسمى هذا النوع بالتدخل الاختياري، لأنه يتم بإرادة الشخص واختياره، وعرفه الفقهبأنه الطلب الذي يتقدم به شخص في دعوى قائمة ليس خصما فيها، ويطلب بمقتضاه اعتباره طرفا في هذه الدعوى ليتمكن من الدفاع عن حقوقه ومصالحه خوف أن تضار هذه الحقوق والمصالح إذا صدر الحكم في الدعوى المذكورة دون أن يبين أقواله فيها.
إن أول ملاحظة ينبغي الوقوف عليها، هي أنه إذا كانت القاعدة العامة تقضي بأن قوة الشيء المقضي به لها آثر نسبي، أو ما يسمى بمبدإ نسبية قوة الشيء المقضي به تطبيقا للفصل 451 من ق.
ل.
ع.
فإن أهمية التدخل الاختياري أمام المحكمة قد تبدو للوهلة الأولى بدون جدوى.
غير أن التفحص في الممارسة العملية، يكشف أنه في الكثير من الحالات، وبالرغم من مبدأ نسبية قوة الشيء المقضي به، فإن حقوق الغير قد تتضرر من حكم قضائي لم يكن الغير طرفا فيها.
هذه المبررات، هي التي جعلت مختلف التشريعات تسمح للغير بإمكانية التدخل في الدعوى، للدفاع عن مصالحه وتجنب المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها هذه المصالح؛ وهذا ما سمح به المشرع المغربي بمقتضى الفصل 111 من ق.
م.
م.
الذي جاء فيه ما يلي: “يقبل التدخل الإرادي ممن لهم المصلحة في النزاع المطروح “.
وانسجاما مقتضيات هذا الفصل، فإن القضاء المغربي تطلب في التدخل الإرادي ضرورة تحقق مصلحة في النزاع؛ فقد جاء في قرار المحكمة النقض بتاريخ 01 أبريل 2014، بأنه ” لكن، حيث إن المتدخلين وكما يستفاد من مقال التدخل لم يدليا بطلبات تغاير طلبات من انضموا إليهم ومضامين مقال تدخلهم هي مجرد التعبير عن موافقتهم على مطالب المدعين … وبالتالي فإن مقالهما وإن سمياه مقال تدخل فإنه لا يعد كذلك، لأن التدخل لا يكون من الأجنبي عن الدعوى، مما لم يرد معه أي خرق للفصل 111 من ق.
م.
م.
والوسيلة عديمة الأساس” وفي الوقت الذي لم يتطرق فيه المشرع المغربي لأنواع التدخل الاختياري بشكل صريح، فإن تشريعات أخرى تناولت ذلك صراحة، كما هو الشأن بالنسبة لقانون المرافعات المصري، بمقتضى المادة 128 منه التي جاء فيها ” يجوز لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى منضما لأحد الخصوم أو طالبا الحكم لنفسه بطلب مرتبط بالدعوی[54].
لذلك نجد الفقه يميز بين نوعين من التدخل الاختياري، الأول يسمى بالتدخل الانضمامي أو التحفظي أو التبعي “أولا” في حين يسمى الثاني بالتدخل الهجومي أو الأصلي “ثانيا”.
-أولا: التدخل الانضمامي أو التحفظي أو التبعي.
وهو التدخل الذي يكتفي فيه الغير بالانضمام إلى أحد أطراف الدعوى، من أجل مساعدته في الدفاع عن طلباته، وذلك بهدف صدور الحكم لمصلحة المتدخل إلى جانبه، أو على الأقل من أجل تجنب الحكم لصالح الطرف الآخر.
وقد أعطى الفقه المغربي بعض الأمثلة على ذلك، منها حالة دائني المتقاسم المعس، المنصوص عليها في الفصل 1085 من ق.
ل.
ع.
الذي جاء فيه بأن لدائني الشركة، ولدائني كل من المتقاسمين إن كان معسرا، أن يتعرضوا لإجراء القسمة عينا أو بطریق التصفية بدون حضورهم، ولهم أن يتدخلوا فيها على نفقتهم، كما أن لهم أن يطلبوا إبطال القسمة التي أجريت برغم تعرضهم.
وتجدر الإشارة إلى أن التدخل الانضمامي، يجوز تقديمه سواء أمام محكمة الدرجة الأولى، أو أمام محكمة الدرجة الثانية.
-ثانيا: التدخل الهجومي.
الذي يسمى أيضا بالتدخل الأصلي؛ وهو الذي يتدخل من خلاله الغير في الدعوى، من أجل طلب الحكم لنفسه بذات الحق المتنازع بشأنه أو بجزء منه، أو بطلب مستقل عن الطلب الأصلي ولكنه مرتبط به .
لعل الملاحظة الأساسية ، التي يمكن أن نستشفها من خلال التشريعات التي تناولت هذا النوع من التدخل بتفصيل، على عكس المشرع المغربي، هي أنها أكدت على ضرورة أن يكون طلب المتدخل مرتبط بالدعوى .
