جريمة الرشوة في القانون المغربي
مواضيع في القانون الجنائي و مختلف الجرائم المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي المغربي
جريمة الرشوة.
الجرائم الماسة بالثقة العامة هي تلك الجرائم التي تمس هيبة الدولة ومؤسساتها ونظامها القانوني و الاداري، وبالتالي التأثير على الاستثمارات و زعزعة ثقة الأفراد بالدولة وبمؤسساتها.
وهي تنقسم إلى قسمين : نوع يرتكبه الموظفون العموميون ومن في حكمهم ضد النظام العام وضد نزاهة وسمعة الوظيفة العمومية، تضم جرائم الرشوة واستغلال النفوذ و الاختلاس والغدر، تؤطرها الفصول من 233 الى 262 ق ج.
وقسم أخر يرتكبه الموظفون العموميون وغير الموظفون، تتعلق بالكذب وتغيير الحقيقة والخداع ، وتضم جرائم من قبل التزوير و التزييف وانتحال صفة وهي جرائم تتفق في ركنها المادي الذي هو الكذب و تغيير الحقيقة و الخداع وغيرها من الصفات الذميمة التي تسعى التشريعات الدينية و القوانين الوضعية الحد منها لما لها من الاثار السلبية على المجتمع والدولة ككل، ونؤطرها الفصول من 334 الى 391 ق ج.
المطلب الأول: الجرائم التي يرتكبها الموظفون العموميون ومن في حكمهم.
يعتبر الموظف العمومي من بين، اهم الدعامات التي تقوم عليها الدولة ووجودها، ويعرفه الفقه بانه " شخص يساهم في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الاشخاص العامة."
وتسعى الدول الحديثة اليوم للاعتناء بسمعة ونزاهة موظفيها والعمل على تطوير كفاءتهم و امانتهم، حرصا منها للتوجيه هم للقيام بمهامهم على أكمل وجه ووعيا من منها بأهمية هذا العنصر في دفع عجلة الاستثمار.
ويشكل اخلال الموظف العمومي بواجباته، زعزعة للثقة المواطنين والمستثمرين، في الوظيفة العمومية وفي مساعي الدولة للتحقيق النمو الاقتصادي للبلاد. لهذا فمحاربة جرائم الوظيفة العمومية من رشوة، واستغلال النفوذ وجريمة الاختلاس، تمكن من اعطاء المواطنين الثقة في الساهرين على مرافق الدولة.
الفقرة الاولى : جريمة الرشوة.
جريمة الرشوة من بين الجرائم التي عرفتها المجتمعات القديمة كالإغريق والرومان وغيرهم من الحضارات القديمة وحاربتها، كما ان الشريعة الاسلامية حرمتها لما لها من آثار وخيمة على الدولة والمجتمع خاصة " رشوة الحكام". حيث جاء في حديث للرسول صلى الله عليه وسلم قوله :
" لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهم."
وهناك قصة في زمن رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث بعث عبد الله بن رواحة إلى اليهود ليقدر ما يجب عليهم في نخيلهم من خراج فعرضوا عليه شيئا من المال يبدلونه فقال لهم "أما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سحت وإنا لا نأكلها".
ويمكن تعريف الرشوة بانها إتجار الموظف العمومي في أعمال وظيفته، وذلك بتقاضيه أو قبوله أو طلبه مقابلا نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عنه".
وتعتبر هذه الجريمة من بين الجرائم المتفق على انها تؤثر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية لكل الدول. لهذا فان منظمة الامم المتحدة استحدثت اتفاقية لمكافحة الفساد سنة2005، بهدف مواجهة كافة صور الفساد خاصة الرشوة، وقد صادق المشرع المغربي على هذه الاتفاقية وأحدث مؤسسة تشرف على جهود مواجهة هذه الظاهرة وسماها " الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ".
هكذا فإن الرشوة من مظاهر الفساد وتدهور الاخلاق وغيرها من الصفات الذميمة التي قد تصيب الوظيفة العمومية، لهذا فان المشرع المغربي من خلال القانون الجنائي فرض عقوبات على المتعاطين لهذه الجريمة.
وجريمة الرشوة، في القانون الجنائي تنقسم للقسمين جريمة المرتشي وجريمة الراشي.
أما بالنسبة للوسيط فلم يتعرض المشرع لحكمه، بنص خاص على الرغم من خطورة الفعل الصادر عنه.
