قرار التحكيم التجاري الدولي

مجموعة مواضيع تهتم بالقانون الرقمي و الدولي للتحضير لليحوث والمقالات القانونية

قرار التحكيم التجاري الدولي

مقدمة :

لطالما ظل التحكيم يحتل مكانة مهمة كوسيلة لفض النزاعات يلجأ إليها الأطراف لحل نزاعاتهم عوض اللجوء الى القضاء لما يتميز به هذا النظام من فعالية و ناجعة في حل النزاعات دون تعقيد في المساطر، مع سرعة البت و السرية و تفادي الخصومة بعد ذلك ، و مع ظهور التكنولوجيا و تطور مجال التجارة و تزايد نطاق المعاملات الدولية .الشيء الذي فرض على المغرب مواكبة هذه التطورات و التوجه نحو التوقيع على عدة اتفاقيات دولية و كذلك تحيين ترسانته القانونية و ذلك من اجل ملائمتها للتطور الدولي .

  و كما سبق الذكر في العروض السابقة فان نظام التحكيم يستند في الأساس على سلطان الإرادة و المتمثل في الحرية المخولة للأطراف من اجل اللجوء إلى التحكيم و اختيار الهيئة التحكيمية ، ثم اختيار القانون الواجب التطبيق ، و تنظيم سير الإجراءات ، و تحديد لغة ومكان و اجل التحكيم ، و بالتالي فان مراحل عملية التحكيم تتم وفقا لإرادة الأطراف مع مراعاة مقتضيات  النظام العام و مبادئ العدالة ، ليتأتى لنا في الأخير الوصول إلى الهدف المتوخى من التحكيم و المتمثل في الحصول على حكم تحكيمي حاسم للنزاع نهائي .

 فكما سبق الذكر فان الحكم التحكيمي من جهة فهو يقوم على مبدأ سلطان الإرادة كما انه يحل محل الحكم القضائي، الأمر الذي ينتج عنه تضارب في ماهية طبيعة الحكم التحكيمي ، فسلك الفقه 3 اتجاهات حول طبيعة القرار التحكيمي ، فمنهم من ذهب إلى كونه ذو طبيعة اتفاقية {أغلب الفقه الايطالي}، و يستندون في ذلك كون اللجوء الى التحكيم مصدره أساسا العقد و بالتالي فالمقرر التحكيمي يستمد حجيته من اتفاق التحكيم . آما الاتجاه الثاني فيذهبون نحو اصباغ المقرر التحكيمي بالطابع القضائي و يعتمدون في ذلك على تغليب المعايير الموضوعية و المتمثلة في مهمة المحكم الفصل في النزاع ، و ذلك من خلال اعتبار التحكيم قضاء من نوع خاص ، فالمحكم يحسم النزاع ويطبق القانون و مقرراته تحوز حجية الأمر المقضي به و إلزامية تنفيذه بعد تذييله بالصيغة التنفيذية . أما بخصوص الاتجاه الأخير فهو ذو طبيعة مختلطة و هو رأي وسطي أو توافقي حيث يعتبرون التحكيم هو عبارة عن عملية تتم بموجب الاتفاق و تليه إجراءات و بعد ذلك يتكلل بإصدار حكم تحكيمي الذي عند تنفيذه من طرف القضاء يصبح ذات طابع قضائي .

و من خلال هذا التقديم يتضح لنا الإشكال التالي :

هل يتطلب في القرار التحكمي نفس الشروط المتعلقة بالقرار القضائي العادي؟ وما هي القواعد والاتفاقيات المنظمة للقرار التحكيمي والنظم المتعلقة  بتنفيذه، وكيف يتم الطعن في هذه المقررات ؟ 

  وللإجابة على هذه التساؤلات، سوف نعتمد على التصميم التالي:

  • المبحث الأول : الشروط المتعلقة بإصدار قرار التحكيم ونظام تنفيذه.

  • المبحث الثاني : الرقابة القضائية على قرار التحكيم.

المبحث الأول : الشروط المتعلقة بإصدار قرار التحكيم ونظام تنفيذه

المطلب الأول : بيانات قرار التحكيم

الحكم الصادر في التحكيم شأنه شأن الأحكام القضائية العادية والتي يجب أن تتوفر فيها بعض البيانات الشكلية والموضوعية.

