أسباب ودفوع الإدارة للامتناع عن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية
مجموعة دروس في قانون المسطرة المدنية للتحضير للمباريات القانونية و السداسية السادسة شعبة القانون والاسنعانة بها في البجوث والعروض والمقالات
أسباب ودفوع الإدارة للامتناع عن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية
ذ. جواد الطالب خريج ماستر قانون المنازعات العمومية بفاس
مقدمة:
يعتبر الحكم أو القرار القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به، مبتغى كل متقاض ومدعي اثناء قيام الخصومة بينه وبين الإدارة، اما بسبب تعسف تعرض له من طرف الإدارة، بسبب قراراتها الإدارية المتسمة بالانحراف في استعمال السلطة، او بسبب عدم وفاء الإدارة بالتزاماتها تجاه المتعاقدين معها، فنتج عن ذلك نزاع بت فيه القضاء الاداري، فكل نزاع أو خصومة مهما طالت إجراءات التقاضي بشأنها أمام القضاء الإداري سواء امام قضاء الإلغاء او القضاء الشامل، لا بد وأن تنتهي بحكم أو قرار قضائي حائز على قوة الشيء المقضي به، حتى يتسنى المطالبة بتنفيذه لفائدة من ربح الدعوى في مواجهة خصمه. إلا أن كسب الدعوى في مواجهة الإدارة لم يعد يشكل هاجس المتقاضي ضدها، المتأكد من ثبوت حقه وعدالة قضيته، بل إن تنفيذ هذا الحق وتمكينه منه أصبح يشكل التحدي الأكبر، خاصة في ظل امتناع الإدارة وعدم اكتراثها لقوة الشيء المقضي به.
وعلى الرغم من ارتقاء واجب تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به الى منزلة ومصاف الأحكام والمبادئ الدستورية من خلال ما نص عليه الفصل 126 من دستور 2011، بالإضافة الى مجموع التوجيهات والخطب الملكية في ذات الشأن، منذ سنة 1999، حيث وخلال ترأس جلالته لافتتاح أشغال دورة المجلس الأعلى للقضاء في 15 أكتوبر من نفس السنة، أكد حفظه الله على أنه: "... من البديهي على ألا يحقق القضاء هذا المبتغى إلا إذا ضمنا لهيئته الحرمة اللازمة والفعالية الضرورية بجعل أحكامه الصادرة باسمنا تستهدف الانصاف وفورية البت والتنفيذ، وجريان مفعولها على من يعنيهم الأمر" وتوالت التوجيهات الملكية والخطابات التذكيرية في هذا المجال وفي كل المناسبات، حيث وبمناسبة افتتاح دورة البرلمان يوم 14-10-2016 ومع استفحال ظاهرة امتناع الإدارة عن تنفيذ أحكام القضاء خاطب جلالة الملك نواب الأمة بتعجب وتساؤل "... كيف يمكن مطالبة الناس بأن يثقوا في الإدارة وهي لا تنفذ حتى الأحكام القضائية" وهوما دفع رئيس الحكومة السابق على الرغم من وجود منشور الوزير الأول رقم 2008/1 إلى إصدار منشور جديد تحت عدد2015/12 حول تنفيذ الاحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام، أكد فيه على الجهات المعنية بضرورة تيسير مساطر تنفيذ الأحكام القضائية النهائية، وكذا الإشراف على تتبع الأحكام القضائية دون إغفال السعي إلى حل النزاعات بالتوافق مع أطراف النزاع بدل اللجوء إلى القضاء، وهو ما نعتبره شكلا من أشكال الحكامة الجيدة المنصوص عليها دستوريا، والتي تروم تحقيق الأمن القانوني، ومبدأ الاقتصاد القضائي، في ظل ربط المسؤولية بالمحاسبة، إذ لا قيمة للتكلم بحق لا نفاذ له.
وتكمن أهمية هذا الموضوع في كون أنه لا قيمة للحماية القضائية بدون تحقق تنفيذ الأحكام النهائية خاصة منها الصادرة في مواجهة الإدارة، وهو ما عبر عنه "توكفيل" أحسن تعبير عندما قال " إذا كان النظام القانوني في فرنسا مطلوبا ومؤكدا، فإن التعسف يجد ملاذه في التنفيذ"، فالإخلال بمبدأ ضرورة احترام الأحكام يصير بمبدأ المشروعية الى العدم كما قال العميد "ديجي".[1]
فما هي الأسباب الكامنة وراء امتناع الإدارة عن تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية الصادرة ضدها؟ وما مدى جدية دفوعها أمام القضاء الإداري؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، وجب الوقوف على دفوع الإدارة للامتناع عن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة ضدها لاعتبارات المصلحة العامة (أولا) قبل الوقوف على الاعتبارات الشخصية التي تحول دون تنفيذ رجل الادارة لقوة الشيء المقضي به (ثانيا) .
أولا: دفوع الإدارة للامتناع عن تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية الصادرة ضدها لاعتبارات المصلحة العامة.
إذا كان تنفيذ الأحكام القضائية العادية لا يواجه في غالبية الأحيان إشكاليات في التنفيذ، فإن تنفيذ الأحكام الإدارية عادة ما يواجه صعوبات كبيرة ،[2] ففي غياب إطار تشريعي او نص قانوني واضح يلزم ويرغم الإدارة على الانصياع لقوة الشيء المقضي به، تسعى هذه الأخيرة كمحكوم ضدها ومعنية بالتنفيذ إلى إثارة الدفوعات والحيل لجعل عدم تنفيذها للحكم أو القرار القضائي الصادر ضدها مبررا.
