جريمة السر المهني في القانون المغربي - صفة الفاعل و أسباب الإباحة

صفة الفاعل في جريمة السر المهني ، أسباب الإباحة في جريمة السر المهني

جريمة السر المهني في القانون المغربي - صفة الفاعل و أسباب الإباحة

المطلب الثاني: صفة الفاعل و أسباب الإباحة.

لا تقوم جريمة إفشاء السر المهني في مواجهة كل شخص، بل يتطلب قيام هذه الجريمة اقترافها من قبل أشخاص ألزمهم القانون بكتمان السر المهني بحكم مهنتهم، كما جعل المشرع استثناءات لهؤلاء الاشخاص يمكنهم إفشاء السر المهني طبقا للقانون، و هذا ما سنعالجه في هذا المطلب، بالبدأ في دراسة صفة الفاعل في جريمة إفشاء السر المهني (الفقرة الأولى)، ثم أسباب الغباحة المرتبطة بهذه الجريمة (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: صفة الفاعل.

نص الفصل 446 من القاون الجنائي المغربي على أن الأطباء و الجراحون و ملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة و المولدات و كل شخص يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، الدائمة أو المؤقتة، إذا أفشى سرا أودع لديه و ذلك في غير الأحوال التي يجيز له فيها القانون أو يوجب عليه فيها التبليغ عنه، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر و غرامة من 1200 درهم إلى 20000 درهم. كما أضاف المشرع المغربي بمقتضى الفصل 447 من القانون الجنائي المغربي أشخاصا آخرين يمكن أن يواجهوا بجريمة إفشاء السر المهني في كل مدير أو مساعد أو عامل في مصنع.

و بناءا على هذا المقتضيين، فقد حدد المشرع تلاث فئات ممن يمكن أن يواجهوا بجريمة إفشاء السر المهني، الفئة الأولى جاءت بشكل صريح في الأطباء و الجراحون و ملاحظو الصحة، وكذلك الصيادلة و المولدات، أما الفئة الثانية حددها المشرع في كل من يعتبر من الأمناء على الأسرار، بحكم مهنته أو وظيفته، و بالتالي يحدد المشرع من هم هذه الفئة بالضبط و ترك الباب مفتوحا لتحديدهم، أما الفئة التالثة فهي المدراء و مساعديهم و العمال في إطار المصانع التي يعملو بها.

و بالرجوع للمادة 446، يتضح أن الأشخاص المرتبطون بالسر المهني غير محددون على سبيل الحصر، و إنما يمكن إضافة أي مهنة أخرى متى كان عملهم يحتم عليهم الإحتفاظ بأسرار معينة[1]، و بالتالي يجب الرجوع إلى النصوص الخاصة التي تنظم بعض المهن و المجالات لاستنباط بعض الأشخاص الذين يعتبرون من الأمناء على الأسرار حسب منطوق الفصل 446.

تعتبر جريمة إفشاء السر المهني من الجرائم التي تتطلب صفة خاصة في الجاني، بمعنى أن هذه الجريمة لا يقترفها أي شخص بل يقترفها شخص يتصف بصفة معينة، و هذه الصفة مستمدة من المهنة التي يزاولها، و العبرة في اشتراط هذا الركن أن أساس الجريمة هو الإخلال بالتزام ناشئ عن المهنة و ما تتطلبه من واجبات، و هذه الصفة يجب توافرها وقت العلم بالسر دون إفشائه[2] .

و بالتالي سنحاول التطرق لبعض المهن الأشخاص المرتبطين بالسر المهني لتحديد صفتهم، و هي كالتالي:

  1. الأطباء:

يعتبر الأطباء و بعض المهن التي لها اتصال بمهنة الطب كصيادلة مثلا، من الأمناء على الاسرار و الذين نص عليهم صراحة الفصل 446، و يدخل في حكمهم الممرضين و مساعدي الأطباء و طلبة الطب و المتدربين في المستشفيات و المراكز الإستشفائية[3].