لهذا فإن الوقت حان لتدخل التشريع الجنائي، بنص خاص لمعاقبة الوساطة، لان الواقع يوضح ان للوسيط دور خطير في التأثير على المسار الذي تنهجه الدولة في محاربة جريمة الرشوة، فالتشريعات المقارنة سواء التونسي أو المصري افردت نصوص تجرم وتعاقب الوسيط.
فالمشرع المصري يعاقب في المادة 105 مكرر و 109 من قانون العقوبات، كل من عرض أو قبل الوساطة او الاستجابة للرجاء او التوصية الوساطة، كما فعل ذلك المشرع الجنائي التونسي المادة 91 من قانون العقوبات التونسي.
- وامام غياب نص صريح يعاقب على عملية الوساطة، يبقى التكييف القانوني لأعمال الوساطة في القانون الجنائي المغربي هو "المشاركة" طبقا لما سار عليه الفقه الذي يتحدث عن الوسيط كمشارك في الجريمة وفقا لمقتضيات الفصل 129 من ق ج " ... 3 - ساعد أو أعان الفاعل أو الفاعلين للجريمة في الأعمال التحضيرية أو الأعمال المسهلة لارتكابها، مع علمه بذلك. "
هكذا فالوسيط يمكن اعتباره مشاركا في الجريمة مادام المشرع لم ينص على حكم خاص له ومادامت تتحقق في عمله، إحدى الصور المنصوص عليها في الفصل السلف الذكر ( 129 من القانون الجنائي).
أولا) جريمة المرتشي:
تعتبر جريمة المرتشي من جرائم ذوي الصفة، بمعنى لا يمكن ارتكابها الا من طرف الاشخاص الوارد ذكرهم في الفصلين 248 و 249 من ق ج.
فالفصل 248 من ق ج ينص على ما يلي:
" يعد مرتكبا لجريمة الرشوة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم من طلب أو قبل عرضا أو وعدا أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى من أجل:
1 - القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل، سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع، طالما أنه غير مشروط بأجر. وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله.
2 - إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده، وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف.
3 - الانحياز لصالح أحد الأطراف أو ضده، وذلك بصفته أحد رجال القضاء أو المحلفين أو أحد أعضاء هيئة المحكمة.
4 - إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة.
إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون العقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم، دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة.
" يعد مرتكبا لجريمة الرشوة، ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم؛ كل عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو بمقابل، من أي نوع كان طلب أو قبل عرضا أو وعدا، أو طلب أو تسلم هبة أو هدية أو عمولة أو خصما أو مكافأة، مباشرة أو عن طريق وسيط، دون موافقة مخدومه ودون علمه، وذلك من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال خدمته أو عمل خارج عن اختصاصاته الشخصية ولكن خدمته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله.
إذا كانت قيمة الرشوة تفوق مائة ألف درهم تكون عقوبة السجن من خمس سنوات إلى عشر سنوات، والغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم، دون أن تقل قيمتها عن قيمة الرشوة المقدمة أو المعروضة ".
ان استقراء الفصلين السابقين، يبين ان جريمة المرتشي تقوم بالأساس على اركان ثلاث هي صفة المرتشي، ركن مادي ثم ركن المعنوي.
أ) صفة المرتشي:
باعتبار جريمة الرشوة من جرائم ذوي الصفة، فلا بد من ان يكون الفاعل احد الاشخاص الوارد ذكرهم على سبيل الحصر في الفصلين 248 و249 من ق ج، اي متصفا بصفة موظف عمومي أو عامل أو مستخدم أو موكل بأجر أو مقابل في القطاع الخاص.
اضافة لذلك نجد المشرع المغربي يضيف شرط اخر هو شرط ان يكون الموظف العمومي مختصا بالعمل او الامتناع عن العمل الذي يتقاضى الرشوة من اجله، وان تكون الوظيفة هي التي سهلت له ذلك حيث ورد في الفصل 248 من ق ج :
" 1 - القيام بعمل من أعمال وظيفته بصفته قاضيا أو موظفا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو الامتناع عن هذا العمل، سواء كان عملا مشروعا أو غير مشروع، طالما أنه غير مشروط بأجر.
وكذلك القيام أو الامتناع عن أي عمل ولو أنه خارج عن اختصاصاته الشخصية إلا أن وظيفته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله.