أولا: البيانات الشكلية

أ): أسماء الخصوم والمحكمين

يتعين أن يشمل الحكم البيانات المتعلقة بالخصوم والمحكمين، كالأسماء والصفات والعناوين والجنسيات، وحسب الفصل 24-327 من قانون المسطرة المدنية " يجب أن يتضمن الحكم ألتحكيمي بيان ما يلي:

  1. أسماء المحكمين الذين أصدروه وجنسياتهم وصفاتهم وعناوينهم،

  2. ................،

  3. ................،

  4. الأسماء العائلية والشخصية للأطراف أو عنوانهم التجاري وكذا موطنهم أو مقرهم الاجتماعي. وإن اقتضى الحال، أسماء المحامين أو أي شخص مثل الأطراف أو أي شخص مثل الأطراف أو مآزرهم.

 ب): تاريخ ومكان إصدار الحكم

  لابد أن يشمل حكم التحكيم بيان تاريخ ومكان إصدار الحكم، وتاريخ إصدار الحكم أمر مهم للتأكد من صدوره قبل انتهاء مهلة التحكيم لأنه بانتهاء هذه المهلة تفقد هيئة التحكيم سلطتها في الفصل النزاع وبصدور الحكم تنتهي إجراءات التحكيم[1] .

  وهذا ما نص عليه قانون اليونيسترال في المادة 31، حيث أكد أنه يجب أن يبين في قرار التحكيم تاريخ صدوره ومكان التحكيم. وقد يختلف المحكمون في تاريخ التوقيع على الحكم عند تعددهم ولا عبرة بهذا الاختلاف إذا ثم توقيع الأغلبية في الميعاد المحدد اتفاقا أو قانونا لإصدار الحكم[2] ، وتحديد مكان إصدار الحكم يفيد في معرفة المعاملة التي سيعامل بها الحكم بعد صدوره حيث أن قواعد تنفيذ الحكم تتوقف على الدولة التي صدر فيها الحكم.

ج): صورة من اتفاق الحكم

يجب أن يشمل الحكم من اتفاق التحكيم، حيث أن ولاية هيئة التحكيم تتحدد وفقا لهذا الاتفاق ولا يجوز أن تتجاوزه وشمول الحكم لإنفاق التحكيم يسهل الأمر أمام القاضي المختص بالتنفيذ وكذلك القاضي المختص بنظر دعوى بطلان الحكم.

ونصت المادة 4 من معاهدة نيويورك، على هذا البيان الشكلي، حيث أكد على آن طالب الاعتراف والتنفيذ يجب أن يقدم مع الطلب أصل الاتفاق المنصوص عليه أو صورة تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند.

كما أن المسرع المغربي نص في الفصل 327.47 من قانون المسطرة المدنية المغربي، " يتبث وجود الحكم ألتحكيمي بالإدلاء بأصله مرفقا باتفاق التحكيم أو نسخة من هاتين".

ثانيا: البيانات الموضوعية

أ): الكتابة:

أغلب التشريعات ، أوجبت أن يكون حكم المحكمة كتابة، وأن يوقعه المحكم أو المحكمون، ونص المشرع المغربي في المادة 327.23 من قانون المسطرة المدنية، وفي فقرته الأولى، على أن يصدر الحكم ألتحكيمي كتابة، كما نص على ذلك قانون اليونيسترال في المادة 31، وكذلك المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في المادة 48.

ب): اللغة:

نصت معاهدة نيويورك في المادة 4، يجب على طالب الاعتراف والتنفيذ، إذا كان الحكم، أو الاتفاق غير محرر بلغة البلد الرسمية المطلوب إليها التنفيذ، أن يقدم ترجمة لهذه الأوراق بهذه اللغة، ويجب أن يشهد على الترجمة مترجم رسمي أو محلف.

كما أن المشرع المغربي، أوجب هذه الترجمة، في الفقرة الثانية من قانون المسطرة المدنية. إذا كانت الوثيقتان المذكورتان أي "أصل الحكم واتفاق التحكيم"، غير محررتين باللغة العربية، وجب الإدلاء بترجمة لهما مشهودا بصحتهما من لدن مترجم مقبول لدى المحاكم.

ج): منطوق الحكم:

يجب أن يشمل حكم التحكيم النتيجة النهائية التي توصلت إليها هيئة التحكيم حسما للنزاع وهو ما يطلق عليه منطوق الحكم، ويجب أن يكون المنطوق مرتبطا بموضوع النزاع ولا يخرج عنه حتى لا يكون معرضا للبطلان.

