مسطرة تحقيق الخطوط في قانون المسطرة المدنية المغربي
مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات
وفي هذا الصدد تعد الكتابة من أهم طرق الإثبات وأقواها حجة، فإذا كان غالبا ما يسلم أطراف الدعوى بصحة وصدق المحررات التي تقدم فيها، بحث لا تكون محل أية منازعة من قبلهم، فإنه قد يحدث في بعض الأحيان أن ينازع طرف في المحرر الذي يحتج به عليه في الدعوى فيبادر الى الطعن في صحته وصدق ما تضمنه من بيانات.
الأمر الذي يفتح المجال أمام مسطرة تحقيق الخطوط والتي يكتفي فيها الطرف المحتج عليه بمحرر عرفي بإنكار ما ورد به من كتابة أو توقيع منسوب إليه أو يصرح بعدم معرفته لما ينسبه هذا المحرر من كتابة أو توقيع إلى الغير.
والورقة العرفية هي التي لا يحررها الأشخاص أو الموظفون العموميون الذين لهم صلاحية التوثيق، وعليه وبناء على ما سبق فإن الورقة العرفية هي التي تخضع لمسطرة تحقيق الخطوط، وسنتعرف في هذه الفقرة على أهم الشروط الموضوعية والشكلية لمسطرة تحقيق الخطوط (أولا)، على أن نتعرض بعد ذلك إلى الطبيعة القانونية لهذه المسطرة وكذا لإجراءات ممارستها ( ثانيا).
-أولا: الشروط الموضوعية والشكلية لمسطرة تحقيق الخطوط- اشترط المشرع المغربي في مسطرة تحقيق الخطوط مجموعة من الشروط الموضوعية والإجراءات الشكلية الواجب احترامها، ولذلك سنحاول في هذه النطة أن نتعرض للشروط الموضوعية بداية (1)، على أن نناقش في النقطة الثانية (2) الشروط الشكلية.
1- الشروط الموضوعية- يقضي الفصل 89 من قانون المسطرة المدنية والذي ينص على أنه:" إذا أنكر الخصم ما نسب إليه من كتابة أو توقيع أو صرح بأنه لا يعترف بما نسب إلى الغير أمكن للمحكمة صرف النظر عن ذلك ان رأت أنه غير ذي فائدة للفصل في النزاع، إذا كان الأمر خلاف ذلك فإنها تؤشر بتوقيعها على المستند وتأمر بتحقيق الخطوط بالسندات أو بشهادة الشهود أو بواسطة خبير عند الاقتضاء".
واستنادا الى الفصل أعلاه سيتبين لنا أن الشروط الموضوعية لمسطرة تحقيق الخطوط تتجلى في إنكار الكتابة والوقيع في محرر مدلى به في دعوى أصلية (أ)، وأن يكون محل الانكار أو التوقيع متعلق بورقة عرفية (ب).
أ- إنكار الكتابة أو التوقيع من طرف الخصم أو تصريحه بجهله لها- كما هو معلوم فإن الكتابة سواء بخط اليد أو بالآلة هي التي تشكل نوع المحررات التي يتم الطعن في صحتها، ولكن أهمية المحرر الخطي إنما يتم توقيعه بخط اليد وأن هذا التوقيع هو الذي يعد دلالة خطية على التعبير الصريح عن الإرادة، وأن التوقيع يستوجب توفره على خصائص جوهرية ويكون بدلالة خطية ويكون بخط يد الملتزم ويكون في أسفل الوثيقة.
والظاهر من هذا أن الطابع أو الختم لا يعتبران توقيعا في القانون المغربي، إذ نص الفصل 426 من قانون الالتزامات والعقود في فقرته الأخيرة على أنه:" ويلوم أن يكون التوقيع بيد الملتزم نفسه وأن يرد بأسفل الورقة ولا يقوم الطابع أو الختم مقال التوقيع ويعتبر وجوده كعدمه".
ونفس المقتضى يسري بالنسبة للبصة، وهو ما أكده الاجتهاد القضائي المغربي، حيث جاء في قرار لمحكمة النقض ما يلي:" التوقيع بالبصمة لا يشكل إمضاء يلزم صاحبه، فتكون المحكمة على صواب لما استبعدت العقد الذي تحمله انكار البصمة من طرف المحامي ليس انكار توقيع منوبة الذي يستلزم وجود توكيل خاص بذلك".
بالإضافة إلى ما سبق، يتجلى من خلال المقتضيات المشار اليها أعلاه، أن التوقيع ليس عنصرا جوهريا من مكونات الورقة العرفية، إلا إذا كانت مكتوبة بغير يد الملتزم بها، كما لو كتبها غيره باليد أو كتبت بالآلة، بمعنى أن الورقة المكتوبة بيد الملتزم بها لها حجية كاملة في ثبوت ما ورد بها عملا بالفصلين 424 و 426 من ق.