فللتملص من واجب تنفيذها للأحكام القضائية، غالبا ما تثير الإدارة وجود صعوبات واقعية تحول دون استجابتها لأمر القضاء، فضلا عن تمسكها بالدفوع القانونية، لتقحم إشكالية تعطيل المرفق العام بتوقفه عن تقديم خدماته للمرتفقين كمقابل لتنفيذ قوة الشيء المقضي به في دعاوى القضاء الشامل، دون اكتراث لما في ذلك من تعد على مبدأ سمو القانون وخرق لمبدأ المشروعية.
وفي إطار بحثها المستميت عن كل ما من شانه دفع المسؤولية عن عدم تنفيذ الالتزام بتنفيذ الاحكام القضائية، تحاول الإدارة الوقوف على كل الثغرات القانونية الممكن التحجج بها، ما لم تلجأ الى سلوك إجراءات إدارية او قضائية تعيق التنفيذ او تشل فعاليته من خلال الاستشكالات في التنفيذ غير الجدية او الكيدية.[3]
ومن بين النصوص التي تتمسك بها الإدارة للتخلص من تنفيذ قوة الشيء المقضي به ضدها بدافع المصلحة العامة و مبدأ فصل السلط، نجد الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية المغربي الذي ينص على أنه" يمنع على المحاكم عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة أن تنظر ولو بصفة تبعية في جميع الطلبات التي من شأنها أن تعرقل عمل الإدارات العمومية للدولة والجماعات العمومية الأخرى أو أن تلغي إحدى قراراتها، ولا يجوز للجهات القضائية أن تبت في دستورية القوانين"، فتلجأ الإدارة في شخص ممثلها القانوني الى الامتناع عن التنفيذ أو محاولة إثارة الصعوبة في التنفيذ، لكن المشرع المغربي تفطن لذلك، وحدد الحالة التي يمكن أن تكون سندا قانونيا في إيقاف القرارات القضائية وهي المنظمة بموجب أحكام الفصل 436 من قانون المسطرة المدنية بقوله "إذا أثار الأطراف صعوبة واقعية أو قانونية لإيقاف تنفيذ الحكم أو تأجيله أحيلت الصعوبة على الرئيس من لدن المنفذ له أو المحكوم عليه أو العون المكلف بتبليغ أو تنفيذ الحكم القضائي ويقدر الرئيس ما إذا كانت الادعاءات المتعلقة بالصعوبة مجرد وسيلة للمماطلة والتسويف ترمي إلى المساس بالشيء المقضي به حيث يأمر في هذه الحالة بصرف النظر عن ذلك. وإذا ظهر أن الصعوبة جدية أمكن له أن يأمر بإيقاف التنفيذ إلى أن يبت في الأمر." وفيما غير ذلك لا يمكننا إلا اعتباره شططا في استعمال السلطة من طرف الإدارة الصادر ضدها الحكم، ونعده من أعمال العرقلة بسبب تجاوز سلطاتها في هذا الباب.[4]
كما أن مبدأ الفصل بين السلطات الذي قد تتشبث به الادارة، وما يستتبعه من استقلال الإدارة، لا يتخذ إلا ليضمن للموظفين العموميين حرية الحركة والتصرف وليس عد م الالتزام بقوة الشيء المقضي به[5].
تجدر الإشارة الى أن مجمل الصعوبات الواقعية او القانونية التي تثيرها الإدارة سواء أثناء الدعوى (دعوى الإلغاء مثلا)، أو عند تنفيذ قوة الشيء المقضي به، غالبا ما لا يلتفت اليها القضاء، لأنها تكون ناتجة عن أخطاء إدارية، إما تتعلق بأخطاء أثناء الفحص والتدقيق في الوثائق المدلى بها أمامها، أو بعدم احترام آجال سحب قراراتها الإدارية المحددة في 60 يوما المخصصة للطعن بالإلغاء، مما يولد حقوقا مكتسبة لأصحابها بعد تحصين القرار الإداري بفوات أجل السحب، فتجد الإدارة نفسها في حرج شديد ليس أمام المعني بقرار السحب فحسب، وإنما أمام مراقب الدولة الذي يرفض التأشير على ملف المعني اذا تعلق الامر بالتوظيف مثلا، فتتقدم الإدارة أمام القضاء بهذا الدفع الذي تعتبره الإدارة دفعا جديا، ولكنه في نظر القضاء يبقى خطأ مرفقيا على الإدارة تحمل توابعه وعواقبه، فيطبق عليها قاعدة عدم التمسك بالدفوع، فيكون بذلك قد استعار صرامة إحدى قواعد القانون الصرفي المستمدة من المادة 171 من مدونة التجارة لسنة 1996[6]. فبالنسبة للقضاء الإداري الدفوع التي تقدمها الإدارة والمتعلقة بعدم تأشير مراقب الدولة على الملف المعني تبقى بينه وبين الإدارة المعنية، ولا يمكن للإدارة تعليل سحب القرار الإداري الخاص بالمعني به خارج الأجل القانوني، بحجة أن مراقب الدولة اكتشف الخطأ الذي لم تتفطن له الإدارة في الوقت المناسب فرفض التأشير على ملفه، ما لم يثبت أن صاحب الملف قد استعمل مناورة تدليسية كانت سببا في وقوع الإدارة في غلط حملها قبول توظيفه.