د): طلبات الخصوم:

اوجب القانون من خلال الفصل 327.23 من قانون المسطرة المدنية، أن يشمل الحكم على ملخص لطلبات الخصوم وأقوالهم وما قدموه من مستندات ولا يكفي أن يحيل الحكم إلى الأقوال والطلبات التي ذكرها الخصوم في اتفاق التحكيم.

ه): ذكر أسباب الحكم:

يجب أن يشمل الحكم على الأسباب التي ينهض عليها الحكم، والقاعدة هي وجوب أن يكون الحكم مسببا، إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، أو إذا كان القانون الذي يسري على إجراءات التحكيم لا يوجب السبب.

المطلب الثاني : القواعد المتعلقة بتنفيذ قرار التحكيم

إن المقرر التحكيمي لا يكتسب قوته إلا إذا تم الاعتراف به وتنفيذه من طرف محاكم الموضوع، وذلك وفق قواعد محددة سواء بموجب الاتفاقيات والمعاهدات (أولا)، أو بموجب القانون الداخلي المنظم له وهو قانون المسطرة المدنية المغربي ( ثانيا).

أولا: تنفيذ القرار بموجب الاتفاقيات والمعاهدات

إن الاعتراف بالمقررات التحكيمية الأجنبية كانت وما زالت محط أنظار العديد الدول خاصة تلك التي تعرف انتعاشا من ناحية الاستثمار وتشجيعه، ونظرا لإختلاف النظم القانونية الداخلية خاصة في مجال التحكيم عمدت مختلف هذه الدول إلى وضع قوانين دولية موحدة وهي الاتفاقيات الجماعية (الفقرة الأولى)، وكذا اتفاقيات ثنائية بين دولتين مختلفتين قصد تشجيع الاستثمار (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى : تنفيذ القرارات التحكيمية بموجب الاتفاقيات الدولية الجماعيــــة

جرت محاولات عديدة وحثيثة بهدف توحيد القواعد الخاصة بالاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية حيث تم عقد العديد من الاتفاقيات الدولية أهمها اتفاقية نيويورك لسنه 1958، واتفاقية واشنطن لعام 1965، فجميع هذه الاتفاقيات تركت إجراء تنفيذ القرار التحكيمي إلى القواعد القانونية للبلد المراد تنفيذ الحكم فيه، بالإضافة إلى حصر رقابة المحكمة أو الجهة المختصة بإضفاء الصفة التنفيذية للقرار على مراجعة القرارات لمعرفة استيفائها للشروط الشكلية وإتباع القواعد الإجرائية بشكل صحيح.

  • اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية

تتكون هذه الاتفاقية من ست عشرة مادة تقتصر على معالجة مسألة الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في إقليم الدولة المنضمة إليها، وأهم ملامح هذه الاتفاقية أنها تأخذ بمعيار مكان إصدار الحكم لمعرفة الحكم الأجنبي بالنسبة للدولة المراد الاعتراف وتنفيذ الحكم فيها، عملا بالفقرة الأولى من المادة الأولى من الاتفاقية، وكذلك لا تشترط الاتفاقية لتطبيقها أن يكون حكم التحكيم قد صدر في دولة غير منضمة إلى الاتفاقية ولكن يراد الاعتراف تنفيذ الحكم المذكور في دولة أخرى صادقت على الاتفاقية، وتسري الاتفاقية أيضا على أحكام التحكيم التي يكون فيها أطراف النزاع كلا أو بعضا من أشخاص القانون العام كالمؤسسات أو أشخاص القطاع الاشتراكي عند ممارستها للنشاط التجاري أو عند تعاقدها بموجب عقود تتعلق بمعاملات تجارية.

تعد اتفاقية نيويورك[3] من أهم الاتفاقيات الدولية التي عنيت بتنفيذ أحكام التحكيم الدولية سواء من ناحية عدد الدول المنضمة إليها، أو من ناحية نطاق تطبيق قواعدها الذي يستهدف تحقيق الطابع العالمي لها وإرساء مجموعة من الحلول التي تتفق والغاية من التحكيم وحاجة العالم المعاصر، كما أن هذه الاتفاقية تعتبر محور القانون الدولي الاتفاقي في مجال تنفيذ أحكام التحكيم، ولا تزال لها فوائدها على الرغم من وجود اتفاقيات دولية أخرى إقليمية تعني بنفس الموضوع، حيث تنص المادة الخامسة من معاهدة نيويورك على أنه " لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليه الاعتراف والتنفيذ الدليل على :

أ- أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية كانوا طبًقا للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية أو أن الاتفاق المذكور غير صحيح وفقًا للقانون الذي أخضعه له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقًا لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم .

ب- أن الخصم المطلوب تنفيذ الحكم عليه لم يعلن إعلانا صحيحًا بتعيين المحكم أو بإجراءات التحكيم أو كان من المستحيل عليه لسبب أو لآخر يقدم دفاعه.

ج- أن الحكم فصل في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم أو تجاوز حدودهما فيما قضى به، ومع ذلك يجوز الاعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلاً للتسوية بطريق التحكيم إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم غير المتفق على حلها بهذا.

د- إن تشكيل هيئة التحكيم أو إجراءات التحكيم مخالف لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم في حالة عدم الاتفاق .

و- أن الحكم لم يصبح ملزما للخصوم أو ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في البلد التي فيها أو بموجب قانونها صدر الحكم ".

  • اتفاقية واشنطن لتسوية المنازعات المتعلقة بالاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الأخرى لعام 1965.

بالنظر إلى أحكام هذه الاتفاقية يتلاحظ أن أحكامها لا تطبق على أطراف النزاع إلا بمحض إرادة هذه الأطراف، ويكون اللجوء إلى حسم النزاع وفقا للاتفاقية بطلب كتابي لم تحدد الاتفاقية صياغة محددة له ثم يمكن للدول أآن تضع في قوانينها الخاصة بالاستثمارات نصا يقضي بفض المنازعات الناشئة عن هذه الاستثمارات بنظام التحكيم، ووفقا لأحكام اتفاقية واشنطن كذلك للدول أن تضع نصا لهذا المعنى في الاتفاقيات والمعاهدات الخاصة بالاستثمار

وقد أخذت الاتفاقية بمبدأ سلطان الإرادة أو بعبارة أخرى حرية الأطراف في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع وعلى الإجراءات، وفي حالة اختلاف الأطراف تتةلى المحكمة تطبيق قانون الدولة المتعاقدة التي هي طرف في النزاع بما في ذلك القواعد الخاصة بتنازع القوانين كما تطبق المحكمة أيضا مبادئ القانون الدولي التي تتعلق بموضوع النزاع.

وقد أقرت الاتفاقية في أحكامها أن حكم التحكيم يكون ملزما للأطراف وغير قابل للطعن إلا في الحالات المنصوص عليها في اتفاقية.. كما تعترف كل دولة بأن جميع الأحكام الصادرة وفق الاتفاقية ملزمة وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية على إقليمها..

الفقرة الثانية : تنفيذ القرارات التحكيمية بموجب الاتفاقيات الثنائية

من أجل تسهيل عملية تنفيذ الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم وإعمالا لمبدأ التعاون بين الدول تعمل الدولة على إبرام اتفاقية مع دوله أخرى بهدف تنفيذ القرارات التحكيمية وغالبا ما تكون هذه الأحكام الخاصة ضمن اتفاقيات التعاون القضائي كما، تركت الاتفاقيات الدولية المسائل الإجرائية لتنفيذ القرار التحكيمي إلى قانون الدولة المراد تنفيذ القرار فيها، وقد عينت بعض الاتفاقيات المحكمة المختصة التي يتطلب إليها الأمر بتنفيذ قرار التحكيم، بالإضافة إلا أن بعض الاتفاقيات ذكرت الوثائق والمستندات التي يجب أن ترفق مع الطلب المقدم من الطرف الذي يطلب تنفيذ القرار من الجهة المختصة في الدولة المراد التنفيذ فيها.

والمغرب قد أبرم العديد من الاتفاقيات في هذا المجال سواء مع دول عربية ( كتونس، والجزائر، ومصر...) أو دول غربية (كفرنسا – المادة 8 - ، وإيطاليا – المادة 9 - ، وإسبانيا – المادة 11 و 12 - ، و...)

ثانيا: تنفيذ القرار بموجب قانون المسطرة المدنية المغربي

إن السؤال الذي يثور هنا : من هي السلطة القضائية المخول لها منح الصيغة التنفيذية لقرار التحكيم الدولي ؟

يشترط في كثير من القوانين المقارنة إعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي لسلطة عامة، وغالبا ما تكون هذه السلطة هي السلطة القضائية.