ل.
ع، ولو لم تكن موقعة من الملتزم، إذ القانون لم يشترط توقيع الملتزم، إلا إذا كانت مكتوبة بغير يده.
وهذا على خلال التشريع المصري، الذي يعتبر توقيع الملتزم على الورقة العرفية، شرطا لصحة الاحتجاج بها.
ب- تعلق الانكار بورقة عرفية- يستفاد من خلال الفصل 89 أعلاه، أن من شروط اللجوء الى مسطرة تحقيق الخطوط هو أن يكون محل إنكار الكتابة أو التوقيع ورقة عرفية، أما إذا كانت الورقة رسمية فيجب سلوك مسطرة الزور الفرعي كما سنرى لاحقا.
وحسب تعبير بعض الفقه فإن ما يجب التركيز عليه، هو أن الانكار الذي يعتد به لإبطال حجية الورقة العرفية، هو إنكار الكتابة أو الخط أو انكار التوقيع عند وجوده، بأن يصرح الشخص بأن الكتابة ليست بيده وليست كتابته، أو أن التوقيع ليس توقيعه، أما أن ينكر مضمون الورقة، أو ينكر صدور الالتزام عنه، أو أن يقول بأن هذه الورقة غير صادرة عنه، فكل هذا لا يعتد به إطلاقا.
مرد ذلك أن الورقة العرفية من خلال عنصر الكتابة فيها، أو التوقيع في حالة وجوده، هي حجة على حقيقة الوقائع والاتفاقات التي كتبت فيها، حسبما نظمه الفصلان 424 و 431 من قانون الالتزامات والعقود.
2- الشروط الشكلية- ان اللجوء إلى مسطرة تحقيق الخطوط في مستند مطعون فيه بالإنكار يستوجب أن يكون هذا المستند له تأثير على مسار الدعوى ويتوقف عليها، كما أن وكيل الخصم الذين يطعن في هذا المستند يستوجب عليه الإدلاء بوكالة خاصة بإذن له فيها بهذا الإنكار.
وتتجلى الشروط الشكلية لمسطرة تحقيق الخطوط فيما يلي: أ- توقف البث في الدعوى الأصلية على المستند المطعون فيه بالإنكار إذا تبين للمحكمة بعد النظر وتفحص المستند المطعون فيه بالإنكار بأن نتيجة الدعوى تتوف عليه، وبأن هذا المستند سيكون له فصل في النزاع فإنها في هذه الحالة تؤشر بتوقيعها على المستند وتأمر بتحقيق الخطوط فيه إما بشهادة الشهود أو بواسطة خبير عن الاقتضاء طبقا لما نصت عليه مقتضيات الفصل 89 من ق.
م.
م.
أما إذا كان البت في الدعوى الأصلية غير متوقف على هذا المستند فإن القاضي يرفض الاستجابة لطلب اجراء تحقيق الخطوط، لأنه في هذه الحالة غير منتج في الدعوى، كما لو كانت الورقة المطعون في صحتها ليس لها أي دخل في إثبات الدعوى أو هناك مستندات أخرى غير مطعون في صحتها من شأنها إثبات الدعوى الأصلية.
وبالتالي فالمحكمة تأمر بتحقيق الخطوط متى كان المستند منجا ومفيدا في الدعوى، وإلا فإنها تقضي بعدم قبوله إذا تبين لها العكس، غير أنه لا يجوز للمحكمة اعتماد المستند المطعون فيه متى صرفت النظر عن الطعن، وهو الأمر الذي أكدته محكمة النقض في قرار لها بتاريخ 14/04/2004، والذي جاء فيه:" يمكن للقاضي أن يصرف النظر عن الطعن بالزور الفرعي إذا رأى أن الفصل في الدعوى لا يتوقف على المستند المطعون فيه، أما إذا اعتمده في الإثبات فإنه يتعين إجراء المسطرة المبينة في الفصل |92 من ق.
م.
م.
صرف المحكمة عن التحقيق في الطعن بالزور الفرعي، واعتمادها للمستند المطعون فيه يجعل قرارها مجانبا للصواب، ومعرضا للإلغاء ".
ب- الادلاء بوكالة خاصة إذا كان الخصم ممثلا للدعوى انطلاقا من المادة 30 من القانون 08-28 المنظم لمهنة المحاماة، فإن الدفع بالإنكار المقدم بواسطة محام يستوجب توفره على وكالة مكتوبة من طرف موكله.