2 - إصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده، وذلك بصفته حكما أو خبيرا عينته السلطة الإدارية أو القضائية أو اختاره الأطراف.
3 - الانحياز لصالح أحد الأطراف أو ضده، وذلك بصفته أحد رجال القضاء أو المحلفين أو أحد أعضاء هيئة المحكمة.
4 - إعطاء شهادة كاذبة بوجود أو عدم وجود مرض أو عاهة أو حالة حمل أو تقديم بيانات كاذبة عن أصل مرض أو عاهة أو عن سبب وفاة وذلك بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو مولدة. "
- نفس الشيء نجده لدى القطاع الخاص حيث ورد في الفصل 249 من ق ج :
" ... وذلك من أجل القيام بعمل أو الامتناع عن عمل من أعمال خدمته أو عمل خارج عن اختصاصاته الشخصية ولكن خدمته سهلته أو كان من الممكن أن تسهله."
ب) الركن المادي:
بالنسبة للركن المادي الخاص بالموظف العمومي أو من في حكمه في جريمة الرشوة، فهو اتيانه لأي نشاط يستفاد منه طلب مقابل للخدمة التي هو ملزم بالقيم بها، فهو بعمله هذا يزعزع ثقة المرتفقين و يؤثر على الثقة العامة.
وباستقراء الفصلين 248 و 249 من ق ج نجد المشرع حدد صور جريمة الرشوة في طلب أو القبول أو التسلم.
- بالنسبة للطلب، اي التعبير بإرادة منفردة من جانب الموظف العمومي أو من في حكمه لمنفعة معينة سواء لصالحه أو لغيره من صاحب الحاجة. يكون كافي لقيام جريمة الرشوة، وهنا لا يعتد بجواب صاحب الحاجة سواء استجاب أم لا فالجريمة قائمة بالنسبة لطالب الرشوة(الموظف العمومي أو من في حكمه).
- الا ان التساؤل المطروح هنا هو حكم المكافأة اللاحقة ، ففي غياب نص صريح لذلك في التشريع الجنائي المغربي، اختلف الفقه حول تجريم هذا الفعل فمنهم من ذهب الى حد القول بان هذا الفعل غير مجرم لان القانون الجنائي لم يتحدث عنه، وهناك اتجاه ثاني يرى بعكس ذلك ويقرر ضرورة معاقبة الجاني على عمله اللاحق لان الامر في نظرهم يشكل جريمة للرشوة ايضا.
- والرأي في اعتقادي الاقرب للصواب هو رأي الاتجاه الثاني المجرم للمكافأة اللاحقة واعتبارها بمثابة جريمة رشوة، لان نطاق التجريم في الفصلين 248 و 249 من ق ج واضح في منع اتجار الموظف ومن في حكمه بوظيفته أو بعمله، وما كان له ( الموظف العمومي او من في حكمه) ان يستفيد من تلك المكافأة لو لم يقم بذلك العمل سابقا. لهذا ونظرا لخطورة هذا السلوك فهو جريمة ولو كانت عبارة عن مكافئة لاحقة، اضافة لذلك يجب النص صراحة على تجريم هذا الفعل في القانون الجنائي حتى لا نكون أمام تضارب فقهي قد يؤدي في حالة الفراغ لتضارب قضائي.
- أما بالنسبة للقبول فهو التعبير المتجه نحو تلقي الرشوة كمقابل للخدمة التي يريد انجازها الموظف العمومي اومن في حكمه.
هنا النشاط الاجرامي، أي الفعل يجب ان يصدر من صاحب الحاجة (الراشي) فيقبله الموظف العمومي أو من في حكمه، مثلا سكوت الموظف عند وضع مبلغ معين في جيبه.
تجب الاشارة الى ان المشرع لم يحدد شكلا معينا للقبول، فقد يكون كتابيا او شفهيا او ضمني أو صريح، وترك مسألة تحديده للقاضي الذي يستخلصه وفقا لكل قضية على حدة، وفي حالة الشك يتم تفسير الشك لمصلحة المتهم.
- بالنسبة للتسلم أو (الرشوة المعجلة):
نعني بذلك تسلم الموظف العمومي أو من في حكمه للهدية أو الهبة أو أية اوعطية أخرى للقيام بعمله. وفي هذه الحالة يجب التنبيه إلى أن الشخص الذي يخفي او يدس رشوة (مبلغ من المال ) في أوراق يقدمه للموظف أو من في حكمه دون علم هذا الاخير بها، ويأخذها هذا الاخير على سبيل أنها أوراق للعمل، فإن هذا الموظف لا يعتبر مرتشيا لانتفاء علمه بها.