 والمشرع المغربي أعتبر السلطة القضائية المخول لها ذلك ممثلة في رئيس المحكمة التجارية التي صدرت في دائرتها، أو رئيس المحكمة التجارية التابع لها مكان التنفيذ إذا كان مقر التحكيم بالخارج. ( الفقرة 2 من المادة 327- 46 من قانون المسطرة المدنية)

 

المبحث الثاني : الرقابة القضائية على قرار التحكيم

  المطلب الأول : تعدد النظم المتعلقة  بتنفيذ قرار التحكيم

لكي تكون لأي حكم قيمته وجدواه، لابد من ايجاد السبل لتنفيذه حتى يحقق الآثار المترتبة عنه(الفقرة الأولى)، لكن تنفيذ الحكم التحكيمي لا يتم إلا بعد تخويله الصيغة التنفيذية من قبل الجهات القضائية المختصة(الفقرة الثانية)

أولا: الاثار المترتبة على قرار التحكيم( تنفيذ القرارات التحكمية)

  بعد عرض النزاع على التحكيم ودراسته ومناقشته، يصدر المحكم أو المحكمين، الحكم في الموضوع، ويجب أن يكون الحكم مكتوبا ويتضمن أسماء المحكمين وصفاتهم، والأطراف أو ممثليهم ومحاميهم، وتاريخ الحكم ورقمه، والوقائع والتعليل والقواعد المطبقة إذا لم يعارض الأطراف في ذلك، ومنطوق الحكم ومحل إصداره، مع توقيع المحكم أو المحكمين ويمكن للمحكمين عرض حكمهم على الأطراف للحصول على موافقتهما التي تثبت في محضر يوقعانه يكون بمثابة عقد بينهما.

هكذا إذا رضي الأطراف بالحكم الصادر عن المحكم أو المحكمين، فإنهما ينفذانه تلقائيا وطواعية، أما إذا لم يقبل أحدهما بهذا الحكم، فإنه لا يمكن اللجوء إلى طرق التنفيذ الجبري إلا بعد منح الأحكام التحكمية الصيغة التنفيذية من لدن الجهة القضائية المختصة، وهنا ينبغي التمييز بين القرارات التحكمية الوطنية والقرارات التحكمية الأجنبية.

ثانيا:الجهات القضائية المختصة بالرقابة غلى قرار التحكيم

إن منح الصيغة التنفيذية للحكم التحكيمي يختلف بين القرارات التحكيمية الوطنية  (أولا) وبين القرارات التحكيمية الأجنبية (ثانيا).

الفقرة الأولى: بالنسبة للقرارات التحكمية الوطنية.

يصير الحكم التحكيمي الصادر بالمغرب، قابلا للتنفيذ بأمر من رئيس المحكمة التي صدر في دائرة نفوذها أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف عند استئنافه من أحد الأطراف (الفصل 320 من ق.م.م)، وذلك عن طريق تذيييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية.

ويقوم بمنح الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين في المادة التجارية، وفي حدود اختصاص المحاكم التجارية رئيس المحكمة التجارية، طبقا للمادة 20 من قانون إحداث المحاكم التجارية، والتي جاء فيها: "يمارس رئيس المحكمة التجارية الاختصاصات المسندة إلى رئيس المحكمة الابتدائية بموجب قانون المسطرة المدنية وكذا الاختصاصات المخولة له في المادة التجارية"

ويقدم طلب تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية، وفق نفس شروط تقديم المقالات أو الطلبات إلى المحكمة، سواء من حيث البيانات التي يجب أن يتضمنها، وكذلك أداء الرسوم القضائية الواجبة. ويشترط أن يتم تقديم هذا الطلب بواسطة محامي ويتعين إرفاق هذا الطلب بأصل الحكم التحكيمي – الموقع عليه من طرف المحكم أو المحكمين –ولا يصدر الرئيس أمره بالتنفيذ إلا بعد الإطلاع على وثيقة التحكيم "للتأكد من أن الحكم التحكيمي غير معيب ببطلان يتعلق بالنظام العام وخاصة بخرق مقتضيات الفصل 306"ّ.

