كتاب بعنوان تاریخ المؤسسات والوقائع الاجتماعية بالمغرب
رابط التحميل اسفل التقديم
_______________________
مقدمة
1 ـ حول مفهوم التاريخ :
التاريخ هو سرد لتتابع وتسلسل الأحداث والوقائع الماضية والحاضرة، وكذا الكيفية والطريقة التي يتم بها هذا السرد. فمجرد تعداد الأحداث دون البحث في معانيها وأسباب وقوعها ودون محاولة فهم تشابكها ومسبباتها لا يكفي .. بأن نتكلم عن العملية التاريخية » (1).
وقد سبق وأن أعطانا العلامة عبد الرحمن بن خلدون ما يقارب هذا التعريف في مقدمته حيث كتب يقول : فإن فن التاريخ من الفنون التي يتداولها الأمم والأجيال وتشد إليه الركائب والرحال... إذ هو في ظاهره لا يزيد على إخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأول، تنمى فيه الأقوال، وتضرب فيها الأمثال... وتؤدي إلينا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الترحال، وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومباديها دقيق وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق...»(2).
وتمتاز الأحداث التاريخية بطابع الواقعية الفعلية، الشيء الذي يجعل التاريخ يختلف عن الوسائل الخطابية التي تقاسمه عامل السرد وذلك كالفن القصصي مثلا والذي لا تعدو أحداثه أن تكون مجرد أجسام مخيلة لا علاقة لها بالوجود الفعلي لعدم إمكانية حصرها في زمكانية حقيقية.
طابع الواقعية هذا يجعل التاريخ يتجانس مع العلم ليصير نشاطا من الأنشطة المعرفية كالفيزياء وعلم الأحياء. غير أن هذا التجانس لا يبيح لنا أن نضع التاريخ والعلم بمعناه الضيق (الكيمياء الفيزياء...) في مرتبة واحدة من الناحية المعرفية. فالتاريخ معرفة
-Paul Vilar "Histoire", in Encyc Univers, T. 9, p. 421. col. 1. (1)
(2) عبد الرحمن بن خلدون المقدمة دار العودة - بيروت ص 1.
7
للأحداث والوقائع، والعلم معرفة القوانين التي تتحكم في الأحداث والوقائع. فمثلا قانون الجاذبية، أي قانون تساقط الأجسام على الأرض يختلف اختلافا جذريا عن عملية سرد أو
حكاية تساقط هذه الأجساء 1
ورغم هذا الاختلاف بين عملية معرفة قانون التساقط وعملية سرد التساقط يمكن القول إنه من الصعب أن نعارض بين الظواهر الطبيعية، التي تتكرر باستمرار، والوقائع التاريخية التي لا يمكن معاينتها مرتين اثنتين ذلك لأن الظاهرة الطبيعية كسقوط ورقة شجرة تعتبر هي الأخرى فريدة ما دامت محصورة في الزمان والمكان. وبهذا المعنى يكون سقوط الورقة من الشجرة وسقوط «شاه إيران من السلطة، ظاهرتين تاريخيتين أو واقعين تاريخيين فالفرق بين المعرفة التاريخية والمعرفة العلمية - من وجهة النظر هذه - لا يكمن في شكل الواقعين المذكورين (سقوط الورقة وسقوط «الشاه»)، بل يكمن في الفرق بين موضوع المعرفة الأولى (قانون سقوط الورقة) وموضوع المعرفة الثانية واقع سقوط «الشاه»). فالمعرفة العلمية مجموعة من القوانين والمعرفة التاريخية مجموعة من الوقائع.
غير أن هذا التعارض لم يمنع من تواجد ما يسمى بتاريخ الظواهر الطبيعية، كتاريخ الأرض ( 2 ) أو تاريخ النظام الشمسي. وفي المقابل هناك ما يسمى بالعلوم الانسانية كالنظرية الاقتصادية أو الألسنيات العامة والتي لا ينصب اهتمامها على ما يقع للبشر بقدر ما تحاول تسطير القوانين المتحكمة في الأحداث المتعلقة بالبشر والإنسان.
فالتاريخ بهذا المعنى معرفة لا تقتصر على الانسان وحده، ما دام ان للطبيعة تاريخ هي الأخرى. إذ لا يجب اعتبار الإنسان بمثابة الكائن الوحيد الذي يتوفر على تاريخ. فالفهم السائد الذي يجعل التاريخ مقتصر على الإنسان يُعزى إلى أننا كتبنا كثيرا عن الوقائع التي تحدث للبشر، وقليلا جدا عن التطورات التي تحصل للطبيعة (3).
من هذا المنطلق، هناك سؤال نظري يجب أن نطرحه وتحاول الإجابة عنه : لماذا ينصب اهتمام التاريخ على أخبار الإمبراطوريات والمؤسسات والعقليات، ويترك جانبا ولادات الأفراد ووفاياتهم وزواجهم ؟ أسباب هذه الظاهرة المعرفية يمكن حصرها في سببين إثنين :
Paul Vilar, op. cit., p. 421, col. 1 (1)
(2) يجب استحضار مجموعة الأفلام الوثائقية حول تاريخ الأرض، والتي أعطاها صاحبها «هارون تارزييف» العنوان سعير «هارون تارزييف يحكي أرضه ! ».
8
Paul Vilar, op. cit., p. 421, col. 1. (3)
__________________
رابط التحميل
https://drive.google.com/file/d/1A24oc8-NJ2c9fP7HcEyf7UdlJRGnO7ww/view?usp=drivesdk