التنفيذ المعجل في قانون المسطرة المدنية المغربي
مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات
م.
م ، ويظهر من هذه القاعدة حرص المشرع على وجوب تأكيد حق الدائن تأكيدا كاملا قبل تنفيذه.
، غير أن المشرع تنبه إلى أن تطبيق هذه القاعدة قد يضر أحيانا بمصالح الطرف المحكوم له إما لوضعيته الاجتماعية أو لقوة السند الذي بيده فوضع استثناء لقواعد التنفيذ بمقتضاه يجوز للمحكوم له أن ينفذ الحكم رغم الطعن فيه بالتعرض أو بالاستئناف، وهو ما يصطلح عليه في أدبيات المسطرة المدنية بالتنفيذ المعجل أو التنفيذ المؤقت.
و بالتالي نخلص إلى أن التنفيذ المعجل هو تنفيذ الحكم قبل أن يصير حائزا لقوة الشيء المقضي به، وهو تنفيذ يتعلق مصيره بمصير الحكم ذاته، فإذا ألغي الحكم وجب إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل حصول التنفيذ بقدر ما يكون هذا ممكنا ، إذن فهو تنفيذ معجل لأنه يتم قبل الأوان العادي للتنفيذ، وقد أسماه البعض التنفيذ المؤقت لأنه غير نهائي ويتم عن طريق التسبيق.
والتنفيذ المعجل يجد مصدره في القانون نفسه أو في الحكم القاضي بذلك (المبحث الأول).
وهو يعطي للمحكوم له مكنة تنفيذ الحكم ولو طعن فيه بأحد طرق الطعن العادية،ومن تم فإذا ألغي الحكم المنفذ معجلا من طرف محكمة الطعن بعد التنفيذ ترتبت مجموعة من الآثار القانونية على إلغاء الحكم (المبحث الثاني).
-المبحث الأول: حالات التنفيذ المعجل- تنقسم الأحكام المشمولة بالتنفيذ المعجل إلى قسمين: القسم الأول يتعلق بأحكام مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، أي أنها تنفذ قبل الآوان العادي للتنفيذ استنادا إلى نص قانوني يلزم المحكمة بالتصريح بشمول الحكم بالنفاذ المعجل من دون أن يكون لها أي تقدير في ذلك.
أما القسم الثاني فتندرج ضمنه الأحكام التي تنفذ معجلا بناء على تقدير من المحكمة وأمرها بذلك، إذ في هذه الحالة يستمد النفاذ المعجل قوته التنفيذية من الحكم ذاته.
فما هي إذن خصائص كل فئة مما ذكر،وما هيحالاتها؟ تلكم هي المضامين التي سنبينها من خلال مطلبين، نعرض في الأول للتنفيذ المعجل بقوة القانون (المطلب الأول)،وفي الثاني للتنفيذ المعجل القضائي (المطلب الثاني).
-المطلب الأول: التنفيذ المعجل بقوة القانون- التنفيذ المعجل بقوة القانون هو الذي يستمد فيه الحكم قوته التنفيذية من نص القانون مباشرة، فلا يلزم أن تصرح به المحكمة، كما لا يلزم بداهة أن يكون المحكوم له قد طلبه.
فهو امتياز أورده المشرع على سبيل الحصر في حالات معينة لا يجوز القياس عليها أو التوسع في تفسيرها.
وسنعمل من خلال هذا المطلب على بيان خصائص التنفيذ المعجل بقوة القانون في فقرة أولى، ثم نعرض في الفقرة الثانية من هذا المطلب لحالاته.
-الفقرة الأولى: خصائص التنفيذ المعجل بقوة القانون- يتميز التنفيذ المعجل بقوة القانون بمجموعة من المميزات نجملها تباعا فيما يلي: -أولا: هو تنفيذ لا يحتاج إلى أن يطلبه المحكوم له أو تصرح به المحكمة إذا كانت القاعدة أن القاضي لا يحكم إلا بناء على طلب تطبيقا لمقتضيات الفصل 3 من ق.
م.
م الذي ينص على أنه: “يتعين على القاضي أن يبت في حدود طلبات الأطراف…»، فإن الأمر خلاف ذلك بالنسبة للتنفيذ المعجل القانوني، إذ لا يحتاج أن يطلبه المحكوم له، كما أنه ليس لازما أن تشير إليه المحكمة في حكمها، لأن إغفالها البت فيه لا يؤثر على قابلية الحكم للتنفيذ المعجل بقوة القانون، وتأكيدا لهذا المبدأ جاء في أمر استعجالي: “حيث إن النفاذ المعجل في النازلة مقرر بقوة القانون مما لا يحتاج معه الأمر إلى التنصيص فيه على شموله بالنفاذ المعجل”.
-ثانيا: تنفيذ لا يعلق على تقديم كفالة: تعتبر الكفالة الضمان الذي يقدمه المحكوم له لكي يمكن من تنفيذ حكمه ، وهي ترمي من حيث غايتها إلى توفير ضمانة لفائدة المحكوم عليه تمكن من إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ في حالة إلغاء الحكم الذي كان سندا له ، و يبقى فرضها موكولا للسلطة التقديرية للمحكمة التي أمرت بالنفاذ المعجل ، غير أنه على الرغم من أهميتها فإن اشتراطها في التنفيذ المعجل بقوة القانون يعوق تحقيق الحماية المرجوة منها ، لذلك لم يوجبها المشرع في هذه الحالة .
-ثالثا: التنفيذ المعجل بقوة القانون لا يجوز إيقافه: إن ما يميز التنفيذ المعجل القانوني هو أنه لا يقبل مسطرة إيقاف التنفيذ على الإطلاق وذلك طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق.
م.
م التي جاء فيها: “لا تطبق مقتضيات الفقرات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من هذا الفصل إذا كان التنفيذ المعجل بقوة القانون”.
وتطبيقا لهذا النص جاء في قرار لغرفة المشورة بأكادير: “حيث إن الأحكام المشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون لا يمكن إيقاف تنفيذها عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 147 من ق.
م.
م، وبالتالي فالطلب غير قانوني ويتعين التصريح برفضه”.
غير أنه تجدر الإشارة إلى إمكانية إيقاف تنفيذ الحكم المذكور عن طريق إثارة الصعوبة في التنفيذ.
-الفقرة الثانية: حالات التنفيذ المعجل بقوة القانون- تولت المسطرة المدنية بيان أهم حالات التنفيذ المعجل القانوني، كما بينت نصوص متفرقة حالات أخرى كما هو الشأن بالنسبة لمدونة التجارة بخصوص الأحكام الصادرة في صعوبات المقاولة، وظهير 08/07/1937 بالنسبة للتعويضات المحكوم بها في حوادث السير.
وسنحاول من خلال هذه الفقرة بيان هذه الحالات وذلك في خمس نقط جزئية.
-أولا: الأوامر الاستعجالية- يعتبر القضاء المستعجل وسيلة فعالة لحماية الحقوق حماية وقتية من الخطر الناجم عن بطء الحماية القضائية للحق، وهو خطر يهدد أحيانا بأن تصبح هذه الحماية عقيمة أو قليلة الجدوى ما لم يتدخل القضاء بسرعة لحماية الحق، وهذه الحماية تبقى قاصرة بدون وضع قواعد تنفيذية خاصة تؤيدها، وتنسجم معها، فتراعي في تنفيذه السرعة والعجلة وإلا لما كان للاستعجال أهمية ولا فائدة، ولما أدى وظيفته التي قرر من أجلها، ولذلك فليس غريبا أن نجد التشريعات على اختلافها تفرد لأحكامه نفاذا معجلا بقوة القانون وهذا هو موقف المشرع المغربي كذلك، إذ نصت الفقرة الأولى من الفصل 153 من ق.
م.
م: “تكون الأوامر الاستعجالية مشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون…”.
وقد أدخل المشرع المغربي في الفصل 149 من ق.
م.
م ضمن القضايا الاستعجالية الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ، والأمر بالحراسة القضائية، وكل إجراء تحفظي آخر، إضافة إلى الحالات المشار إليها في الفصل 148 من ق.
م.
م المتعلقة بالأوامر المبنية على طلب والمعاينات، وذلك في الحالة التي يبت فيها رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات.
هذا وفي مجال دقيق خاص بقرار رئيس المحكمة بصفته قاضيا للأمور المستعجلة الخاص بالتصديق على الحجز لدى الغير أو برفع الحجز يطرح السؤال حول ما يجب فعله في حالة شمول هذا الأمر بالنفاذ المعجل سواء كان بقوة القانون أم لا؟ أي هل للمحجوز لديه الذي يعتبر غيرا أن يلتزم بتنفيذ الحكم أو القرار الاستعجالي من غير الإدلاء بشهادة بعدم التعرض والاستئناف؟ يجيب الأستاذ محمد لديدي بأن الفصل 437 من ق.
م.
م ينص على عدم جواز ذلك إلا إذا أدلي بشهادة بعدم التعرض أو الاستئناف ولو كان مشمولا بالنفاذ المعجل.
وفي نفس الاتجاه يؤكد الأستاذ محمد العربي المجبود بأن الفصل 437 ق.
م.
م يطبق حتى ولو كان القرار القضائي مشمولا بالنفاذ المعجل سواء بقوة القانون أم لا، فهذه القاعدة تحول دون المساس ببعض الحقوق التي قد يعترف بها قضائيا بعد التنفيذ.
والعمل القضائي يسير في هذا الاتجاه أي أن المحجوز لديه لا يمكن أن يسلم للمحكوم له المبالغ إلا إذا استدل بشهادة بعدم التعرض أو الاستئناف وكيفما كانت الأحوال، ولو كان الأمر يتعلق بأمر استعجالي.
-الفقرة الثالثة: الأحكام الصادرة في مادة النفقة.
جاء في الفصل 179 مكرر من ق.
م.
م: “يبت في طلبات النفقة باستعجال وتنفذ الأوامر والأحكام في هذه القضايا رغم كل طعن.
ريثما يصدر الحكم في موضوع دعوى النفقة للقاضي أن يحكم بنفقة مؤقتة لمستحقيها في ظرف شهر من تاريخ طلبها مع اعتبار صحة الطلب والحجج التي يمكن الاعتماد عليها.
وينفذ هذا الحكم قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه”.