وبالرغم من تطبيق القواعد المتعلقة بالنفاذ المعجل على أحكام المحكمين، فإن آثارها- ولو أمر بتنفيذها أو ذيلت بالصيغة التنفيذية- لاتسري بالنسبة للغير الذي يمكن له أن يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة وفق المسطرة والشروط المحددة في الفصول 303 إلى 305 من قانون المسطرة المدنية.

وإذا كانت القرارات التحكيمية لا يمكن أن تكون محلا للطعن فيها بالتعرض أو الاستئناف أو النقض (الفصل 319 من ق.م.م) فإنه من الممكن أن تكون موضوع طلب إعادة النظر أمام المحكمة التي قد تكون مختصة في القضية لو لم يتم فيها التحكيم.

وللتوفيق بين ضمان حقوق الدفاع، المتمثلة في تعدد درجات التقاضي، وبين اعتبارات السرعة في فض النزاعات التجارية، جعل المشرع المغربي خضوع الأمر الصادر عن رئيس المحكمة التجارية، بإعطاء الصيغة التنفيذية لحكم المحكمين، للاستئناف متوقفا على إرادة الأطراف الذين أجازت لهم الفقرة الثانية من المادة 322 من ق.م.م إمكانية التخلي مقدما عن هذا الاستئناف عند تعيين المحكمين أو بعد تعيينهم وقبل صدور حكمهم.

الفقرة الثانية: بالنسبة للقرارات التحكيمية الأجنبية.

تثير القرارات التحكيمية الأجنبية نوعا من الصعوبات من الناحية القانونية، بالنظر إلى أن الدولة في العالم لها سيادتها، فلم يعد من الجائز تنفيذ أحكام المحكمة الأجنبية، إلا بعد إعطائها قوة تنفيذية من قبل القضاء الوطني، وهذا ما يسمى التذييل بالصيغة التنفيذية أسوة بالاحكام القضائية عندما يراد تنفيذها داخل المغرب.

والواقع أن إعطاء الصيغة التنفيذية للأحكام التحكيمية، يتم من قبل القاضي المغربي بناء على المعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، كما هـو الحال مثلا بالنسبة للقرارات التحكيمية الأجنبية الخاضعة لاتفاقية نيويورك المبرمة فـي 10/06/1958 بشأن الاعتراف بالمقررات التحكيمية الأجنبية وتنفيذها والتي صادق عليها المغرب بمقتضى الظهير الشريف 266 – 1 – 59 بتاريخ 19 يناير 1960، ثم اتفاقية لاهاي المؤرخة في فاتح مارس 1954 المتعلقة بالمسطرة المدنية والتـي ثم الانخراط فيها بمقتضى ظهير 30/09/1969، بالإضافة إلى اتفاقيـة واشنطـن (B.I.R.D) لتسوية المنازعات الاستثمارية بين الدول ومواطني الدول الأخرى، المؤرخة في 18/03/1965 والتي صادق عليها المغرب، وأصبح دولة متعاقدة فيها بتاريخ 10/06/1967 (المرسوم عدد 564 – 65).

وهناك الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع بعض الدول، كالاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية الموقعة بعمان بتاريخ 29/11/1980، والتي انضم إليها المغرب في 07/09/1981، ثم اتفاقية تسيير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية الموقعة في تونس بتاريخ 27/02/1981، والتي صادق عليها المغرب في 16/12/1983، وكذلك اتفاقية عمان للتحكيم التجاري الموقعة في الأردن بتاريـخ 04/04/1987.

هذا وإن إضفاء الصيغة التنفيذية على القرارات التحكيمية الأجنبية، يتم بناء على الفصل 19 من ظهير 12/08/1913 المتعلق بالوضعية المدنية للفرنسيين والأجانب، الذي يجيز تنفيذ أحكام المحكمين الأجانب والأحكام الأجنبية بناء على شرط المعاملة بالمثل، إلا أن قانون المسطرة المدنية – الحالي – نجده لم يتعرض لهذا الشرط، فهل يعني هذا السكوت أن القضاء المغربي لا يأذن بتنفيذ القرار التحكيمي الصادر في الخارج إلا إذا كان قانون تلك الدولة يقبل بدوره تنفيذ القرارالتحكيمي الصادر في المغرب بنفس الشروط وفي نفس الحدود؟ أم أنه رغم سكوت المشرع فإن القضاء يأخذ بشرط المعاملة بالمثل؟. يبدو أن المشرع المغربي، ومن ورائه القضاء، يستبعدان هذا الشرط.