في المقابل لا تهم طريقة تسلم الرشوة فقد تكون صريحة أو ضمنية، مثلا أخذ الموظف للمال بصورة صريحة مباشرة أو عن طريق علمه بأن المال يوجد ضمن الوثائق، المقدمة له ودون ان يعترض على هذه العملية، ويجوز اثبات هذه العملية بكل طرق الاثبات الممكنة أمام القضاء.
ج) الركن المعنوي:
تعتبر الرشوة من الجرائم العمدية، فلا يجوز تصورها الا بتوفر القصد الجنائي لدى المرتشي.
بمجرد اتجاه نية هذا الاخير (المرتشي) لأخذ الرشوة أو طلب أو تسلم الاعطية، أو اية فائدة مع علمه ان تلك الاعطية هي مقابل للقيام بعمل او الامتناع عنه نكون امام قصد جنائي لدى المرتشي.
وهنا لا بد من توفر عنصري العلم و الارادة، فعنصر العلم يقتضب علم المرتشي، بان تلك الرشوة ماهي الا مقابل لما يقدمه من خدمة أو امتناع عنها، فإذا انتفى هذا العلم لا نكون امام قصد جنائي كحالة اعتقاد الموظف العمومي أو من في حكمه، ان تلك الاعطية ماهي الا دين في حق الراشي والحالة التي لا تكون المهام المراد القيام بها داخل اختصاصات الموظف او لم تسند له تلك المهام بعد.
فضلا عن عنصر العلم لا بد من تحقق عنصر الارادة حيث يجب ان تتجه ارادة المرتشي الى طلب او تسلم الرشوة، فإذا لم تتجه نية الموظف لذلك فإن القصد ينتفي، كالحالة التي يتم دس او اخفاء صاحب الحاجة مبلغا من المال في درج مكتب الموظف أو في يده وغيرها ويسارع الموظف لرفض هذا العمل او تبليغ عنه فان القصد الجنائي ينتفي.
أما بالنسبة لوقت ارتكاب الفعل، فمن المسلم به ان يكون هذا الوقت ملازم للحظة ارتكاب جريمة الرشوة (الركن المادي)، فإن لم يتوفر في هذه اللحظة وتوفر فيما بعد فلا يعتد به، لان القصد اللاحق لا يعتد به.
ثانيا) جريمة الراشي:
يمكن تعريف الراشي، بانه ذلك الشخص الذي يعرض الرشوة على الموظف العمومي اومن في حكمه (المرتشي) قصد الحصول على منفعته الشخصية .
لهذا فإن جريمته لا تقل خطورة عن جريمة المرتشي، بل يمكن ان يكون (الراشي ) هو السبب في عملية الرشوة عند اغراء الموظف او من في حكمه بكل وسيلة لتحقيق اهدافه الغير مشروعة.
وباستقراء نص الفصل 251 من القانون الجنائي، نستنتج أن المشرع المغربي اعتبر جريمة الراشي مستقلة عن جريمة المرتشي، حيث يمكن ان يدان وحده أو يبرأ وحده باستقلال تام عن الموظف العمومي أو من في حكمه، حيث نص الفصل 251 من ق ج على أن :
" من استعمل عنفا أو تهديدا، أو قدم وعدا أو عرضا أو هبة أو هدية أو أية فائدة أخرى لكي يحصل على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل أو على مزية أو فائدة مما أشير إليه في الفصول 243 إلى 250، وكذلك من استجاب لطلب رشوة ولو بدون أي اقتراح من جانبه، يعاقب بنفس العقوبات المقررة في تلك الفصول، سواء أكان للإكراه أو للرشوة نتيجة أم لا."
- الركن المعنوي :
تعتبر جريمة الراشي من الجرائم القصدية، ويتحقق هذا الركن بمجرد اتجاه نية الراشي إلى ارتكاب أحدى الصور الثلاثة المكونة لجريمة الرشوة ( استعمال العنف او التهديد، الاستجابة لطلب الرشوة ، تقديم عرض أو وعد )مع علمه بذلك الفعل.