فدعوى النفقة هي دعوى ذات طابع معيشي، مما دفع المشرع إلى التنصيص على أنه يبت فيها بشكل استعجالي، و هو ما يقتضي من ناحية إحالتها على أقرب جلسة بمجرد وضع مقالها الافتتاحي بالمحكمة، ومن ناحية ثانية تقليص الفترات التي تمنح للأطراف للإدلاء بأجوبتهم ووسائل دفاعهم إلى أقصى حد ممكن، فلا تتعدى فسحة تمكينهم من ممارسة مالهم من حق الدفاع، ورفض طلبات التأخير إلا لأسباب تراها المحكمة جدية يمس رفضها بحقوق الدفاع، و ذلك بهف البت فيها داخل أجل الشهر المحدد قانونا لذلك ، من غير أن يؤثر ذلك على حقوق الدفاع .
والمشرع قد جعل هذه الدعاوى مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون حينما نص على أنها تنفذ رغم كل طعن، وفي هذا الصدد قرر المجلس الأعلى: “بمقتضى الفصل 179 من ق.
م.
م فإن الأوامر الصادرة في طلبات النفقة تنفذ بقوة القانون الأمر الذي يجرد محكمة الاستئناف من سلطة البت في موضوع الاستئناف المرفوع إليها…” وما دام النفاذ المعجل مقرر بحكم القانون فإنه لا يقبل طلب وقفه أمام المحكمة التي تنظر الطعن بالتعرض أو الاستئناف طبقا للفقرة الأخيرة من الفصل 147 من ق.
م.
م.
وهذا ما أكده قرار محكمة الاستئناف بأكادير والذي جاء فيه: “حيث إن الحكم المراد تنفيذه صدر في مادة النفقة التي خصها المشرع بالنفاذ المعجل بقوة القانون.
وحيث إن الأحكام المشمولة بالتنفيذ المعجل بقوة القانون لا يمكن إيقاف تنفيذها عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من المادة 147 من ق.
م.
م وبالتالي فالطلب غير قانوني، ويتعين التصريح برفضه” .
وتلافيا لنتائج أية مماطلة يمكن أن تواجه صدور الحكم بهذه النفقة أعطى المشرع للقاضي في انتظار البت الحاسم في موضوعها، أن يأمر بنفقة مؤقتة خلال أجل شهر من طلبها، وأجاز تنفيذ هذا الأمر قبل التسجيل وبمجرد الإدلاء بنسخة منه.
-ثالثا: الأحكام الصادرة في القضايا الاجتماعية- نص المشرع في الفصل 285 من ق.
م.
م: “يكون الحكم مشمولا بالتنفيذ المعجل بحكم القانون في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية، وفي قضايا الضمان الاجتماعي، وقضايا عقود الشغل والتدريب المهني رغم كل تعرض أو استئناف”.
والملاحظة الأساسية التي يمكن التأكيد عليها بالنسبة لقضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية أنها لم تكن موضوع نقاش في مدى شمولها بالنفاذ المعجل بقوة القانون، وفي ذلك قررت المحكمة الابتدائية بمراكش وهي تبت في قضايا حوادث الشغل والأمراض المهنية: “حيث إن الأحكام في المادة الاجتماعية مشمولة بالنفاذ المعجل” وفي أحكام أخرى أجابت عن طلب النفاذ المعجل بالقول: “حيث إن الأحكام الصادرة في إطار ظهير 06/02/1963 تكون مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون”.
ومع ذلك فقد أثير بعض النقاش حول مدى جواز شمول الحكم بالنفاذ المعجل في الحالة التي يحكم بها برأس مال بالنسبة للعجز الذي يقل عن 10 % طبقا لمقتضيات الفصل 156 من ظهير 06/02/1963.
فذهب البعض إلى أنه ما دامت غاية المشرع هي حماية ضحايا في حاجة إلى إيراد يتممون به النقص الحاصل في قدراتهم البدنية، فإن الرأسمال المحكوم به في حالة العجز الذي يقل عن 10% لا يرمي إلى نفس الغاية، إلا أن هذا الرأي لم يلق صدى في العمل القضائي المغربي الذي جرى على شمول الحكم في هذه الحالة بالنفاذ المعجل.
وعلى خلاف ذلك فإنه قد ثار خلاف كبير في العمل القضائي والفقه حول مدى شمول الحكم الصادر في منازعات الشغل بالنفاذ المعجل، والإشكال في جوهره هو خلاف حول الطبيعة القانونية للإنهاء التعسفي لعقد العمل غير محدد المدة، وهل هو ذو طبيعة عقدية أم ذو طبيعة تقصيرية؟ فهناك نظرية أولى ترى في التصرف الانفرادي الصادر عن صاحب العمل والذي يفصل بمقتضاه بكيفية عاملا يرتبط به بعقد عمل غير محدد المدة تعسفية نوعا من الإخلال بالعقد، ذلك أن صاحب العمل يفرض عليه تنفيذ العقد وإنهاؤه بحسن نية.
وهناك نظرية ثانية ترى أن المسؤولية المترتبة عن إنهاء عقد العمل غير محدد المدة بكيفية تعسفية هي مسؤولية تقصيرية وليست عقدية، ويستند أصحاب هذه النظرية إلى حجتين: -أولهما: أن إنهاء عقد العمل غير محدد المدة هو تصرف يتم خارج الإطار العقدي.
-وثانيهما: أن إنهاء هذا العقد بكيفية تعسفية يمثل في حقيقته تطبيقا هاما من تطبيقات نظرية التعسف في استعمال الحق المعروفة في القانون المدني.
وقد درج العمل القضائي على شمول التعويضات الناتجة عن عقد العمل مثل الأجر والعطلة السنوية وشهادة الأجر بالنفاذ المعجل، دون باقي التعويضات الناتجة عن العمل غير المشروع للمؤاجر المتمثل في إنهاء عقد الشغل، والتي يخضعها من حيث التنفيذ المعجل لأحكام الفصل 147 من ق.
م.
م لا لمقتضيات الفصل 285 من ق.
م.
م.
وفي هذا الاتجاه أكد المجلس الأعلى ــ محكمة النقض حاليا ــ في قرار صادر عن الغرفة الاجتماعية: “لكن حيث إن الأحكام في شأن التعويض عن الطرد نتيجة فسخ عقد الشغل والخاضعة لتقدير المحكمة باستثناء الحقوق التي يستمدها العامل بمقتضى النصوص التشريعية تبقى خاضعة لمقتضيات الفصل 147 من ق.
م.
م، ويبقى على القاضي أن يبين الظروف التي استند عليها في الأمر بالنفاذ المعجل، لذا فإن محكمة الاستئناف كانت على صواب عندما استندت على الفصل 147 المذكور وقضت بإيقاف التنفيذ المعجل المأمور به من طرف القاضي الابتدائي الذي لم يبين الظروف التي استند عليها ” .
وقد أكد المجلس الأعلى ــ محكمة النقض حاليا ــ هذا الاتجاه القانوني بصورة أوضح في العديد من قراراته الحديثة، نذكر من بينها على سبيل المثال قراره الصادر بتاريخ 11/04/1995 والذي جاء فيه: “إن التعويضات عن الطرد التعسفي والإعفاء ليست ناشئة عن عقد العمل، وإنما هي ناشئة عن إخلال المشغل بعدم التعسف في الطرد، وبذلك فإن التنفيذ المعجل بقوة القانون طبقا للفصل 285 من ق.
م.
م لا يشملها، وإنما يشمل الحقوق المتفرعة والناتجة مباشرة عن عقد العمل مثل الأجرة والتعويضات العائلية[23].
كما وضع المجلس الأعلى تمييزا بين الحقوق العقدية الناتجة مباشرة عن عقد العمل والمتفرعة عنه مثل الأجرة والساعات الإضافية والعطلة السنوية، وبين الحقوق غير العقدية، وهي الحقوق والتعويضات المحكوم بها عن فسخ عقد الشغل بصفة تعسفية مؤكدا أن الحقوق العقدية تدخل في إطار المسؤولية العقدية، وتكون تبعا لذلك مشمولة بالتنفيذ المعجل بحكم القانون طبقا للفصل 285 من ق.
م.
م.
وقضاة محاكم الموضوع يسيرون في هذا الاتجاه، وهكذا جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بأكادير: “حيث إن التعويضات المحكوم بها غير ناتجة عن صلب عقد العمل بل عن إنهائه بشكل تعسفي، وهي بالتالي لا تندرج ضمن مشمولات الفصل 285 من ق.
م.
م، الأمر الذي يستوجب عدم شمولها بالنفاذ المعجل باستثناء شهادة العمل التي تعتبر نابعة مباشرة عن عقد الشغل ويتعين شمول الحكم بالنفاذ المعجل”[25].
وجاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بمراكش: “وحيث إن الأحكام الصادرة في المادة الاجتماعية وإن كانت مشمولة بالنفاذ المعجل بقوة القانون، فإن التعويضات الناتجة عن مسؤولية المشغل تستثنى من ذلك”.
وقد انتقد بعض الفقه المغربي الاتجاه الذي يسير عليه الاجتهاد القضائي، وفي ذلك يقول الدكتور مولاي امحمد الأمراني زنطار: “بالنسبة للخطأ نقول بأن الخطأ العقدي هو عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد، فالمدين قد التزم بالعقد فيجب عليه تنفيذ التزامه، فإذا لم يقم المدين في العقد بالتزامه كان هذا هو الخطأ العقدي ويستوي في ذلك أن يكون عدم قيام المدين بالالتزام ناشئا عن عمده أو عن إهماله، أو عن فعله أي دون عمد أو إهمال، ولعل هذه الأركان أركان المسؤولية التعاقدية، هي نفس الأركان في المسؤولية التقصيرية، الأمر الذي جعل القضاء المغربي لا يضع حدا فاصلا بين المسؤوليتين… نخلص من ذلك أن جميع التعويضات المستحقة عن إنهاء العمل ينبغي اعتبار مسؤولية رب العمل عنها مسؤولية تعاقدية، وبالتالي شمولها بالنفاذ المعجل”.
وتعليقا على موقف المجلس الأعلى ومحاكم الموضوع يقول أحد القضاة الممارسين: “إن الممارسة العملية وإن كانت قد حاولت أن تجد حلا فرض نفسه عليها بإلحاح بعد ما تبين أن الكثير من الأحكام المشمولة بالتنفيذ المعجل يقع إلغاؤها، ويصبح الأجير بعد تنفيذها في وضعية يصعب عليه فيها أن يرجع المبالغ التي كان قد تقاضاها، إلا أن هذا الحل جاء مخالفا لصراحة النص، وهو أمر غير محمود حيث يفقد طمأنينة المتقاضي الذي ينظم سلوكه وفقا للقانون، إذ يبقى متخوفا من التطبيق القضائي ، وهذا يسيء بسمعة القضاء لأن الباب إذا فتحت لمخالفة صراحة النصوص فإن القوانين تفرغ من محتواها، ويكون لكل قاض قانونه الخاص”.