ويلاحظ من استقراء الاتفاقيات المذكورة أعلاه، أنها تستلزم نفس الشروط التي تشترطها لتنفيذ الأحكام القضائية، بالإضافة إلى شروط خاصة بالتحكيم.

ولعل الفائدة التي حققتها اتفاقية نيويورك هي مواكبتها لمتطلبات التنفيذ، ورفعها لعبء إثبات شديد عن كاهل طالب التنفيذ، كان كثيرا ما يقف عقبة أمامه، فالمادة الرابعة من الاتفاقية لا تتطلب ممن يرغب في تنفيذ قرار تحكيمي أجنبي مما تنطبق عليه الاتفاقية سوى أن يتقدم بطلبه هذا إلى الجهة المختصة في البلد المطلوب فيه التنفيذ، مشفوعا بوثيقتين.

  1. الأصل الرسمي لقرار التحكيم أو صورة منه مستجمعة للشروط المتطلبة لها كصورة رسمية.

  2. أصل اتفاق التحكيم أو صورة منه مستجمعة للشروط المتطلبة له.

وإذا كانت هذه الوثائق محررة بغير لغة البلد المطلوب فيه التنفيذ، فعلى طالب التنفيذ تقديم ترجمة لها، على أن تكون ترجمة رسمية.

وعند عرض القرار التحكيمي على القضاء المغربي، فإنه لا يملك النظر في موضوع النزاع، إذ لاحق له في مراجعة القرار، وإن كان ملزما بالتأكد من أن هذه القرارات غير مشوبة بالبطلان المتعلق بالنظام العام (النظام العام الدولي المغربي)، بحيث يكون صادرا في مسألة يجوز فيها التحكيم (الفصلين 306) (الفصل 5 من اتفاقية نيويورك والمادة 6 من الاتفاقية الأوروبية…) ومستندا على شرط تحكيم صحيح أو سند تحكيمي صحيح.

المطلب الثاني : طرق الطعن المتعلقة بتنفيذ قرار التحكيم

التحكيم كما هو معروف نظام ذو طبيعة مزدوجة إذ انه اتفاقي في مصدره فهو يستمد سلطته من اتفاق الأطراف، وهو قضائي في وظيفته، فرغم أن المحكم ليس بقاضي إلا أنه يقوم بالمهام المنوطة بالقاضي، ألا وهي البث في المنازعات وإصدار أحكام فيها.

وتكييف بعض القرارات الصادرة من المحكم بأنها أحكام يعني قابلية هذه الأحكام بالطعن فيها بطرق الطعن القانونية شأنها في ذلك شأن الأحكام الصادرة عن محاكم الدولة، وعلى الرغم من حتمية خضوع أحكام التحكيم لرقابة القضاء فإن الطبيعة الخاصة للعدالة التي يقوم عليها المحكم والتي تقوم على إرادة الأطراف، تضفي على أوجه الرجوع بطرق الطعن ذاتية مستمدة من الهدف ومن كيفية تنظيمها من الناحية الفنية، فناك طرق للطعن لا يمكن إعمالها في حكم التحكيم بسبب ذاتية عدالة التحكيم، فهي عدالة صادرة عن قضاء لا يندرج ضمن أي نظام قضائي دائم. ومن الملاحظ أن هناك اتفاق بين القوانين الوضعية في المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه فكرة الرجوع على أحكام التحكيم، صحيح أن بعض الأنظمة تقرر إلى جانب هذه الوسيلة الموجهة إلى حكم التحكيم طرقا أخرى للطعن سواء كان التحكيم داخليا أو دوليا، فإن هذه الطرق ليس هناك اتفاق عليها في الأنظمة القانونية  المختلفة عكس البطلان الذي يعرف اتفاقا حوله[4] .

أولا : الطعن بالبطلان في قرار التحكيم

لقبول البطلان في الحكم التحكيمي في القانون المغربي يشترط "

  • أن يكون الحكم التحكيمي قد صدر فعلا

  •  أن يقدم الطلب داخل أجل 15 يوما من تاريخ تبليع الحكم التحكيمي

  • أيكون هذا الحكم مذيل بالصيغة التنفيذية

وتتحدد حالات قبول الطعن في :

  • صدور الحكم في غياب اتفاق التحكيم أو بعد فوات الأوان

  •  تعيين المحكم بصفة غير قانونية

  •  خروج الهيئة عن الإطار المحدد لها

  • عدم احترام حقوق الدفاع

  • صدور حكم مخالف للنظام العام

ويمكن للطعن بالاستئناف أن يأتي قبل الطعن بالبطلان أو مساوي له في التقديم، أي أن رئيس المحكمة عند تذييله للخكم بالصيغة التنفيذية يمكن للطرف الطعن بالاستئناف عوض الطعن بالبطلان، ويمكن هذا النوع من الطعن عندما يكون الحكم التحكيمي صحيحا لا يستشف منه حالات البطلان.