وعند تقديم طلب التدخل في الدعوى، فإن المحكمة يجوز لها إذا كانت القضية جاهزة، أن تبت في الطلب الأصلي منفصلا، أو أن تؤجله لتبت فيه مع طلب إدخال الغير في الدعوى بحكم واحد، وذلك حسب الفصل 112 من ق.
م.
م، ووفقا للفصل 113 من ق .
م.
م، فإنه إذا كان الطلب الأصلي جاهزا،لا يمكن أن يؤخر التدخل الحكم فيه غير أن عدم تنصيص قانون المسطرة المدنية المغربية على هذا الشرط لا يعني استبعاده، مادام أن ذلك يعتبر من المتطلبات التي تفتضيها المبادئ العامة وبدون حاجة إلى نص قانوني صريح.
وهو الأمر الذي أكد عليه القضاء المغربي، حينما رفض التدخل في الدعوى، الذي لا يكون انضاميا، لعدم مساندة تدخل المطلوبين في المرحلة الاستئنافية لأي طرف فيها يدعيه، ولا هجوميا، لعدم ادعائهم عين المتنازع عليه بين الطرفين الأصليين؛ معتبرا إياه بمثابة طلب جديد في المرحلة الاستئنافية، وبالتالي عدم إجازته .
ففي قرار المحكمة النقض بتاريخ 20 يناير 2015 ، ذهبت هذه الأخيرة إلى أنه ” حيث صح ما عابه الطاعنان على القرار، ذلك أن التدخل أمام محكمة الاستئناف إما أن يكون انضماميا لأحد الأطراف لمساندته فيما يدعيه أو هجوميا بمقتضاه يدعي عين محل نزاع الأطراف، والبين من مقال تدخل المطلوبين اسماعيل ( ب ) والمهدي( ب ) ومريم ( اك ) أن طلبهم يهدف إلى استحقاق البقعتين رقم 1 و4 وبأحقيتهم في العضوية في ودادية الهناء 2 ، ومن ثم يكون تدخلهم غير انضمامي لعدم مساندتهم لأي طرف فيما يدعيه و غير هجومي لعدم ادعائهم عين المتنازع عليه بين الطرفين الأصليين، وإنما هو طلب جديد لم يكن مطروحا أمام المحكمة الابتدائية، والمحكمة مصدرة القرار المطعون فيه لما قبلت تدخلهم على الشكل والصفة المذكورين قبله وقضت تبعا لذلك : ” بإلغاء الحكم المستأنف والحكم تصديا برفض الطلب الأصلي والحكم باستحقاق المتدخلين في الدعوى للبقعتين رقمي 1و4وبتمكينها من بطاقة العضوية ، تكون قد خرقت القواعد أعلاه وبنت قضاءها على أساس غير سليم وعرضت قرارها للنقض”.
عموما، فالطرف المتدخل في هذا النوع من التدخل يهدف إلى مهاجمة أطراف الدعوى فالمتدخل يكون دائما هو المدعي، ويلتمس من المحكمة الحكم لفائدته بحق ذاتي، سواء كان هذا الأخير هو الحق المدعى به في الخصومة الأصلية، أو أي حق آخر مرتبط به، أما الخصوم الأصليين فهم دائما مدعى عليهم، ومثال ذلك أن ترفع دعوى للمطالبة بحق انتفاع، فيتدخل الغير مطالبا بهذا الحق لنفسه[59]، أو ترفع دعوى قسمة عقار، فيتدخل الغير ويطالب بملكية العقار وفي هذا السياق سبق للمجلس الأعلى أن قضى في قراره الصادر بتاريخ 18 أكتوبر 1992 الذي جاء فيه: “حقا : حيث يتبين بالرجوع لمقال تدخل الطاعنة المودع بتاريخ 86/4/16 أنه تدخل هجومي يرمي لتحقيق مصلحة المتدخلة باعتبارها المالكة الأصلية للقطعة المبيعة وأن المستفيد من القطعة لم تتم بعد إجراءات تملكه للقطعة وأن هذا التدخل إن كان يرمي لما يرمي إليه المستفيد بإبطال البيع إنما ذلك ليس المصلحة المستفيد وحده ، وإنما لتداخل المصلحتين وارتباط مصلحة المستفيد بمصلحة الطاعنة التي تظهر هجومية في الدعوى وأن المحكمة حين اعتبرت الطاعنة عديمة المصلحة في التدخل في الدعوى ورتبت على ذلك عدم قبول تدخلها شكلا فإنها جانبت الصواب ولم تتأكد من مضمون مقال التدخل وما يرمي إليه من الدفاع على مصالح الطاعنة ولم تعلل قضاءها تعليلا سليما 2 وعرضته للنقض “.
وتجدر الإشارة إلى أن التدخل الهجومي أمام محكمة الدرجة الثانية، إذا اتخذ شکل طلب جديد يكون من شأنه تغییر موضوع الدعوى، فإن ماله هو عدم القبول، كما لو طالب المتدخل بحق ذاتي لنفسه في مواجهة الطرفين الأصليين للدعوى، إذ يكون من شأنه تفويت درجة من درجات التقاضي، أما إذا كان التدخل الهجومي مجرد وسيلة دفاع، فإنه يجوز تقديمه ولو لأول مرة أمام محكمة الإستئناف.