وفي هذا الاطار يندرج حكم المحكمة الادارية بالرباط عدد 1530 بتاريخ 30/12/2004 والذي جاء في حيثياته أيضا "وحيث إنه بالنسبة للدفع المثار من طرف الإدارة المطلوبة في الطعن المتعلق بكون أن ترشيح الطاعن لمنصب محلل لا يمكن أن يولد له حقا مكتسبا طالما أن المراقب المالي رفض التأشير عليه، فإن الحق المذكور ترتب لفائدة الطاعن بمجرد صدور قرار التعيين من طرف الآمر بالصرف، ولا يتوقف نفاذه على تأشيرة المراقب المالي، كما استقر على ذلك قضاء الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عبر قرارات متواترة، منها القرار رقم 997 الصادر بتاريخ 10/10/2002 في الملف الإداري عدد 955-4-1-2002، والذي جاء فيه على أن تأشيرة المراقب المالي ليس لها أثر على الحق المكتسب الذي يصبح مصونا بصدور القرار الإداري لصالح المعني بالأمر، وهو نفس الاتجاه الذي سبق أن أكدته في قرارها الصادر بتاريخ 21/10/1999 في الملف عدد 93/115/98، وقرارها رقم 803 المؤرخ في 18/5/2002، الأمر الذي يتعين معه استبعاد الدفع المذكور".
وفي ذات السياق أيضا، أصدر القضاء الإداري حكما حديثا، يتعلق هذه المرة بالقضاء الشامل لمحكمة الرباط تحت رقم 4184 بتاريخ 03/10/2018 رد فيه على الإدارة كل الدفوع البينية القانونية منها والواقعية المحتج بها لدفع مسؤولية عدم التنفيذ لقوة الشيء المقضي به، مكرسا بذلك مجموعة من القواعد والاجتهادات القضائية. حيث جاء في احدى حيثياته المعنونة كالتالي:
- بخصوص الدفع الثالث المتعلق بعدم امتناع المركز الاستشفائي ابن سينا عن رفع اليد عن الضمان المؤقت:
"حيث دفع نائب المركز المدعى عليه ان محضر الامتناع المحتج به لا يعد محضر امتناع صحيح لانعدام واقعة الامتناع عن التنفيذ، مؤكدا أن التنفيذ كان في مواجهة الإدارة وليس شخص عادي ويخضع لمجموعة من الإجراءات والتدابير ويتطلب حيزا زمنيا مهما لتداخل المصالح وتعدد المساطر من أجل الحصول على تأشيرة الأداء من طرف المراقب المالي.
وحيث إن امتناع إدارة المركز الاستشفائي ابن سينا عن رفع اليد عن الضمان المؤقت ثابت سواء بعد توقيعها بدون تحفظ لمحضر التسليم المؤقت للأشغال بتاريخ 29/05/2015 وبالتالي كان التسليم النهائي متوقعا بتاريخ 29/06/2006 وكان يتوقف عليه اصدار الآمر بالصرف وهو مدير المركز الاستشفائي ابن سينا لمقرر رفع اليد ثلاثة أشهر بعد التسليم النهائي أي بتاريخ 29/06/2006 وذلك طبقا للمادة 16 من مرسوم 2000 أو بعد الإقرار القضائي للتسليم النهائي للأشغال بمقتضى القرار الاستئنافي الصادر بتاريخ 29/10/2010 وبالتالي يتعين رفع اليد عن الضمان المؤقت مباشرة بعد تبليغ الجهة المدعى عليها بالإعذار بتنفيذ الحكم، لكن المركز الاستشفائي استمر بالرفض والامتناع بدون سبب قانوني وواقعي فضلا عن أن الدفع الذي اثاره لا محل له في نازلة الحال والمتعلق بكون التنفيذ في مواجهة الإدارة يتطلب تدخل عدة مصالح وإدارات وتعدد المساطر من أجل الحصول على تأشيرة المراقب المالي في ظل امتناع عن التنفيذ دام ما يناهز 7 سنوات بدون علة قانونية واضحة.
وحيث إن الثابت من الممارسة العملية للتأشير على مقررات رفع اليد المرتبطة بضمانات الصفقات العمومية أنها تتم بصورة آلية سواء في حالة التصفية العادية للصفقة بين الآمر بالصرف والمراقب المالي إذ يتحقق فقط من التسليم النهائي للأشغال ومرور أجل 3 أشهر من تاريخ التسليم النهائي للأشغال طبقا للمادة 16 المذكورة أعلاه؛
أو في حالة المنازعة فإن رفع اليد عن الضمانات المالية لا يتطلب الأمر إلا تبليغ الخازن الوزاري المعتمد لدى الآمر بالصرف صاحب الصفقة بالحكم النهائي المتعلق برفع اليد ويتم التأشير عليها بطريقة سلسة وآلية، مما يبقى معه الدفع المثار أعلاه غير مؤسس ويتعين رده."
بهذا كرس القضاء في هذا الحكم قاعدة مهمة حيث اعتبر أن " امتناع الإدارة عن التنفيذ بدون سبب واضح أو مبرر واقعي يعيق التنفيذ من الوجهة القانونية يمس بقدسية الأحكام الصادرة باسم جلالة الملك ويمس بهيبة الدولة..." فنص على "ان واقعة استمرار امتناع المركز المدعى عليه عن رفع اليد وعن تنفيذ الحكم ... يعكس درجة جد عالية من الضرب والمساس بقدسية الاحكام الحائزة لقوة الشيء المقضي به الصادرة باسم جلالة الملك ومخالفة لمقتضيات الفصل 126 من دستور المملكة برسم سنة 2011 الذي ينص على أن: "يجب على الجميع احترام الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء".
بل أكثر ذلك اعتبر ذات الحكم أن واقعة الامتناع هاته "فيها ضرب للحكامة الجيدة وحسن تدبير المرفق العام ..." وبدل ان تسعى الإدارة إلى التفصي من تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة ضدها عن طريق الامتناع غير المجدي الذي يزيد الطين بلة، مما يعرض المال العام لمزيد من التسرب والانفاق في غير ما خصص له، من خلال ما يقره ويحكم به القضاء على الإدارة كتعويض عن الضرر اللاحق بصاحب الحق المحكوم له، إما في شكل تصفية لغرامة تهديدية او في شكل تعويض مباشر عن الضرر نتيجة الامتناع عن التنفيذ، فإنه أولى للإدارة أن تتقن عملها لتتجنب مثل هذه الخسائر والنفقات الناتجة بالأساس عن سوء الإدارة والتسيير وضدا على الحكامة الجيدة، مستدعيا بذلك مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث جاء في ذات الحكم المذكور " وحيث إن تسخير المركز الاستشفائي الممتنع عن التنفيذ ماله العام للاقتطاع بفعل أحكام بالتعويض الصادرة في مواجهته تصفية لغرامة تهديدية تعرض مسؤوليه للمحاسبة والمسائلة طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 154 من دستور المملكة برسم سنة 2011 التي تنص على أن :" تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور"."