-رابعا: الحكم الصادر في دعوى الاستحقاق الفرعية عند حجز العقار- تناول المشرع المغربي دعوى الاستحقاق الفرعية للعقار في الفصل 482 من ق.
م.
م بقوله: “إذا ادعى الغير أن الحجز انصب على عقارات يملكها أمكنه لإبطال الحجز رفع دعوى الاستحقاق.
يمكن رفع هذه الدعوى إلى حين إرساء المزايدة النهائية ويترتب عليها وقف مسطرة التنفيذ بالنسبة إلى الأموال المدعى فيها بالاستحقاق إذا كانت مصحوبة بوثائق يظهر أنها مبنية على أساس صحيح”.
والمحكمة عندما تنظر في دعوى الاستحقاق الفرعية إما أن يثبت لها أن الطلب جدي فتحكم بوقف إجراءات الحجز العقاري، وفي هذه الحالة يكون حكمها قابلا للتنفيذ طبقا للقواعد العامة، وإما أن يظهر لها عكس ذلك فتحكم برفض الطلب، أي بعدم وقف إجراءات الحجز العقاري، ويكون حكمها مشمولا بالتنفيذ المعجل طبقا لما يقضي به الفصل 483 من ق.
م.
م الذي جاء فيه: “وإذا اعتبرت المحكمة أنه لا موجب لوقف إجراءات الحجز العقاري كان حكمها مشمولا بالتنفيذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف”.
وتعليقا على هذه المقتضيات التشريعية يقول الدكتور محمد السماحي: “فالنفاذ المعجل المأمور به هاهنا هو نفاذ معجل بعدم توقف إجراءات التنفيذ الذي كان يتم عن طريق الحجز على العقار، أو بعبارة أخرى هو إيذان بالاستمرار في إجراءاته التي توقفت نتيجة رفع دعوى الاستحقاق على العقار.
وهكذا فلن يؤثر في هذا التنفيذ أي طعن بالتعرض أو الاستئناف يستهدف له الحكم الصادر في هاته الدعوى لأنه نفاذ معجل بقوة القانون، ويمتنع على محاكم الطعن بصدد النظر في أي إيقاف له.
ولذلك فليس غريبا أن نكون أمام تنفيذ عادي لحكم انتهائي، يؤمر بصدده بالاستمرار في إجراءات الحجز بواسطة حكم نافذ معجلا ليس غير”.
ولكن ألا يبدو موقفا غريبا من المشرع ألا يرتب النفاذ المعجل إلا للاحتمال الثاني، ولم يجعله من نصيب الاحتمال الأول بالرغم من أن الحكم بالتوقف سيكون أحوج لهذا النفاذ المعجل.
نجيب بأن المشرع لم ينص على شمول الحكم القاضي بوقف إجراءات الحجز العقاري بالتنفيذ المعجل لأن هذا الوقف قد تم أصلا، ومع ذلك فإن الرأي الفقهي والقضائي بقي غير موحد حول أثر تقديم دعوى الاستحقاق على إجراءات التنفيذ.
فرأي أول يرتب الوقف التلقائي لإجراءات التنفيذ بمجرد تقديم دعوى الاستحقاق الفرعية، وأن محكمة الموضوع هي المختصة بالاستمرار في إجراءات التنفيذ فالأصل وقف إجراءات التنفيذ وتستمر بحكم من محكمة الموضوع.
وهذا الموقف ترجمه أمر استعجالي لرئيس المحكمة الابتدائية للدار البيضاء جاء فيه: “حيث إنه اعتبارا لتقديم دعوى رامية إلى استحقاق عقار.
وأنه تطبيقا لأحكام الفصل 483 من ق.
م.
م فإن هذه الدعوى توقف إجراءات التنفيذ تلقائيا، وأن محكمة الموضوع هي التي ستأمر بمواصلة إجراءات التنفيذ إذا اعتبرت أنه لا موجب لوقف الحجز العقاري”.
ورأي ثاني يذهب إلى أن المشرع المغربي لم يرتب وقف التنفيذ بقوة القانون بمجرد رفع دعوى الاستحقاق على عكس ما فعل بالنسبة لدعوى الاستحقاق الفرعية للمنقول، وإنما استلزم إصدار حكم بذلك بعد تقدير المحكمة للقوة الثبوتية للوثائق المدلى بها من طرف مدعي الاستحقاق وبعد تمكين الخصوم من الرد عليها.
وتأكيدا لهذا الرأي يقول الأستاذ أحمد النويضي: “بقراءتنا لمقتضيات الفصلين 483 و482 من ق.
م.
م يتضح أن المشرع لم يرتب على مجرد رفع دعوى الاستحقاق إيقاف إجراءات الحجز العقاري بصفة آلية، وإنما أوجب على الغير الذي أقام هذه الدعوى أن يقدم دعوى مستقلة أمام نفس المحكمة التي تنظر في دعوى الاستحقاق، لالتماس الحكم بإيقاف إجراءات الحجز العقاري، ذلك أن الفقرة الثانية من الفصل 482 نصت على أنه “ويترتب على رفع دعوى الاستحقاق وقف مسطرة التنفيذ بالنسبة للأموال المدعى فيها بالاستحقاق إذا كانت مصحوبة بوثائق يظهر أنها مبنية على أساس صحيح” ، ومعنى هذه الفقرة أن وقف مسطرة التنفيذ معلق على تقدير المحكمة للقوة الثبوتية للوثائق المدلى بها”.
وفي هذا الاتجاه، قرر القضاء ما يلي: “وحيث يتبين للمحكمة أن طلب المدعي قد تم وفق الشروط المتطلبة قانونا وإلى الجهة المختصة، ذلك أن المحكمة وهي تنظر دعوى الاستحقاق الفرعية تملك الصلاحية استنادا لمقتضيات الفصل 483 من ق.
م.
م أن تقول ما إذا كان هناك موجب لوقف إجراءات الحجز العقاري بناء على ما تم إيداعه من وثائق، ثم تستمر في مواجهة الإجراءات المتعلقة بدعوى الموضوع”.
-المطلب الثاني: التنفيذ المعجل القضائي- عرف البعض التنفيذ المعجل القضائي بأنه: “التنفيذ الذي تأمر به المحكمة في حكمها بناء على طلب الخصوم، ويجب المطالبة به في المقال الافتتاحي أو في مذكرة لاحقة قبل قفل باب المرافعة، على أنه لا يجوز إبداؤه لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، وعلى المحكمة عند إجابتها لهذا الطلب أن تبين الأسباب التي بنت عليها حكمها بالتنفيذ المعجل.
وللأمر بهذا النوع من التنفيذ المعجل يجب أن يطلبه المحكوم له، ولا يجوز للمحكمة أن تأمر به من تلقاء نفسها.
وينقسم التنفيذ المعجل القضائي إلى نوعين: تنفيذ وجوبي وتنفيذ جوازي.
ففي الحالة الأولى إذا طلب المحكوم له شمول الحكم بالنفاذ المعجل وجب على المحكمة أن تجيبه لطلبه رغم التعرض أو الاستئناف بدون كفالة (الفقرة الأولى).
أما في الحالة الثانية فإنه إذا طلب المحكوم له شمول الحكم بالنفاذ المعجل كان للمحكمة أن تجيبه إلى طلبه أو ترفضه بحسب تقديرها لظروف كل قضية، وإذا أجابت المحكمة بالتنفيذ فلها أن تشترط الكفالة أو تعفي المحكوم له منها (الفقرة الثانية).
-الفقرة الأولى: التنفيذ المعجل الوجوبي.
حدد المشرع حصرا في قانون المسطرة المدنية الحالات التي يجب فيها على المحكمة أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل فقد جاء في الفقرة الأولى من الفصل 147: “يجب أن يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم التعرض أو بالاستئناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به أو حكم سابق غير مستأنف”.
فعند توفر الشروط التي نص عليها هذا الفصل يجب على المحكمة أن تقبل طلب شمولالحكم بالنفاذالمعجل،وتنص عليه في حكمها، فإن رفضت التنفيذ صراحة أو سهت عنه كانت مخطئة في تطبيق القانون.
وسنبين في ثلاث نقط كل حالة من هذه الحالات على حدة.
-أولا: حالة السند الرسمي.
عرف المشرع المغربي الورقة الرسمية في الفصل 418 من ق.
ل.
ع بقوله: “الورقة الرسمية هي التي يتلقاها الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق في مكان تحرير العقد، وذلك في الشكل الذي يحدده القانون.
وتكون رسمية أيضا: الأوراق المخاطب عليها من القضاة في محاكمهم.
الأحكام الصادرة من المحاكم المغربية والأجنبية، بمعنى أن هذه الأحكام يمكنها حتى قبل صيرورتها واجبة التنفيذ أن تكون حجة على الوقائع التي تثبتها”.
فيما تناول المشرع في الفصلين 419 و420 من ق.
ل.
ع حجية الورقة الرسمية، فأعطاها حجة قاطعة حتى على الغير في الوقائع والاتفاقات التي يشهد الموظف العمومي بحصولها في محضره، وذلك إلى حين الطعن فيها بالزور، وتطبيقا لهذا النص جاء في قرار للمجلس الأعلى: “لكن طبقا للفصل 419 من ق.
ل.
ع فإن الورقة الرسمية تعتبر حجة قاطعة في الوقائع التي يشهد الموثق بحصولها إلى أن يطعن فيها بالزور”.
ونظرا للضمانات القوية التي تقدمها الورقة الرسمية للأطراف والغير فإن بعض التشريعات –كالتشريع المصري والعراقي والفرنسي-أجازت تنفيذ المحررات الموثقة جبرا، حيث يقوم الموثق بمنح المتعاقد صورة تنفيذية بواسطتها يمكنه اللجوء مباشرة إلى مصلحة التنفيذ لاستيفاء حقه دون حاجة لاستصدار حكم قضائي بذلك شريطة أن تكون هذه الصورة مذيلة بالصيغة التنفيذية كتلك التي ترد في الأحكام، وأن يكون الدين معينا بدقة، وخاليا من كل نزاع.
