جريمة الاستنساخ البشري

مجموعة بحوث وعروض في القانون الجنائي والمسؤولية الجنائية للطبيب

جريمة الاستنساخ البشري
تعتمد مهنة الطب الجراحة على الأبحاث والتجارب العلمية، حيث أنه من خلالها تم الوصول إلى معالجة العديد من الأمراض المستعصية وذلك اعتمادا على ابتكار أساليب جديدة للعلاج، فالتجارب الطبية لها ارتباط قوي باستمرارية الطب في تقديمه لخدمات طبية إنسانية، يرى بعض الفقه أن التجارب العلمية يمكن تقسيمها إلى قسمين، القسم الأول؛ فيشمل التجارب الطبية العلاجية التي يكون الهدف منها التوصل إلى علاج المريض من المرض المستعصي، الذي كان يعاني منه أو القيام بعمليات لعلاج بعض التشويهات التي تصيب جسم المريض أو تجريب دواء جديد كما هو الشأن بالنسبة للمصل المضاد لفيروس (H1N1) الذي تم تجريبه على العديد من الأشخاص في الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تصديره إلى باقي الدول لمعالجة مرض أنفلونزا الخنازير.

أما القسم الثاني؛ فهي التجارب الطبية العلمية التي يكون الهدف من إجرائها إقامة تجارب علمية على الإنسان من أجل الوصول إلى ابتكار وسائل جديدة لعلاج الأمراض الخطيرة، فهذا النوع من التجارب يضم العديد من الاكتشافات الطبية منها ما هو ضروري يحتاج إليه المرض منها التلقيح الاصطناعي لمعالجة حالات العقم، زراعة الأعضاء البشرية، عمليات التجميل والتعقيم، ومنها ما يمكن اعتباره بأنه غير ضروري مثال ذلك عمليات تحول الجنس، والاستنساخ البشري الذي يدخل ضمن تطور الذي عرفته الهندسة الوراثية la génétique.

وفي هذا الإطار سوف نقوم بدراسة الاستنساخ البشري كنموذج للتجارب العلمية التي يعرفها الطب، ومدى مسؤولية الطبيب جنائيا على الاستنساخ البشري؟ 1 - تعريف الاستنساخ البشري : يقصد بالاستنساخ البشري إيجاد نسخة مطابقة عن الإنسان نفسه، شبيهة له في كل شيء حتى في بصمات الأصابع، وذلك بالاعتماد على أخذ نواة خلية جسدية noyau des cellules ويتم تلقيحها تم تنقل إلى رحم امرأة لينمو ويتحول إلى جنين شبيه في كل شيء للرجل أو المرأة صاحب الخلية، أي أن هذه العملية تتم عن طريق أخذ خلية جسدية وبالتالي تسمى هذه الطريقة بالتكاثر اللاجنسي.

(1) وقد كان الاستنساخ في بداية الأمر يقتصر على القطاع الفلاحي، ثم تحول إلى تجريبه على الحيوان، وقد كانت أول تجربة للاستنساخ تعود لسنة 1997 حيث قام فريق علمي اسكوتلاندي يترأسه (أيان ديلموت IUN Wilmut) بتجربة علمية تم استنساخ(الشاة دولي) وهي المرة الأولى في التاريخ التي يتم اكتشاف طريقة جديدة لعملية التوالد اللاجنسي.

وبعد ذلك ثار جدل حول إمكانية قيام عمليات الاستنساخ البشري، إلا أن ذلك قابله رفض العديد من القوانين على لاجراء مثل هذه التجارب،و ان كان دعم هذا النوع من التجارب مازال مستمرا خاصة من القطاع الخاص سواء في أمريكا أو انجلترا.

كما أن الاستنساخ البشري يختلف عن التلقيح الاصطناعي، حيث أنه إذا كان كل منهما يهدف إلى معالجة حالات العقم، إلا أنهما يختلفان في الوسيلة المعتمدة لذلك، فعملية الاستنساخ البشري تعتمد على الخلية الجسدية سواء كانت للمرأة أو الرجل، أما عملية التلقيح الاصطناعي تحتاج إلى الخليتين الجنسيتين (المني والبويضة) وتتم العملية بتلقيح البويضة بالحيوان المنوي إما داخل الجسم أو خارجه، فهذه العملية تسمى بالتوالد الجنسي، أما في الاستنساخ فهي تعتمد على عملية أخذ خلية جسدية وليست جنسية وهذا النوع يحقق التكاثر اللاجنسي.

وقد اثارظهور الاستنساخ البشري العديد من إشكاليات سواء من الناحية الأخلاقية أو الدينية والقانونية، خاصة بالنسبة للمجتمعات الإسلامية، ما هو إذن حكم الاستنساخ البشري من منظور الشريعة الإسلامية؟.

2- الاستنساخ البشري في الشريعة الاسلامية : تجدر الإشارة إلى أن الاستنساخ البشري في الوقت الحالي ما زال مجرد افتراض حيث أنه لم يتحقق على مستوى الواقع، إلا أن هذا لا يمنع من عتباره موضوعا يستحق البحث والدراسة، واذا كانت الشريعة الإسلامية لا تتضمن حكم شرعي صريح حول مسألة الاستنساخ، فأن هذا لم يمنع الفقهاء المسلمين من محاولة لاجتهاد حول هذه الموضوع، ويمكن تلخيص هاته المحاولات في ابرازالاتجاهات التي تباينت بين اتجاه معارض و اتجاه مؤيد لفكرة الاستنساخ البشري.

