فشـل محــــاولات الصلح بيــن الزوجيــــن في الطلاق للشقاق

التطليق للشقاق في القانون المغربي مجموعة مواضيع في قانون الأسرة للإستعانة بها في البحوث التحضير للمباريات القانونية

فشـل محــــاولات الصلح بيــن الزوجيــــن في الطلاق للشقاق
إذا تعذر على المحكمة أثناء تفعيلها لمسطرة الشقاق إجراء تسوية ودية للنزاع المعروض عليها بإصلاح ذات البين بين الزوجين، فإنها تلجأ إلى تصفيته قضائيا عن طريق الحكم بالتطليق و بالمستحقات طبقا للمادة 97 من مدونة الأسرة، التي تنص على أنه : » في حالة تعذر الإصلاح و استمرار الشقاق تثبت المحكمة ذلك في محضر وتحكم بالتطليق وبالمستحقات .

.

.

«، حيث تضع بذلك حدا لسريان إجراءات دعوى الشقاق عكس ما كان معمول به في ظل النظام القانوني السابق، إذ رغم فشل محاولات الصلح بين الزوجين فإن دعوى التطليق كانت تأخذ طريقها العادي، و كل واحد من الطرفين يقدم وسائل دفاعه أمام القضاء الذي له أن يحكم بالتطليق أو بعدمه بناء على ما توصل إليه واقتنع به، كما يتضح طبقا لمقتضيات الفصل 212 من ق.

م.

م في صياغته القديمة - قبل تعديله في بمقتضى قانون 03-72 - وذلك بنصه على ما يلي: » إذا فشلت المحاولة أو بعد استدعاء الطرفين وتخلف الزوجين أو أحدهما عن الحضور أصدر القاضي أمرا بعدم التصالح ويأذن للمدعي بمواصلة الدعوى «، فمحاولة الصلح كانت تعتبر فقط إجـراء أوليـا تفتتح به دعوى التطليـق، في حين أنها في دعوى الشقاق تطغى على كل مراحلها الإجرائية إلى حين حسمها بإشهاد المحكمة على محضر الصلح أو حكمها بالتطليق و بالمستحقات.

وإذا كان فشل محاولات الصلح بين الزوجين يمثل النتيجة التي يخلص إليها قضاء الأسرة في معظم دعاوي الشقاق التي تعرض عليه، كما تؤكد ذلك الأحكام القضائية الصادرة في الموضوع، فإن ذلك يرجع من حيث القانون والواقع إلي مجموعة من الأسباب المتداخلة فيما بينها، و التي تؤدي في مجملها إلى تجريد مسطرة الشقاق من طابعها الوقائي المومأ إليه سابقا، مكرسة بذلك تلك الهوة الموجودة بين القانون والواقع في الكثير من المجالات، وتتمثل أساسا في سوء فهم مضامينها الحقيقية من جهـة وضعف أو بالأحـرى تعطـل عمل آليـات الصلـح و الوساطة من جهة أخرى، بحيث إن الدافع الأساسي الذي يكمن وراء لجوء الزوجة إلى طلب تطبيق مسطرة الشقاق– مادام ذلك يقترن عمليا بحقها – اعتبارها وسيلة سهلة و مرنة لا تحتاج إلى إثبـات ما تدعيه للحصول على التطليق في أقـل وقـت و بأبسط الإجراءات، إذ يكفي أن تتمسك به أمام القضاء رافضة لكل المساعي الرامية إلى إجراء الصلح بينها و بين زوجها، فالاعتقاد السائد بخصوص مسطرة الشقاق أنها تمثل توسيعا لحالات حق طلب التطليق المخول للزوجة مقابل الطلاق الذي هو من حق الزوج، ولعل هذا ما يفسر العدد الهائل من طلبات التطليق للشقاق المقدمة من طرف الزوجات منذ دخول المدونة حيز التطبيق، مقارنة مع طلبات التطليق المؤسسة على أحد الأسباب المنصوص عليها في المادة 98 منها.

لذلك فالتشبث بطلب التطليق الذي يعتبر موضوعا و هدفا في نفس الآن في دعاوي الشقاق، يجعل المحكمة تصطدم عمليا بصعوبة القيام بمحاولات الصلح بين الزوجين، لأجل تسوية النزاع القائم بينهما وديـا بدل حسمه عن طريق الحكم بالتطليق، حيث إن الواقع العملي يؤكد أن الزوجة بالخصوص لا تلجأ إلى القضاء إلا بعد أن تستنفذ كل محاولات لم الشمل و التفاهم مع زوجها، و بالتالي فإن إقدامها على ذلك لا يكون إلا بعد اتخاذها قرار الانفصال عنه، مما يجعل القضاء يقتنع مسبقا بعدم جدوى أي محاولـة يمكن القيـام بها لحملها على الرجـوع عن قرارهـا، حفاظا على كيان الأسرة من التفكك و الانهيار.