ولا ينبغي أن تعطى هذه الصورة التنفيذية إلا للطرف الذي له الحق في التنفيذ، ولا يحق للموثق كقاعدة عامة، أن يمنح أكثر من صورة تنفيذية واحدة، اللهم في حالة ضياعها، حيث يجوز له بصفة استثنائية أن يمنح صورة تنفيذية ثانية بعد صدور قرار من قاضي الأمور المستعجلة بذلك.
أما بالنسبة للتشريع المغربي، فنلاحظ أن قانون المسطرة المدنية لم يتعرض للتنفيذ الجبري بواسطة محررات الموثقين كما فعلت التشريعات السابقة، لهذا ينبغي على الأشخاص الحاملين لمحررات موثقة تثبت حقوقهم، اللجوء إلى القضاء لاستصدار حكم بتنفيذها.
ونشير هنا إلى أنه إذا كان قانون المسطرة المدنية المغربي لم يشر إلى التنفيذ بواسطة المحررات الموثقة، فقد أعطى لهذه الأخيرة امتيازات خاصة، حيث جعل الأحكام الصادرة بناء عليها مشمولة بالنفاذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف، وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من الفصل 147 من ق.
م.
م كالتالي: “يجب أن يؤمر بالتنفيذ المعجل رغم كل تعرض أو استئناف دون كفالة إذا كان هناك سند رسمي أو تعهد معترف به أو حكم سابق غير مستأنف”.
وقد جاء المشرع بهذا الفصل، مراعاة منه لمصلحة الأشخاص الذين تكون بحوزتهم أدلة قوية تثبت حقوقهم، بشرط ألا يتم الطعن في السند بالزور أو أي طعن آخر يهدف إلى إبطاله.
غير أنه بخصوص الحالة الثانية، وهي حالة الدفع ببطلان السند، فإننا نعتقد أنه يجب التمييز بين فرضيتين: أولهما: حالة رد المحكمة لهذا الدفع، حيث إن هذا الدفع يكون غير جدي، لا ينال من قوة السند الذي يبقى للمحكمة أن تأمر بتنفيذه نفاذا معجلا، ومؤيدنا في ذلك عمومية الفصل 147 من ق.
م.
م الذي يتكلم عن السند الرسمي بغض النظر عما إذا طعن فيه بالبطلان أم لا، وأن القول بخلاف هذا الرأي سيفرغ الحماية التشريعية التي تضمنها الفصل 147 من ق.
م.
م من محتواها.
وثانيهما، الحالة التي تحكم فيها المحكمة ببطلان السند، وتستند في حكمها على أدلة أخرى، فإنه يمتنع عليها جعل حكمها في الموضوع مشفوعا بالتنفيذ المعجل اعتبارا لكون السند الباطل لا ينتج أثرا.
وقبل الانتهاء من دراسة هذه النقطة نشير إلى ما نص عليه المشرع في الفصل 432 من ق.
م.
م حيث جاء فيه: “تكون العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة”.
فبناء على مقتضيات هذا الفصل فإن العقود الرسمية المبرمة خارج التراب الوطني لا تكون قابلة للتنفيذ إلا بعد التذييل بالصيغة التنفيذية من قبل المحكمة، بعد أن تتأكد من اختصاص الموظف الذي حررها وأن مقتضياتها لا تخالف النظام العام المغربي.
وعندما يتم تذييل هذه العقود التي أبرمت بالخارج بالصيغة التنفيذية، فإنها تصبح قابلة للتنفيذ مباشرة دون حاجة إلى استصدار حكم بشأنها، بل يحق للشخص إذا ما رفض المدين أداء ما عليه من دين أن يلجأ مباشرة إلى مصلحة التنفيذ قصد إلزامه بالأداء.
-ثانيا: حالة التعهد المعترف به- أوجب المشرع في الفقرة الأولى من الفصل 147 من ق.
م.
م على المحكمة أن تأمر بالتنفيذ المعجل رغم التعرض أو الاستئناف دون كفالة إذا كان هناك تعهد معترف به، وبذلك يكون موقف المشرع في قانون المسطرة المدنية منسجما مع موقفه في قانون الالتزامات والعقود، ذلك أن المشرع رتب للورقة الرسمية نفاذا معجلا، فكان لابد من ترتيب نفس الأثر للورقة العرفية المعترف بها، والتي لها نفس قوة وحجية الورقة الرسمية طبقا للفصل 424 من ق.
ل.
ع.
وتطبيقا لهذا النص جرى العمل القضائي المغربي على شمول الأحكام بالنفاذ المعجل في حالة وجود سند معترف به غير مطعون فيه، من ذلك مثلا: حكم ابتدائية مراكش بتاريخ: 19/09/2001 والذي جاء فيه: “حيث إن الدين ثابت بمقتضى عقد السلف المعتبر بمثابة تعهد معترف به مما يكون معه طلب شمول الحكم بالنفاذ المعجل مبررا طبقا للفصل 147 من ق.
م.
م، ويتعين بالتالي الحكم به في حدود أصل الدين”[49].
وجاء في حكم صادر عن نفس المحكمة بتاريخ 23//07/2001: “حيث إن الدين ثابت بمقتضى الوثائق المرفقة بالمقال الغير المطعون فيها من طرف المدعى عليها، ويتعين بالتالي الحكم بالنفاذ المعجل فيما يخص أصل الدين”.
وجاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية بأكادير بتاريخ 32/12/1999: “حيث عزز المدعي طلبه ب 32 كمبيالة مسحوبة لفائدة المدعى عليها الشركة المغربية لتوزيع الورود عن القرض العقاري والسياحي، وقد جاءت هذه الكمبيالات مستوفية لجميع الشروط المنصوص عليها في الفصل 159 من مدونة التجارة، وموقع عليها بالقبول من طرف المدعى عليها الثانية مما يكون معه الدين ثابتا وواجب الأداء.
وحيث إن طلب النفاذ المعجل له ما يبرره لثبوت الدين بسند“.
وفي نفس الاتجاه جاء في حكم صادر عن المحكمة الابتدائية التجارية بطنجة: “حيث إن الدين ثابت في ذمة المدعى عليها بمقتضى عقد القرض المدلى به.
وحيث إن المدعي يستحق إضافة إلى أصل الدين وحسب ما هو متفق عليه في عقد القرض، الفوائد الاتفاقية والضريبة على القيمة المضافة والغرامة العقدية.
وحيث إن النفاذ المعجل على الأصل مقرر وجوبا لثبوت الدين بسند غير مطعون فيه”.
إذن فالورقة العرفية لكي تبرر شمول الحكم بالنفاذ المعجل يجب أن يكون معترفا بها ممن يحتج بها ضده، والاعتراف لا يشترط فيه أن يكون صريحا بل يجوز أن يكون ضمنيا بعدم المنازعة في السند، ومؤيدنا في هذا الطرح مقتضيات الفصل 431 ق.
ل.
ع الذي ينص على أنه: “يجب على من لا يريد الاعتراف بالورقة العرفية التي يحتج بها عليه أن ينكر صراحة خطه أو توقيعه، فإن لم يفعل اعتبرت الورقة معترفا بها”، وتطبيقا لذلك قضى المجلس الأعلى: “حيث تبين صحة ما عابته الوسيلة ذلك أن المطلوب في النقض لم ينكر توقيعه على العقد العرفي للشركة، ومع ذلك فإن المحكمة استبعدته بعلة أنه لا يتوفر على القيمة الثبوتية لعدم المصادقة على التوقيع، مع أن المصادقة لا أثر لها في ثبوت العقد العرفي أو عدم ثبوته، مما يجعلها تخرق الفصل 431 من ظهير الالتزامات والعقود وتعرض قرارها للنقض”.
أما إذا أنكر الملتزم بالورقة خطه أو توقيعه، فإنه يتعين والحالة هذه على المحكمة أن تأمر بتحقيق الخطوط[54]، فإذا ثبت لها من تحقيق الخطوط أن السند موقع ممن أنكره، وثبت استنادا إليه، وجب عليها أن تجعل حكمها نافذا معجلا، بناء على الاعتراف الذي تستنتجه هي نفسها من هذا التحقيق، وإن ظهر لها العكس صرفت النظر عن الوثيقة.
ونشير في ختام هذه الفقرة إلى أن اعتراف الخصم بخطه أو بتوقيعه لا يفقده حق الطعن في الورقة بما عساه أن يكون له من وسائل الطعن الأخرى المتعلقة بالموضوع أو الشكل.
فيبقى للخصم حق الدفع بالبطلان للأسباب الواردة في الفقرة الثانية من الفصل 419 من ق.
ل.
ع وهي الإكراه أو الاحتيال أو الصورية أو الخطأ المادي أو الأمية أو الطعن بالزور.
ويترتب عن هذه الدفوع الآثار التي أشرنا إليها عند تناولها للسند الرسمي.
-ثالثا: حالة الحكم السابق الغير المستأنف- هذه الحالة كسابقتها، أشارت إليها الفقرة الأولى من الفصل 147 من ق.
م.
م حينما أوجبت شمول الحكم بالنفاذ المعجل عند وجود حكم سابق غير مستأنف، من دون أن تبين الشروط الواجب توفرها في هذا الحكم، وقبل أن نبين هذه الشروط نوضح لبسا قد يثار حول الجدوى من مراجعة القضاء مرة أخرى والمحكوم له بيده حكم قابل للتنفيذ.
وبخصوص هذه النقطة يقول الدكتور محمد السماحي: “إن الأمر لا يعدو أولا أن يتعلق بصورة من صور منازعات التنفيذ الموضوعية، وببعض الصعوبات التي تعترض تنفيذ الأحكام كذلك.
ولهذا فمتى قدر للمحكوم له أن يعاود محكمة الموضوع في شأن الصعوبة أو التأويل، ونظرا لما يرتكز عليه في دعواه من حكم سابق حائزة لقوة الشيء المقضي به، فقد خول لهالمشرع حق التماس النفاذ المعجل والإعفاء من الكفالة، وألزم القاضي بالاستجابة إلى طلبه عند الحكم له.
وهو ثانيا قد يكون حكم إلزام يرتب نتائج استنادا إلى حكم تقريري أو حكم منشئ.
ويشترط لتوافر هذه الحالة ثلاثة شروط: -الأول: أن يكون الحكم المراد شموله بالنفاذ المعجل مبنيا على الحكم السابق، أي أن يكون الحكم السابق حجة في إثبات الواقعة المنشئة للحق المدعى به في الدعوى التي صدر فيها الحكم الجديد، ومن أمثلة ذلك الحكم على المشتري برد العين المبيعة للبائع بعد سبق الحكم بفسخ العقد، والحكم بتسليم الشيء المبيع تنفيذا للحكم السابق القاضي بإتمام إجراءات البيع.
