تعتبر تدابير
المراقبة القضائية من بين أهم المستجدات التي جاء بها ق.م.ج الجديد، والتي يمكن لقاضي التحقيق بموجبها أن يتخذ أي تدبير يهدف إلى ضمان حضور المتهم وهو في حالة سراح بدل اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، وهكذا يكون إحداث نظام المراقبة القضائية سدا لثغرة كانت تعتري قانون المسطرة الجنائية الملغى الذي كان معه
قاضي التحقيق له خيارين لا ثالث لهما وهما إما اعتقال المتهم احتياطيا وإما الإفراج عنه ، وهما حلين يبدوان متطرفان لمعالجة وضعية متهم قد لا يكون ملائما ومفيدا اتخاذ أي تدبير من التدبيرين معه .
كما أن التجربة السابقة أدت إلى تكريس وضعية المعتقلين بالسجون، وإرهاق كاهل الدولة ماديا من خلال ما يتطلبه المعتقلون من إيواء وطعام وتمريض وتجنيد لأطر إدارة السجون، وضرورة التنسيق بينهم لنقل وإحضار المتهمين كلما اقتضت ضرورة المحاكمة ذلك، الأمر الذي جعل المشرع يضيف تدبيرا
استثنائيا آخر وهو المراقبة القضائية، وتطبيق هذا التدبير الأخير يسري فقط على الجنايات والجنح المعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية ( المادة 159 ق م ج ) دون المخالفات أو الجنح غير المعاقب عليها بالحبس، ويترتب على الطبيعة الإستثنائية لهذا التدبير ضرورة قيام أسباب وعلل لإتخاذه ، على اعتبار أنه أيضا يقيد من الحرية
الفردية للشخص.
وبالرجوع إلى المواد160 إلى 179 ق م ج نلاحظ بأن المتهم يمكن أن يوضع تحت المراقبة القضائية في أي مرحلة من مراحل التحقيق، لمدة شهرين قابلة لتمديد خمس مرات .
وعند اتخاذ هذا القرار يجب أن يكون مكتوبا ويبلغ شفويا للمتهم والى النيابة العامة داخل اجل 24 ساعة، ويمكن لقاضي التحقيق إتخاذ تدبير واحد أو عدة تدابير وإستبدال هذا بذاك ، أو إضافة تدبير آخر لم يكن متخذا أو إلغاء تدبير كان قد اتخذه وذلك من تلقاء نفسه أو بناءا على طلب النيابة العامة أو المتهم أو
دفاعه .
ونشير إلى أن الأمر بالوضع تحت نظام المراقبة القضائية يقبل الطعن بالاستئناف من لدن المتهم والنيابة العامة في اليوم الموالي لاتخاذه، وعلى الغرفة الجنحية أن تبث فيه داخل اجل 15 يوما، كما أن الأمر برفع هذا التدبير يقبل أيضا الطعن بالإستئناف كما تقضي بذلك المادة 222 ق م ج.
غير أن تطبيق نظام المراقبة القضائية يطرح العديد من الإشكاليات منها ما هو قانوني ومنها ما هو عملي:
- عدم إلزامية تعليل القرار بالوضع تحت المراقبة القضائية، إذ تنص الفقرة الثانية من المادة 160 ق م ج " يصدر قاضي التحقيق بشأن الوضع تحت المراقبة القضائية أمرا يبلغه في الحال شفهيا إلى المتهم ويسجل هذا التبليغ في المحضر ويبلغه أيضا إلى النيابة العامة داخل اجل أربع وعشرين ساعة...".
يلاحظ أن المشرع لم يلزم قاضي التحقيق بتعليل قراره حتى في حالة التمديد، كما لم يرتب أي جزاء على انتهاء المدة القانونية للوضع تحت نظام المراقبة القضائية، وذلك على العكس من نظام الاعتقال الاحتياطي.
في هذا الإطار نعتقد أن قاضي التحقيق ملزم بتعليل قراره بالتمديد قياسا على المادة 177 من ق م ج المتعلقة بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي، على اعتبار الطبيعة الاستثنائية للإجراء وخطورته، ذلك أن الوضع تحت المراقبة القضائية له مساس إما بحرية الشخص وتنقله والتصرف في أمواله، لذلك فان المنطق السليم يفرض هذا
التعليل .
أما بخصوص جزاء انتهاء المدة القانونية، فإننا نعتقد مع بعض الباحثين أن ذلك يعتبر تحصيل الحاصل ، إذ بمجرد انتهاء الفترة الزمنية المحددة قانونا ينتهي معها الوضع تحت المراقبة، كما تنتهي أيضا بإصدار أمر بعدم المتابعة أو بالإحالة، إذ يتعين آنذاك على قاضي التحقيق أن يبث وجوبا في الاعتقال الاحتياطي أو الوضع تحت
المراقبة القضائية إعمالا لمقتضيات المادة 218 ق م ج .
- تعارض بعض تدابير المراقبة القضائية مع الدستور والمواثيق الدولية ،وهكذا فان التدبير المتعلق بمنع مغادرة الحدود الترابية والتردد على بعض الأمكنة المحددة من مع شانها أن تتعارض مقتضيات الفصل 9 من الدستور الذي يكفل حرية التنقل...
كما أن العديد من التدابير الواردة في المادة 161 ق م ج تشكل مجموعة من القيود على البعض من الحقوق التي تعتبر فلسفة حقوق الإنسان كحق العمل، والحق في سرية الحياة الخاصة .
يرى بعض الباحثين إجابة عن هذا التساؤل أن الوقت لازال مبكرا للإجابة عن هذا التساؤل على اعتبار أن التجربة لازالت في مهدها، لذلك فان الممارسة القضائية هي المعول عليها لكشف مدى انسجام هذه التدابير مع المقتضيات الدستورية والمواثيق الدولية.
- إن بعض التدابير تثير صعوبات خاصة : ونقصد بذلك منع المتهم من الاتصال ببعض الأشخاص، والمنع من مزاولة بعض الأنشطة، وإصدار الشيكات، وإثبات المساهمة في التدابير العائلية والأداء بانتظام النفقة المحكوم بها .
وهكذا مثلا بالنسبة لمنع إتصال المتهم ببعض الأشخاص لا يعتبر كافيا في العصر الحالي أمام التطور الهائل في وسائل الاتصال لذلك كان المشرع أن يضيف إلى الفقرة 11 من المادة 161 منع اتصال المتهم بأي وسيلة من وسائل الاتصال الحديثة .
أما التدبير المتعلق بإثبات أداء النفقة فإنه يتعارض مع اختصاص جهات قضائية أخرى كقاضي الأسرة والنيابة العامة ، ثم على فرض اختصاص قاضي التحقيق بذلك فان السؤال المطروح هو مدى أهمية للبث في تقدير النفقة وأسبابها وحال الزوجة ودخل الزوج...
ولعل هذه الصعوبات القانونية والعملية هي التي تدفع قضاة التحقيق إلى عدم تفعيل هذه التدابير والاقتصار على البعض القليل منها .