- الاتجاه الأول؛ يعتمد على تحريم الاستنساخ وحجته في ذلك قول الله تعالى في كتابه ( والله جعل من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة)(1) وقوله تعالى ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين تم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسون العظام لحما ثم أنشاناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين).

(2) فإرادة الله تعالى وفقا لهذا الاتجاه قضت بأن يكون التكاثر لدى الإنسان نتاج التزاوج بين الذكر والأنثى وفق ما شرعه الله تعالى، وهذا ما سارت عليه البشرية منذ بدايتها ولم تخرج عن هذا النهج إلا في حالات استثنائية تعتبر معجزات كخلق أدم وعيسى عليهما السلام.

أما الاستنساخ فهو تغيير لخلق الله وإفساد للفطرة الإلهية في خلق الإنسان لقول الله تعالى ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون).

(1) و من بين الدوافع التي اعتمد عليها اصحاب هذا الاتجاه الرافض لفكرة الاستنساخ ان له عدة آثار سلبية على مستوى نظام الأسرة، وعلى القيم الاجتماعية والأخلاقية والقانونية و الدينية.

- الاتجاه الثاني؛ يرى هذا الاتجاه إلى وقف جميع الأبحاث المتعلقة بالاستنساخ البشري لأنه يهدد الوجود الإنساني وسيلحق الضرر بنظام اجتماعي وقانوني، وقد تبنى شيخ الأزهر( محمد طنطاوي) إلى إجازة الاستنساخ المتعلق بالنبات والحيوان، ولم يصدر أي فتوى نهائية بخصوص حصوله على الإنسان.

(2) في حين اعتبرت منظمة الطب الإسلامي بجنوب إفريقيا ان الاستنساخ البشري من بين المشاكل الطبية التي تواجه العالم الإسلامي مستقبلا، كما جاء في الندوة الفقهية التاسعة التي دعت لها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية حيث قامت بمنع الاستنساخ وناشدت الدول الإسلامية إلى سن التشريعات القانونية اللازمة بمنع الاستنساخ البشري(3) والأكاديمية للملكة المغربية(4) (5).

3- الاستنساخ البشري في القوانين الوضعية : تسمح جل القوانين المنظمة لمهنة الطب في العديد من الدول بممارسة التجارب الطبية التي يكون الهدف منها العلاج، عن طريق إقامة التجارب العلمية سواء على الإنسان أو الحيوان أو النبات،الا ان وقع هذه التجارب عرفت هجوما شديدا من قبل هذه الدول ، فقد أصدرت الحكومة الإيطالية قرار بمنع إجراء التجارب المتعلقة بالاستنساخ الجنيني، وعممت هذا المنع ليشمل الحيوان والإنسان على السواء، كما صوت البرلمان النرويجي بأغلبية على قانون يمنع الاستنساخ البشري .

أما في بريطانيا فقد قررت وزارة الزراعة وقف تمويل أبحاث الاستنساخ البيولوجي في مجال الحيوانات، وخفضت المخصصات المادية التي كانت تزود بها ( معهد روزلين) إلى النصف ولتوقفها نهائيا كوسيلة لمنع الاستنساخ في بريطانيا بشكل نهائي، لكن كما أشرنا أن القطاع الخاص يبقى له دور في تمويل وتسويق الخدمات الطبية ومنها دعم الأبحاث العلمية، إضافة إلى ذلك، إصدار قانون يمنع منعا كليا نقل الجينات البشرية واستنساخها.

أما في ألمانيا فقد وصل الأمر إلى إصدار قانون ينص بإيقاع عقوبة تصل إلى 5 سنوات سجنا لكل من قام بعملية الاستنساخ البشري (1).

في فرنسا صدر قانون يمنع كل أشكال الاستنساخ البشري وجعله جريمة يخضع للعقاب وفق المادة 1-18-511 من قانون العقوبات الفرنسي التي تنص على أن كل نشاط يخضع المضغة البشرية للتجارب في المعامل أو المختبرات ولو بهدف البحث العلمي يتعرض مرتكبه للعقاب المقرر لها تصل إلى 7 سنوات سجنا و 700 ألف فرنك كغرامة مالية(2).

بالإضافة إلى ذلك، فقد صدر قانون في الولايات المتحدة الأمريكية بمنع الاستنساخ البشري ويقر عقوبة تصل إلى 10سنوات سجنا وغرامة مالية تصل إلى مليون دولار لكل مخالف.

أما المشرع الإماراتي فقد نص في المادة 17 من قانون المسؤولية الطبية والتامين الطبي على انه يحظر إجراء عمليات الاستنساخ البشرية كما يحطر إجراء الأبحاث والتجارب والتطبيقات بقصد استنساخ كائن بشرى.

أما موقف المشرع المغربي، فإنه لم يتطرق إلى موضوع الاستنساخ كما هو الشأن بالنسبة لباقي المشكلات الطبية المعاصرة، مثل التلقيح الاصطناعي، التعقيم عمليات التجميل.

.

وبالتالي فإن الضرورة تستدعي تجريم الاستنساخ البشري على الإنسان، وعلى اعتبار أن ظهور هذا النوع من التجارب العلمية في الوسط المغربي سوف يؤدي إلى نتائج سلبية على المجتمع وعلى النظام العام المغربي.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0