والشرط الثاني أن يكون الحكم السابق غير مستأنف، وقصد المشرع من هذا الشرط أن يكون الحكم السابق قابلا للتنفيذ، سواء طعن فيه بالاستئناف وتم تأييده أو التصريح بعدم قبول الاستئناف، أو كان انتهائيا لا يقبل الاستئناف.
والشرط الثالث، أن يكون المحكوم عليه في الحكم الجديد خصما في الخصومة التي صدر فيها الحكم السابق، أي أن يكون كل من الحكمين حجة للمحكوم له في مواجهة المحكوم عليه.
وفي هذا الإطار جاء في حكم للمحكمة الابتدائية بمراكش ما يلي: ” و حيث إن طلب النفاذ المعجل له ما يبرره في الشق المتعلق بإرجاع مبلغ التسبيق و ذلك لتوفر الشروط المحددة في الفصل 147 من ق م م و هي وجود حكم سابق نهائي في النازلة ، صحيح أن المشرع في قانون المسطرة المدنية لم يبين شروط ذلك غير أن الفقه تصدى لهذا القصور ، و أوضح أن من بين الحالات التي يشمل فيها الحكم بالنفاذ المعجل وجوبا هي أن نكون أمام حكم إلزام يرتب نتائج استنادا إلى حكم تقريري أو حكم منشئ ـ الدكتور محمد السماحي في مؤلفه نظام التنفيذ المعجل للأحكام المدنية في القانون المغربي ـ الصفحة 180 ـ و هذه الصورة هي المعروضة في النازلة فنحن أمام حكم يرد فيه التقرير على حق يقابله التزام الطرف الآخر بأداء حق معين و هذا الحكم الحالي أسس على الحكم السابق المشار لمراجعه أعلاه و هو حكم منشئ على اعتبار أنه يقرر حقا نشأ عنه تغيير في مركز قانوني سابق و نشأ مركز جديد ، بل أكثر من ذلك فإن جميع الشروط المرتبطة بهذه الحالة قائمة فالحكم الحالي مبني على الحكم السابق بحيث يعتبر حجة في إثبات الواقعة المنشئة للحق المدعى به في الدعوى الحالية ، كما أن الحكم السابق قد أصبح نهائيا ، و علاوة على ذلك فالمدعى عليه قد كان خصما في الدعوى السابقة .
وحيث إنه في المقابل فطلب النفاذ المعجل ليس له ما يبرره في الشق الباقي والمتعلق بالتعويض لعدم توفر الموجبات والمبررات المحددة في الفصل 147 من ق م م”.
-الفقرة الثانية: التنفيذ المعجل الجوازي.
إذا كان المبدأ العام أن المحكمة تملك سلطة تقديرية في منح النفاذ المعجل بحسب ظروف وملابسات كل قضية (النقطة الأولى) فإن هذه السلطة التقديرية تعطل بنص صريح يمنع شمول الحكم بالنفاذ المعجل (النقطة الثانية) أو بمقتضى منع ضمني (النقطة الثانية).
-أولا: سلطة المحكمة في منح النفاذ المعجل.
نص المشرع في الفقرة الثانية من الفصل 147 من ق.
م.
م: “يجوز دائما الأمر بالتنفيذ المعجل بكفالة أو بدونها حسب ظروف القضية التي يجب توضيحها”.
فهذه الفقرة أعطت للمحكمة سلطة تقديرية مطلقة في شمول الحكم بالنفاذ المعجل أو رفضه، وفي تعليقه على كفالة أو بدونها.
ويلاحظ الدكتور محمد السماحي أن المشرع المغربي أضفى ليونة كبيرة على مسطرة منح النفاذ المعجل الجوازي، و هي ليونة جاءت دون شك استجابة للتيار الجديد السائد حاليا في كثير من التشريعات العربية والأجنبية، مثل التشريعين المصري والفرنسي، ومع ذلك فإن أيا منها لم يبلغ مثل درجة المشرع المغربي في هاته المرونة، حيث أعطى للقاضي في النظام الحالي عندنا سلطة تقديرية خالية من أية قيد تقريبا، إلا ما كان من ضرورة توضيح ظروف النازلة، ذلك أنه يتعين على المحكمة أن تبين دائما في الحكم الأسباب التي اعتمدتها في حكمها، وفي هذا الشأن يقول الأستاذ محمد ميكو: “إن التنفيذ المعجل وجوبيا كان أو اختياريا يتعين تعليله تعليلا تاما واضحا لا لبس فيه ولا غموض".
ويرد الفقه حالات النفاذ المعجل القضائي إلى أحد اعتبارين: الأول هو حاجة الاستعجال أو السرعة في التنفيذ، والثاني هو قوة سند الحق المحكوم به حيث يستخلص المشرع من هذا احتمال تأييد الحكم إذا طعن فيه بالاستئناف، وبالتالي رجحان الحق في التنفيذ الجبري، وكل اعتبار من هذين الاعتبارين يبرر شمول الحكم بالنفاذ المعجل.
وبرجوعنا إلى مقتضيات الفصل 147 من ق.
م.
م نجده ورد عاما وأعطى للمحكمة سلطة تقديرية في هذا المجال، ولم يتضمن استبعاد أية حالة يمنع فيها الحكم بالنفاذ المعجل، ولكن المشرع قد منع بمقتضى نصوص خاصة منح النفاذ المعجل سالبا بذلك السلطة التقديرية التي تملكها المحكمة في هذا المجال، والحكمة من ذلك هي حماية بعض فئات المجتمع، ودرء عواقب التنفيذ المعجل.
-ثانيا: حالة المنع الصريح لشمول الحكم بالنفاذ المعجل.
تتعلق هذه الحالة بالصورة التي يمنع فيها القانون صراحة على المحكمة أن تشمل الحكم الصادر عنها بالنفاذ المعجل،وكمثال على ذلك ما كان ينص عليه المشرع في الفصل 24 من قانون 79/6 الصادر الأمر بتنفيذه بظهير 25/12/1980 الملغى بالقانون رقم 79/12، والمتعلق بتنظيم العلاقات التعاقدية بين المكري والمكتري للأماكن المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني، على ما يلي: “لا تكون الأحكام الصادرة عن المحكمة تطبيقا لهذا القانون مشمولة بالنفاذ المعجل”.
-ثالثا: حالة المنع الضمني للنفاذ المعجل.
نص الفصل 361 من ق.
م.
م: “لا يوقف الطعن أمام المجلس الأعلى التنفيذ إلا في الأحوال الآتية: في الأحوال الشخصية.
في الزور الفرعي.
التحفيظ العقاري…” لقد وضع المشرع المغربي من خلال هذا النص مبدأ عاما وهو أن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ أيا كانت النتائج التي يمكن أن تترتب على هذا التنفيذ، وقد استثنى الفصل ثلاث حالات من هذه القاعدة وجعل تقديم مقال النقض ضدها يوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وذلك نظرا لخطورة تنفيذ الأحكام الصادرة في هذه الحالات وما يترتب عن تنفيذها من أخطار، يستحيل إزالة آثارها بعد التنفيذ.
فيكون من باب أولى وأحرى أنه لا يمكن شمول الحكم الصادر في هذه الحالات بالنفاذ المعجل ما دام أن النقض وهو طعن غير عادي يوقف تنفيذ الأحكام الصادرة فيها.
وتطبيقا لهذا النص جاء في أمر استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بوزان: “لكن حيث إنه فيما يتعلق بالسبب الأول الذي استند عليه الطالب لإثارة الصعوبة فإنه من الثابت من ظاهر السند التنفيذي موضوع ملف التنفيذ عدد 505/98/1 أنه عبارة عن قرار نهائي صادر عن محكمة الاستئناف بالقنيطرة تحت عدد 289 وتاريخ 11/05/1998 في الملف العقاري عدد 3195 فإنه يتعين بالتالي عدم الالتفات إليه، وأن الطعن بالنقض في القضايا العقارية لا يوقف التنفيذ إلا فيما يخص قضايا التحفيظ العقاري وقضايا الأحوال الشخصية والزور الفرعي”.
إذن فما ذا يقصد بكل حالة من هذه الحالات الثلاث؟ أ -قضايا الأحوال الشخصية: إن المقصود بقضايا الأحوال الشخصية في هذا الفصل هو ما يتعلق بدعوى النسب أو صحة الزواج أو فساده، أو إرجاع المرأة المدعى عليها إلى بيت الزوجية، أو دعوى التطليق، وهكذا جاء في قرار للمجلس الأعلى: “يقصد بقضايا الأحوال الشخصية القضايا التي يكون فيها نزاع جوهري متعلقا بالحالة الشخصية كادعاء الزوجية أو الأولاد من أحد الطرفين وإنكاره من الطرف الآخر”، وتأكيدا لهذا المفهوم جاء في قرار آخر: “المقصود بقضايا الأحوال الشخصية أن يوجد نزاع في الحالة الشخصية مثل إنكار الزوجية أو إنكار النسب”.
ب-ادعاء الزور الفرعي: عرف بعض الفقهاء التزوير بأنه تغيير الحقيقة في محرر بإحدى طرق التي بينها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا للغير، وهو يقع تحت طائلة قانون العقوبات إذا توفر فيه القصد الجنائي.
وإذا طعن بالزور الفرعي في وثيقة معينة امتنع على محكمة الدرجة الأولى أن تشمل حكمها بالنفاذ المعجل ما دام الطعن بالنقض نفسه يوقف التنفيذ في هذه الحالة.
ويشترط لإعمال هذا الأثر أن يكون الفصل في موضوع النزاع متوقفا على الوثيقة المطعون فيها بالزور، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فإن القاضي يصرف النظر عن هذا المستند طبقا للفصل 92 من ق.
م.
م، وبالتالي لا مانع من شمول الحكم بالنفاذ المعجل، وفي ذلك قضى المجلس الأعلى: “إذا طعن أحد الأطراف أثناء سريان الدعوى في إحدى المستندات المقدمة بالزور الفرعي صرف القاضي النظر عن ذلك إذا رأى أن الفصل في الدعوى لا يتوقف على هذا المستند طبقا للفصل 92 من ق.
م.
م.
حيث إن الدفع بالزور في عقد النكاح قد تجاوزته المحكمة لوجود أحكام سابقة في الموضوع ولوجود عقد الطلاق الذي أوقعه الطاعن على المدعية، الأمر الذي جعل المحكمة تستغني عن النظر في الدفع لعدم جدواه”.
