حرصا من
المشرع على التنفيذ الحسن للعقوبات الحبسية التي تصدرها المحاكم الزجرية، حاول السهر على مراقبة هذا التنفيذ، بعد إنتهاء المحاكمة وذلك من خلال إفراد مقتضيات تشريعية تفرض على قاضي تطبيق العقوبة ووكيل الملك وقاضي التحقيق تفقد المؤسسات السجنية .
وهكذا نصت المادة 616 من قانون المسطرة الجنائية على أنه " يقوم قاضي تطبيق العقوبات ووكيل الملك أو أحد نوابه بتفقد السجناء على الأقل مرة كل شهر، وذلك من أجل التأكد من صحة الاعتقال ومن حسن مسك سجلات الاعتقال .
يحرر القاضي محضرا بكل تفتيش يوجهه فورا إلى وزير العدل "، ويضاف إلى هذه المادة، مواد أخرى تلزم وكيل الملك بزيارة مخافر الشرطة والدرك، لمراقبة مدى إحترام إجراءات الحراسة النظرية وآجالها وعلى مباشرتها في الأماكن المعدة لهذه الغاية ( المادة 45 من قانون المسطرة الجنائية ).
كما تقضي المادة 54 من نفس القانون ، بأنه يحق لقاضي التحقيق تفقد المعتقلين الإحتياطيين مرة كل شهر على الأقل .
وبرجوعنا إلى مقتضيات المادة 616 السابقة الذكر، يتضح أنها بينت أسباب زيارة المؤسسات السجنية، في التأكد من صحة الإعتقال، وحسن مسك سجلات الإعتقال ، لذا فان التساؤل الذي يثار بهذا الخصوص، ما إذا كانت هذه الأسباب واردة على سبيل الحصر أم على سبيل المثال ؟
والرأي فيما نعتقد، أن هذه الأسباب واردة على سبيل المثال، إذ يمكن لقاضي النيابة العامة ولقاضي تطبيق العقوبة، التفقد والتأكد كل ما له علاقة بالتنفيذ السليم للحكم الزجري القاضي بالعقوبة الحبسية، وكذا أوضاع السجناء والإستماع إلى من له شكاية أو طلب منهم، والعمل على توجيهه أو تقديم يد العون له في حدود الضوابط
القانونية ، ومراعاة لوضعيته كسجين ، كما يجب إدخال تعديل على المادة 616 من ق م ج وذلك بإضافة عبارة " للاطلاع على أحوال السجناء وأوضاعهم " وإن كان هذا ما يجري به العمل في المحاكم التي تدربنا بها ، ولكن مع وجود سند قانوني يكون الأمر أكثر أهمية وأكثر فائدة.
هذا، وان الفقرة الأخيرة من المادة أعلاه، تقضي بأنه " يحرر القاضي محضرا بكل تفتيش يوجهه فورا إلى وزير العدل "، فعبارة ( يحرر القاضي) تثير لبسا لدى بعض النيابات العامة بخصوص المقصود منها، وما إذا كانت تشمل قاضي تطبيق العقوبات وقاضي النيابة العامة ، أم أن الأمر يقتصر على الطرف الأول، على اعتبار أن
صياغة الفصل لا تسعف في توضيح المقصود من الفصل، ونعتقد أن صيغة قاضي تشمل الطرفين معا، لما في ذلك من تحقيق غاية المشرع من تفقد السجناء، إذ أن عمل وكيل الملك يكمل عمل القاضي تطبيق العقوبات.
كما أن هذه المادة تثير لبسا آخر ، يتمثل في استعمال المشرع لعبارة " تفتيش" في الفقرة الأخيرة منها ، بعدما كان قد استعمل عبارة " تفقد " في الفقرة الأولى، فهل نحن بصدد تفقد أم بصدد تفتيش، خاصة وأن لكلا المصطلحين حمولته القانونية والعملية، لذلك فإن المحضر الذي يحرر بهذا الشأن هو محضر تفقد السجناء وليس
تفتيشا ــ على ما نعتقد – وأن إستعمال المشرع عبارة تفتيش، لأن هذا الأخير عبارة عن إجراء من إجراءات البحث التمهيدي، بهدف التتبث من الجرائم وجمع الأدلة بخصوصها، لأجل ذلك نعتقد أنه يجب إعادة صياغة الفقرة الأخيرة من المادة 616 من ق م ج على الشكل التالي : " يحرر كل منهما محضرا بكل تفقد يوجه
فورا إلى وزير العدل".