بالمقارنة مع تشريعات أخرى، فقد توسع المشرع الفرنسي في صفة الطبيب ليتجاوز الأطباء و الجراحون كما حددهم المشرع المغربي، ليدخل في مجال تطبيق جريمة إفشاء السر المهني حتى أطباء التخدير و الأسنان و التحاليل و العيون و كذلك جميع العاملين في المهن الطبية و الصحية[4].

  1. العمال و الأجراء:

نص الفصل 447 من القانون الجنائي على أن العامل يعتبر ممن يرتبطون بالسر المهني فيما يخص أسرار المصنع الذي يعمل به، في علاقة مع هذا المقتضى، نصت المادة 39 من مدونة الشغل على أن الأجير يواجه بالخطأ الجسيم عن إفشائه للسر مهني نتج عنه ضرر للمقاولة، ينتج عنه فصله من العمل[5].

غير أنه يمكن التساؤل هل قيام جريمة إفشاء السر المهني تقوم في مواجهة الأجير أو العامل دائما أم فقط أثناء تنفيذه لعقد الشغل الذي يرتبطه مع المصنع، و يمكن الجواب على أن هذا المنع من إفشاء السر المهني من طرف العامل هو مؤقت مرتبط بوجود عقد شغل ساري يربط العامل بالمصنع، ما يعني أن إفشاء الشر المهني بعد اقضاء العقد الذي يربط بينهم هو أمر جائز[6]، ما يطرح سؤال أي حماية لتلك الاسرار خصوصا الأسرار ذات قيمة مالية أو تلك التي من الممكن أن تؤثر على المنافسة، إذا كان المنع مؤقتا.

و بالتالي و حسب منطوق الفصل 447، فإن الجاني المسؤول طبقا لهذا الفصل لا يمكن أن غير ممن حددهم الفصل صراحة، و هم الأشخاص الذين تسمح لهم مهامهم بالدخول إلى المؤسسات الصناعية، كما أن العلاقة بين هذا الأخير و المقاولة لا يمكن أن تخرج عن إطار عقد الشغل، كما يستبعد الأشخاص الذين يرتبطون مع المقاولة بعقود أخرى غير عقد الشغل[7] .

  1. المحامي:

تمص المادة 136 من القانون 08-28 المنظم لمهنة المحاماة أنه 'لا يجوز للمحامي أن يفشي أي سر يمس بالسر المهني في أي قضية'، بالإضافة إلى تاكيد الأنظمة الداخلية لهيئات المحامين بالمغرب على هذا المقتضى، فمثلا خصصت هيئة المحامين بأكادير الفرع الثامن من نظامها الأساسي للتنصيص على السر المهني و إلزام المحامي بكتمانه بكيفية عامة و مطلقة و في جميع نشاطاته المهنية بدون أي نمييز أو استثناء، حسب منطوق المادة 44 من هذا النظام الأساسي[8] .

تتجلى إلزامية المحامي بكتمان السر المهني ليس فقط تجاه الزبائن الذين يتعامل معهم، بل تمتد للأغيار كذلك، بالإضافة إلى أن كتمان السر المهني بالنسبة للمحامي يتميز عن باقي المهن الأخرى بعتبار أن السرية من الأعمدة التي تقوم عليها نظام العدالة[9].

يمتد واجب كتمان السر المهني بالنسبة للمحامي إلى كل ما سمعه أو قرأه أو شاهده أو عاينه خلال مزاولته لمهنته، و لا حاجة للبحث في ما إذا كانت القواعد المحمية بالسر المهني من شأنها الإضرار بالزبون إذا ما تم إفشاؤها[10].