- الركن المادي :
استنادا للفصل 251 من ق ج السالف الذكر فإن الركن المادي لجريمة الراشي، يتحقق بإتيان الفاعل لا حدى الصور الثلاثة التالية:
- استعمال العنف أو التهديد:
تتحقق هذه الحالة عندما يقوم الراشي باستخدام العنف أو التهديد او الاكراه ونحو ذلك من الاساليب التي تولد حالة من الخوف لدى الموظف العمومي او من في حكمة وتجبره على مخالفة أعماله الوظيفية او الامتناع عنها وقوفا عند رغبة الراشي.
كحالة تهديده باغتصاب ابنته او قتل ابنه أو غيرها من الافعال المجرمة .
- أما في حالة تهديد بأمر مشروع كتقديم شكوى أمام رؤسائه، فلا يقوم هنا الركن المادي لجريمة الراشي.
- الاستجابة لطلب الرشوة:
في هذه الحالة لا يكون الراشي هو المبادر بتقديم الرشوة بل يكون الموظف او من في حكمه هو من يقوم بذلك، فيوافق الراشي على هذا الطلب، أما في حالة استجابة بالغلط دون علم بذلك، اي مقابل العمل الوظيفي الذي يقوم به المرتشي، فلا تتحقق جريمة الراشي في حقه.
- تقديم وعد أو عرض:
تعتبر هذه الصورة من أبرز صور جريمة الراشي، وهي تقوم على اغراء الموظف او من في حكمه بتقديم وعد أو عرض للإتجار بوظيفته، ويكفي لقيام جريمة الراشي تقديم الوعد أو العرض بغض النظر عن موافقة أو رفض الموظف او من في حكمه.
ومن أمثلة الوعد او العرض نجد وعد الموظف بإسكانه في احدة شقق عمارته أو عرض مكافأة أو اية فائدة اخرى نظير القيام بهذا العمل.
ثالثا) عقوبة جريمة الرشوة:
قرر المشرع الجنائي لجريمة الرشوة عقوبات مختلفة، حتى تتناسب وخطورة الفعل المرتكب، فهناك عقوبات أصلية و اضافية وهناك أعذار مشددة وأخرى مخففة.
- بالنسبة للعوبات الاصلية:
تختلف هذه العقوبات بين عقوبات جنحية وعقوبات جنائية، فالعقوبات الجنحية واردة في الفصلان 248 و 249 من ق ج، فالفصل 248 ق ج يعاقب الموظف العمومي او من في حكمه، بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم ( وهي نفس عقوبة الراشي الفصل 251 ق ج).
أما الفصل 249 من ق ج، فينص على معاقبة المرتشي في القطاع الخاص ويعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مائة ألف درهم ؛سواء كان الفاعل مرتشيا أو راشيا.
- أما بالنسبة للقوبات الجنائية:
فقد شدد المشرع عقوبة الرشوة ، اذا ما اقترنت باحدى ظروف التشديد الفصول 252 و 253 ق ج ، حيث اذا كان الغرض من الرشوة القيام بعمل يكون جناية في نظر القانون فان العقوبة المقررة لتلك الجناية تطبق على مرتكب الرشوة أو استغلال النفوذ. ولا يشترط تنفيذ الاتفاق بل مجرد وقوع الاتفاق الفصل 252 ق ج.
- ظروف التشديد:
المغزى من التشديد في جريمة الرشوة، هو ان العقوبة من جنس العمل وبالتالي إذا كان الغرض من الرشوة القيام بعمل يشكل جناية في نظر القانون كما قلنا سلفا فالعقوبة المقررة لتلك الجناية تطبق على المرتشي الفصل 253 ق ج.
أما إذا كانت قيمة المقابل تفوق مائة ألف درهم فالعقوبة هي من 5 إلى 10 سنوات وغرامة من مائة ألف درهم إلى مليون درهم الفصل 248 ق ج الفقرة الاخيرة) ويكون الاختصاص لغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف.
- ظروف المعفية ( الفصل 256 ق ج):
إذا أثبت أحد الاطراف سواء المرتشي أو الراشي بأنه كان تحت التهديد أو العنف أو غيرها من الحالات التي يكون مضطرا لتقديم الرشوة ويثبت ذلك، كأن يبلغ عن المرتشي قبل تسليمه للرشوة للسلطات فإنه يستفيد من الاعفاء.
تكمن الغاية من الاعفاء لتحفيز الأشخاص قصد التبليغ عن الرشوة التي لها مخاطر على المجتمع والاقتصاد الوطني.