ويضاف إلى ما سبق أن المشرع أكد على الفورية في إرسال محاضر التفقد إلى وزير العدل ، ولعل المصلحة من ذلك هو إطلاع الوزارة على أحوال السجناء في مختلف سجون المملكة، وإخبارها بالأوضاع التي قد تكون سائدة بهدف التدخل وإيجاد الحلول لكل الإشكاليات على حدة ، إلا أن الواقع العملي لا يستجيب لهذه الفورية في
أغلب الأحيان ، ذلك أنه حتى على فرض إحترام مدة الزيارة للسجون، فإن المحاضر المنجزة بهذا الخصوص لا ترفع بشكل فوري إلى وزير العدل، بالنظر إلى الإكراهات العملية للسادة قضاة تطبيق العقوبات ووكلاء الملك، مما يفقده الدور المنتظر منه.
هذا، وإذا كان لقاضي تطبيق العقوبات في إطار مراقبة المؤسسات السجنية، تتبع مدى تطبيق القانون المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية في شان قانونية الإعتقال وحقوق السجناء، ومراقبة سلامة إجراءات التأديب، والإطلاع على سجلات الاعتقال، ومسك بطاقات خاصة بالسجناء الذين يتتبع وضعيتهم، والتي تتضمن بيانات
حول هويتهم ورقم إعتقالهم، والمقررات القضائية والتأديبية الصادرة في شأنهم وملاحظاته ، فإن التساؤل الذي يثار عمليا حول ما إذا كان قاضي تطبيق العقوبة ملزما بزيارة المؤسسة وحيدا، لتفقدها والقيام بما هو منصوص عليه في المادة 596، ثم تفقد السجناء صحبة وكيل الملك أو نائبه طبق للمادة 616 ؟ أم أنه يمكنه القيام
بزيارة واحدة يقوم فيها بالعمليتين : تفقد المؤسسة وتفقد السجناء؟ وإذا سلمنا بهذا فهل سيحرر حينها تقريرين أم تقرير واحد؟ علما بأن الأول يبعث إلى وزير العدل والنيابة العامة، والثاني يبعث فقط إلى وزير العدل؟.
بالإضافة إلى ذلك فان المشرع أوكل إلى قاضي تطبيق العقوبات زيارة المؤسسات السجنية، كعضو في لجنة المراقبة المحدثة في كل ولاية أو عمالة أو إقليم بموجب المادتين 620 و621 من ق م ج.
إن الإنضباط لهاته الأحكام التشريعية بشكل حرفي، قد يفرض على قاضي تطبيق العقوبات زيارة المؤسسات السجنية مرة أو مرتين في الشهر ، في حين أن الواقع العملي يفرض معيقات أخرى، إذ أن قاضي تطبيق العقوبة هو في الواقع قاضي موضوع، موكول إليه مجموعة من المهام في إطار المحكمة التي تشهد نقصا في
القضاة، لذا فإن ما يجري به العمل هو أنه لا يتم في الغالب إحترام هاته المقتضيات التشريعية، ولا يتم زيارة المؤسسات السجنية إلا كلما سمحت الظروف، ولعل ما سيساعد على ذلك أن المشرع لم يقرن عدم زيارة هاته المؤسسات بجزاءات تشريعية أو تأديبية ، وحسنا فعل في ذلك لأن الواقع العملي يعرف كثرة أشغال القاضي ، كما
عايناه في إطار مرحلة التدريب، لذلك فإن المشرع مدعو للتدخل لإيجاد صيغة توفيقية، لتخفيف العبء الملقى على عاتق قاضي تطبيق العقوبات بهذا الخصوص ، أمام النقص الذي تعاني منه المحاكم من حيث عدد القضاة كما سبق الذكر.