وفي امر سابق لرئيس المحكمة الإدارية بالرباط بتاريخ 11/12/08 ملف 807/08 تحت رقم 787، لأجل تنفيذ قوة الشيء المقضي به رد فيه كل دفوع الخازن الخاص لوزارة الداخلية (السيد عبد الله الفاضلي) وحدد الغرامة التهديدية في مواجهته حيث جاء فيه:
"وحيث يؤخذ من أوراق الملف ومستنداته والملف التنفيذي عدد 360/08/2 أن الخازن الخاص لوزارة الداخلية هو المنفذ لعملية الإشعار للغير الحائز بعد إشعاره بذلك من طرف إدارة الضرائب باعتباره محجوزا بين يديه وقد صدر أمر قضائي أعلاه مشمول بالنفاذ المعجل يقضي في مواجهته برفع الحجز المضروب بين يديه، وبعد أن عبر عن استعداده لتنفيذ الحكم القضائي موضوع التنفيذ آثار صعوبة قانونية في التنفيذ كانت محل رفض من طرف القضاء بحكم قضائي على أساس أنه المعني بالتنفيذ وبرفع الحجز وأن الحكم القضائي المذكور مشمول بالنفاذ المعجل ولا تطبق بشأنه مقتضيات الفصل 437 من ق.م.م، وبعد مواصلة التنفيذ في حقه من طرف مأمور التنفيذ امتنع عن التنفيذ بعلة أنه ينبغي إحالة ملف رفض الصعوبة على الجهة التي أصدرت الحجز وموافاته بنسخة من رفع اليد عن الحجز ليتأتى له التنفيذ.
وحيث اعتبارا لذلك ولما كان القابض قد أوقع حجزا بين يديه بناء على مجرد إجراء إشعار للغير الحائز ولما صدر حكم قضائي يخاطبه برفع الحجز، وكانت الأحكام القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به أو المشمولة بالنفاذ المعجل والقابلة للتنفيذ تسمو على كل قاعدة قانونية وعلى القرارات الصادرة عن السلطات الإدارية وعلى الإجراءات التنفيذية الأخرى يكون ملزما بالتنفيذ خصوصا بعد رفض منازعته المتعلقة بالصعوبة في التنفيذ.
وحيث إن الالتزام بالشيء المقضي به هو مبدأ قانوني مقدس يستهدف سيادة القانون والمشروعية وليعلو في القيمة على كل قرار أو إجراء إداري وأنه لا قيام للدولة القانونية إلا بإعلاء مبدأ خضوع الدولة ورجالاتها للقانون وسيادة المشروعية وأنه لا قيمة لهذا المبدأ ما لم يقترن مبدأ تقديس واحترام أحكام القضاء ووجوب تنفيذها من طرف المسؤولين عن التنفيذ فانه لا حماية قضائية ولا قيمة للقانون بغير تنفيذ.
وحيث لذلك ولما كان المطلوب ضده هو المعني بالتنفيذ في وضوء فحوى منطوق الأمر القضائي أعلاه وكان الحكم القضائي مشمولا بالنفاذ المعجل ولهاتين العلتين قضى برفض طلب إثارة الصعوبة من طرف المطلوب ضده بالملف 937/08 س يبقى امتناعه عن التنفيذ غير مبرر مما يبرر تحديد الغرامة التهديدية في حقه بصفته مسؤولا عن التنفيذ خصوصا وأن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد اتخاذ الإجراء المقابل لتنفيذ الحجز وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه برفعه ولا تستدعي تراتيب إدارية معنية أو برمجة للمال العام أو تعطيل وظيفة المرفق العام."[7]
يتضح مما سبق أنه إذا لم تتوفر الإرادة اللازمة لدى الإدارة، لاحترام السلطة القضائية وتنفيذ قوة الشيء المقضي به، فإن اشكالية تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة ستظل قائمة، مع التداخل بين الامتناع لأسباب قانونية او واقعية، والامتناع لاعتبارات شخصية.
ثانيا: الاعتبارات الشخصية التي تحول دون تنفيذ رجل الادارة لقوة الشيء المقضي به.