  1. الموظف العمومي:

عرف الفصل 224 من القانون الجنائي المغربي صفة الموظف العمومي بكل شخص تعهد له في حدود معينة مباشرة مهمة ولو مؤقتة، بأجر أو بدون أجر في مؤسسات الدولة و مصالحها و الإدارات التابعة لها بصفة عامة، كما أن صفة الموظف هاته تبقى مع صاحبها دائما حتى بعد الإنتهاء من خدمته، كما أنه يعتبر من الأمناء الذين يجب عليهم الحفاظ على الأسرار التي يكتسبونها في مسارهم المهني، لما لتلك الأسرار من تداخل مع مصالح الدولة و المواطن[11] ، و بالتالي فإن الموظف العمومي من الأشخاص المعنيين بالفصل 446 من القانون الجنائي، و الهدف من مواجهته بجريمة إفشاء السر المهني للحفاظ على وقال الإدارة و الدولة و مؤسساتها، و ردع كل من يفكر في إفشاء إسرار الإدارة و المرتفقين المتعاملين معها.

الفقرة الثانية: أسباب الإباحة.

ینص الفصل 124 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على ما یلي :

" لا جنایة ولا جنحة ولا مخالفة في الأحوال الآتیة:

  1. إذا كان الفعل قد أوجبه القانون وأمرت به السلطة الشرعیة؛
  2. إذا اضطر الفاعل مادیا إلى ارتكاب الجریمة، أو كان في حالة استحالة علیه معھا، استحالة مادیة، اجتنابھا، وذلك لسبب خارجي لم یستطع مقاومته،
  3. إذا كانت الجریمة قد استلزمتھا ضرورة حالة الدفاع الشرعي عن نفس الفاعل أو غیره أو عن ماله أو مال غیره، بشرط أن یكون الدفاع متناسبا مع خطورة الاعتداء ."

و هو نفس ما قررته المادة 446 المنظمة لجريمة إفشاء السر المهني حيث نصت على أن هذه لا تقوم في الأحوال التي يجيز فيها القانون أو يوجب فيها التبليغ، كما نص نفس الفصل على حالات أخرى لا يواجه صاحبها بجريم إفشاء السر المهني و هي كالتالي:

  1.  إذا بلغوا عن إجهاض، علموا به بمناسبة ممارستهم مهنتهم أو وظيفتهم، وإن كانوا غير ملزمين بهذا التبليغ؛
  2.  إذا بلغوا السلطات القضائية أو الإدارية المختصة عن ارتكاب أفعال إجرامية أو سوء المعاملة أو الحرمان في حق أطفال دون الثامنة عشرة أو من طرف أحد الزوجين في حق الزوج الآخر أو في حق امرأة ، علموا بها بمناسبة ممارستهم مهنتهم أو وظيفتهم .
  • إذا استدعي الأشخاص المذكورون للشهادة أمام القضاء في قضية متعلقة بالجرائم المشار إليها في الفقرة أعلاه، فإنهم أحرار في الإدلاء بشهادتهم أو عند الإدلاء بها.

في إطار نص المشرع على وجوب الإدلاء بالشهادة من الطبيب مثلا في الجرائم المحددة في الفصل 446، اختلف الفقه في فرنسا حول أحقية الطبيب في الإمتناع عن أداء الشهادة إذا تعلق الأمر بالسر المهني، حيث برى البعض أن الشهادة واجب على الطبيب ولو تعلق الأمر بسر من أسراره المهنية، و لأن الالتزام بالشهادة واجب لا يعفى منه أحد، في حين ذهب آخرون إلى أم الخيار بيد الطبيب فله إفشاء السر أو كتمانه[12] .

فحسب منطوق الفصول 446 و 447 من القانون الجنائي، يمكن تلخيص أسباب إباحة الإفشاء بالسر المهني في:

  1. الإبلاغ عن الجرائم:

لارتباطها بالنظام العام و خلية الأسرة كما يحميها القانون المغربي، نص المشرع على استثناءات تبيح إفشاء السر المهني كلما ارتبط الأمر بجرائم نص عليها المشرع المغربي صراحة في الفصل 446 من القانون الجنائي، و هي جواز الطبيب إفشاء السر المهني للإبلاغ عن جريمة الإجهاض التي نص عليها الفصل 449 من القانون الجنائي.

يضاف إلى أسباب إباحة إفشاء السر بالنسبة للطبيب و المهن الأخرى المرتبطة بها، التبليغ عن الجرائم التي تمس الأطفال دون السن 18 سنة، أو حتى سوء معاملة و حرمان، و نفس الشيئ بالنسبة للأزواج و المرأة.