ج-قضايا التحفيظ العقاري: مرحلة التحفيظ العقاري هي مرحلة ولادة عقار جديد بالنسبة لملكية العقار، تطهره من جميع الحقوق التي كانت عليه قبل التحفيظ، وبذلك كان من الضروري أن يوقف تنفيذ القرار الصادر في قضايا التحفيظ إذا ما طلب نقضه إلى حين بت المجلس الأعلى، لأنه في حالة ما إذا نفذ القرار وأرجع الملف إلى المحافظ العقاري وأعطى للعقار موضوع النزاع رسما عقاريا، ثم نقض المجلس الأعلى القرار المطعون فيه الذي أنشئ بموجبه الرسم العقاري، فإن حقوق الذي صدر الطعن لصالحه تضيع كليا ولا يصبح له إلا الحق في التعويض.
وقد عرف تحديد مفهوم مصطلح التحفيظ المذكور في الفصل 361 من ق.
م.
م اختلافا كبيرا بين الفقه والاجتهاد القضائي، وهكذا اعتبر المجلس الأعلى أن دعاوى التحفيظ مقصورة فقط على الدعاوى التي تهم مسطرة التحفيظ، أما ما يتعلق بالعقارات المحفظة تقييدا أو تشطيبا فإنها لا تدخل ضمن هذه المقتضيات.
وبتاريخ 19/05/1989 أصدر المحافظ العام منشورا تحت عدد 314 جاء فيه أن القرار الاستئنافي بخصوص العقارات المحفظة قابل للتنفيذ رغم الطعن بالنقض الموجه ضده، وأن الفصل 361 من ق.
م.
م لا ينسحب إلا على مسطرة التحفيظ، ثم تراجع عن هذا التفسير ووجه السادة المحافظين العقاريين إلى ضرورة طلب شهادة بعدم النقض بخصوص جميع الأحكام سواء تعلق الأمر بمرحلة التحفيظ أو بمرحلة ما بعده.
وتفاديا لكل لبس حول المفهوم، فقد تدخل المشرع وحدد مفهوم التحفيظ العقار في مفهوم شامل لجميع القضايا سواء ما تعلق منها بالدعوي الرامية للبت في التعرضات أو الدعاوي الرامية إلى تقييد حق عيني أو التشطيب عليه من مندرجات الرسم العقاري، فقد نص الفصل الأول من ظهير التحفيظ العقاري كما وقع تعديله على ما يلي: ” يرمي التحفيظ إلى جعل العقار المحفظ خاضعا للنظام المقرر في هذا القانون من غير أن يكون في الإمكان إخراجه منه فيما بعد ويقصد منه: – تحفيظ العقار بعد إجراء مسطرة للتطهير يترتب عنها تأسيس رسم عقاري وبطلان ما عداه من الرسوم، وتطهير الملك من جميع الحقوق السالفة غير المضمنة به؛ – تقييد كل التصرفات والوقائع الرامية إلى تأسيس أو نقل أو تغيير أو إقرار أو إسقاط الحقوق العينية أو التحملات المتعلقة بالملك، في الرسم العقاري المؤسس له”.
-المبحث الثاني: دعوى وآثار النفاذ المعجل: إن التنفيذ المعجل القضائي يتوقف على تقديم طلب بصدده، وهو لا يكون هدفا في حد ذاته إذ لا يتصور طلبه بصفة مستقلة بل يكون تابعا للطلب الأصلي، ومن تم يكون لزاما معرفة الجهة التي يؤول إليها أمر البت فيه ومدى ولايتها (المطلب الأول).
ومن جهة ثانية فإن الحكم النافذ نفاذا معجلا قد يتم إلغاءه من طرف محكمة الطعن مما تطرح معه ضرورة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ، كما يطرح التساؤل عن إمكانية قيام مسؤولية المحكوم له عن الأضرار اللاحقة بالمنفذ عليه بعد إلغاء الحكم (المطلب الثاني).
-المطلب الأول: الجهة المختصة للبت في طلب النفاذ المعجل.
رب قائل قد يقول بأنه لا حاجة بنا لطرح مثل هذا التساؤل، ذلك أن محكمة الدرجة الأولى هي الجهة المؤهلة قانونا للبت في مثل هذه الطلبات، ومع ذلك نقول إن لهذا التساؤل أهميته العملية سواء عندما تبت محكمة الدرجة الأولى أو الثانية (الفقرة الأولى) أو عندما يلجأ المتقاضون إلى التحكيم لفض نزاعاتهم (الفقرة الثانية).
-الفقرة الأولى: ولاية المحكمة الابتدائية ومحكمة الاستئناف.
تعتبر طلبات النفاذ المعجل من الطلبات التبعية التي ترتبط بالطلب الأصلي ارتباطا لا يقبل التجزئة، ومن تم فإن المحكمة المختصة للبت فيه هي المحكمة التي تنظر في الطلب الأصلي، وإذا كانت هذه الأخيرة تستنفذ ولايتها بعد النطق بالحكم، فإن هذه القاعدة إنما يعمل بها فقط بالنسبة للأحكام الحضورية دون الغيابية، التي تبقى قابلة للطعن بالتعرض برفع النزاع إلى نفس المحكمة التي أصدرت الحكم الغيابي لا إلى محكمة أعلى، وذلك بإرجاع القضية أمام نفس القاضي الذي سبق له أن بت فيها لإعادة النظر في الحكم الأول الصادر في حقه بصورة غيابية.
والتساؤل المطروح هنا هل يجوز تقديم طلبات إضافية كطلب النفاذ المعجل أمام محكمة التعرض أم لا؟ الجواب أن المتعرض ضده يمكنه أن يغير طلباته الأصلية أو يرفع طلبات جديدة، إلا أنه ليس بإمكانه أن ينتهز فرصة عودة الخصومة أمام المحكمة الابتدائية ليعيد طرح ما سبق أن رفض في مواجهته من طلبات.
أما محكمة الاستئناف فهي تضع يدها على القضية عند لجوء المحكوم عليه إلى سلوك مسطرة الطعن بالاستئناف، كطريق يعرض بمقتضاه النزاع أمام محكمة أعلى درجة.
وإذا كانت هذه المحكمة ينعقد لها الاختصاص لنظر طلبات إيقاف التنفيذ، فهل هي مختصة كذلك للبت في طلبات الأمر به، وهل يمكن للمستأنف عليه أن يتدارك ما فاته من طلبات أمام محكمة الدرجة الأولى؟ جوابا على هذا السؤال، يقول الدكتور محمد السماحي: الواقع أنه تعترضنا أمام محكمة الاستئناف أربع حالات: حالة أولى تكون المحكمة الابتدائية قد قضت برفض طلب النفاذ المعجل ذاته، وحالة ثانية يقدم إلى هاته المحكمة الطلب، ولكنها تغفل البت بشأنه، وثالثة لا تتعرض له المحكمة إطلاقا لإهمال المدعي التماسه في المرحلة الأولى، ولم يكن هنالك ما يبرر هذا الإهمال أو التقاعس من المدعي، ورابعة أقرب إلى هاته الأخيرة، ولكن عدم تقديم الطلب لا يرجع إلى إهمال من المدعي، وإنما يكون حافزه في التماسه حدوث وقائع بعد صدور الحكم الابتدائي.
ونبين الحلول الواجبة التطبيق في كل حالة: حالة إغفال البت في الطلب أو رفضه: في حالة إغفال البت في الطلب لا يمكن طرح النزاع أمام نفس المحكمة التي فصلت فيه لأنها بفصلها في الموضوع تكون قد استنفذت ولايتها في نظر النزاع، كما لا يمكن إعادة طرح النزاع أمامها عن طريق الطعن بإعادة النظر، ذلك أن من شروط مباشرة هذا الطعن أن يكون الحكم غير قابل لأي طعن عادي طبقا للفصل 402 من ق.
م.
م.
وبما أن الاستئناف ينشر الدعوى من جديد أمام محكمة الطعن، فإن هذا يفيد أن هذه المحكمة لها الولاية لنظر الدعوى بما في ذلك طلب النفاذ المعجل الذي أغفلت المحكمة الابتدائية البت فيه، طالما أنه لا يوجد نص صريح يستثني هذه الحالة من المبدأ العام الناشر للاستئناف.
وفي حالة رفض طلب النفاذ المعجل تملك محكمة الاستئناف أيضا سلطة البت في هذا الطلب، ذلك أن قاعدة التقاضي على درجتين تنصب على الأحكام الابتدائية غير الانتهائية برمتها، وليس من المعقول أن يأتي جزء من هذه الأحكام انتهائيا، بينما يخضع الباقي فقط لرقابة محكمة الاستئناف رغم وحدة الموضوع التي تجمع بين أجزائه.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنه من القواعد القانونية المسلم بها أن يعامل المتقاضيان على درجة من المساواة، وليس من المساواة في شيء أن يسمح للمحكوم عليه المستأنف أن يلتمس مراجعة ما أمربه ضده من نفاذ معجل، ويحرم المحكوم له من مراجعة المحكمة ذاتها.
حالة تقديم الطلب لأول مرة أمام محكمة الاستئناف: قد يحدث أن يتقدم المحكوم له بطلب شمول الحكم بالنفاذ المعجل أمام محكمة الاستئناف، وذلك إما لكونه أهمل تقديمه أمام المحكمة الابتدائية أو لأن ظروفا جدت بعد صدور الحكم الابتدائي، فهل تكون مثل هذه الطلبات مقبولة في هذه المرحلة؟ نعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي منا تحديد ما إذا كانت هذه الطلبات جديدة طبقا للفصل 143 من ق.
م.
م يمنع تقديمها، أم الأمر خلاف ذلك؟ جوابا على هذه الإشكالية يقول الدكتور السماحي: “نعتقد أنه في غياب نص صريح في الموضوع وإعمالا للفصل 143 نفسه، وتحقيقا لما نتوخاه من العدالة من إنصاف للطرفين المتقاضيين، نرى ألا يوصد باب الاستئناف في وجه هاته الطلبات التي تقدم إليها لأول مرة، والتي كثيرا ما تبررها ظروف جديدة لم تكن متوقعة من قبل، ولهذا وأسوة بما سارت عليه الاجتهادات القضائية والتشريعات الحديثة، وفي انتظار نص تشريعي صريح، وحتى يظل القضاء الجهة التي يطمئن إليها المتقاضون لفض نزاعاتهم ولا يفضلون اللجوء إلى التحكيم”.