الى جانب اعتبارات المصلحة العامة او ما يمكن اثارته من وجود صعوبات واقعية او قانونية تحول دون تنفيذ الإدارة للأحكام والقرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، تتخفي اعتبارات أخرى تتعلق برجل الإدارة المكلف بالتنفيذ من حيث شخصيته النفسية الاجتماعية، قبل الاعتبارات المتعلقة بتكوينه القانوني وايمانه العميق بفكرة العدالة وبدولة الحق وسمو القانون. ففي كثير من الحالات نجد رجل الإدارة المعني بالتنفيذ خاصة في دعاوي الإلغاء المبنية على الشطط في استعمال السلطة غالبا ما يشخصن النزاع ويجعله بينه وبين الطاعن المحكوم له، ناسيا أو جاهلا بالطبيعة القانونية لدعوى الإلغاء كدعوى عينية غير شخصية، هدفها الغاء القرار الإداري المطعون فيه بسبب عدم مشروعيته، بل وتأثيره في المركز القانوني الطاعن، فالدعوى موجهة ضد القرار الإداري ولا علاقة لها بالشخص الذي اتخذه إلا من حيث صفته، لسبب بسيط وهو أن الطعن القضائي ليس بطعن ضد خصمين وانما هو طعن موجه ضد القرار الإداري المتسم بعدم المشروعية، فيلغيه القضاء مع إعمال كل ما يترتب عن ذلك من اثار قانونية. فإذا ما امتنع رجل الإدارة عن الخضوع لقوة الشيء المقضي به، فإنه يجرد حكم القضاء من كل اثاره ويحتفظ بكل اثار القرار الملغى.[8]
وفي حالات أخرى، تتذرّع الإدارة في عدم تنفيذها بعدم اقتناعها بالأسانيد القانونية للحكم الصادر ضدها والتي تصرّ على أن موقفها القانوني الذي كانت تدافع عنه أمام القاضي في إطار المحاكمة الإدارية هو السليم، في الحقيقة، يعكس هذا الدفع عقلية الانطباعية التي لم تتخلص منها الإدارة والتي تقوم على عدم فصل الإدارة بين وضعها كمتقاضٍ ووضعها كجهة معنية بتنفيذ الحكم. وأنّ الإدارة تستعمل وضعها الأخير لفرض موقفها السابق عن صدور الحكم في شكل تجاهل لقول القضاء. كما تعكس هذه الوضعية عدم الثقة تجاه المؤسسات القضائية ومساسا بمبدأ الفصل بين السلطات وتدخّلا في شأن القضاء على اعتبار أنّها بإثارة مثل هذا الدفع فهي تنزل نفسها منزلة الخصم والحكم.[9]
إنّ هذه الوضعيّة الغريبة الأقرب لمزاجية الأشخاص منها لعقلية الدولة تجعل جهة الإدارة تنفّذ الأحكام التي تريد وتمتنع عن تنفيذ الأحكام التي تكره وهي وضعية بعيدة كل البعد عن مبادئ دولة القانون والمؤسسات التي تحترم حجية حكم القضاء. فوظيفة القضاء تبقى وظيفة دولة من المفروض ألا يكون من هو تحت حكمها في حرج مما قضت به.[10]
ان رجل الإدارة الذي يتقاضى باسمها والذي مثلها أمام القضاء الإداري، وقدم كل ما لديه من حجج للدفاع عن قرارات الإدارة ومصالحها، يفترض فيه أنه أحرص الناس على احترام القانون حفاظا على سمعة وهيبة الإدارة التي يمثلها من جهة، والتزاما وانصياعا لأحكام القضاء الذي قبل بالترافع أمامه، وتطبيقا لمقتضيات القانون، لا سيما المادة 5 من قانون المسطرة المدنية المغربي، والتي تنص على أنه "يجب على كل متقاض ممارسة حقوقه طبقا لقواعد حسن النية"، فحسن النية من المبادئ والقواعد الثابتة في التقاضي سواء أثناء سريان الدعوى أو عند تنفيذ مقتضاها. فعندما تخسر الإدارة الدعوى المنظور فيها أمام القضاء، وتنفذ قوة الشيء المقضي به طواعية بكل يسر وبشكل آلي، فإن في ذلك حفظ لهيبتها ومدعاة لاحترامها.
وفي هذا المعنى يقول الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري: إن من كان مظلوماً وكان خصمه قوياً كالإدارة، فلابد من ملاذ يلوذ به ويتقدم إليه بشكواه ولا شيء أكرم للإدارة وأحفظ لمكانتها من أن تنزل مع خصمها إلى ساحة القضاء تنصفه او تنتصف منه وذلك أدنى إلى الحق والعدل وأبقى للهيبة والاحترام.[11]
كما أذكر في هذا المقام بما ذهبت إليه مؤسسة الوسيط، من خلال توصية إلى وزير الداخلية بأن " انتزاع ملكية عقار من صاحبه، وعدم تمكينه من المستحقات المحكوم بها كتعويض عما لحقه من ضرر، أمر لا يمكن أن يجد له مكان في حاضرنا ولا يقبل بوجوده في المغرب الجديد، مغرب الحق والمؤسسات.
وحيث أنه لا يمكن تصور مدى الشعور بالإحباط الذي قد يصيب المشتكية وهي تفقد ثقتها في الإدارة الموضوعة تحت مسؤولية الحكومة التي تنادي بالدفاع عن المشروعية، وبحماية الحقوق الأساسية، ومن ضمنها حق الملكية المضمون دستوريا".
وتضيف هذه المؤسسة، بأن "عدم تنفيذ حكم قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به من لدن الإدارة، لمن شأنه أن ينزع إذن عن هذه الإدارة مصداقيتها، ويساهم في زعزعة هيبة الدولة". [12]
ان الامتياز المعترف به لرجل الإدارة بجعل قراراته نافذة، يعطيه نفسا وثقة كبيرة ليسلك طرقا متباينة للتملص من تنفيذ الاحكام والقرارات القضائية الحائزة لقوة الشيء المقضي به، إذا ما ظهر له انها لا تتماشى ورغبته، حيث يتوهم رجل الإدارة ان تراجعه عن القرار الملغى يوصمه بالضعف امام المحكوم له، وبعدم الكفاءة في تسيير المرفق العام الموكول اليه مما سيخلف انطباعا سلبيا عنه أمام المواطنين، فيسارع الى التعنت والامتناع عن التنفيذ او عرقلته او افراغه من محتواه إذا أمكن له ذلك، بدل الامتثال لحكم القضاء. إلا ان هذا المسلك من جهة، لا علاقة له بالإنصاف والعدل، بل ان ضعف رجل الإدارة لا يفسر إلا بالاحتفاظ على قرار غير مشروع مما يسبب فوضى في النظام العام وجريمة يرتكبها رجل الإدارة في حق المجتمع،[13] ومن جهة اخرى لم يعد هذا المسلك مقبولا في ظل ما عرفه المغرب من تطورات تشريعية وقضائية في مجال صون الحقوق والحريات مع دستور 2011، ناهيك عما تميز به العهد الجديد في ظل القيادة الرشيدة للملك محمد السادس نصره الله الذي ما فتئ يولي عناية فائقة من خلال توجيهاته السديدة للإدارة باحترام أحكام السلطة القضائية المستقلة، والتي أكد جلالة الملك في خطابه بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2010-2011 على أنها "بقدر ما هي مستقلة عن الجهازين التشريعي والتنفيذي، فإنها جزء لا يتجزأ من سلطة الدولة، فالقضاء مؤتمن على سمو دستور المملكة، وسيادة قوانينها، وحماية حقوق والتزامات المواطنة".