هذا، ناهيك عن صعوبة التوفيق بين تطبيق المحكمة للقانون و في نفس الوقت القيـام بعملية الصلح التي تحتاج إلى تقنية عالية و خبـرة واسعة و طـول النفس، من خلال الإحاطة بكل جوانب النزاع القانونية و غير القانونية، فالقاضي في هذا الإطار بالإضافة إلى تكوينه القانوني يجب أن تكون له دراية واسعة بكل الفـروع العلمية التي لها علاقـة بالأسرة، كعلـم الاجتماع الأسري و علـم النفس وأنتربلوجيا الأسرة .

.

.

، بل حتى في حالة لجوئها إلى تفعيل آليات الوساطة غير القضائية عن طريق التحكيم، فمهمة الحكمين تبوء بالفشل لعدم توفر فيهما الشروط الضرورية التي تؤهلهما للقيام بذلك، إضافة إلى عدم فهمهما جيدا المقصود من مهمتهما و كيفية أدائها، حيث يكتفيان أمام القضاء بترديد كل واحد منهما لادعاء الطرف الذي هو من أهله والدفاع عنه، وبدل القيام بمهمة الاصلاح بين الزوجين يؤججان النزاع القائم بينهما والدفع به نحو حسمه عن طريق الحكم بالتطليق.

كل ذلك يجعل من إجراءات التسوية الودية في دعاوي الشقاق، مجرد إجراءات شكلية ( روتينية )، الغاية من تفعيلها احترام القضاء للقانون الذي يحكم النزاع المعروض عليه، خاصة و أن الصلـح في القضايا المرتبطة بتطبيـق مدونـة الأسرة، يعتبر من متعلقات النظام العام لا يجوز خرقه تحت طائلة بطلان الحكم الصادر في موضوعها، الأمر الذي يبرر ضرورة مراجعـة نظـام تكويـن القضاة العاملين في أقسام قضاء الأسرة، وتعزيـز آليات الوساطـة والمصالحـة والتحكيم في هذه القضايا، وذلك لمواكبة الإصلاحات المهمة التي جاءت بها المدونة الجديدة لفائدة الأسرة المغربية سيما في مجال تنظيم العلاقات بين أفرادها.

عموما كيفما كانت طبيعة الأسباب المفضية إلى فشل محاولات الصلح بين الزوجين، فإن ما يجري به العمل القضائي أن المحكمة إذا ثبت لها وجود الشقـاق واستمراريته بينهما - و رفعا للحرج و الضيق - تحكم بالتطليق طبقا للقانون، لأنه لا يمكن للقضاء أن يرغم الزوجين على الاستمرار في الحياة الزوجية رغم الشقاق الحاصل بينهما، لما في ذلك من أضرار كثيرة لا يقتصر أثرها عليهما بل تمتد لتشمل أطفالهما والمجتمع برمته، لأن عدم الوئام و التنافر و الرغبة الملحة في الافتراق كثيرا ما ترجع إلى أسباب شخصية و معايير ذاتية تنبعث من تقدير شخصي للزوج أو الزوجة، وهذا ما تأخذ به بعض القوانين الوضعية المقارنة مثل القانون السوري لسنة 1953 المعدل بقانون 34/1975 الذي يجعل من الشقـاق بين الزوجين أهم الأسباب المبررة لانحلال العلاقة الزوجية عن طريق القضاء، حيث تنص المادة 128 منه على أن: » لكل من الزوجين إذا ادعى إضرار الآخر بما لا يستطاع معه دوام العشرة، يجوز له أن يطلب من القاضي التفريق و لا يشترط الإساءة للسير في الدعوى، بل بمجرد الادعاء كاف لتحـريك المتابعة«، كذلك فالاتجاه الذي أضحت تنهجه معظم القوانين الغربية بخصوص أسباب التطليق يتسم بالمرونة، باختزالها في سبب وحيد وعام هو الشقاق المستمر بيـن الزوجين ( ) .

وإذا كان التطليق في دعاوي الشـقاق يتسم طبقا للمادة 70 من مدونة الأسرة بطابعه الاستثنائـي، إذ لا يجـوز للمحكمة اللجوء إليه إلا بعـد تعـذر الإصـلاح و استمرار الشقاق بين الزوجين ، فإن تطبيقه في حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين يقتضي منها مراعاة الآثار المترتبة عنه في مواجهة حقوق جميع أفراد الأسرة.

What's Your Reaction?

like
0
dislike
0
love
0
funny
0
angry
0
sad
0
wow
0