-المطلب الثاني: آثار إلغاء الحكم المشمول بالنفاذ المعجل.
من المعلوم أن التنفيذ المعجل هو تنفيذ مؤقت يرتبط وجودا وعدما بمآل الطعن في الحكم، فإذا تم تأييد الحكم استقر التنفيذ وأصبح نهائيا.
وإذا ألغي زالت قوته التنفيذية مما تطرح معه ضرورة إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه (الفقرة الأولى).
وفي غياب نص تشريعي صريح حول مسؤولية المحكوم له عن تحريك مسطرة التنفيذ المعجل فإننا نجد الفقه المهتم بالموضوع يختلف حول مدى إلزام المحكوم له بتعويض الضرر الذي لحق خصمه المنفذ عليه (الفقرة الثانية).
-الفقرة الأولى: إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه- كثيرا ما يطرح أمام القضاء إشكال إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل الحكم والتنفيذ، وصورة هذا الإشكال أن يصدر حكم ابتدائي، يشمل بالتنفيذ المعجل أو نكون بصدد حكم حائز لقوة الشيء المقضي به، ويتم تنفيذه، وبعد تمام التنفيذ يلغى من طرف محكمة الطعن، فتزول القوة التنفيذية التي كانت للحكم الملغى مما يتعين معه إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ، فإذا كان مثلا تنفيذ حكم قضى بأداء المدعى عليه مبلغا من المال، ألزم المدعي بإرجاع ما تسلمه تنفيذا للحكم الملغى.
والسؤال المطروح هو هل يتم إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بقوة القانون بناء على الحكم الذي ألغى الحكم المنفذ؟ أم يجب صدور حكم مستقل يقضي بذلك؟ جوابا على هذا السؤال يذهب بعض الفقه إلى القول بأنه يكفي الحكم القاضي بإلغاء الحكم المنفذ لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، ذلك أن استقرار التنفيذ رهين بتأييد الحكم من طرف محكمة الطعن، وأنه بإلغاء الحكم المنفذ يصبح التنفيذ غير ذي موضوع، ويصلح الحكم الذي ألغى الحكم المنفذ لوحده سندا تنفيذيا لإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من غير حاجة إلى استصدار حكم جديد بذلك.
ولكنه من الناحية العملية، لم نلاحظ أحدا يطلب إرجاع الحالة بناء على قرار محكمة الطعن الذي ألغى الحكم المنفذ، وإنما يستصدر حكما بذلك، وانتصارا لهذا الاتجاه، يقول الأستاذ عبد العزيز توفيق: “إلا أن إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بعد إلغاء الحكم المنفذ مؤقتا لا تتم بقوة القانون بل لا بد من صدور أمر قضائي بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، ولا يكتفي بالحكم الذي ألغى الحكم المنفذ، ما لم يشر إلى ذلك في منطوقه وبناء على طلب المستأنف في مقال استئنافي أو في طلب بعد التنفيذ المعجل وقبل صدور الحكم”.
ودعوى إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه إما أن تظهر في صورة بسيطة إذ يكون من السهل إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لعدم نشوء مراكز قانونية جديدة بعد التنفيذ، وفي هذه الحالة يمكن اللجوء إلى قاضي المستعجلات لاستصدار أمر بذلك.
ولتوضيح هذه الصورة نعطي مثالا بالحالة التي يلجأ فيها المكري إلى مسطرة الأمر بناء على طلب لاسترجاع المحل المكترى بدعوى أن المكتري قد غادره بصورة نهائية، ويقوم كاتب الضبط في إطار تنفيذ الأمر بكسر أقفال المحل، وتسليمه للمكري، ثم يظهر المكتري ويطالب برد الحال ويكون المحل لا يزال فارغا غير مكترى مرة أخرى، فيصدر أمر وفق الطلب دون إشكال، وفي ذلك قضى رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش: “حيث إن الطلب يرمي إلى الأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه قبل تنفيذ الأمر الصادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش في ملف عقود مختلفة رقم 3277/99 بتاريخ 23/11/1999.
وحيث إن المدعى عليها تقر بالعلاقة الكرائية الرابطة بينها وبين المدعي بالنسبة للدكان السالف الذكر، وأن استصدارها للأمر الاستعجالي في ملف عقود مختلفة عدد 3277/99 بتاريخ 23/11/1999 القاضي لها بالدخول إلى الدكان تم تحت عهدتها ومسؤوليتها وبصفة مؤقتة وتعيينها حارسة على ما يمكن أن يوجد من منقولات بذات الدكان مع الرجوع إلى مصدر الأمر عند وجود صعوبة.
وحيث إن ظهور المدعي باعتباره مكتريا للدكان، وإدلائه بما يفيد عرضه لمستحقات كراء الدكان المذكور على المكرية يجعل طلبه الرامي إلى إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في محله ويتعين الاستجابة له”.
أما الصورة المعقدة التي يمكن أن تطرح فيها دعوى إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه فهي حالة إنشاء مراكز قانونية جديدة بعد التنفيذ، وذلك كقيام المكري مباشرة بعد تنفيذ الحكم بالإفراغ المشمول بالنفاذ المعجل بإكراء المحل لشخص آخر، وعند إلغاء الحكم من طرف محكمة الطعن، يواجه المكتري أثناء طلب رد الحالة إلى ما كانت عليه بوجود شخص ثالث يدعي أنه حسن النية.
وأهم إشكال تطرحه هذه الصورة هو مدى اختصاص قاضي المستعجلات للأمر بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه في ظل هذا الوضع؟ لقد كان الاتجاه القضائي يعتبر أن تواجد الغير بالمحل المراد رد الحالة بشأنه لا يعتبر دفعا جديا يغل يد قاضي المستعجلات عن البت في الطلب، ذلك أنه لا اعتبار لحسن نية أو سوء نية من يكتري نفس المحل من نفس المكري ويسري عليه ما يسري على هذا الأخير الذي استمد منه الحق، وقد أكد المجلس الأعلى هذا المبدأ في قراره بتاريخ 15/10/1986 الذي جاء فيه: “حيث إنه حقا لقد صح ما عابه الطاعن ذلك أنه من جهة فإن المتدخلين بصفتهما مكتريين من المحكوم عليه نفس الشيء الذي سبق أن أكراه للمدعي، يجري عليهما ما يجري عليه بحكم ضمانه لتعرضهما، ولذلك فلا اعتبار لحسن أو سوء نيتهما”.
وتعليقا على هذا القرار يقول الأستاذ أحمد عاصم: “يوجد أساس لهذه الدعوى هو أن إلغاء المقرر القضائي بعدما كان قد نفذ في حق المكتري بالإفراغ يعطي لهذا الأخير الحق في أن يطالب المكري ومن آل إليه المحل برد الحالة إلى ما كانت عليه قبل التنفيذ إعمالا لقاعدة أن إلغاء الحكم يؤدي إلى بطلان جميع الآثار التي ترتبت عليه بما فيه إجراءات تنفيذه ويرد الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التنفيذ”.
وخلاف هذا الاتجاه يرى البعض أن إكراء المالك محله للغير بعد تنفيذه للحكم القاضي بالإفراغ يمنع على رئيس المحكمة الابتدائية بصفته قاضيا للمستعجلات إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بعد إلغاء الحكم المستند عليه لتنفيذ الإفراغ، لأن الإرجاع يقتضي إبطال الكراء المبرم مع الشخص الأجنبي، وهذا فيه مساس بجوهر النزاع الذي يحظر على قاضي المستعجلات الخوض فيه، وتختص به محكمة الموضوع لا محكمة الرئيس الاستعجالية، وفي هذا الاتجاه سار المجلس الأعلى ــ محكمة النقض حاليا ــ في قراره الصادر بتاريخ 20/03/1991، والذي جاء فيه: “فيما يتعلق بالوسيلة الوحيدة المستدل بها والمتخذة من خرق الفصل 149 من ق.
م.
م وانعدام التعليل ذلك أنه يفهم من القرار المطعون فيه الذي ألغى الأمر الابتدائي أنه استند إلى تعليل مخالف لعلل الأمر المذكور والتي مفادها أنه ما كان يسوغ للسيد الرئيس أن يدخل في اعتباره مصالح شخص أجنبي عن النزاع مع أن السيد الرئيس لم يقض بأي شيء لهذا الطرف وإنما قرر فقط أنه لا يمكن إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لأنه في هذه الحالة سيلزم الطاعن بإرجاع الشقة إلى المطعون ضدهما وهو أمر مستحيل ما دامت الشقة مستأجرة للغير بالإضافة إلى أن اختصاص القضاء الاستعجالي مشروط بعدم المساس بالجوهر وأن القرار القاضي بإرجاع الحالة رغم وجود الشقة تحت يد مستأجر جديد يكون قد تطرق إلى عقد الكراء وقضى بإلغائه مما يعرضه للنقض.
حقا تبين صحة ذلك إذ الشقة التي حصل عليها الطاعن حصل عليها إثر تنفيذ القرار الاستعجالي القاضي بطرد المطعون ضدهما منها أكراها للغير، وأن عمله هذا في منتهى الشرعية، لذا فإن طلب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بعد أن خرجت الشقة من يد الطاعن بمقتضى كراء يعتبر أمرا مستحيلا ولا يمكن الإرجاع إلا بعدم الحكم بإبطال الكراء مع الشخص الأجنبي، مما يكون معه القرار معللا تعليلا غير سليم يتعرض للنقض”.
وفي نفس الاتجاه جاء في أمر صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بمراكش: “وحيث إن إكراء المالك محله للغير بعد استرجاعه في إطار مسطرة فتح المحل يجعل قاضي المستعجلات غير مختص للبت في طلب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه لأن إرجاع الحالة يقتضي إبطال الكراء المبرم بين المالك والمكتري الجديد وهو ما يعتبر مسا بجوهر النزاع الذي يمنع على قاضي المستعجلات الخوض فيه، وعليه يتعين التصريح بعدم الاختصاص للبت في طلب إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه”.
-الفقرة الثانية: المسؤولية عن تحريك مسطرة التنفيذ المعجل.
تنشأ المسؤولية العقدية عن عدم تنفيذ المدين لالتزامه الناشئ عن العقد، وتنشأ المسؤولية عن الفعل الضار الماس بسلامة شخص الغير في عرضه أو شرفه أو ماله أي عن الإخلال بالتزام قانوني.