ثانيا : طرق الطعن الموجهة ضد القرار القضائي المتعلق بقرار تنفيذ التحكيم

تتضمن المسطرة فيما يتعلق بالتحكيم الطعون التالية :

رغم أن الفصل 319 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن حكم التحكيم لا يقبل أي طعن إلا أن الاستثناء واسع فيما يخص هذا المبدأ لإمكانية الطعن في قرار الرئيس بالاستئناف و لا يفرق فيه بين الأمر المانح أو الأمر الرافض وهو ما تمت تفرقته في قانون التحكيم الجديد. يمكن للحكم التحكيمي أن يعرف إعادة النظر وتعرض الغير الخارج عن الخصومة وأخيرا النقض لكن لا نجد المشرع المغربي ولا التشريعات الأخرى إلا استثناءا لأن المشرع أورد نصا صريحا "لا يقبل حكم التحكيم لأي طعن " المادة 34-327 مع مراعاة الفصلين 35-327 و36- 327 إضافة إلى الفصل 52-327 الذي يرفض الطعن بالصيغة التنفيذية ويبقى التشريع المصري  والتونسي من الأنظمة التي وسعت من نطاق البطلان في حين ضيق من من هذا النطاق كل من القانون البلجيكي والقانون السويسري[5]

وذهب التشريع الفلسطيني إلى عدم الأخذ بنظام البطلان في الحكم التحكيمي بل يأخذ بالفسخ[6]

  • بالنسبة للطعن بالاستئناف يتمثل في إخضاع التحكيم لنفس طرق طعن الأحكام القضائية، ويجوز الطعن بالاستئناف في القرار الصادر بالاعتراف بحكم التحكيم الصادر بالخارج وهو الاتجاه الذي سار عليه القانون القطري والقانون البحريني. والطعن بالاستئناف غير جائز في أربع حالات، حالة تفويض الصلح وحالة فصلهم في نزاغ معروض على محكمة الاستئناف وحالة تنازل الأطراف عن الحق في  الاستئناف لكن المشرع المصري بعد إصداره لقانون التحكيم الجديد لم يعد يجيز الاستئناف

  • الطعن بالتعرض هو من طرق الطعن غير العادية في الأحكام الصادرة عن الدولة، ويحتفظ بنفس الخاصية بالنسبة لحكم المحكمين وقد أخذ به سابقا التشريع الفرنسي والمصري

 


[1]  : خالد محمد القاضي: موسوعة التحكيم التجاري الدولي، في منازعات المشروعات الدولية، المشتركة مع إشارة خاصة لأحداث أحكام القضاء المصري، ط 1، 2002، ص 241.

[2] : أحمد أبو الوفا: التحكيم في القوانين العربية، التعليق على نصوص قانون المرافعات، منشأة المعارف بالإسكندرية،طبعة 6، 1990،ص 68

[3]  فوفقًا لمفهوم اتفاقية نيويورك فإن اتفاق التحكيم الدولي الذي يخضع لقواعد الاتفاقية يشمل الاتفاقيات القائمة بين طرفين أجنبيين ) والتي تتضمن علاقة تتعلق بالتجارة الدولية، أو كانت هناك علاقات ومعاملات عبر الدول، آفاق قانونية، مجلة دورية بحثية متخصصة محكمة تصدر عن الجمعية الفلسطينية للعلوم القانونية ، بقلم درويش مدحت الوحيدي، العدد الثاني عشر، 2005 م، ص 26.

[4]  سلام توفيق حسين _بطلان حكم التحكيم-دراسة تحليلية مقارنة_جامعة الأزهر بغزة_دجنبر 2010

[5]  الموجز في النظرية العامة في التحكيم التجاري الدولي_حفيظة السيد حداد_منشورات الجبلي الحقوقي

[6]  سلام توفيق حسنين _مرجع سابق

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0