  1. الشهادة:

تعتبر الشهادة من وسائل تحقق العدالة و إعطاء الحق لصاحبه، و نظرا لأهميتها، جعلها المشرع فةق كل اعتبار، إذ أجاز بإمكانية إفشاء السر المهني في الجرائم التي نص عليها المشرع في الفصل 446 كما سبق وبيناها و هي الإجهاض و الجرائم المرتكبة في حق القاصرين و المرأة أو في حق زوج من الطرف الآخر، بالإضافة إلى سوء معاملة أو حرمان في حق هؤلاء الأشخاص.

بالنظر لأسباب الإباحة التي نص عليها المشرع صراحة في الفصل 446، فإن الركن القانوني لجريمة إفشاء السر المهني لا يقوم بوجود هذه اسباب [13]، و لا مجال لقيام المسؤولية الجنائية في هذه الحالة.

بالنظر كذلك في الفصل 446 من القانون الجنائي ، نجد أن المشرع المغربي ركز في أسباب الإباحة على مهنة الطب و المهن المجاورة لها، دون تحديد اسباب إباحة أخرى تشمل الأمناء الآخرين بحكم مهنتهم، لكن يمكن الرجوع إلى النص العام الذي يؤطر اسباب الإباحة الذي هو الفصل 124 من القانون الجنائي، و للقاضي تكييف هذه الاسباب بالنظر لخصوصية كل مهنة و حيثياتها.

 

 

 

 

 


[1] GASTON VOGEL, « LES PENDECTES DROIT PENAL », nouvelle édition actualisée 2018, promoculture-Larcier, Belgium, 2018, p 971.

[2]  رضوان العنبي، جريمة إفشاء السر المهني للطبيب في القانون المغربي، مجلة المنارة للدراسات القانونية و الإدارية، عدد 17، فبراير 2017، ص 371.

 رضوان العنبي، م.س، ص 371. [3]

[4]  المرجع نفسه.

 [5] HAMMOUTI Mohammed, « La Protection Pénal De Secret Des Affaires », revue électronique des recherches juridique RERJ, n°2, 2018, p 198.

[6] Ibid.

[7]  راوية أعجيلا و آخرون، الحماية الجنائية لحقوق و مصالح المشغل: جريمة إفشاء السر المهني كنموذج، عرض بماستر القانون الإجتماعي المعمق، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية أكادير، جامعة بن زهر أكادير، 2020/2021، ص 12.

[8]  النظام الداخلي لهيئة المحامين لدى محكمتي الإستيناف بأكادير و العيون، 2010/06/30، تم الإطلاع عليه بموقع هيئة المحامين لدى محكمتي الإستيناف بأكادير و العيون يوم 2023/12/03 على الساعة 11:35، على الرابط: https://www.barreauagadir.com/STATUT.htm

[9] GASTON VOGEL,  op.cite, p 978.

[10] محمد بيسي، المسؤولية الجنائية و التأديبية للمحامي من خلال القانون رقم 28-08 و باقي القوانين الأخرى، مقال منشور بموقع العلوم القانونية، تم الإطلاع عليه يوم 2023/12/03 على الساعة 12:00، على الرابط : https://www.marocdroit.com

[11]  محمد الزكراوي، المسؤولية الجنائية و المدنية المترتبة عن إخلال الموظف بواجب كتمان السر المهني، مقال منشور بموقع الجامعة القانونية المغربية، تم الإطلاع عليه يوم 2023/12/03 على الساعة 11:30، على الرابط: https://www.aljami3a.com

[12]  رضوان العنبي، م.س، ص 370.

[13]  فريد السموني و فؤاد أنور، المختصر المفيد في القانون الجنائي العام، الجزء الأول من المحاضرات، محاضرات لطلبة كلية العلوم القانونية و الإجتماعية و الإقتصادية المحمدية، 2013- 2014، ص 24.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0