وإذا كانت المبادئ العامة للقانون توجب بأن من ألحق ضررا بالغير يلزم بتعويضه في حدود ما ألحقه به من ضرر، فإن السؤال المطروح هنا هل يلتزم المحكوم له بتعويض الضرر الذي يلحق بالمحكوم عليه نتيجة لتنفيذ حكم ابتدائي تنفيذا معجلا ألغي من طرف محكمة الطعن؟ للإجابة عن هذا السؤال يجب التفرقة بين ما إذا كان المحكوم له سيئ النية أم لا، فإذا كان سيئ النية أي عالما بأنه مبطل في دعواه أو كان الحكم الابتدائي مبنيا على غش أو تزوير، فإنه يلتزم بتعويض الضرر الذي لحق المحكوم عليه من جراء هذا التنفيذ، ولا جدال في ذلك.
أما إذا كان المحكوم له حسن النية، فقد ثار جدال في الفقه حول مدى التزامه بتعويض المحكوم عليه، فذهب رأي إلى أنه يلتزم بتعويض الضرر حتى ولو كان حسن النية، على أساس أن المحكوم له بحكم واجب النفاذ مؤقتا إنما يجري التنفيذ على مسؤوليته، لأن الحكم الذي ينفذ به ليس نهائيا وإنما هو معرض للإلغاء عندما يطعن الخصم فيه، فيجب عليه ألا يقدم على التنفيذ إلا إذا كان متأكدا من أن الحكم سيؤيد وإلا امتنع عن التنفيذ حتى يصبح الحكم نهائيا، أو يفضل المخاطرة بالتنفيذ ويتحمل المسؤولية في حالة إلغاء الحكم، وأن تنفيذ الحكم الابتدائي تنفيذا مؤقتا مع احتمال إلغائه بالطعن فيه لا يخلو من عدم التبصر الموجب لمسؤولية المحكوم له لعلمه أن الحكم جائز الطعن فيه ويحتمل إلغاؤه، كما يستند أنصار هذا الرأي إلى أن التنفيذ المعجل ليس حقا للمحكوم له وإنما هو رخصة يستعملها على مسؤوليته.
ومن الانتقادات التي وجهت إلى هذا الاتجاه أنه يميز بين الأحكام النهائية والنافذة معجلا، فيرتب المسؤولية عن تنفيذ الثانية لأن المحكوم له لا يمكنه أن يتذرع بحسن نيته في لجوئه إلى طلب التنفيذ خاصة أنه يعلم أن سنده التنفيذي ما يزال خاضعا للطعن بواسطة الطرق العادية، وأنه لم يحز قوة الشيء المقضي به وأنه معرض للإلغاء أو التعديل، بينما يعتبر منفذ الأحكام الأولى معفى من أية مسؤولية، فهي من جهة أحكام لا تقبل الطعن بالطرق غير العادية، وأن المحكوم له، وقد أصبح حكمه نهائيا محق في أن يباشر التنفيذ والنتيجة في النهاية واحدة بالنسبة لإلغاء ما تم من تنفيذات.
وفي هذا الاتجاه تسير محكمة النقض الفرنسية بعدما تراجعت عما ذهبت إليه من تمييز بين الأحكام النهائية والنافذة معجلا، أما القضاء المصري فيحمل المسؤولية فقط لطالب تنفيذ الحكم المشمول بالنفاذ المعجل، من ذلك ما قضت به محكمة النقض المصرية، حيث جاء في قرارها: “وحيث إن هذا النعي مردود ذلك أن تنفيذ الأحكام الجائز تنفيذها مؤقتا يكون – وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض – على مسؤولية طالب التنفيذ وحده، إذ يعد إجراء التنفيذ مجرد رخصة للمحكوم له إن شاء انتفع بها، وإن شاء تربص حتى يحوز الحكم قوة الشيء المحكوم فيه، فإذا لم يتريث المحكوم له وأقدم على تنفيذ الحكم وهو يعلم أنه معرض للإلغاء عند الطعن فيه فإنه يكون قد قام بالتنفيذ على مسؤوليته بغير تبصر فيتحمل مخاطره إذا ما الغي الحكم”.
أما الأحكام النهائية فقد أقر بشأنها أن: “مسؤولية تنفيذ الأحكام النهائية يخضع للقواعد العامة التي تشترط ثبوت الخطأ المستقل عن استعمال الحق في التنفيذ.
بينما ذهب رأي آخر إلى أن المحكوم له بحكم مشمول بالنفاذ المعجل لا يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يلحق بالمحكوم عليه إذا كان حسن النية، وأساس هذا الرأي الراجح أن المحكوم له بالنفاذ المعجل إنما يستعمل حقا خوله إياه القانون ومن استعمل حقه لا يسأل إلا إذا أساء هذا الاستعمال أو كان سيئ النية، فالمحكوم له يجري النفاذ المؤقت بمقتضى حق لا رخصة، وذلك لأن الرخصة وفقا لأسلم المعايير في التفرقة بينها وبين الحق هي مكنة يعترف بها القانون لجميع الأشخاص، ومن تم لا يعتبر إجراء النفاذ المؤقت من قبيل الرخص التي منحها القانون للجميع كالمرور في الطريق العام مثلا، وإنما هو حق بالمعنى الخاص للكلمة، فمن صدر له حكم مشمول بالنفاذ يعتبر صاحب حق ظاهر يحميه المشرع ويمنحه رعاية خاصة فيبيح اقتضاء هذا الحق قبل أن يستقر الحكم نهائيا، ويجب أن يكون شأنه شأن أي صاحب حق ظاهر يحميه القانون لا يسأل إذا باشر هذا الحق، فمثلا الخصم الذي يطالب بتعيين حارس قضائي على عين متنازع على ملكيتها ويحكم له بذلك لا يسأل بالتعويض إذا حكم عليه في دعوى الملكية بحجة أنه سار في إجراءات تبت أنه لم يكن على حق في إجرائها.
كما أنه إذا كان القانون لا يعتبر فشل أي خصم في الالتجاء إلى القضاء دليلا على خطئه موجبا لمسؤوليته، وإنما هو يسأل إذا كان سيئ النية، فمن باب أولى ذلك الشخص الذي يقوم بإجراء معين معتمدا على حق ظاهر منحه إياه حكم لم يستقر بعد، لا يكون مسؤولا إذا فشل في النهاية لأنه أولى بالرعاية من الأول الذي لم يستند إلى حق ظاهر أو إلى حكم غير مستقر يحتمل إلغاؤه.
كما أنه ليس صحيحا القول بأن حق المحكوم له في إجراء التنفيذ يزول بإلغاء الحكم فيصير التنفيذ الذي تم غير مستند إلى أساس من الحق، والدليل على عدم صحته أن من مقتضى هذا القول أيضا أن يسأل المحكوم له بحكم نهائي حائز لقوة الشيء المحكوم فيه إذا نفذه ثم ألغي بعد ذلك نتيجة للطعن فيه بطريق طعن غير عادي لأن التنفيذ يصبح بعد إلغاء الحكم غير مستند إلى أساس من الحق، مع أنه من المسلم به أن المحكوم له بحكم حائز لقوة الشيء المحكوم فيه لا يسأل عن تنفيذه إذا ما ألغى الحكم بعد الطعن فيه بطريق غير عادي إلا إذا كان سيئ النية.
فلا محل للتفرقة بين تنفيذ الحكم تنفيذا معجلا وبين تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه إذا ما ألغي كل منهما بعد الطعن فيه بطريق الطعن المناسب، وإذا كان تنفيذ الحكم تنفيذا معجلا لا يخلو من عدم التبصر لعلم المحكوم له أن الحكم قد يلغى بعد الطعن فيه بالتعرض أو الاستئناف كما يدعي أنصار الرأي الأول، فإن تنفيذ الحكم الحائز لقوة الشيء المحكوم فيه القابل للطعن فيه بطرق الطعن غير العادية لا يخلو كذلك من عدم التبصر فقد يلغى الحكم بعد الطعن فيه بطرق الطعن غير العادية، كما أن القول بأن المحكوم له كان عليه ليتفادى مسؤوليته أن يتريث حتى يصبح حائزا لقوة الشيء المحكوم فيه، يؤدي إلى إهدار الحق المحكوم له وإلى عدم الإفادة من المنفعة التي قصدها المشرع من تقرير حالات النفاذ المعجل.
والاجتهاد القضائي المغربي يسير في هذا الاتجاه، إذ يشترط لتقرير المسؤولية عن التنفيذ توفر عنصر أساسي هو سوء النية لدى مستعملي الحق، ويمكننا الوقوق على هذا الاتجاه من خلال قرارين ذكرهما الدكتور محمد السماحي في أطروحته، وهما وإن كانا لا يتعلقان بصفة مباشرة بالتنفيذ المعجل، فهما يدخلان في إطار استعمال حق التقاضي.
وهكذا جاء في قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 20/12/1960: “نظرا للفصلين 77 و78 من ق.
ل.
ع.
حيث إن الدفاع لدى العدالة يعتبر ممارسة لحق ولا يتحول إلى تعسف إلا إذا وقع اللجوء إليه بقصد الإضرار ومع سوء النية أو الكيد.
وحيث إنه لكي يحكم على فيليب بأداء تعويض مدني لفائدة ميران نتيجة المسطرة التعسفية، فإن القرار يكتفي بملاحظة أن مقاومة فيليب لم يكن لها ما يبررها، وأنه بذلك قد خرق الفصل المشار إليه”.
وجاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط بخصوص الحجز التعسفي: “حين يكون الحجز التحفظي وكأنه عمل تهديدي أكثر منه تدبير للضمان، فإنه يكون ذا طابع تعسفي، ويمكن منح المحجوز عليه تعويضا عن الضرر الحاصل له من الحجز، لكن حين لا يتأتى تقدير مبلغ هذا الضرر يكون الحكم على الحاجز بالمصاريف تعويضا كافيا”.
وفي هذا السياق يقول الأستاذ العربي المجبود: “يتحمل الدائن مسؤولية الحجز لدى الغير، الواقع بإذن من القاضي إذا أغوى هذا الأخير أو وقع في الخطأ.
يكون الحجز لدى الغير كيديا إذا أجري بقصد الإضرار، ويكون تعسفيا إذا أجري بعدم التبصر أو بتسرع على مبلغ يربو بكثير على الدين الفعلي، ففي هاتين الحالتين يجوز الحكم على طالب الحجز بتعويض الضرر الذي تحمله المدين بدون مبرر”.