لقد أصبح ممثل الإدارة امام القضاء الإداري اليوم، وفي ظل الدستور الجديد، مطالب أكثر من أي وقت مضى بأن يتسم بخصوصيات تميزه عن باقي الأطر الإدارية داخل المرفق العام الإداري، فبالإضافة إلى الشرف والنزاهة والقدوة في احترام القانون، لا بد من توفر الكفاءة القانونية الضرورية التي تمكنه من الدفاع عن مصالح الإدارة بكل جدارة واقتدار حتى يتسنى له الدفاع والحفاظ على المال العام المخصص صرفه للنفع العام، وحتى يمكنه أيضا حماية الإدارة عموما، والآمر بالصرف خصوصا من تبعات أخطاء موظفيه والتي قد تنعكس على سمعة ومالية الإدارة، فتعرقل لها مشاريعها المبرمجة، فتحرج رئيسها امام المرتفقين نتيجة إلغاء المشاريع الموعود بها، وقد تصيبه في ماله الخاص في حال تماطل الإدارة أو امتناعها عن تنفيذ احكام القضاء الصادرة ضدها، فتصبح ملزمة بالتنفيذ تحت طائلة الغرامة التهديدية، وهذا هو المفهوم الجديد أو الوجه الاخر للحكامة الجيدة، الذي لم يعد يتوقف عند ضرورة التزام المسؤول الإداري بكل ما تفرضه عليه القوانين فحسب، بل ان مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يذهب الى أبعد من ذلك، فيسائل رجل الإدارة المسؤول عن الاداء في علاقته بالمردودية والنتائج المحققة، لأن منصب المسؤولية هو منصب غير وظيفي، بل تعاقدي يروم دعم أسس الحكامة الإدارية المرتكزة على التعاقد والمسؤولية والشفافية، فلم يعد المسؤول يعاقب ويحاسب على الغش او خرق القانون فحسب، بل على الأداء والاثر، أما احترام القانون فقد صار من البديهيات، على اعتبار ان ممثل الإدارة الذي تولى في إطار مسؤوليته الدفاع عنها، عليه ان يبين للإدارة عواقب امتناعها عن تنفيذ قوة الشيء المقضي به، وكل الأخطار التي تتهددها بسبب ذلك الامتناع، من حجز لأموالها لدى الغير كما نص على ذلك الفصل 488 من قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون 90- 41، فقد جاء في قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 204 بتاريخ 23/04/2007 ملف عدد 20/07/2) "فإذا كان لا يجوز الحجز على أموال المؤسسة العمومية فلكونها مليئة الذمة ولا يخشى إعسارها وليس لكون أموالها أموالا عمومية مادام لا يوجد أي نص قانوني يمنع حجزها، ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر، فإن ملاءة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لفائدته، وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة العمومية نظرا لصبغة الإلزام التي تفرضها بحكم القانون الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ مادام هذا الحجز لا تأثير له على السير العادي للمرفق."
كما يمكن أن تفرض غرامة تهديدية على الإدارة او ممثلها الممتنع، حيث بالرجوع إلى قانون المسطرة المدنية المحال عليه بموجب المادة 7 من القانون 90-41 نجده ينص في الباب الثالث المتعلق بالقواعد العامة للتنفيذ من خلال الفصل 448 على الغرامة التهديدية كوسيلة من وسائل إجبار المحكوم عليه على التنفيذ في غياب أي نص قانوني يستثني الإدارة من هاته الوسيلة، حيث نص على ما يلي " إذا رفض المنفذ عليه أداء التزام بعمل أو خالف التزاما بالامتناع عن عمل، أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره، وأخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية. وقد كرسه القضاء الإداري المغربي في أكثر من حكم وقرار، نذكر اخره الذي اطلعنا عليه وهو حكم مبدئي قضى بتصفية ثلاث غرامات تهديدية ضد الإدارة لامتناعها عن تنفيذ قوة الشيء المقضي به، حكم رقم: 4184 بتاريـخ: 03/10/2018 ملف رقم: 1218/7112/2018 مكرسا بذلك اجتهادا قضائيا جاء فيه " تعدد رفع دعاوى تصفية الغرامة التهديدية عن مراحل مختلفة ليس فيه استباحة للمال العام من قبل المقاولة المدعية، مادامت الجهة المدعى عليها مستمرة في الامتناع عن تنفيذ الحكم النهائي الصادر في مواجهتها منذ سنة 2011"
يكشف هذا الحكم من جهة عن استمرار ظاهرة مماطلة الادارة في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها. كما يكشف من جهة ثانية عن ضعف ممثلها القانوني مما تسبب في صدور قرارات لا تحترم القانون ولا تحترم أحكام القضاء، مما يسبب هدرا وتسربا للمال العام فيصرف في غير ما رصد له، وهو ما يستدعى استحضار قواعد الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.