-ثانيا: الطبيعة القانونية لمسطرة تحقيق الخطوط وإجراءات ممارستها- تكملة للمقتضيات التي تم التطرق اليها في النقطة الأولى، سنحاول في هذه النقطة أن نتطرق الى الطبيعة القانونية لمسطرة تحقيق الخطوط (1)، على أن نخصص (2) للحديث عن إجراءاتها المسطرية.
- 1- الطبيعة القانونية لمسطرة تحقيق الخطوط- الملاحظ أن المشرع المغربي لم يحسم بنص صريح في مسألة الطبيعة القانونية لمسطرة تحقيق الخطوط، ما إذا كانت طلبا أو دفعا، أي هل يقدم على شكل طلب عارض أم على شكل دفع موضوعي، الشيء الذي أدى إلى ظهور اتجاهين فقهيين، الاتجاه الأول يرى أن طبيعة مسطرة تحقيق الخطوط ليس دفعا موضوعيا، وإنما هي ادعاء يجب ان يقدم في شكل عارض، واتجاه آخر يرى أن طبيعة هذه المسطرة يجب أن تقدم على شكل دفع، لكن الرأي الراجح انها يجب أن تقدم على شكل طلب قياسا على الفصل 94 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه:" إذا وضع المستند أجرى القاضي التحقيق في الطلب العارض المتعلق بالزور الفرعي".
ومن خلال الفصل المشار اليه أعلاه يتضح أن الزور الفرعي من الطلبات العارضة، وهو نفس الشيء يمكن أن يطبق على تحقيق الخطوط لكونها مضامين قانونين متشابهين بحيث لا يعتد به إلا إذا قدم في شكل طلب عارض يكون منطلقا لقيام المحكمة بإجراءات انكار الخط أو التوقيع المنصوص عليه في القانون دون الاكتفاء بمجرد إثارته أو الوقوف عند حد الدفع به.
- 2- الإجراءات المسطرية لتحقيق الخطوط- بعد ما يتضح للمحكمة أن المستند المطعون فيه بالإنكار يتوقف عليه مسار الدعوى فإنها تشرع في إجراءات التحقيق وذلك بتوجيه إنذار إلى الطرف المتمسك بالمستند المطعون فيه وتندره إذا ما كان يتمسك بالمستند المذكور والتعريف بنيته في استعماله أم لا وتشرع بعد ذلك في تطبيق الفصل 92 من ق.
م.
م.
وعليه إذا تخلى الطاعن عن استعمال المستند أو لم يصرح بشيء بعد ثمانية أيام على إنذاره صرفت المحكمة النظر عن الإجراء وقامت بتنحية من الدعوى، أما إذا كان الأمر خلاف ذلك فإنها تأمر بإيداع أصل المستند المطعون فيه لدى كتابة الضبط المحكمة حفاظا عليه من الضياع، وتقوم المحكمة بالتأشير وتشرع حينئد في مسطرة تحقيق الخطوط، إما بواسطة الشهود أو بواسطة خبير عند الاقتضاء.
وفي هذا تطبق القواعد المقررة بالنسبة للأبحاث والخبرة في تحقيق الخطوط، ويتم كذلك تحقيق الخطوط بواسطة المقارنة بالمستندات مع المستند المطعون فيه بالإنكار، وتكون المستندات المقارنة وفق ما ينص عليه الفصل 90 من ق.
م.
م هي: التوقيعات على السندات، والكتابة أو التوقيعات التي سبق الإقرار بها، بالإضافة إلى القسم الذي لم ينكر من المستند موضوع التحقيق.
وقد أكد الفصل 97 من ق.
م.
م على أن وضع المستند المطعون فيه أو أصله بكتابة الضبط والتأشير عليه، فإنه يتم تحرير محضر من قبل المحكمة تبين فيه حالة المستند أو الأصل بحضور الأطراف أو بعد استدعائهم بصفة قانونية لذلك.
كما أنه يمكن للنيابة العامة أن تحضر أثناء تحرير المحضر المشار اليه، ولا بد من التأكيد في هذه النقطة أن مسطرة تحقيق الخطوط والزور الفرعي، من الضروري تبليغ النيابة العامة بها.
وعليه اذا انتهت المحكمة من خلال إجراءات التحقيق التي أمرا بها الى كون المحرر صحيحا، حكمت على من أنكره بغرامة مالية قدرها ما بين مائة وثلاثمائة درهم دون المساس بالتعويضات والمصاريف التي ستحكم بها عليه، ويلاحظ أن الغرامة المفروضة في الفصل 90 من ق.
م.
م ضئيلة جدا ولا تفي بالغرض من الزجر خاصة إذا كان طالب الإنكار سيء النية وكانت غايته إطالة أمد الدعوى لا غير.