-الفقرة الثانية: التدخل الجبري.
التدخل الجبري أو ما يطلق عليه أيضا باختصام الغير، هو الطلب الذي يجبر بمقتضاه شخص ليس طرفا في الدعوى، على الدخول فيها، إما بناء على طلب أحد الخصوم في الدعوى الأصلية أو بناء على أمر صادر من المحكمة.
ومنه، فالتدخل الجبري او الاختصامي هو تكليف شخص من الغير خارج عن الخصومة بالدخول فيها رغما عنه بطلب من أحد الخصوم أو بأمر من المحكمة.
وهو نوعان: -أولا: التدخل الجبري الذي يتم بناء على طلب من أحد الخصوم يقصد بإدخال الغير في الدعوى بطلب من أحد الخصوم” قيام الخصوم بتكليف شخص من خارج الخصومة بالدخول فيها لاعتبارات مشروعة مما يؤدي إلى توسيع النطاق الشخصي للخصومة.
” يمكن تصور هذا النوع من التدخل في ثلاث وضعيات؛ وهي كالتالي: -إمكانية إدخال المدعي للغير في الدعوى، بهدف أن يحكم له، على المدعى عليه والمتدخل معا، بموضوع طلبه الأصلي؛ كما هو الشأن بالنسبة للدائن الذي يقيم دعوى على أحد مدينيه المتضامنين في الطلب الأصلي، ثم يرتأي فيما بعد وأثناء سيرا الدعوى إدخال مدين متضامن آخر، بغية استصدار حكم قضائي على المدينين المتضامنين معا يلزمهم بأداء الدين.
-إمكانية إدخال المدعى عليه للغير طرفا في الدعوى بصفته ضامنا؛ كما هو الشأن بالنسبة للمشتري المتضرر من البضاعة التي اشتراها من البائع؛ حيث إنه بعدما رفع دعوى ضد هذا البائع مطالبا إياه بالتعويض عن الأضرار اللاحقة به، يأتي المدعى عليه ليطلب إدخال بائعة هو في الدعوى باعتباره ضامنا.
وهذا ما يسمى بإدخال ضامن.
– إمكانية إدخال المتدخل في الدعوى للغير كطرف فيها؛ وتتم هذه الحالة حينها يطلب الضامن المدخل في الدعوى إدخال ضامن له؛ وهو ما يسمى بإدخال ضامن للضامن أو إدخال فرعي للضامن كما أشار إلى ذلك الفصل 104 من ق.
م.
م.
الذي نص على أنه تطبق نفس المقتضيات عندما يدخل الضامن شخصا آخر بصفته ضامنا فرعيا.
عموما، فقانون المسطرة المدنية تضمن العديد من المقتضيات القانونية المتعلقة بالتدخل الجبري الذي يتم بطلب من أحد الخصوم؛ والتي نستشف منها مجموعة من الخصائص، المتمثلة فيما يلي: – إذا طلب أحد الأطراف إدخال شخص الدعوى بصفته ضامنا أو لأي آخر استدعي ذلك الشخص طبقا للشروط المحددة في الفصول 37، 38، و39.
-يمكن إدخال شخص في الدعوى إلى حين وضع القضية في المداولة.
غير أنه يمكن للمدعي طلب تطبيق مقتضيات الفصل 106، إذا كان الطلب الأصلي جاهزا وقت إدخال الغير.
-يجب على الضامن أن يتدخل أمام المحكمة التي قدم لها الطلب الأصلي ولو أنكر أنه ضامن وإلا بت غيابيا في مواجهته.
إذا اعترف الضامن بحلوله محل المضمون أمكن إخراج المضمون من الدعوى بطلب منه ما لم يطلب المدعي الأصلي إبقاءه فيها حفاظا على حقوقه.
-تنفذ الأحكام التي تصدر ضد الضامن الذي اعترف بحلوله محل المضمون على هذا الأخير في حالة عسر الضامن ولو أخرج المضمون من الدعوى.
-ثانيا: التدخل الجبري الذي يتم بناء على أمر من المحكمة.
من بين صور هذا التدخل ذلك المنصوص عليه في الفصل 115 من ق.
م.
م والذي جاء فيه ما يلي: “يستدعي القاضي بمجرد علمه بوفاة أحد الأطراف أو بتغيير وضعيته بالنسبة إلى الأهلية سواء شفويا أو بإشعار يوجه وفق الشروط المنصوص عليها في الفصول 37، 38، و39 من لهم الصفة في مواصلة الدعوى للقيام بذلك إذا لم تكن الدعوى جاهزة للحكم ” يتضح أنه يجوز للمحكمة أن تصدر أمرا بإدخال الغير في الدعوى من أجل مصلحة العدالة، كما لو كان باب المناقشة مازال مفتوحا وأمرت بإدخال الورثة من أجل مواصلة الدعوى بعد وفاة مورثهم، أو بهدف إظهار الحقيقة، كما لو أمرت المحكمة بإدخال الغير في الدعوى لإلزامه بتقديم الدليل الذي يوجد بحوزته، وذلك بالنظر لأهميته للبت في النزاع.