وفي هذا الاتجاه المتعلق بالحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة كما نص عليها الدستور المغربي لسنة 2011، جاء الحكم الحديث للمحكمة الإدارية المذكور أعلاه موجها ومنذرا في احدى حيثياته لدفاع وممثل الإدارة، حيث أشار في تعليله، بخصوص الدفع الثاني المتعلق بالمساس بحماية المال العام والإثراء بلا سبب "فمن باب أولى وبدل ركون نائب الجهة المدعى عليها إلى وسائل الدفاع غير المرتكزة على أسس واقعية وقانونية سليمة تعكس محاولة يائسة من الجهة المدعى عليها بواسطة نائبها التخفي وعدم مناقشة الأسباب القمينة والحائلة دون تنفيذ حكم حائز للقوة الشيء المقضي به وتعجز عن الإدلاء بما يثبت رفع اليد عن الضمان المؤقت موضوع الامتناع المرتبطة بعقد الصفقة عدد 335-04 ، فقد كان على نائبها تفعيل دور الدفاع الحقيقي على الإدارات العمومية المتمثل في تطبيق القانون وحماية مصالح منوبه وذلك بتوصيته القانونية لرفع اليد عن الضمان المؤقت وتنفيذ حكم قضائي نهائي، وذلك لإيقاف النزيف المستمر لتصفية الغرامات التهديدية في مواجهة الإدارة و وللحيلولة دون المساس بالمال العام الثابت من ملف الدعوى والذي لم يكن بالقاطع بسبب المقاولة ولا بسبب الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية بالرباط وإنما كان بسبب الامتناع الصريح للمركز الاستشفائي ابن سينا في شخص ممثله القانوني أو من ينوب عنه تنفيذ حكم النهائي لمدة تزيد عن سبع (7) سنوات..."
هكذا وكما هو ملاحظ، فإن القاضي الإداري رغم الفراغ التشريعي لم يبق مكتوف الأيدي، أمام استفحال ظاهرة امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، بل انطلاقا من دور القضاء الإداري كقانون قضائي يسعى إلى خلق القاعدة القانونية، وتكريسا لدوره الخلاق والمبتــكر وانطلاقا من التفسير الواسع لأحكام المادة 7 من القانون 90-41 الذي ينص على تطبيق قواعد المسطرة المدنية ما لم يوجد نص مخالف، اهتدى القاضي الإداري إلى بعض الوسائل المنصوص عليها بقانون المسطرة المدنية لحمل الإدارة على تنفيذ الأحكام الإدارية الصادرة ضدها كالغرامة التهديدية والحجز علاوة على وسيلتين أخريتين غير منصوص عليهما قانونا، ويتعلق الأمر بالتنفيذ التلقائي ضد الإدارة في الحالة التي لا يستلزم تنفيذ الحكم أي تدخل من جانبها والمساءلة الشخصية للمسؤول الإداري الرافض لتنفيذ الحكم المكتسب لقوة الشيء المقضي به.[14]
إذن فحتى ولو كان القانون ميتا وغير مسعف أحيانا، فإن القضاء عموما والقضاء الإداري على وجه الخصوص يبقى قضاء حيا باجتهاداته المبدعة، ما دام القصد والغاية هو تحقيق العدالة. ففي اواخر سنة 2014 أسس رئيس المحكمة الادارية بالرباط لاجتهاد قضائي جديد باعتماد آليات التنفيذ الجبري في مرحلة تنفيذ الأحكام القضائية، وذلك بإقرار مسطرة قانونية خاصة اعتمدت على الحجز على الموارد المالية للإدارات العمومية الصادرة في مواجهتها أحكام قضائية، وذلك مباشرة من الخزينة العامة قبل تحويلها الى ميزانيتها، حيث جاء في هذا الأمر الرئاسي: "أموال المؤسسات العمومية وشبه العمومية المودعة لدى المؤسسات المالية ترصد عادة لتسديد ديونها، ...والتعويضات المحكوم بها عليها، وبالتالي يجوز الحجز عليها".[15]
إن الإدارة الحديثة لم تعد تستمد قوتها وهيبتها من سلطاتها، بقدر ما تحقق ذلك من مدى كفاءتها في قيامها بواجبها، والالتزام بتعهداتها تجاه مرتفقيها، والمتعاقدين معها، ترسيخا لقيم ومبادئ الشفافية والنزاهة على مستوى الممارسة الإدارية لتقوية روابط الثقة بين الإدارة والمجتمع، في ظل المشروعية واحترام سمو القانون، من خلال احترام القضاء بتنفيذ قوة الشيء المقضي به.
خاتمة
في خاتمة هذا المقال، اعتقد ان إشكالية تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة ضد الإدارة ستظل قائمة ما لم يتم الوقاية من مسبباتها إداريا، قبل الانتقال الى معالجتها تشريعيا وقضائيا.
فعلى المستوى الإداري ولأجل الوقاية، لابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات المتصلة بالحكامة الجيدة على مستوى الإدارات، من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، مع التكوين المستمر لموظفي الإدارة وممثليها أمام القضاء، في إطار تكريس الاحترام التام لمبدأ المشروعية، حتى تتم معالجة الملفات الإدارية من ذوي الكفاءة العالية، لتجنب الوقوع في الأخطاء الادارية المفضية الى قيام النزاع أمام المحاكم، مما يترتب عنه من جهة، هدر للزمن الإداري حيت تنشغل الإدارة بالدعاوى المرفوعة ضدها، ومن جهة أخرى هدر للمال العام بحيث يصرف في غير ما خصص له.
وعلى المستوى التشريعي والقضائي، ولأجل سمو القانون وتكريسا لمبدأ الشرعية، وحتى يتسنى ربط مبدأ المسؤولية بالمحاسبة لابد من:
- اعتبار الامتناع عن التنفيذ فعلا جرميا يعاقب عليه طبقا للقانون الجنائي مع ملاءمة قواعد المسطرة المدنية مع القانون الجنائي[16] .
- إقرار المسؤولية الشخصية للموظف الممتنع على التنفيذ بدون مبرر، إذ يجب أن يكون الأصل في هذا الشأن هو الخطأ الشخصي للموظف المعرقل لعملية التنفيذ الممتنع عن التنفيذ بدون مبرر مما يترتب على ذلك من مسائلته عن ذلك في ماله الخاص، ذلك إذا أحس الموظف أنه يسأل عن الأضرار الناتجة عن عدم التنفيذ في ماله الخاص مما يترتب على ذلك من حجزه وبيعه سوف يبادر إلى التنفيذ عوض أن يعرقله.
- اعتبار تنفيذ الحكم جزء لا يتجزأ من المنازعة القضائية الإدارية، وبالتالي فإن القاضي الإداري مدعو الى الوقوف والسهر على تمكين المحكوم له لقوة الشيء المقضي به.
- وجوب امتثال الإدارة لقوة الشيء المقضي به، تحت طائلة اخضاعها لطرق التنفيذ الجبري المتوافقة مع طبيعتها[17] ...
لائحة المصادر والمراجع:
- الدستور الجديد للمملكة المغربية صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011.
- ذ محمد قصري "الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكام القضاء الإداري" مقال منشور على مقع المكتبة القانونية العربية http://www.bibliotdroit.com/2017/11/blog-post_19.html? m=1
- ذ. محمد الصقلي حسيني في مقاله "التوجهات الدستورية في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية وآفاق تطبيقها" على موقع المكتبة القانونية العربية https://www.bibliotdroit.com/2017/01/blog- post_80.html
- ليلى الزين "عدم تنفيذ قرارات المحكمة الادارية...محظور أملته حالة الضرورة "مقال منشور بتاريخ 24-02-2016 على موقع: http://legal-agenda.com/article.php? id=1432
- د. محمد الهيني "تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب: أحكام رائدة وأبواب دستورية" مقال منشور بتاريخ 02-10-2016 على موقع المفكرة القانونية http://legal-agenda.com/article.php? id=3203
- ذ الزكراوي محمد "تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الإدارية بين قوة القانون وقانون القوة" على موقع http://aljami3a.com/833
- محمد اليعقوبي "تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة" محاضرة لطلبة ماستر قانون المنازعات العمومية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس سنة 2010.
- عماد غايري مقال بعنوان تنفيذ أحكام وقرارات القضاء الإداري في تونس بتاريخ 10-12-2018 على الموقع: http://legal-agenda.com/article.php?id=5121.
- مجلة وسيط المملكة المغربية العدد 1 ـأبريل 2004 ص 110
- المفكرة القانونية 2017-01-09 "ابتكار لحل إشكالية تنفيذ الاحكام الصادرة ضد الدولة: مهلة سماح ستة أشهر بموجب اتفاق قضائي حكومي" على الموقع: http://legal-agenda.com/article.php?id=3353
[1] ذ. محمد الصقلي حسيني في مقاله "التوجهات الدستورية في مجال تنفيذ الأحكام الإدارية وآفاق تطبيقها" على موقع المكتبة القانونية العربية https://www.bibliotdroit.com/2017/01/blog-post_80.html
[2] ليلى الزين "عدم تنفيذ قرارات المحكمة الادارية...محظور أملته حالة الضرورة "مقال منشور بتاريخ 24-02-2016 على موقع
http://legal-agenda.com/article.php?id=1432
[3] د. محمد الهيني "تنفيذ الأحكام الإدارية بالمغرب: أحكام رائدة وأبواب دستورية" مقال منشور بتاريخ 02-10- 2016 على موقع المفكرة القانونية http://legal-agenda.com/article.php?id=3203
[4] ذ الزكراوي محمد "تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية الإدارية بين قوة القانون وقانون القوة" على موقع http://aljami3a.com/833
[5] ذ محمد قصري "الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكام القضاء الإداري" مقال منشور على مقع المكتبة القانونية العربية http://www.bibliotdroit.com/2017/11/blog-post_19.html? m=1
ظهير شريف رقم 83-96-1 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 بتنفيذ القانون رقم 95-15 المتعلق بمدونة التجارة (ج. ر. بتاريخ 19 جمادى الأولى 1417 -3 أكتوبر 1996 [6]
محمد قصري مرجع سابق[7]
[8] محمد اليعقوبي "تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة" محاضرة لطلبة ماستر قانون المنازعات العمومية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس سنة 2010.
[9] عماد غايري مقال بعنوان تنفيذ أحكام وقرارات القضاء الإداري في تونس بتاريخ 10-12-2018 على الموقع http://legal-agenda.com/article.php?id=5121
نفس المرجع السابق[10]
[11] ذ الزكراوي محمد مرجع سابق.
[12] مجلة وسيط المملكة المغربية العدد 1 ـأبريل 2004 ص 110
[13] محمد اليعقوبي مرجع سابق.
[14] ذ محمد قصري "الغرامة التهديدية كوسيلة لإجبار الإدارة على تنفيذ أحكام القضاء الإداري" مقال منشور على مقع المكتبة القانونية العربية http://www.bibliotdroit.com/2017/11/blog-post_19.html? m=1
[15] المفكرة القانونية 2017-01-09 "ابتكار لحل إشكالية تنفيذ الاحكام الصادرة ضد الدولة: مهلة سماح ستة أشهر بموجب اتفاق قضائي حكومي" على الموقع: http://legal-agenda.com/article.php?id=3353
ذ محمد قصري مرجع سابق. [16]
ذ محمد صقلي حسيني مرجع سابق.[17]